تطبيق الذكاء الاصطناعي في مجال التعلُّم والتطوير
لقد ساهم قسم التعلُّم والتطوير في نشر ثقافة الذكاء الاصطناعي والتشجيع على تطبيقه في إدارة الموارد البشرية، وشهد سوق منصات التعلُّم الإلكترونية تنامياً هائلاً في السنوات القليلة الماضية، ومن المتوقَّع أن تزداد قيمة استثمارات الذكاء الاصطناعي في سوق التعليم حتى تبلغ معدَّل نمو سنوي مركب قدره 36%، أي ما يعادل 32.27 مليار دولار في عام 2030،
ساهم الذكاء الاصطناعي في تطوير أنظمة إدارة التعلُّم (LMS)، وتحسين المنصات التعليمية، وبرمجيات تحليل بيانات المتعلمين، وبرزت عدة من التحديات عند تطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي في مجال التعلُّم، ويُذكر منها عدم إمكانية استخدام هذه التكنولوجيا على نطاق واسع لأنَّها لم تصل للتقدُّم المطلوب بعد، إلى جانب افتقار فِرَق التعلم والتطوير للمهارات اللازمة لتطبيق تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي بفعالية في المهام الوظيفية،
ويُذكَر من هذه التحديات أيضاً مشكلة الانحياز، وحقوق الملكية الفكرية، وصعوبة تطبيق الذكاء الاصطناعي في بعض المنصَّات التعليمية. أدَّت هذه العوامل إلى تقويض الجهود المبذولة في تطبيق تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في إجراءات التعلم والتطوير.
تعرَّض الذكاء الاصطناعي لانتقادات تزعم أنَّه يساعد المسؤولين في إعداد وتصميم المحتوى، دون أن يركِّز على تلبية احتياجات الموظفين، وتحسين جودة التجارب التعليمي، ومن المتوقع أن يقدِّم ميِّزات تسمح بتصميم برامج تعلُّم مخصَّصة للاحتياجات الفردية فهو لا يزال في مرحلة التطوير. أصبحت هذه التحديات من الماضي، خاصةً بعد إطلاق ميزات الذكاء الاصطناعي التوليدي في الآونة الأخيرة. يقود الذكاء الاصطناعي نقلة نوعيّة في مجال التعلم ولم يعد يقتصر دوره على إدارة برامج التعلم والتطوير.
دور الذكاء الاصطناعي في تحسين تجارب الموظفين
في ما يأتي 4 فوائد لاستخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في مجال التعلم:
1. إتاحة المحتوى التعليمي للجميع بالتساوي
لطالما واجهت المؤسسات صعوبة في إتاحة فرص التعلم والتدريب بالتساوي لجميع الأفراد، ومراعاة احتياجات الموظفين المصابين بالاضطرابات النفسية والعصبية. اقترحت المؤسسة المسؤولة عن وضع المعايير الخاصة بالأفراد ذوي الاحتياجات الخاصة "رابطة الشبكة العالمية" (W3C) مجموعة "إرشادات إتاحة محتوى الويب" (Web Content Accessibility Guidelines) التي تساعد على إعداد محتوى تعليمي صالح للتطبيق، وقابل للفهم والاستيعاب، ويراعي الاحتياجات الخاصة للمستخدمين. كانت مؤسسات التعلُّم والتدريب تواجه صعوبة كبيرة في الالتزام بهذه المعايير في الماضي، وكانت الشركات تنفق مبالغ طائلة وتبذل جهوداً مُضنية لإعداد المحتوى وفق عدة صيغ، وأنظمة ألوان، ولغات لمراعاة الاحتياجات الفردية للموظفين. مع ذلك، لم يكن يتسنَّى لبعض الفئات فرصة حضور برامج التعلُّم الإلكتروني.
تتيح التطورات الحديثة في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي للشركات إمكانية التعامل مع هذه التحديات بفعالية دون الحاجة لإنفاق الكثير من الأموال، ويُذكَر من هذه الحلول برمجيات "برايل" (braille) التي تُستخدَم في تحويل الملفَّات النصية إلى رموز "برايل" من أجل إتاحة المحتوى التعليمي للمكفوفين وضعاف البصر.
تشهد تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي تقدُّماً ملحوظاً في مجال إتاحة المحتوى التعليمي لكافة شرائح الموظفين في المؤسسة، وتوفِّر تقنيات الذكاء الاصطناعي من ناحية أخرى إمكانية تفريغ المحتوى الصوتي ومقاطع الفيديو إلى ملفات نصية من أجل تلبية الاحتياجات التعليمية للمصابين بضعف السمع، كما تتيح ميِّزات الترجمة التلقائية إلى جميع اللغات، وهو ما شجَّع مؤسسات التعلُّم والتدريب على استهداف الأسواق العالمية.
