انضم إلينا في مقالنا هذا لتكتشف فوائد العلاج بالروائح وتأثيره الإيجابي في الصحة الجسدية والنفسية، وسنتحدث أيضاً عن كيفية اختيار الزيوت الأساسية المناسبة، وطرائق استخدامها بطرائق آمنة وفعَّالة، كما سنُلقي نظرة على بعض الزيوت الأكثر شيوعاً، مثل زيت اللافندر وزيت النعناع، ونستكشف كيف يمكن لكل منها أن يُحسِّن جودة حياتنا.
العلاج بالروائح
العلاج بالروائح العطرية هو استخدام الزيوت العطرية أو الأساسية المستخرَجة من النباتات، كما يعدُّ أحد أساليب الطب البديل الفعَّالة في تقليل أعراض التوتر وتعزيز الحالة الذهنية للفرد، وهذا الاستخدام ليس جديداً؛ بل يمتد خلال التاريخ، واعتمدت عليه حضارات قديمة مثل مصر واليونان وروما والهند والصين.
لقد عزَّز العالِم الطبيب ابن سينا هذه المعرفة من خلال رسم مخطط دقيق لجهاز تقطير الزيوت في كتابه، وهذا سلَّط الضوء على دور الزيوت العطرية في الشفاء، وبهذا أصبحت مناطق الحضارة الإسلامية، لا سيَّما إيران وسوريا، مراكز رائدة في إنتاج المستخلصات العطرية.
في عام 1928 صاغ الكيميائي الفرنسي غاتيفوسيه مصطلح "العلاج بالروائح" (Aromatherapy) بعد أن اكتشف بالصدفة الإمكانات العلاجية لهذه الزيوت، وفي أثناء عمله في متجر العطور الخاص بعائلته، شهِدَ على فعالية زيت الخزامى (اللافندر) في تسريع شفاء حروق شديدة في يده، ومنع ظهور الندبات، وهذه التجارب المبكِّرة ألهمت الكثيرين لاستكشاف فوائد العلاج بالروائح، وهذا جعله جزءاً لا يتجزأ من عوالم الصحة والعافية الحديثة.
تأثير الروائح العطرية في الجسم
يمكن أن يؤثر العلاج بالروائح العطرية في جسم الإنسان بطرائق متعددة وفعَّالة، ومن ذلك:
- تصل الروائح العطرية اللطيفة من الزيوت الأساسية إلى الدماغ من خلال الأنف، وهذا يؤثر تأثيراً مباشراً في الحالة العاطفية والمزاجية، فمثلاً يُعرف زيت اللافندر بتأثيراته المهدِّئة التي تقلِّل التوتر وتعزِّز الاسترخاء الذهني.
- يمكن أن يمتص الجلد الزيوت العطرية، وهذا يحسِّن من صحة ومظهر البشرة، فالزيوت المستخدمة في زيوت التدليك أو منتجات العناية بالبشرة تتمتَّع بخصائص مرطِّبة ومضادة للالتهابات ومضادة للبكتيريا، فزيت شجرة الشاي مثلاً، يُستخدم لعلاج حبِّ الشباب، بينما يُعدُّ زيت البابونج مثالياً لتهدئة البشرة وتقليل تهيجها.
- يُستخدم العلاج بالروائح أيضاً من خلال الاستنشاق، فيمكن نثر الزيوت في الهواء باستخدام ناشرات الروائح أو آلات البخار، وهذا يمكن أن يُنقِّي هواء الغرفة، ويقتل الجراثيم، ويفتح الشعب الهوائية، وزيت النعناع مثلاً، يفتح المسالك الهوائية، بينما يُخفِّف زيت الأوكالبتوس من السعال.
- يجب ملاحظة أنَّ تأثيرات العلاج بالروائح تختلف وفقَ الحالة العاطفية لكل شخص واستجابته، فالرائحة التي قد تكون مريحة لشخص ما قد لا تؤثر بالطريقة نفسها في آخر، ومع ذلك، يُعدُّ العلاج بالروائح وسيلة فعَّالة عموماً لتعزيز الاسترخاء، وتقليل التوتر، وتحسين التوازن العاطفي.
