إنَّها تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، واحدة من أكثر التطورات المبهرة في عالم التكنولوجيا الحديثة، فقد استطاعت التقنيات المبتكرة والنماذج العميقة أن تحقق قفزات هائلة في مجالات مختلفة، منها مجال الصوت والتعرف إلى الكلام وفهمه واستخلاص المعلومات منه.
من الترجمة الآلية الصوتية إلى مساعدات الصوت الشخصية وأنظمة التعرف إلى الكلام القائمة على التعلم العميق، يوجد تقدُّم هائل في قدرة الأجهزة الذكية على فهم أوامرنا والتفاعل معنا بطريقة طبيعية، وبفضل هذا التطور المستمر، نجد أنفسنا محاطين بتكنولوجيا تسهم في تحسين كفاءتنا وإنتاجيتنا، وتعزز تجربتنا بصفتنا مستخدمين، ويَعِد هذا التطور الكبير في مجال الصوت والتعرف إلى الكلام بمستقبل مشرق وتحقيق رفاهية أكبر للإنسان.
تطور تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في مجال الصوت والتعرف إلى الكلام:
حققت تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي تطورات مذهلة، لا سيما خلال السنوات الأخيرة؛ إذ تعتمد هذه التكنولوجيا على الاستخدام المتقدم للذكاء الاصطناعي وتقنيات التعلم العميق التي تمكِّن الأجهزة من استيعاب الصوت وتحليله والاستفادة منه لتنفيذ الأوامر وفهم النصوص المنطوقة.
في الماضي، كانت التقنيات المتاحة للتعرف إلى الكلام محدودة وغير قادرة أو تجد صعوبة في فهم اللهجات المتعددة وتفاوتاً في النطق، لكن مع التقدم السريع في مجال الذكاء الاصطناعي، طُوِّرَت نماذج متقدمة للتعلم العميق تعتمد على الشبكات العصبية الاصطناعية، وهذا ما أدى إلى تحسين كبير في قدرة الأجهزة على فهم الصوت واستخلاص المعلومات الضرورية منه.
من أبرز الابتكارات التي ساهمت في تحقيق نقلة نوعية في تطور تكنولوجيا الصوت والتعرف إلى الكلام كانت تقنية (الترجمة الآلية الصوتية)، التي سمحَت بتحويل الكلام المنطوق من لغة إلى أخرى بشكل فوري ودقيق، وبفضلها تمكَّن الأشخاص من التواصل بسهولة ويسر، الأمر الذي عزز التواصل وأسهم في تعزيز التعاون الدولي والتبادل الثقافي أيضاً.
إضافة إلى تقنية الترجمة الآلية، فقد ظهرَت أيضاً المساعدات الصوتية الشخصية مثل (سيري، وأليكسا، وغوغل أسيستانت) التي تعتمد على تكنولوجيا التعرف إلى الصوت والتعلم الآلي، وتستجيب لأوامر المستخدمين استجابة فعالة، فمن خلال الحديث مع هذه المساعدات، تمكَّن الأفراد من إجراء مجموعة متنوعة من المهام، مثل إجراء المكالمات الهاتفية، وإرسال الرسائل، وتشغيل الموسيقى، والتحكم في الأجهزة المنزلية الذكية، والحصول على إجابات فورية عن الأسئلة.
مراحل تطور تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في مجال الصوت والتعرف إلى الكلام:
تُقسَم مراحل تطور تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في مجال الصوت والتعرف إلى الكلام إلى مراحل عدة:
1. مرحلة التعرف الصوتي الأولى:
لقد طُوِّرَت أنظمة تعرُّف الكلام التقليدية التي تعتمد على مجموعة من القواعد والنماذج الصوتية المبرمجة يدوياً، وقد عانت هذه التقنيات من قيود في التعرف إلى اللغات المتعددة واللهجات المختلفة.
2. مرحلة تعلُّم الآلة:
استُخدِمَت في هذه المرحلة تقنيات تعلُّم الآلة لتحسين قدرة الأنظمة على التعرف إلى الكلام، وتعتمد هذه التقنيات على البيانات المعروفة مسبقاً لتدريب الأنظمة على تعرُّف الأنماط الصوتية المختلفة؛ إذ تتحسن قدرة الأنظمة على التعرف إلى الصوت مع زيادة كمية البيانات المستخدَمة في التدريب.
