ويمكننا إيجاد السلام الداخلي والرضا في حياتنا اليومية بغض النظر عن التحديات. هذا الفرع الحديث من علم النفس لا يصحح الأخطاء فقط؛ بل يبني حياة تستحق أن تُعاش. نُعرّف في هذا المقال السعادة في علم النفس الإيجابي ونتعرف إلى أدوات السعادة الحقيقية لتعزيز رفاهيتك النفسية.
ما هي السعادة من منظور علم النفس الإيجابي؟
هل السعادة مجرد ابتسامة عريضة وشعور بالبهجة؟ السعادة في علم النفس الإيجابي أعمق من ذلك بكثير، ومفهومها كالتالي:
الفرق بين المشاعر الإيجابية والرضى العميق
يتبادر إلى ذهنك عندما تسأل نفسك "ما هي السعادة في علم النفس الإيجابي؟" صور الضحك الصاخب والفرحة العارمة عند تحقيق هدف معيَّن، ولكنَّ هذه المشاعر الإيجابية هي لمحات من السرور سريعة جداً، كأن تستمتع عند سماع أغنيتك المفضلة أو تستمتع بفنجان القهوة صباحاً، فلا يمكن لتلك اللحظات أن تجلب لنا الراحة وتضمن استمرار المتعة طيلة اليوم.
لذلك من الهام التفريق بين الرضى والسعادة اللحظية، فالرضى العميق هو تقييم شامل وإيجابي لحياتنا بأكملها وكأنَّها خلفية ثابتة تشعر بها دائماً وخصيصاً في حال عدم وجود أحداث تشعرك بمشاعر لحظية إيجابية أو سلبية، وينبع ذلك من قبولك لما أنت عليه ولما تفعله حتى إن مررت بلحظات غضب أو حزن لا يتزعزع ذلك الرضى.
عناصر نموذج PERMA للسعادة
يوضح هذا النموذج السعادة في علم النفس من خلال توضيح العناصر الأساسية التي تقوم عليها، وهي:
- المشاعر الإيجابية: لا نقصد بها المشاعر العابرة؛ بل نقصد القدرة على تقدير اللحظات الجميلة والبحث عنها دائماً.
- الانخراط: هو انغماس الإنسان في الأعمال والنشاطات التي تثير شغفه كأن يمارس مهنة يحبها.
- العلاقات الإيجابية: يعد بناء علاقات مع الأصدقاء وأفراد العائلة والمقربين جوهر الدعم الإنساني.
- المعنى: إيجاد هدف حقيقي لوجودك، كأن تشعر بأنَّك جزء من شيء ربما من هدف نبيل أو عمل تطوعي أو قيم تؤمن بها.
- الإنجاز: هو الشعور بالكفاءة والنجاح في تحقيق الأهداف الصغيرة أو الكبيرة مما يعزز ثقتنا بأنفسنا.
لماذا تختلف السعادة من شخص لآخر؟
لا تعد السعادة مقياساً واحداً أو وصفة سحرية للجميع؛ بل تجربة شخصية فريدة، وأهم أسباب اختلاف السعادة في علم النفس الإيجابي من شخص لآخر ما يأتي:
العوامل الوراثية والاجتماعية
يؤدي ما نولد به وما ننمو فيه دوراً هاماً، فالدراسات تؤكد أنَّ الجينات تؤدي دوراً في تحديد "نقطة ضبط السعادة" وهي المستوى الأساسي الذي يعود إليه الإنسان بعد الأحداث السلبية أو الإيجابية الكبيرة، ولكن لا يعني ذلك أنَّك محكوم بجيناتك.
بل يعني أنَّ بعضهم لديه استعداد للشعور بالسرور أكثر من غيره، كذلك البيئة الاجتماعية تؤدي دورها، فتجارب الطفولة وعلاقاتنا الاجتماعية والدعم العائلي يكوِّن صورة السعادة في حياتنا، فتغرس البيئة الإيجابية المحفزة في أنفسنا طرائق صحية للتعامل مع التحديات والبحث عن البهجة.
