في هذا المقال، سنبحثُ في حكمِ صلاةِ الجمعة وفضلِها، وشروطِ صحَّتِها، وكيفيَّة أدائها، والآداب الواجب علينا مُراعاتها عند حضورها.
حكم صلاة الجمعة:
صلاةُ الجمعة فرضُ عينٍ على كلِّ مسلمٍ بالغٍ عاقلٍ حرٍّ مُقيمٍ في بلدٍ تقام فيه صلاة الجمعة، إذ اتَّفقَ جمهورُ العلماء على ذلك.
من أبرز شروط وجوب صلاة الجمعة:
- الإسلام: فلا تجبُ على الكافرِ.
- الحريَّة: فلا تجبُ على العبدِ.
- البلوغ: فلا تجبُ على الصَّغير.
- العقل: فلا تجبُ على المجنون.
- الإقامة: فلا تجبُ على المُسافِر.
- الذُكورة: فلا تجبُ على النِّساء.
- العدد: يُشترَطُ لصحَّةِ صلاة الجُمعة حضورَ أربعين رجلاً على الأقلِّ، ذكوراً أحراراً مقيمين.
- المكان: يُشترَطُ أن تُقامَ في مكانٍ عامٍّ معيَّنٍ، كالمَسجِد الجامِع.
- الإذن: يشترط أن تُقامَ الجمعة بإذنٍ من الحاكم أو مَن يُنيبه.
لكن ثمة أعذارٌ لسقوط وجوب صلاة الجمعة، ولعلَّ أبرزها:
- المرَض: لا تجبُ صلاة الجمعة على من كان مريضاً لا يستطيع الحضور.
- الخوف: لا تجبُ صلاة الجمعة على من كان خائفاً من عدوٍّ أو لصٍّ.
- المسافة: لا تجبُ صلاة الجمعة على من كان بعيداً عن مكان إقامتهامسافة تقدر بثلاثة أميال (حوالي 4.8 كيلومتر).
- المطر الشديد: لا تجبُ على مَن يصعب عليهالحضور بسبب المطر الشديد.
- العمل الذي لا يمكن تأخيره: مَن كان يعملُ عملاً لا يمكنُ تأخيره فلا تجبُ عليه الجمعة.
من لم يستطِع حضورَ صلاة الجمعة لأحدِ الأعذارِ المذكورة آنفاً؛ فعليه أن يصليَ ظهراً أربعَ ركعات، ويُستحسنُ في يوم الجمعة أن تقرأَ سورةَ الكهف لما في ذلك من أجر كبير عند الله؛ لذا لا بُدَّ من التعرُّفِ إلى فضل قراءة سورة الكهف يوم الجمعة.
فضائل صلاة الجمعة:
يُعدُّ يوم الجمعة يوماً مُباركاً عند المسلمين، فقد حَباهُ الله تعالى مكانةً عظيمةً في قلوبهم، فهو يومُ العيدِ الأسبوعيِّ الذي يجتمعون فيه لِلصَّلاة والتضرُّعِ والدُّعاء، وهو يومٌ تُكفَّرُ فيه الذنوب، وتُجابُ الدعوات، وتُقوَّى القلوب، وتُثبَّتُ على الإيمان؛ لذا لا بُدَّ من التعرُّف إلى أهمية دعاء يوم الجمعة وفضله.
لِصلاة الجمعة فضائلٌ جمَّةٌ، أهمها:
1. واجبةٌ على كلِّ مسلمٍ بالغٍ عاقلٍ:
فرضَها الله تعالى على عبادِه المؤمنين، وجعلَها فريضةً أُسبوعيَّةً لا يجوزُ التخلُّف عنها إلا لعذرٍ شرعيٍّ.
2. تُكفِّر الذنوب ما بينها وبين الجمعة التي قبلها:
هذا من أعظمِ فضائلِ صلاة الجمعة، فمَن حرصَ على أدائها مع مراعاة شروطها وآدابها غفرَ الله له ذنوبه ما بين الجُمعتين مع زيادةِ ثلاثة أيَّام.
3. تَغفرُ لمن حضرَها ما بينها وبين الجمعة التي قبلها مع زيادة ثلاثة أيام:
هذا فضلٌ عظيمٌ يُشجِّعُ على الحرص على حضور صلاة الجمعة، ففيها ساعةٌ لا يَسألُ العبدُ ربَّهُ شيئاً إلا أعطاهُ إيَّاهُ.
4. هي عيدٌ للمسلمين:
يجتمعُ المسلمون يوم الجمعة، ويتعارَفون ويتعلَّمون من بعضِهم، ويتبادَلون التَّهاني والتَّبريكات، ويُجدِّدون إيمانهم، ويُقوُّون صلتهم ببعضهم وبربهم.
5. تُقوِّي قلوب المسلمين وتُثبِّتها على الإيمان:
في خطبة الجمعة موعظةٌ وتذكيرٌ يُقوِّيان إيمان المسلم، ويُثبِّتانه على الحقِّ ويُحذِّرانه من الباطل.