3. مرحلة التعلم العميق:
تُستَخدَم الشبكات العصبية الاصطناعية المتعمقة لتحسين أداء أنظمة التعرف إلى الكلام، فقد تمكَّنَت هذه التقنيات من استخلاص المعلومات المفيدة والأنماط المعقدة من البيانات الصوتية.
4. مرحلة الترجمة الآلية الصوتية:
يمكن لهذه الأجهزة فهم الكلام المنطوق في لغة معينة وتحويله إلى نص في لغة أخرى بشكل فوري، وقد أسهمَت هذه التقنية في تسهيل التواصل وتعزيز التعاون الدولي.
5. مرحلة المساعدين الشخصيين الصوتيين:
ظهرَت المساعدات الشخصية الصوتية مثل "سيري" و"أليكسا" و"غوغل أسيستانت"، التي تعتمد على تكنولوجيا التعرف إلى الكلام لفهم وتنفيذ أوامر المستخدمين؛ إذ تمكِّن هذه المساعدين الشخصيين من توفير تجربة تفاعلية ومريحة للمستخدمين من خلال الاستجابة لأوامر الصوت وتنفيذ المهام المختلفة.
إقرأ أيضاً: الذكاء الاصطناعي: أنواعه وكيفية عمله
تطبيقات تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في مجال الصوت والتعرف إلى الكلام:
1. المساعد الصوتي "سيري" (Siri) من شركة "آبل":
طوَّرَته شركة "آبل"، وقد ظهر "سيري" لأول مرة في عام 2011 بوصفه ميزة مدمَجة في هاتف (iPhone 4S) لفهم الأوامر والأسئلة المطروحة من قِبل المستخدمين، ويمكن للمستخدمين استخدام "سيري" لإجراء مجموعة متنوعة من المهام، مثل إرسال رسائل نصية، وإجراء مكالمات، وتشغيل الموسيقى، والحصول على معلومات عامة، وإدارة التذكيرات والمواعيد، والتحكم في الأجهزة المنزلية الذكية، وغيرها.
2. المساعد الصوتي "أليكسا" من شركة "أمازون":
كُشِفَ عن المساعد الصوتي "أليكسا" في عام 2014 بوصفه جزءاً من جهاز الصوت الذكي (أمازون إيكو)؛ إذ يعتمد "أليكسا" على السحابة والتعلم الآلي والتعلم العميق لفهم الأوامر الصوتية وتنفيذها، مثل طلب المعلومات، وإدارة قوائم المهام، والتحكم في الأجهزة المنزلية الذكية، والتسوق عبر الإنترنت، وقراءة الأخبار والطقس، ويحظى "أليكسا" بشعبية واسعة بسبب سهولة استخدامه وتوفُّره على مجموعة واسعة من الأجهزة المحمولة والمنزلية، كما يتم تحديثه باستمرار لتوفير مزيد من المزايا.
3. المساعدات الصوتية "غوغل أسيستانت" من شركة "غوغل":
أُعلِن عن المساعد الصوتي "غوغل أسيستانت" لأول مرة في 2016، ويمكن للمستخدمين التفاعل معه للحصول على المعلومات وإجراء المهام المختلفة، مثل تشغيل الموسيقى، وإدارة المواعيد وغيرها من المهام؛ إذ يعتمد على التعلم العميق وتقنيات الذكاء الاصطناعي لفهم الأوامر الصوتية.
4. المساعد الصوتي (بيكسبي Bixby) من شركة "سامسونغ":
طُوِّرَ المساعد الصوتي (Bixby) من قِبل شركة "سامسونغ"، ويُعَدُّ جزءاً من واجهة المستخدم الذكية في أجهزة "سامسونغ" المحمولة والأجهزة اللوحية وأجهزة التلفاز والأجهزة المنزلية الأخرى، وقد أُطلِق "بيكسبي" للمرة الأولى عام 2017 في إصدار (Samsung Galaxy s8).
يستخدم "بيكسبي" تقنيات الذكاء الاصطناعي والتعلم العميق لفهم الأوامر الصوتية؛ إذ يمكنه القيام بمجموعة مختلفة من المهام، منها إرسال الرسائل، وتشغيل التطبيقات، وإجراء المكالمات، وتنظيم الملفات، والبحث على الإنترنت، وتعديل إعدادات الجهاز المحمول، وتشغيل الموسيقى والفيديو، والتحكم في الأجهزة المنزلية الذكية، وغير ذلك.
