لكن ماذا لو لم تجرِ الأمور على ما يرام وكان شريكك مصاباً بأحد الاضطرابات الجنسية؟ المعروف أنَّ شخصيات الناس مختلفة، وميولهم ورغباتهم أيضاً، فلكل شخص سمات وخصائص معينة تميزه عن غيره وتدخل في صلب تكوينه الاجتماعي والنفسي والشخصي، ومتى طفت إحدى هذه السمات وطغت على الشخصية بشكل مبالغ فيه أصبحنا أمام اضطراب نفسي.
لا تتوقف هذه الاضطرابات على جانب واحد من جوانب الشخصية؛ بل تطالها كلها، والجانب الجنسي ليس إلا أحد هذه الجوانب حتى يمكن القول إنَّه البيئة الأكثر خصوبة لنمو الاضطرابات، فعلى سبيل المثال، قد تنمو بعض الدوافع العدوانية بشكل مبالغ فيه لتسيطر على الشخص تماماً، وتتوجه هذه الدوافع ضد الآخرين أو ضد الذات وهذا ما يسمى بالشخصية السادية.
في المقابل قد يستلذ شخص ما بالتعرض للعنف فنكون أمام الشخصية المازوخية، فهذان الاضطرابان هما موضوع مقالنا اليوم، فهل يقتصران على حياة الشخص الجنسية أم أنَّهما يظهران أيضاً خلال ممارسة الحياة العادية؟ يمكنك ملاحظتهما قبل التورط بشراكة جنسية مع الشخص المصاب، فإذا كنت مهتماً بمعرفة المزيد عن السادية والمازوخية فتابع القراءة.
أولاً: ما هي السادية؟ وما هي أسبابها؟
ترجع جذور مصطلح السادية إلى الروائي الفرنسي "ماركيز دي ساد" فقد صور من خلال رواياته مشاهد جنسية مشبعة بالقسوة والعنف النفسي والجنسي والجسدي، ويرى أنَّ على الإنسان الذهاب وراء إشباع رغباته دون أيَّة ضوابط أو قيود أخلاقية أو قانونية أو أخلاقية، فالحصول على المتعة المطلقة كان أحد المبادئ الأساسية في حياته، هذه المتعة التي تبلغ ذروتها برأيه عندما ترتبط بالألم، فحاجة الإنسان إلى الألم ليست أقل من حاجته إلى الجنس إن لم تتفوق عليها.
لم تقتصر هذه المبادئ في حياة "دي ساد" على كتاباته ورواياته، فقد ربط في حياته أقواله بأفعاله، وتاريخه كان حافلاً بالفضائح الجنسية من هذا النوع، ولم يكن "دي ساد" يشعر باللذة دون أن يلحق الأذى بشريكه سواء بالجلد أم التقييد أم الضرب وغيرها من الأفعال الوحشية.
بذلك واستناداً إلى تلك القصة، يمكن تعريف السادية بأنَّها اضطراب نفسي جنسي لا يستطيع المصاب بها الوصول إلى المتعة أو اللذة الجنسية دون إيذاء الشريك وإيقاع الألم به سواء أكان ألماً نفسياً أم جسدياً أم الاثنين معاً.
من الهام أن نعرف أنَّ وجود بعض الميول السادية عند الشخص لا يعني بالضرورة أنَّه مصاب باضطراب السادية الجنسية، فبعض من السادية؛ أي الميل الخفيف إلى العنف موجود بشكل طبيعي ضمن العلاقات الجنسية الصحية والطبيعية، حتى إنَّ الكثير من الشركاء يلجؤون إلى العنف الخفيف أو تخيله في أثناء العلاقة رغبةً بزيادة المتعة والإثارة.