أصبحت الشركات التي تعتمد نظام العمل الموزَّع على مجموعة من المناطق الجغرافية قادرة على تقديم تجارب تعلُّم متَّسقة لجميع الموظفين وتوفير الوقت اللازم لإعداد وتحديث المحتوى. وتشهد تطبيقات الذكاء الاصطناعي تقدُّماً وتنامياً مستمراً، حيث أصبح بإمكان الفرد أن يشارك أفكاره، ويحصل على التغذية الراجعة، والنصائح في بيئات آمنة نفسياً توفرها تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي. تتيح هذه التكنولوجيا للأفراد في كافة أصقاع الأرض إمكانية الحصول على خدمات الكوتشينغ والعلاج النفسي الرقمي المدعوم بتقنية الذكاء الاصطناعي، وهذه الميِّزات بالغة الأهمية في البلدان والمجتمعات التي لا تعترف بالعلاج النفسي.
شاهد بالفيديو: الذكاء الاصطناعي في التعليم هل يحل الروبوت محل المعلم
2. تخصيص تجارب التعلم والتدريب للاحتياجات الفردية
يتوفَّر كمٌّ هائل من المحتوى التدريبي والتعليمي من خلال الإنترنت، ولكن يكمن التحدي الرئيس في صعوبة اختيار محتوى قابل للتطبيق وصالح لتلبية الاحتياجات المطلوبة. يُستخدَم الذكاء الاصطناعي في اقتراح محتوى التدريب المناسب لاحتياجات المستخدم، وقد ساهمت التطورات الحديثة في تحسين دقة نتائجه. يستخدم الذكاء الاصطناعي حالياً مجموعة متنوِّعة من مصادر البيانات مثل نتائج التقييمات، واهتمامات المتعلِّم، والأهداف المهنية، وتجارب التعلُّم السابقة في اقتراح المحتوى التعليمي المناسب،
وتجدر الإشارة هنا إلى شركة "كابجيميني" (Capgemini) التي استخدمت تقنية "أندرسون بينك" (Anderson Pink) في تنسيق المحتوى وإعداد تجارب تعلُّم مخصصة وقائمة على المهارات. من أمثلة أدوات تنسيق المحتوى "كيو" (Quuu)، و"أب كونتينت" (UpContent)، و"سكوب" (Scoop). تساعد هذه الأدوات على الاستفادة من محتوى الُملك العام غير الخاضع لسياسات حقوق الملكية الفكرية في إعداد استراتيجيات التعلم الخاصة بالمؤسسة، وساهم هذا التطوّر التكنولوجي في إتاحة إمكانية تخصيص برامج التعلم لخطط التنمية والطموحات المهنية الفردية، وكانت الاقتراحات عامة إلى حدٍّ ما في السابق، ولكن أتاح استخدام الذكاء الاصطناعي إمكانية إعداد تجارب تعلُّم مخصصة للاحتياجات الفردية باستخدام مختلف صيغ وأنواع المحتوى، والفهارس، والمكتبات الرقمية.
تقدِّم شركة "فيول 50" (Fuel 50) للمؤسسات أدوات وتقنيات تساعد على تحسين نظام التنقُّل الداخلي للموظفين، وتشجيعهم على تحمُّل مسؤولية حياتهم المهنية وفقاً لتجربتها مع شركة "كي بنك" (KeyBank)، ويشتكي موظفو "الجيل زد" (Gen Z) من قِدَم طرائق وأساليب التدريب في الشركات، ويطالبون بالاعتماد على أنفسهم وتحمُّل مسؤولية تنمية مهاراتهم. يقترح الذكاء الاصطناعي المحتوى التدريبي بناءً على احتياجات الموظف، وأهدافه المهنية، ومستوى مهاراته، واهتماماته، ونمط التعلم الخاص به.
3. تقديم أدوات كوتشينغ لزيادة فعالية عملية التعلم
تُقدِّم تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي أدوات كوتشينغ التي تزوِّد المستخدم بالتغذية الراجعة والاقتراحات التي يحتاج إليها لتنمية مهاراته، وتشمل وظائف أدوات الكوتشينغ أيضاً الإجابة عن الاستفسارات، وتقديم المساعدة للتغلب على التحديات في التعلم، وتزويد المتعلم بالتغذية الراجعة والدعم الذي يحتاج إليه في جميع مراحل العملية.