6. فيها ساعةٌ لا يَسألُ العبدُ ربَّهُ شيئاً إلا أعطاهُ إيَّاهُ:
مَن أدركَ هذه السَّاعة، وسألَ اللهَ تعالى فيها حاجته، قضاها اللهُ له بإذنه تعالى.
7. ملائكةٌ يكتبون أسماءَ من حضرَها من أوَّل الوقت:
المسارعةُ إلى صلاة الجمعة لها فضلٌ عظيمٌ، فكلَّما بكَّرَ المسلم ازدادَ أجرَه.
8. تُباهي ملائكةُ السماءِ ملائكةَ الأرضِ بمن حضرَها:
في ذلك دلالةٌ على عِظَمِ قدرها ومكانتِها عند الله تعالى.
9. تُختمُ فيها الصلاةُ بدعاءٍ مُستجابٍ:
ليحرصَ المسلمُ على الدُّعاء بعد صلاة الجمعة؛ ففي ذلك الوقت فرصةٌ عظيمةٌ لتحقيق أمنياته.
10. يخرجُ منها المسلمُ وقد غفرَ اللهُ له ذنوبه:
مَن حرصَ على أدائها مع مراعاةِ شروطِها وآدابِها، نالَ مغفرةً من الله تعالى.
11. يُقوِّي المسلمون صلتهم بربِّهم في صلاة الجمعة:
يتضرَّع المسلمون لله - سبحانه وتعالى - في صلاة الجمعة، ويُناجونَهُ ويُخاطبونَهُ، ويُجدِّدون عهدهم بالإيمان به، والالتزام بأوامره ونواهيه.
12. تُقوِّي أواصرَ الأُخوَّةِ والتَّضامنِ بين المسلمين:
يجتمعُ المسلمون في صلاة الجمعة، ويتعارفون ويتبادلون مشاعرَ الحبِّ والمودَّةِ والتَّعاونِ.
13. تُذكِّرُ المسلمينَ بيومِ القيامةِ:
في خطبة الجمعة موعظةٌ تُذكِّرُ المسلمينَ بيومِ الحسابِ، وتُحضِّرُهم للقاءِ الله تعالى.
14. تُعلِّمُ المسلمينَ أمورَ دينهم:
يُبيِّنُ الخطيبُ في خطبة الجمعة أحكامَ الشريعةِ الإسلاميةِ وأخلاقَها، ويُرشدُ المُسلمين إلى الصِّراطِ المستقيم.
15. تحثُّ المسلمينَ على فعلِ الخيراتِ:
في خطبة الجمعة حثٌّ على الصدقةِ، وتقديمِ العونِ إلى المُحتاجينِ، وإصلاحِ ذاتِ البينِ، ونشرِ الإسلامِ والفضيلةِ.
16. تُقوِّي روحَ الانتماءِ للمجتمعِ الإسلاميِّ:
يشعرُ المسلمُ فيها بأنَّه جزءٌ من أمَّةٍ واحدةٍ لها عقيدتُها ومبادئُها وأهدافُها.
17. تُساهمُ في حلِّ مشكلاتِ المجتمعِ الإسلاميِّ:
في خطبة الجمعة فرصةٌ لطرحِ مشكلاتِ المجتمعِ، ومناقشتِها وإيجادِ الحلولِ لها.
18. تُعدُّ فرصةً لنشرِ الوعيِ والثَّقافةِ الإسلاميَّةِ:
يُمكنُ للخطيبِ في خُطبة الجمعة أن يُثقِّفَ المسلمينَ بأمورِ دينهم ودنياهم، وأن يُصحِّحَ المفاهيمَ الخاطئةََ، ويُحذِّرَ من البِدعِ والضَّلالاتِ.
19. تُعدُّ فرصةً للتأمُّلِ والتَّفكيرِ في عظمةِ الله تعالى:
يُمكنُ للمسلمِ في صلاة الجمعة وخُطبتها أن يتأمَّلَ عظمةَ الله تعالى وقدرتَه، وأن يُفكِّرَ في عِظَمِ خلقه.
20. تُعدُّ فرصة للدُّعاءِ والتضرُّعِ إلى الله تعالى:
يُمكنُ للمسلمِ في صلاة الجمعة وخُطبتها أن يدعوَ الله تعالى، ويُناجيَهُ، ويطلبَ منهُ حاجتَه.
إنَّ صلاةَ الجمعة واجبةٌ على كلِّ مُسلمٍ بالغٍ عاقلٍ، ولها فضائلُ عظيمةٌ تُثري حياةَ المسلمِ، وتُقوِّي إيمانَهُ وتُصلحُهُ، فليحرص المسلمونَ على أدائها مع مراعاةِ شروطها وآدابها؛ ليَنالوا ثوابَها العظيمَ، ويُحقِّقوا أهدافَها السَّاميةَ.