شاهد بالفديو: 5 أسباب تمنع تحقيق السعادة
أثر الثقافة والخلفية الدينية
تختلف مفاتيح السعادة الحقيقة من ثقافة إلى أخرى، فتركز بعضها على الإنجاز الفردي والمادي، بينما تركز أخرى على الترابط والانسجام وعلى القيم الإنسانية وتوافق رغباتنا مع المعتقدات السائدة في المجتمع، أمَّا الخلفية الدينية فتحدد معنى السعادة لكثيرين.
وتقدِّم المعتقدات الدينية معنى وهدف الحياة وتعزز قيم الامتنان والتسامح والعطاء ليشعر الفرد بالسلام الداخلي؛ لذلك تتسع السعادة لتشمل الجانب الروحي والتوافق مع القيم الأخلاقية.
هل للسعادة معادلة داخلية ثابتة؟
نجد أنَّه لا توجد معادلة ثابتة وداخلية وموحَّدة للسعادة تنطبق على الجميع؛ بل هي محصلة تفاعل التجارب الحياتية مع القيم الثقافية والدينية والاستعدادات الفطرية لإيجاد ما يمنحنا الشعور بالرضى العميق.
استراتيجيات علمية لزيادة الشعور بالسعادة
لا تعد السعادة مجرد صدفة أو حظ، فإن كنت تسأل نفسك كيف أزيد مستوى سعادتي؟" اعرف الجواب الآن.
1. الامتنان اليومي وتمرين "3 أشياء جيدة"
توجد مفاتيح السعادة الحقيقية بين أيدينا جميعاً، وإحدى الطرائق البسيطة هي الامتنان اليومي وتمرين "3 أشياء جيدة" الذي يوجه الانتباه تجاه النعم في الحياة، وتطبيقه بسيط فقط خصِّص بعض الوقت قبل النوم للتفكير في ثلاثة أشياء جيدة حدثت خلال اليوم مهما كانت بسيطة.
مثلاً استمتعت بفنجان قهوة صباحاً، وتلقيت رسالة جميلة من شخص عزيز، والتقيت بصديق، وشاهدت غروب الشمس على البحر، وأنهيت مهمة في عملك، وحصلت على ترقية، واكتب تلك الاشياء أو فكِّر فيها بعمق واشعر بالامتنان لكلٍّ منها.
2. قوة العلاقات الإيجابية والتواصل العاطفي
ترتبط السعادة في علم النفس بالحياة الاجتماعية؛ لأنَّ الإنسان كائن اجتماعي بطبعه والعلاقات الاجتماعية بمنزلة حجر الزاوية في بناء حياة سعيدة؛ لذلك ابنِ روابط حقيقية من خلال الاستماع الفعال للآخرين والتعبير عن الامتنان لهم وتقديم الدعم المعنوي والعملي، ولا تعتقد أنَّك تسعى لتجعل الآخرين سعداء فأنت تغذي روحك أيضاً.
3. العمل بالمعنى والرسالة الشخصية
إن شعرت أنَّك تفعل شيئاً لهدف أكبر منك، فهذا الشعور هو أحد أعمق مصادر السعادة البشرية؛ لذلك جِدْ معنى في عملك اليومي حتى إن كانت وظيفتك روتينية، وشارِك في النشاطات التطوعية، وتعلَّم مهارات جديدة تخدم هدف معيَّن، وركِّز على أن تتوافق أفعالك مع معتقداتك العميقة لتشعر بالسلام الداخلي.
الفرق بين السعادة اللحظية والدائمة
السعادة في علم النفس هل هي ومضة أم نور دائم؟ لا تخلط بين الأمرين، ففهم الفرق هو خطوة هامة لبناء السعادة الحقيقية:
المتعة مقابل الرضى العميق
يعد فهم الفرق بين الرضى والسعادة المؤقتة هاماً للوصول للاستقرار والاطمئنان عندما تمرُّ بك لحظات سلبية، فالمتعة خلال تناول طعام مفضل أو مشاهدة فيلم مضحك عابرة وتختفي بزوال المؤثر، ولكنَّ الرضى العميق كما شرحنا سابقاً ينبع من وجود المعنى لحياتك وبأنَّك تشعر بالاتساق مع ذاتك وهذا الشعور لا يزول.