بدأت الشركات باستخدام أدوات الكوتشينغ الرقمية المدعومة بتقنيات الذكاء الاصطناعي للاستفادة منها في برامج التعلم والتدريب، وتركِّز منصَّات الكوتشينغ التي تستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي من أمثال منصة "ديكستيجو" (Dextego) على تقديم تجارب تعلّم ممتعة وتفاعلية موجهة "للجيل زد"، وتستخدم منصة "ووندر" (Wondder) تقنيات الذكاء الاصطناعي والواقع الافتراضي لتقديم التغذية الراجعة في حالات معيَّنة مثل نقاشات الأداء ومسائل التنوع، والمساواة، والاندماج، والانتماء، وطبَّقت شركة "أدفانس" (Advance) برنامج يبيِّن مؤشرات التفاوت في المعاملة وعدم المساواة بين الجنسين في مكان العمل.
تعمل منصة "لينكد إن ليرننج" (LinkedIn Learning) على إعداد نظام كوتشينغ مدعوم بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي بغية مساعدة المستخدمين على الحصول على الأجوبة والتوجيه المهني الذي يحتاجون إليه، ويجري العمل على إعداد واجهة مستخدم عبارة عن بوت دردشة يوجِّه المستخدمين خلال تجربة التعلم، ويجيب عن استفساراتهم، ويقترح المحتوى التعليمي بناءً على وظيفة المستخدم، ووضعه، ومستوى مهاراته، واحتياجاته،
بالتالي، يساهم الذكاء الاصطناعي في زيادة فعالية وكفاءة تجربة التعلُّم، وتصميم محتوى مخصص لاحتياجات الموظفين واهتماماتهم، وهو يقدِّم اهتماماً ودعماً فردياً يصعُب تأمينه في بيئات التعلم التقليدية، وخاصةً عند تطبيق البرامج على نطاق واسع.
4. إعداد المحتوى
مازالت تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في مراحلها الأولى، ومع ذلك أُطلِقت مجموعة من الأدوات التي تستخدم في إعداد المحتوى. تجدر الإشارة هنا إلى وجود بعض المشكلات المتعلقة بدقة المحتوى الذي تقدِّمه تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي. ومع ذلك، يمكن الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في إنشاء المحتوى التدريبي ضمن إطار المؤسسات، ويمكن استخدام أدواته في إعداد محتوى تعليمي خاص بتدريبات سياسة المؤسسة، وغيرها من العمليات التشغيلية، وخاصةً عند توفر المعلومات والوثائق اللازمة.
تساعد هذه البيانات على الحصول على محتوى مخصص لبيئة الشركة وظروفها، فقد نجحت مؤسسات "بارك+" (Park+) و"بريبلي" (Preply) في استخدام أدوات إنشاء المحتوى المدعومة بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي والمقدَّمة من قِبَل شركة "ناراتو ورك سبيس" (Narrato Workspace)، ويُتوقَّع أن تزداد شعبية أدوات إعداد المحتوى باستخدام الذكاء الاصطناعي في المستقبل من أجل إنشاء محتوى مفتوح المصدر أو خاص باحتياجات المؤسسة.
يساهم استخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في التعلُّم والتطوير في إعداد تجارب تفاعلية، وممتعة، ومخصصة لاحتياجات الموظفين، ويجب التحلِّي بالمسؤولية عند تطبيقها من أجل ضمان احترام خصوصية المستخدمين، وأخلاقيات المهنة، وتحقيق الفائدة المرجوَّة من هذه التطبيقات.
شاهد بالفيديو: كيف يمكنك كتابة محتوى مميز لموقعك؟
تطبيق الذكاء الاصطناعي في مجال التعلم والتطوير
في ما يأتي 6 خطوات لتطبيق حلول الذكاء الاصطناعي في مجال التعلُّم والتطوير:
1. تحديد الهدف من تطبيقات الذكاء الاصطناعي
قسم الموارد البشرية مسؤول عن تحديد الهدف من استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي. تشمل هذه الأهداف إعداد المحتوى، أو تطبيق الكوتشينغ مثلاً، وتعتمد الأدوات والتطبيقات المستخدمة على الهدف المطلوب، وتُحدَّد في هذه المرحلة نطاق استخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي عن طريق تطبيق الخطوات التالية:
- تقييم حالة البنى التحتية التكنولوجية مثل التجهيزات، والبرمجيات، ومعدات الشبكة، والتأكُّد من حاجتها للتحديثات أو الإضافات للاستفادة من تطبيقات وأدوات الذكاء الاصطناعي.