لم يعد اليوم مصطلح السادية مرتبطاً بالجنس؛ بل تعدَّى ذلك ليشمل جوانب حياة المريض الأخرى، فتجد أنَّ صفاته السادية تسيطر على تصرفاته وسلوكاته، ويمكن عَدُّ هذه السلوكات والتصرفات إشارة التحذير الأولى لك، فإذا لاحظت التصرفات الآتية على شريكك العاطفي، فمن المحتمل أنَّه سادي، لذلك فكِّر جيداً قبل الإقدام على خطوة الزواج منه:
- متسلط.
- حقود لا يغفر أي خطأ مهما كان بسيطاً وحتى لو كان عن غير قصد.
- يستمتع بإذلال غيره، فإذا كنتما تتناولان الطعام في الخارج مثلاً تجده يتعمد إهانة النادل وتحقيره وإزعاجه ويستمتع بذلك.
- لا يندم ولا يشعر بالذنب؛ بل تراه مستلذاً وهو يلحق الأذى والضرر بغيره.
- شكاك.
- لا يقبل النقد.
- متعصب لرأيه وأفكاره.
- عنيف بشكل مفرط لا رحمة في قلبه.
في حال تورطت بالزواج وكنت تشك أنَّ شريكك سادي، إليك هذه العلامات التي تؤكد شكوكك وتجزم لك أنَّه يعاني من اضطراب السادسة الجنسية:
- يشعر بضيق كبير عندما لا تجاريه برغباته.
- عنيف بشكل مبالغ فيه لدرجة لا يستطيع السيطرة على رغبته بإيذائك حتى لو طلبت منه التوقف، فهو يتمادى عمداً في إلحاق الأذى بك، وكلما زاد خوفك وذعرك منه زادت متعته.
من الهام جداً أن تعرف أنَّك في هذه الحالة وطالما أنَّك غير موافق على مجاراته، فما يرتكبه بحقك تحت صك الزواج يُعَدُّ جريمة والقانون في صفك، فالسادية في حال كانت دون قبول وموافقة الشريك جريمة يعاقب عليها القانون، وهنا لا بد من تنبيهك إلى أنَّ هذه العلاقات خطيرة جداً، وكثير من الساديين يصل بهم الأمر إلى القتل، فمن 37 إلى 75% من الأشخاص الذين ارتكبوا جرائم قتل بدوافع جنسية كانوا مصابين بالسادية.
أسباب السادية:
في الحقيقة لم يتم حتى الآن الحديث عن سبب واضح ودقيق ومحدد ليصبح الشخص سادياً، وفيما يأتي سنعرض مجموعة من الأسباب التي تؤدي دوراً بالإصابة:
- الإصابة باضطراب نفسي مثل الفصام أو اضطراب الهوية الانشقاقي.
- التجارب الشخصية السيئة والتعرض لظروف قاسية، وخاصةً في مراحل الطفولة الأولى كالظلم والتعنيف.
- مشاهدة الأفلام الإباحية السادية من العوامل التي تعزز نمو هذا الاضطراب وتطوره.
- التجربة الجنسية الأولى.
- يقول "فرويد" إنَّ السادية خوف العقل الباطن من الخصاء، فيلجأ الشخص إلى العنف بوصفه آلية دفاعية ضد احتمال الخصاء، وهذا ما يطلق عليه اسم "عقدة الخصاء".
- وضع العالم "جون موني" خمسة أسباب رئيسة للسادية، وهي استعداد وراثي واستغلال جنسي في تاريخ المريض وعلاقات مَرضية واضطراب هرموني واضطرابات نفسية أخرى.