كيف تؤثر العادات الصغيرة في السعادة بعيدة الأمد؟
لا تتطلب السعادة الحقيقة تغييرات جذرية؛ بل عادات صغيرة ومنتظمة تشبه قطرات المطر التي تنحت الصخر وتترك أثرها بالتكرار، فتراكم العادات البسيطة، كالامتنان اليومي والعمل التطوعي والتواصل مع الأحبَّاء يحوِّل التركيز من البحث عن متعة لحظية إلى الاستمتاع بالسلام الداخلي.
دور القيم في الشعور بالسلام الداخلي
عندما تعيش حياتك وفق قيمك الأساسية وتتخذ القرارات بناءً على ذلك، فأنت تشعر بالسلام الداخلي العميق وهو جوهر السعادة الدائمة، فمثلاً إن كانت قيمة العطاء هامة، فإنَّ التبرع ببعض الوقت سيجلب متعة لك ويعزز شعورك بالرضى والسلام الداخلي، وكذلك إن كان العدل هاماً بالنسبة لك ودافعتَ عن شخص مظلوم.
شاهد بالفديو: 8 طرق مثبتة علمياً لنيل السعادة
هل تُقاس السعادة نفسياً؟
قطعنا شوطاً كبيراً في شرح علم النفس الإيجابي والسعادة، والآن قد يتبادر لذهنك إن كان العلم يقيس السعادة نفسياً، والإجابة "نعم" من خلال ما يأتي:
مقاييس علم النفس الإيجابي، مثل مقياس "فلوريدا"
لا تشبه مقاييس السعادة في علم النفس الإيجابي مقياس الوزن والطول؛ بل هي عبارة عن استبيانات وأسئلة مصممة لتساعد الأشخاص على تقييم مستوى الرضى عن حياتهم وإحساسهم بالمعنى والهدف، مثل مقياس الرضى عن الحياة Satisfaction With Life Scale""، ومقياس السعادة الذاتي "Subjective Happiness Scale" الذي يتطلب مدى الموافقة على عبارات تعكس من خلالها الجوانب المختلفة من السعادة، وتساهم هذه المقاييس على فهم موقعك الحالي في رحلتك للسلام الداخلي والرضى.
الفرق بين التقييم الذاتي والموضوعي
الأسلوب الشائع هو الاعتماد على الشخص ذاته في شرح تجاربه ومشاعره ووصف ما يمر به، فالسعادة تجربة شخصية فريدة وهذا الأسلوب ذو موثوقية عالية، ولكنَّ المؤشرات الموضوعية للسعادة، مثل الحالة الاجتماعية وصحة الجسد والوضع المالي أثبت أنَّه محدد للسعادة.
فكثير ممن لا يمتلكوا تلك المؤشرات الموضوعية لا يشعرون بالرضى، بينما يوجد أشخاص ممن يعيشوا في ظروف أقل مثالية لديهم رضى وسعادة؛ لذلك التقييم الذاتي هو الأهم.
هل تستخدم الشركات هذه المقاييس في تطوير بيئات العمل؟
لا يقتصر الموضوع الآن على أن تسأل نفسك "ما هي السعادة في علم النفس؟ وكيف أزيد مستوى سعادتي؟" فالشركات الكبرى والناجحة الآن تسأل عن كيفية زيادة معدل رفاهية وسعادة الموظفين؛ لأنَّها أدركت أنَّ السعادة عامل أساسي للإنتاجية.
لذلك تستخدم مقاييس علم النفس الإيجابي لتقييم مستوى رضى الموظفين وانخراطهم في العمل، وتعزز رفاهيتهم من خلال مساعدتهم على فهم احتياجاتهم وتصميم مبادرات لتحسين بيئة العمل وتعزيز الصحة النفسية.
في الختام
لا تعد السعادة امتيازاً؛ بل مهارة يمكن لأي شخص تطويرها، فالجميع يمتلك مفاتيح السعادة الحقيقية، كممارسة الامتنان والعلاقات الصحية، وقد وضحنا في مقالنا مفهوم السعادة في علم النفس الإيجابي والذي لا يعدك بحياة مثالية، لكنَّه يمنحك أدوات لحياة أكثر إشراقاً.
أضف تعليقاً