- تحديد آلية تكامل أدوات الذكاء الاصطناعي مع أنظمة التعلُّم والتطوير الموجودة في الشركة والأدوات الأخرى مثل أنظمة إدارة التعلم، والموارد البشرية، ومتابعة سير العمل.
- تحديد المهارات التي يحتاج إليها فريق العمل لتطبيق مبادرات التعلم التي تتم باستخدام الذكاء الاصطناعي، فقد يحتاج الموظف مثلاً لفهم تطبيقات الذكاء الاصطناعي وإجراءات تحليل البيانات.
2. إيجاد الشريك أو مزوِّد الخدمات المناسب
تقتضي هذه الخطوة جمع المعلومات عن مزوِّدي الخدمات الموجودين في السوق، مع الحرص على الاستعانة بشخص خبير بالأمور التكنولوجية لمساعدتك على اختيار مزوِّد الخدمات الأمثل. يجب اختيار مزوِّد خدمات ملتزِم باتّباع الممارسات الأخلاقية الخاصة بالذكاء الاصطناعي.
يحقُّ لك أن تطالب بالحصول على معلومات توضِّح آلية عمل أنظمة الذكاء الاصطناعي، وطريقة التعامل مع البيانات، وحالات التحيُّز المحتملة، فقد تكون الخوارزمية متحيزة لشريحة محددة مثل تفضيل الموظفين الذكور في المناصب التقنية، وعندها لن تكون فعَّالة ومفيدة لشريحة الإناث وبقية العاملين في المناصب غير التقنية.
3. التدرُّج في تطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي
يُنصح بالتروّي وتطبيق تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي تدريجياً، فيتسنَّى لك ما يكفي من الوقت للإجابة عن الأسئلة التالية:
- هل تمتلك فكرة واضحة عن مصدر بيانات تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، وهل يُعدُّ هذا المصدر موثوقاً؟
- هل تمتلك فكرة واضحة عن آلية عمل الذكاء الاصطناعي في برامج التعلم؟
- كيف يمكنك أن تتابع نتائج الذكاء الاصطناعي من أجل ضمان الجودة، والدقة، والصلة بالاحتياجات؟
- ما هي الوظائف التي يعجز الذكاء الاصطناعي عن تأديتها؟
4. إعلام الموظفين باستخدامات الذكاء الاصطناعي
يجب إعلام الموظفين بتطبيقات واستخدامات الذكاء الاصطناعي في تجارب التعلُّم،
وابذلْ ما بوسعك لتزويد الموظفين بالمعلومات التي يحتاجون إليها لفهم تطبيقات واستخدامات الذكاء الاصطناعي في المؤسسة، ويجب أن تركِّز على طريقة جمع البيانات، واستخدامها، وتخزينها، بالإضافة إلى الضمانات المتعلِّقة بالخصوصية.
5. تطبيق نظام رقابة لضبط الوصول إلى البيانات
يجب أن توضِّح الإدارة النهج المستخدم في متابعة إجراءات تطبيق الذكاء الاصطناعي، وطريقة جمع التغذية الراجعة المتعلِّقة بفعالية هذه التكنولوجيا وقابليتها للتطبيق، والتأكُّد من دورها في زيادة فعالية برامج التعلّم في المؤسسة.
6. تحسين تطبيقات الذكاء الاصطناعي مع مرور الوقت
يمكن التوسُّع في استخدام الذكاء الاصطناعي وتطبيقه على حالات وشرائح جديدة من الموظفين عندما تتأكد من فعاليته في تحقيق النتائج المرجوة. التوسُّع التدريجي ضروري، لأنَّه يتيح إمكانية المتابعة الدقيقة لأنظمة الذكاء الاصطناعي وإجراء التعديلات اللازمة عليها، وهو ما يضمن تحقيق أهداف التعلم الخاصة بالموظف والمؤسسة تحقيقاً فعَّالاً وأخلاقياً.
في الختام
سيستمر الذكاء الاصطناعي بإحداث التغييرات في بيئات التعلُّم والتطوير، ويقع على عاتق خبراء التعلم والتطوير مسؤولية إدارة هذه النقلة النوعيّة. يساعد تطبيق الذكاء الاصطناعي على تحسين تجربة المتعلم، وزيادة فعاليتها، وضمان توفرها للجميع بالتساوي، ومراعاتها لكافة شرائح الموظفين.
لذا، يجب تطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي تطبيقاً مدروساً لضمان ديمومة النتائج وتقليل المخاطر المرتبطة بالتحيُّز، والخصوصية، وحقوق الملكية.
أضف تعليقاً