ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتب مايكل هايات (Michael Hyatt)، والذي يُحدِّثنا فيه عن العنصر الأساسي للقيادة الناجحة، ألا وهو "الرؤية"، وأهمية تبنِّي القائد لرؤية واضحة.
من خلال صياغة رؤية مستقبلية مقنعة، يمكن للقادة تحقيق ما كان يُعدُّ في السابق مستحيلاً، ويمكنهم تطوير استراتيجيات هادفة، وجذب مواهب إضافية، والارتقاء بمؤسساتهم إلى مستويات جديدة ومثيرة؛ ولكن بالنسبة إلى العديد من القادة، فالأمر ليس سهلاً أو مباشراً كما يبدو.
يعرِّف أستاذ جامعة بايلور جيفري كوتلر (Jeffrey Kottler) في كتابه "ما لا تعرفه عن القيادة ولكن يجب على الأرجح أن تعرفه" (What You Don’t Know About Leadership but Probably Should)، الرؤية بأنَّها "المَهمَّة الأولية" للقادة، فهي الشيء الأهم والأولوية القصوى؛ ولكن من واقع خبرتي كرئيس ومدير تنفيذي لدار النشر "توماس نيلسون" (Thomas Nelson Publishers) -إحدى أكبر دور النشر باللغة الإنجليزية على مستوى العالم قبل استحواذ "هاربر كولينز" HarperCollins عليها عام 2011- وبصفتي الآن الرئيس التنفيذي لشركتي الخاصة في التدريب على القيادة، أجد أنَّ القادة الذين يفتقرون إلى الرؤية أكثر من أولئك الذين يمتلكونها، ويتجاهلون غالباً وضع رؤى مقنعة دون أي خطأ مقصود من قبلهم، ويصابون بالحيرة عند القيام بذلك، ولا يكونون مستعدين جيداً؛ لكن لماذا؟
إليك ثلاث مشكلات يواجهها القادة عادة فيما يتعلق بالرؤية:
1. التقليل من شأنها:
لقد رأيت نزعة إلى عدم الصبر في تطوير الرؤية لدى بعض أصحاب الأعمال والمديرين التنفيذيين الذين دربتهم على مر السنين، حتى أنَّني عملت مع رئيس تنفيذي من هؤلاء لم يخصِّص وقتاً لبناء الرؤية قط، ولا يعتقد حتى أنَّها مسؤوليته؛ بل عيَّن لجنة، وجعلني مسؤولاً عنها، وقال: "افعلوا شيئاً من أجل التوصل إلى رؤية وإدراك إلى أين نتوجه بالعمل، ثم أخبروني بما توصلتم إليه"؛ ولك كان يجدر به الانضمام إلينا؛ ولو كان قد فعل ذلك، لكان بإمكان مديريه التنفيذيين أن يسألوه نوع الأسئلة الاستقصائية اللازمة للتوصُّل إلى رؤية يمكن أن يؤيدها.
لم تتعلق هذه المشكلة برئيسي السابق فحسب، بل يعاني القادة الحاليون من عجزٍ في تكوين الرؤية؛ فوفقاً لإحدى الدراسات التي شملت 466 شركة، حدَّد المشاركون ما يأتي باعتباره أحد أهم أوجه القصور في الشركة: "القادة الذين يستطيعون وضع رؤية مقنعة وإقناع الآخرين بدعمها"؛ والأهم من ذلك أنَّ تكوين الرؤية أولوية قصوى، ولكنَّها أكثر الكفاءات التي يفتقر إليها الجيل القادم من القادة.
لذا، من بين الأمور التي يتعين علينا القيام بها كقادة، هي وضع هدفٍ أكبر أو توجيه الموظفين نحو مشروعٍ أعظم؛ إذ يريد الموظفون عملاً يتطلب بذل قصارى جهدهم، ويتطلب الإبداع في تفكيرهم، ممَّا يلهم خيالهم؛ والأمر متروك لنا لنسأل أنفسنا، هل ما نحاول القيام به كمؤسسة يخلق هذا النوع من الإلهام؟ وهل هو شيء يمثل تحدياً أم أنَّه مجرد عمل اعتيادي؟
2. الحيرة في التعامل معها:
ينبع الافتقار إلى القيادة المدفوعة بالرؤية من سوء فهم الرؤية؛ فهي ليست المَهمَّة أو الاستراتيجية نفسها، بل تتعلق بإدراك ما قد يكون عليه المستقبل، ومن ثمَّ صياغة الإمكانات بطريقة ملهمة وواضحة وعملية وجذابة؛ وهذا ما أسميه سيناريو الرؤية، والذي يمكن للموظفين اتِّباعه فيما بعد.