صلاة الجمعة للنساء:
صلاةُ الجمعة مستحبَّةٌ عند النساءِ، ولكِنْ فيها إكراهٌ إن كانت في المسجدِ؛ لذا يجب الانتباه إلى بعض النِّقاط:
1. لا تجبُ صلاةُ الجمعة على المرأة:
اتَّفق جمهور الفقهاء على أنَّ صلاة الجمعة ليست واجبة على المرأة، بل هي فرضٌ على الرجال الأحرار المقيمين فقط.
2. حضورُ المرأة صلاة الجمعة من السُّنَّة:
يُستحَبُّ للمرأةِ المسلمةِ حضورَ صلاة الجمعة، والاستماعِ إلى الخطبة، والصَّلاة مع الجماعة.
3. إذا صلَّتْ المرأة الجمعة أجزأَتها عن صلاة الظهر:
إذا حضرت المرأة صلاة الجمعة مع الجماعة، أجزأتها عن صلاة الظهر، ولا يلزمُ عليها قضاءَها.
حكم صلاة الجمعة للمسافر:
لا تجبُ صلاة الجمعة على المُسافِر؛ هذا هو الرأي المُرجَّح عند جمهور الفقهاء، استناداً إلى أحاديث نبوية صحيحة، منها: عن ابن عباسٍ رضيَ الله عنهما قالَ: قالَ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: "لا جمعة على مسافرٍ إلَّا أن ينويَ المقامَ أربعةَ أيَّام" (رواه الترمذي وصححه).
يُخيَّرُ المُسافر بين صلاةِ الجمعة قصراً (ركعتين) أو صلاةِ الظهر أربعاً، فإن صلَّى الجمعة أجزأته عن الظهر، وإن صلَّى الظهر أجزأته أيضاً.
وقت صلاة الجمعة:
يختلفُ موعدُ صلاةِ الجمعة في الدُّول العربيَّة باختلاف موقعِ كل دولة، وذلك لأنَّ أوقات الصلاة تُحسَبُ وفقاً لموقعِ الشَّمس بالنسبةِ إلى الأفُق، وبشكلٍ عام، يبدأُ وقت صلاة الجمعة في الدُّول العربية عند دخول وقتِ صلاة الظهر، وينتهي عند غروبِ الشَّمسِ.
كيفيَّة إقامة صلاة الجمعة:
- يذهبُ المسلمُ إلى المسجدِ قبل دخولِ وقت صلاة الجمعة.
- يتوضَّأ المسلمُ وضوءاً صحيحاً.
- يدخلُ المسلمُ المسجدَ ويصلِّي تحيَّة المسجدِ ركعتين.
- يجلسُ المسلمُ مُستمِعاً إلى الخُطبة.
- إذا انتهى الخطيبُ من الخُطبة، يقيمُ المؤذِّن الأذانَ الأوَّلَ.
- يصعدُ الخطيبُ على المنَبر مرَّةً أخرى، ويخطبُ خطبةً قصيرةً.
- إذا انتهى الخطيبُ من الخُطبة الثانية، يقيمُ المؤذِّنُ الأذانَ الثاني.
- يقومُ المُصلُّون إلى الصَّلاة.
- يُصلِّي المُصلُّون مع الإمام ركعتين قصيرتين.
- يُسلِّم المُصلُّون بعد الصَّلاة.
سننُ صلاة الجمعة:
- الاغتسالُ يوم الجمعة.
- التطيُّب يوم الجمعة.
- لبسُ أجمل الثياب.
- المشي إلى المسجد.
- المُسارَعة إلى المسجد يوم الجمعة.
- الدُّخول إلى المسجد باليُمنى، والخروج منه باليُسرى.
- التَّكبير عندَ الدُّخول إلى المسجد.
- قراءة سورة الكهف يوم الجمعة.
- الصَّلاة على النبيِّ محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم بعد قراءة سورة الكهف.
- الدُّعاء للمسلمين في خطبة الجمعة.
- الصَّلاة بعد صلاة الجمعة أربع ركعات.
في الختام:
إنَّ صلاةَ الجمعة فريضةٌ واجبةٌ على كلِّ مُسلمٍ بالغٍ، عاقلٍ، حُرٍّ، مُقيمٍ، قادرٍ على أدائها، ولا يجوز تركها دون عذرٍ شرعيٍّ، وقد حثَّ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم على المحافظة على صلاة الجمعة، وبيَّن فضلَها العظيم، ففي "صحيح مسلم" عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "خيرُ يوم طلعَت عليه الشَّمس يومُ الجمعة، فيه خُلِق آدم، وفيه قُبِض، وفيه النَّفخة، وفيه الصَّعقة، فأكثِروا عليَّ من الصلاة فيه، فإنَّ صَلاتكم معروضةٌ عليَّ".
أضف تعليقاً