كيف يُستخدم العلاج بالروائح؟
يُستخدم العلاج بالروائح العطرية استخداماً شائعاً من خلال تطبيق الزيوت العطرية بطرائق متنوعة:
- يمكن وضع الزيوت مباشرة على الجلد عن طريق إضافة بضع قطرات من الزيت العطري إلى زيت ناقل مثل زيت جوز الهند أو زيت اللوز، ويُستخدم هذا المزيج بوصفه زيتاً للتَّدليك، وهذا يساعد على ترطيب البشرة ويسمح لها بامتصاص الزيوت العطرية امتصاصاً فعَّالاً.
- يمكن إجراء العلاج من خلال استنشاق الزيوت العطرية، فتتوزَّع في الهواء باستخدام أجهزة التبخير أو ناشرات الروائح، ويسمح هذا الأسلوب للشخص باستنشاق البخار، وهذا يُمكِّن الزيوت من الوصول مباشرة إلى الرئتين والأعصاب من خلال الأنف، وهذا قد يؤثر إيجابياً في الحالة العاطفية والعقلية.
- يمكن استخدام الزيوت العطرية في مياه الاستحمام أو المستحضرات؛ بإضافة بضع قطرات من الزيت العطري إلى ماء الاستحمام أو إلى المستحضرات التي تحتوي على زيت ناقل، فيمتص الجلد هذه الزيوت، وهذا يُعزِّز من التأثيرات العطرية العلاجية.
- يلجأ بعض الأشخاص لتناول الزيوت العطرية داخلياً، ولكن يجب الحذر من أنَّ هذا الاستخدام قد يكون ضاراً، لذا يُنصح بالقيام بذلك تحت إشراف خبير فقط.
على الرغم من أنَّ العلاج بالروائح آمن، لكن من الضروري الانتباه لتركيزات الزيوت العطرية واستخدامها استخداماً صحيحاً، ويجب دائماً تخفيف الزيوت بزيت ناقل قبل وضعها على الجلد، مع مراعاة أية حساسية قد تكون لديك، ومن الأفضل استشارة أخصائي الرعاية الصحية قبل البدء في العلاج بالروائح، خاصة في حالات مثل الحمل أو بعض الحالات الصحية.
فوائد العلاج بالروائح
يقدِّم العلاج بالروائح العطرية فوائد متعددة، منها:
- تسكين الآلام الجسدية، فيمكن أن يساعد على تخفيف بعض الآلام المرتبطة بمشكلات صحية مثل حصى الكلى والفصال العظمي، ومن بين الزيوت العطرية، يُعدُّ زيت لبَّان الذكر فعالاً في مقاومة الآلام المزمنة.
- يحسِّن العلاج بالروائح العطرية الصحة النفسية، فهو يساعد على علاج التوتر باستخدام زيوت مثل اللافندر والنعناع، كما يخفِّف من أعراض الاكتئاب بفضل زيوت الياسمين والبابونج، ولتحسين المزاج ومقاومة مشاعر الغضب، يُنصح باستخدام زيت الليمون، كما يُعدُّ زيت اللافندر خياراً ممتازاً لمقاومة القلق وتهدئة الذهن، وهذا يعزِّز جودة الحياة للأشخاص المصابين بأمراض مزمنة مثل الخرف.
- يدعم العلاج بالروائح العطرية الجهاز المناعي، إذ تحتوي بعض الزيوت على خصائص مضادة للتَّجرثم، ومقاوِمة للفطريات والبكتيريا، فمن بين الزيوت التي تعزِّز المناعة زيت القرفة وزيت الأوريغانو، وهذا يساعد على وقاية الجسم من الأمراض والالتهابات.
- يقدِّم العلاج بالروائح فوائد إضافية، منها تخفيف المضاعفات الجانبية لبعض علاجات السرطان مثل الألم والغثيان، وتحسين صحة المرأة من خلال معالجة مشكلات الدورة الشهرية وسنِّ انقطاع الطمث.
- يمكن أن تساعد الروائح العطرية على مقاومة مشكلات جلدية مثل الثعلبة والصدفية، إضافة إلى فوائد أخرى تشمل مقاومة الأرق، وتخفيف مشكلات الدورة الدموية، وخفض ضغط الدم المرتفع، وتحسين الهضم، وتخفيف الصداع.