شاهد: 6 عادات خاطئة تقضي على صحتك النفسيّة
ثانياً: بعض أشكال الممارسات الجنسية السادية
يعطي العنف في أثناء الجنس ارتياحاً كبيراً للسادي؛ وذلك لأنَّه يفرغ رغبته الجنسية والعدوانية في الوقت ذاته؛ إذ تختلط في الفعل الجنسي السادي الرغبة الجنسية والرغبة العدوانية، حتى إنَّ بعض الساديين قد يصلون إلى الرعشة الجنسية دون أي فعل جنسي وفقط من خلال تعذيب الشريك الذي يمكن تسميته في مثل هذه الحالات الضحية، وتظهر السادية الجنسية من خلال الأشكال الآتية للممارسة:
1. تخيُّل علاقة جنسية موازية مليئة بالعنف والتعذيب:
بينما يقوم بالواقع بممارسة جنسية طبيعية ولكنَّه يفرغ شحنات العنف لديه من خلال الخيال، ويُعَدُّ هذا الشكل من الممارسة الأقل خطراً.
2. يقوم بعضهم بممارسات سادية تستهدف الأذى النفسي أكثر من الجسدي:
مثل كتابة عبارات مسيئة على جسد الشريك أو البصق عليه، وقد يصل الأمر إلى التبول على الشريك والشتائم، وهذه الممارسات تسمى السادية المنخفضة.
3. مع ارتفاع حدَّة الاضطراب قليلاً تظهر أشكال أخرى للممارسة الجنسية وأكثر خطراً:
إذ يبدأ الأذى الجسدي الحقيقي؛ عض مؤلم، ضرب، حرق، تقييد، جلد وغير ذلك من وسائل التعذيب الأخرى.
4. مع الارتفاع أكثر يصل الأمر إلى حدِّ العنف الذي يؤدي إلى كسور وخلوع:
إضافةً إلى الإيذاء النفسي الشديد للشريك وتحقيره وإهانته وإذلاله.
5. القتل:
هي آخر مرحلة يصل إليها السادي.
ثالثاً: ما هي المازوخية أو المازوشية؟ وما هي علاقتها بالسادية؟ وما هي أسبابها؟
المازوخية هي العنف الموجَّه ضد الذات؛ إذ يستلذ الشخص المازوخي بالضرب والتعذيب الذي يتلقاه، ويَعُدُّ هذا التعذيب مفتاحاً للذة الجنسية بالنسبة إليه، ويرجع هذا الاسم إلى الأديب النمساوي "ليوبولد ماسوش".
الشخصية المازوخية إذاً هي الشخصية المقابلة للشخصية السادية، ويتفاعل الشخص السادي أغلب الأحيان مع شريك جنسي مازوخي بشرط ألا يشعر السادي بتقبل المازوخي للعنف الذي يتلقاه، وكما السلوك السادي فإنَّ السلوك المازوخي يتجاوز الحالة الجنسية ليظهر في حياة الشخص العادية وسلوكاته اليومية، وهو ما يسمى بالمازوخية المعنوية، وهذه بعض العلامات التي تدل على إصابة الشريك بالمازوخية:
- يستمتع بدور الضحية ويعتقد أنَّه المظلوم دائماً.
- يجد نفسه أغلب الأوقات ضمن علاقات سامة ومؤذية.
- يُعرِّض نفسه بوعي أو دون وعي للذل والتعذيب، فقد تجده يسأل دائماً لماذا أتعرض دائماً للأذى؟ ولماذا كل علاقاتي فيها عنف؟ ولماذا أتلقى معاملة سيئة من الجميع؟
- شكوى دائمة من الظلم دون أيَّة محاولات لرده أو منعه.
أسباب المازوخية:
ترجع المازوخية حسب علماء النفس السلوكيين إلى تجارب الشخص السيئة في الطفولة، فقد حدث ارتباط شرطي بين الجنس والألم نتيجة لهذه الخبرات، ويرى "فرويد" أنَّ الشخص المازوخي لديه تخيلات تدميرية تجاه نفسه، ويرى بعض علماء النفس أنَّ المازوخية طريقة يعاقب فيها الشخص نفسه مدى الحياة بسبب ارتكابه لخطأ في ماضيه أو في طفولته ولم يسامح نفسه عليه.