5. تطبيق الترجمة الصوتية (غوغل ترجمة):
طُوِّر بواسطة شركة (Google)؛ إذ يعتمد على الذكاء الاصطناعي والتعلم العميق لتحقيق دقة وفهم عاليين في الترجمة، ويوفر (Google Translate) الترجمة الفورية متعددة اللغات على الأجهزة المحمولة وأجهزة الحاسب، وهو أداة قوية للتواصل العابر للغات؛ إذ يحمل مزايا عدة، منها إمكانية إدخال النص أو التحدث إلى تطبيق لترجمة النصوص الفورية، والترجمة عبر الكاميرا، والمحادثة الفورية، وترجمة الصوت.
6. تطبيق الترجمة الصوتية (Microsoft Translator):
أُطلِق التطبيق في عام 2010؛ إذ يتيح هذا التطبيق للمستخدمين ترجمة النصوص والعبارات والصوت بين مجموعة واسعة من اللغات، وذلك عبر استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي والتعليم العميق.
7. تطبيقات التحكم الصوتي في الأجهزة المنزلية الذكية مثل (أمازون إيكو) و(غوغل هوم):
ظهر الإصدار الأول من "أمازون إيكو" في 2015؛ إذ يعمل على أجهزة السماعات الذكية الشهيرة التي تحمل اسم "أمازون إيكو"، وتشمل تطبيقات التحكم الصوتي في "أمازون إيكو" ما يأتي:
- (Alexa App): تطبيق مخصص للتحكم وإدارة أجهزة "أمازون إيكو"، يتيح للمستخدم الوصول إلى إعدادات الجهاز وتخصيص التفضيلات الصوتية وإدارة للقوائم والمهام.
- (Alexa Skills): يسمح للمستخدم باستخدام مزايا إضافية على "أمازون إيكو"، مثل طلب الأخبار، وتشغيل موسيقى، وطلب الطعام وغير ذلك.
- (Alexa Routines): تطبيق البروتينات، يسمح للمستخدمين بتخصيص سلسلة من الإجراءات التي تُنَفَّذ عند تنفيذ أمر صوتي محدد.
8. تطبيقات التعليم والتعلم اللغوي:
توجد بعض تطبيقات التعليم والتعلم اللغوي التي تعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعي في مجال الصوت والتعرف إلى الكلام، منها:
- (Duolingo): يوفر التطبيق تمرينات تفاعلية لتعليم اللغة تحدد النطق والاستماع والقراءة والكتابة، وذلك بطريقة ممتعة جداً.
- (Rosetta Stone): يوفر تدريبات تفاعلية للتركيز على النطق الصحيح وتحسين مهارات التحدث والاستماع.
- (Speecchling): تطبيق يهدف إلى تحسين مهارات التحدث والاستماع في اللغات الأجنبية.
- (Babbel): تطبيق شهير يستخدم الذكاء الاصطناعي في توفير محادثات وتمرينات لتحسين النطق وفهم اللغة الشفهية.
9. تطبيقات الرعاية الصحية الصوتية:
توجد بعض التطبيقات التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي، وتعمل على تحسين وتسهيل خدمات الرعاية الصحية، وتوفِّر معلومات ودعم صوتي للمستخدمين، منها:
- (Ada Health): يساعد المستخدمين على تشخيص الأمراض والأعراض المرتبطة بها.
- (Buoy Health): يطرح أسئلة على المستخدم عن الأعراض والتاريخ الصحي، ثم يحلل المعلومات ويقدِّم نصائح شخصية للمستخدم.
- (MD): يساعد المستخدمين على تحديد أمراضهم المحتمَلة.
- (Health Tap): تطبيق يوفر الاستشارات الطبية عبر الإنترنت؛ إذ يمكن للمستخدمين طرح أسئلتهم الصحية والحصول على إجابات من أطباء متخصصين معتمدين.
في الختام:
إنَّ تطور تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في مجال الصوت والتعرف إلى الكلام أحدث تحولاً جذرياً ونقلة نوعية في طريقة تفاعلنا مع الأجهزة الذكية وتطبيقاتها، فبفضل هذه التقنيات أصبح بإمكاننا التحدث إلى الأجهزة والحصول على إجابات فورية وتنفيذ مهام متنوعة.
من المتوقَّع استمرار تطور التكنولوجيا في هذا المجال، ومن ثمَّ تحقيق رفاهية أكبر للإنسان، وفي الحقيقة إنَّ هذا التطور في مجال الصوت والتعرف إلى الكلام هو تقدُّم مذهل أثَّر إيجاباً في حياتنا اليومية، ووفر لنا فرصاً جديدة للتواصل والتعلم والابتكار.
أضف تعليقاً