هذا ما فعله القادة الذين تحمِّسهم الرؤية مثل جورج إيستمان (George Eastman) في مجال التصوير، وهنري فورد (Henry Ford) في مجال السيارات، وستيف جوبز (Steve Jobs) في مجال الحوسبة الشخصية؛ فقد أدركوا بالغريزة أنَّ الناس يبحثون عن شيء يؤمنون به، وعن نتائج مقبولة، ومطامح رابحة.
يخطئ القادة حينما يعتقدون أنَّ الرؤية صفة ثابتة أو ميزة شخصية، فإمَّا أن تمتلك رؤية قوية أو لا تمتلك على الإطلاق؛ ولكنَّ الرؤية النيِّرة للمستقبل هي شيء بإمكان أي شخص تطويره إذا عرف كيف يفعل ذلك، وهي أمر هام جداً للتطوير؛ ذلك لأنَّه يُحدِّد نجاحنا وفشلنا النهائي.
عندما يكون لدينا رؤية مقنعة وموحَّدة للمستقبل، وعندما نمررها إلى الفريق بشغف وهدف، يتحفز الناس لإنجاز أعمال رائعة؛ أمَّا أولئك الذين يفتقرون إلى الرؤية -أو بالأحرى لا يعيرونها اهتماماً- ليسوا مستعدين لخوض تحدي القيادة.
لقد شهدت قوة التغيير التي تتمتع بها الرؤية في أثناء تدريب الآلاف من قادة الأعمال للفوز في العمل والنجاح في الحياة؛ ولكنَّ الرؤية لن تنجح إلَّا إذا كنتَ على استعداد للقيام بالعمل اللازم لصياغتها.
شاهد بالفيديو: عناصر التفكير الاستراتيجي
3. غياب الإحساس بالاستعداد:
أحد الأسباب التي تدفع القادة إلى التقليل من أهمية الرؤية أو عدم النظر إلى الحاجة إليها هو حماية الذات؛ إذ يشعرون بأنَّهم غير مهيئين لخلق صورة مقنعة للمستقبل وإلقاء الضوء عليها، ويجعلهم الترقب يشعرون بعدم الارتياح.
لا يستمتع أحد بفعل شيء يبدو غريباً على مهاراته عموماً، ولكنَّ هذا التحدي أصعب على القادة؛ ذلك لأنَّنا نفترض أنَّهم يملكون جميع الإجابات، وأنَّهم الأكثر كفاءة والأقدر على السيطرة؛ وعندما يفتقر القادة إلى الرؤية، يشبه هذا الاعتراف بوجود ضعف أو قصور، ويصبح التقليل من أهمية "الرؤية" والانتقال إلى المهمات التي يجيدونها هو القرار الأسهل.
كثيراً ما أسمع من الأشخاص الذين بدؤوا أعمالاً تجارية أو وجدوا أنفسهم قد ترقُّوا إلى مناصب يجب عليهم فيها تحمل المسؤولية، أنَّهم يشعرون بالضغط نظراً إلى ارتفاع مناصبهم؛ إذ يعرفون أنَّ هذا يشتمل على الرؤية، ولكنَّهم يشعرون بأنَّهم غير مهيئين؛ كما يشعر بعضهم وكأنَّهم مخادعون وسيُكشَف أمرهم ويفقدون كل شيء؛ ولكن إذا لم تكن مدرباً على صياغة رؤية، فكيف يُتوقَّع منك تكوينها من العدم؟
لقد بدأت من نقطة الصفر لتعلُّم فن صياغة رؤية مقنعة، وأصبحت الآن متحمساً جداً للأمر لدرجة أنَّني أنشأت عدداً لا يُحصَى من الموارد لمساعدة الآخرين على فعل الشيء نفسه؛ ولكن عندما تبدأ القيام بالعمل الجاد والضروري لصياغة رؤية مقنعة، تَشجَّع؛ فالرؤية المقنعة هي العنصر الأساسي للقيادة الناجحة، والتي تدفع شركتك إلى التقدُّم بعزم وقوَّة.
أضف تعليقاً