الجدير بالذكر أنَّ السلوك السادي والسوك المازوخي أحياناً يوجدان في الشخص نفسه، وقد يصل ذلك إلى نسبة 30% من الحالات.
شاهد أيضاً: كيف تعلم أنَّك في علاقة سامة؟
رابعاً: كيف يتم التعامل مع الشريك الجنسي السادي؟
في الحقيقة تعرُّضنا لمثل هذه التجربة لا يُعَدُّ أمراً سهلاً على الإطلاق، وقبل البدء بالحديث عن طرائق التعامل مع الشريك في حال كان سادياً علينا أن نذكركم أنَّكم لستم مضطرين إلى الخضوع للعنف أو إجبار أنفسكم على تقبله إرضاءً للشريك، وأنَّ خيار الانفصال متاح دائماً ولا يجب أبداً تجاهله وربما يكون الخيار الأمثل في كثير من هذه الحالات.
أما الذهاب إلى الخيار الجنسي وفي حال كان الشريكان متقبلين لهذا النوع من الحياة الجنسية يجب وضع النقاط الآتية في الحسبان:
- خروج الوضع عن السيطرة لدرجة قد تؤدي هذه الممارسات العنيفة إلى عاهات دائمة أو إلى القتل.
- لا بد من التدرب على حياة جنسية طبيعية، فمن المرجَّح طبعاً أن يحدث فقدان للإثارة السابقة، لكن مع الوقت نفسه يمكن إيجاد طرائق تحقق علاقة جيدة دون إلحاق أي أذى مادي كما في حالات الخيالات الجنسية التي تحدثنا عنها آنفاً.
- الإرادة القوية عنصر فعال في مواجهة هذه الرغبات، ويجب توفرها في أحد الشريكين حتى يتم الوصول إلى علاقة فيها أقل درجة من الأذى.
علاج السادية والمازوخية:
لا يوجد علاج فعال ونهائي للسادية والمازوخية كما أكد معظم علماء النفس، لكن يمكن اللجوء إلى بعض العلاجات لتحقيق أكبر درجة من الضبط الذاتي، ومن هذه العلاجات:
1. العلاج الدوائي:
مفيد جداً في حال وجود اضطراب نفسي آخر مصاحب للحالة.
2. العلاج المعرفي السلوكي:
يمكن عَدُّ هذا العلاج الأكثر فائدة؛ وذلك لأنَّه يقوم على مبدأ إعادة تكوين المفاهيم الجنسية لدى المريض من جديد، ومحاولة هدم العلاقة التي كوَّنها المريض بين العنف والمتعة وبناء ارتباطات شرطية أخرى لا علاقة لها بالعنف.
3. الاستبصار:
أي محاربة المشكلة بشرحها وشرح أسبابها النفسية للمريض ولماذا وكيف تشكلت مثل هذه الرغبات داخله، وهذا ما يزيد من قدرة المريض على التحكم بنفسه وضبط رغباته.
في الختام:
في النهاية، لا يسعنا إلا التأكيد على نقطتين هامتين جداً، الثقافة الجنسية من الأمور التي يجب أن تعطيها بصفتك إنساناً بالغاً أهمية كبيرة في حياتك، فكثير من الناس قد يدفعهم الجهل للاستمرار بمثل هذه العلاقات وتحمُّل كل أنواع الأذى تحت مسمى الزواج، وليس الجهل فقط من يتحمل المسؤولية؛ بل الخوف أيضاً يُعَدُّ أحد أهم العوامل التي تدفع الضحية للسكوت والانصياع لرغبة الشريك.
لذلك عليك أن تسلِّح نفسك جيداً لتتمكن من إنهاء ما لا ترغب فيه، أما النقطة الثانية فهي موجَّهة لكل شخص قرأ هذا المقال وأحسَّ أنَّ لديه ميولاً قوية لتعذيب شريكه أو ذاته، فلا تتردد أبداً وقم مباشرةً باستشارة الطبيب.
المصادر:
أضف تعليقاً