هذا الأمر يُعَدُّ مثيراً للدهشة في ثقافةٍ تنظر إلى العمل الجاد بوصفه تذكرة العبور إلى الحياة السعيدة، ففي نوعٍ نادر من الدراسات التي تستمر فترةً طويلة، نجحَت "دراسة جامعة هارفارد لتطور الأشخاص البالغين" في تعقّب حياة 724 شخصاً مدة 79 عاماً. حيث قُسِّمَ الأشخاص إلى مجموعتين، الأولى تضم طلاب السنة الثانية في كلية هارفارد في حين تضم الثانية أطفالاً من أفقر أحياء مدينة بوسطن. فأُجريَت الدراسات عليهم منذ الوقت الذي كانوا فيه مراهقين وحتى بلوغهم سن الشيخوخة لتحديد الأمور التي تجعل الناس سعداء وبصحةٍ جيدة.
وفي كل عام كان الباحثون يستقصون أعمالهم، وحياتهم، وصحّتهم من دون أن يعلموا كيف يكون من الممكن أن يُكتبَ لقصصهم النجاح، فتبيَّن أنَّ ازدهار الحياة مرهونٌ بالروابط الوثيقة مع العائلة، والأصدقاء، والمجتمع ولا علاقة له بالشهرة، أو المال، أو الطبقة الاجتماعية، أو معدل الذكاء، أو المورِّثات، إلخ.
إذ يقول "د. روبيرت والدينغر" (Robert Waldinger) أحد المشرفين الأربعة على الدراسة، إِنَّ علاقاتنا تؤثر تأثيراً قوياً في صحتنا:
وكشف النقاب كذلك عن الدروس التي تم استخلاصها من الدراسة:
الروابط الاجتماعية مفيدة لنا والوحدة قاتلةً بالفعل:
فبينما يصف الوحدة بأنَّها سامة يقول "والدينغر" إِنَّ الروابط الاجتماعية تجعل الناس أكثر سعادةً وصحة وتدفعهم إلى العيش مدةً أطول. ويقول من ناحيةٍ أخرى أيضاً:
"لقد وُجِدَ أنَّ الأشخاص الأكثر عزلةً عن الآخرين أقل سعادةً، وأنَّ صحتهم تتدهور في منتصف العمر، وتتراجع وظائفهم الدماغية بشكلٍ أسرع، ويعيشون حياةً أطول من حياة الأشخاص الذين لا يعانون من الوحدة. والحقيقة المحزنة هي أنَّ أكثر من خُمْس الأمريكيين يشيرون دائماً إلى أنَّهم وحيدون".
ومع انتشار الشركات وسماحها للموظفين بالعمل عن بعد يبدو من المهم التأكُّد من أن تبقى الروابط قائمة بين الفرق، حيث يمكن لأدوات التعاون كـ "سلاك" (Slack) (وجميع منافسيه) و"سيسكو سبارك" (Cisco Spark) أن تكون ضروريةً للحدّ من العزلة.
اقرأ أيضاً: نصائح لتأسيس وبناء علاقات اجتماعيَّة ناجحة
المهم هو نوعية العلاقات الوثيقة:
من المهم تركيز الاهتمام على نوعية الصداقات بدلاً من تركيزه على كميتها، فالعيش وسط النزاعات يؤثر في صحّتنا. إذ إنَّ حالات الزواج التي تشهد نزاعاتٍ شديدة تؤثر سلباً في صحتنا أكثر من الطلاق ربما. أمَّا العلاقات الدافئة والمخلصة فتُعد سبيلاً للوقاية من تلك التأثيرات.
إذ قال "والدينغر" إنَّه كان في إمكانهم أن يعرفوا الأشخاص الذين سيعيشون حياةً صحيةً وسعيدة حينما يبلغون الثمانين من عمرهم من خلال مراقبتهم عند بلوغ منتصف العمر:
"حينما جمعنا كل ما نعرفه عنهم حينما كانوا في سن الـ 50 لم تكن نسب الكوليسترول هي التي تنبأت بحالهم عند بلوغ سن الشيخوخة، بل مدى شعورهم بالرضا عن العلاقات التي يعيشونها. فالأشخاص الذين كانوا أكثر شعوراً بالرضا في علاقاتهم في سن الـ 50 كانوا أكثرهم صحةً في سن الـ 80".
فالتوتر بين الزملاء في مكان العمل وبين الرؤساء والمرؤوسين يمكن أن يؤدي إلى الوصول إلى مستويات مؤذية من الضغط بين الموظفين. فمن المهم إنشاء بيئة تشجع الانفتاح على الحوار والمزاح مما يتيح المجال لبناء الصداقات.
اقرأ أيضاً: سر السعادة الحقيقية في ثلاث خطوات
العلاقات الجيّدة تحمي أدمغتنا وليس أجسادنا فقط:
وجدت الدراسة أنَّ الارتباط بعلاقةٍ في سن الثمانين يُعَدّ سبيلاً للوقاية فأشخاصٌ كهؤلاء يكون لديهم ذاكرة أحد في حين أنَّ الأشخاص الذين يعيشون علاقاتٍ لا يستطيعون فيها الاعتماد على الطرف الآخر بشكلٍ فعلي عانوا من هبوطٍ تدريجي في القدرة على التذكر.
ويقول "والدينغر" إِنَّ الدخول في جدالات لا يؤثر في الذاكرة طالما أنَّ الزوجين الثمانينيَّين يعلمان أنَّ في إمكانها الاعتماد على بعضهما بعضاً حينما تسوء الأمور. واختتم "والدينغر" كلامه قائلاً: "إنَّ الحياة الجيدة تُبنى بالعلاقات الجيدة".
إنَّ الأمر نفسه يمكن أن ينطبق على العلاقة بين المدير والموظف، فعلى الرغم من أنَّ الصداقة خارج المكتب لا تُعَدُّ أمراً ضرورياً إلَّا أنَّ الموظفين الأكثر سعادةً يشعرون بالأمان ويعلمون أنَّ رؤساءهم سيقفون دائماً خلفهم والعكس صحيح.
أضف تعليقاً