العلاج بالروائح والاكتئاب
أظهرت دراسة جديدة أنَّ العلاج بالروائح قد يؤدي دوراً فعَّالاً في مساعدة الأشخاص على التعافي من الاكتئاب، وذلك من خلال تحفيزهم على استعادة ذكريات معيَّنة، ففي هذه التجربة، أُشرِك 32 شخصاً بالغاً يعانون من اضطراب اكتئابي كبير، فاستنشقوا مجموعة من الروائح المألوفة مثل القهوة المطحونة والبرتقال، وقد أظهر الباحثون أنَّ الروائح تُثير ذكريات قوية وعاطفية بطرائق لا تستطيع المحفِّزات الأخرى تحقيقها.
كما أوضح "مايكل ليون"، الأستاذ الفخري في علم الأحياء العصبية والسلوك بجامعة كاليفورنيا إيرفين، أنَّ "الجهاز الشمي هو الجهاز الحسي الوحيد الذي يتصل مباشرة بمراكز الذاكرة والعواطف في الدماغ"، ووفقاً له، فإنَّ تحسين الذاكرة يمكن أن يؤدي إلى تعزيز مهارات حل المشكلات وتنظيم العواطف، وهي مشكلات شائعة لدى الأفراد المصابين بالاكتئاب، وأشارت مجلة لايف ساينس إلى أنَّ هذه الطريقة قد تساعد الأفراد على كسر الدورات السلبية في التفكير وإعادة تشكيل أنماط تفكيرهم، وقد أظهرت الأدلَّة أنَّ الروائح تثير ذكريات حية وواقعية، وهذا يفتح آفاقاً جديدة لتعزيز الصحة النفسية من خلال العلاج بالروائح.
الآثار الجانبية للعلاج بالروائح
يثير الطب البديل وبالتحديد العلاج بالروائح عدداً من المخاوف المتعلِّقة بسلامته وفاعليته، فعلى الرغم من استخدام الزيوت العطرية في هذا المجال، إلا أنَّ المخاطر المرتبطة بها تجعل قيمتها العلاجية موضع تساؤل، وهذه الزيوت التي تتميَّز بتركيزها العالي، قد تسبِّب تهيُّجاً للجلد إذا استخدِمت استخداماً غير مخفَّف، لذا يُفضَّل عادةً تخفيفها باستخدام زيوت ناقلة مثل زيت الجوجوبا أو زيت الزيتون.
إضافة إلى ذلك، يمكن أن تؤدي الزيوت المستخرجة من قشور الحمضيات، مثل الليمون إلى تفاعلات ضوئية، وهذا يزيد من فرص حدوث ردود فعل سلبية، وتحتوي بعض الزيوت الأساسية على مكونات كيميائية قد تسبِّب حساسية بعد عدة استخدامات، وقد تكون بعض هذه الزيوت سامة للحيوانات الأليفة، وخصوصاً القطط.
لقد حذَّر مختصون في الغدد الصماء من أنَّ هذه الزيوت قد تقلِّد هرمون الإستروجين، وهذا يستدعي الحذر عند استخدامها، في حين أنَّ بعض الأفراد ينصحون بتناول الزيوت العطرية لأغراض علاجية، فإنَّ المهنيين المرخصين في هذا المجال يحذِّرون من الوصف الذاتي لهذه الزيوت بسبب سُمِّيتها المحتملة، فبعض الزيوت، مثل الكافور تعدُّ سامة عند تناولها، وقد تؤدي إلى أعراض خطيرة وحتى حالات تسمُّم حادة.
كما توجد تقارير عن تفاعلات سلبية بسبب تناول الزيوت، مثل تلف الكبد أو نوبات مرضية، إضافة إلى ذلك، قد تتفاعل الزيوت سواء عند تناولها أم استخدامها موضعياً مع الأدوية التقليدية، فيمكن أن يسبِّب استخدام الزيوت الثقيلة مثل ميثيل ساليسيلات النزيف لدى الأشخاص الذين يتناولون مضادات التخثر، لذا من الضروري توخي الحذر وفهم المخاطر قبل استخدام الزيوت الأساسية، سواء لأغراض علاجية أم تجميلية.
في الختام
إنَّ العلاج بالروائح يحمل في طيَّاته فوائد محتملة، ولكنَّه يأتي أيضاً مع مخاطر يجب أخذها بالحسبان، ومع الوعي الكافي والمعرفة الصحيحة، يمكن أن يكون العلاج بالروائح جزءاً مكمِّلاً لأسلوب حياة صحي ومتوازن، ولا تنسَ دائماً أهمية البحث والاطلاع على المصادر الموثوقة قبل اتخاذ أي قرار يتعلق بصحتك.
أضف تعليقاً