مفهوم الحرية:
مفهوم الحرية له أبعاد عديدة، ويشمل جوانب مختلفة من الوجود الإنساني، مثل الحرية السياسية والاجتماعية والمادية، لكن سنركز في مقالنا على حرية الفكر والموقف والتصرف.
1. حرية الفكر:
هي القدرة على توليد الأفكار والآراء والمعتقدات وتطويرها باستقلالية.
2. حرية الموقف:
هي القدرة على اتخاذ المواقف والتعبير عن العواطف دون إكراه أو تأثير من أي أحد.
3. حرية التصرف:
هي القدرة على الاختيار والتصرف وفقاً لقيم الفرد ومبادئه.
تأثير الآخرين في المرء:
البشر اجتماعيون بطبعهم، ولا شك أنَّ أفكارهم وسلوكاتهم تتكوَّن نتيجة تفاعلهم مع الآخرين؛ فنحن نتعرف إلى أفكار ومعتقدات ووجهات نظر مختلفة منذ سن مبكرة؛ وهذا يؤثر في طريقة تفكيرنا؛ إذ تؤدي كل من العائلة والأصدقاء والمعلمون والمجتمع دوراً هاماً في تشكيل أفكارنا ومواقفنا، وقد يكون هذا التأثير واضحاً أو خفياً، لكن من الضروري معرفة تأثيره في تفكيرنا.
الحرية الشخصية والاستقلالية والمصداقية:
على الرغم من عدم قدرتنا على تجنب التأثيرات الخارجية، ولكن من الضروري تنمية الاستقلالية والمصداقية في تفكيرنا؛ إذ تعني الاستقلالية تحمُّل مسؤولية أفكارنا ومعتقداتنا، وتقييم الأفكار التي نتلقاها تقييماً نقدياً، وتطوير التفكير المستقل، والذي يؤدي بالطبع إلى الحرية الشخصية، وأما المصداقية فهي الصدق مع أنفسنا، ومواءمة أفكارنا وأفعالنا مع قيمنا ومبادئنا الجوهرية، وعدم الاستسلام للضغوطات المجتمعية أو تغيير مبادئنا وشخصيتنا سعياً إلى نيل قبول الآخرين.
التخلص من القيود العقلية والمجتمعية:
يؤثر المجتمع والثقافة والتجارب الشخصية في تفكيرنا وسلوكنا، وغالباً ما يتجلى هذا التأثير في تبنِّي تحيزات لاواعية ومعتقدات مقيدة ومعايير مجتمعية تقيد حريتنا، وللتحرر من مثل هذه القيود، فمن الضروري تنمية الوعي الذاتي وممارسة التفكير النقدي؛ فبإمكاننا أن نحرر أنفسنا تدريجياً من العوامل التي تؤثر فينا دون وعي عبر التشكيك بمصداقية المسلمات، واستكشاف جذور معتقداتنا، وتحدي الأعراف المجتمعية.
شاهد بالفديو: 5 تقنيات فعالة للتفكير النقدي
البحث عن وجهات نظر متنوعة:
يُعد البحث عن وجهات نظر متنوعة والمشاركة في نقاشات صريحة أمراً ضرورياً لتوسيع مداركك وتعزيز حريتك في التفكير؛ إذ يمكِّنك الإصغاء إلى آراء مختلفة واحترامها من تحليل أفكارك وتطويرها بصورة نقدية.
يعزز تقبُّل التنوع الفكري النمو، ويؤدي إلى دحض الأفكار المسبقة وتنمية التفكير المستقل؛ وهذا يؤدي إلى التمتع بعقل سليم حر يرى كل شيء من منظور أوسع.
تنمية الحرية العاطفية والنفسية:
يقتضي تحقيق الحرية النفسية والعاطفية تعزيز المرونة والثقة بالنفس والذكاء العاطفي؛ وهذا يتطلب فهم عواطفنا، ووضع حدود منطقية، وعدم السماح للظروف الخارجية أو آراء الآخرين بالتأثير في حالتنا العاطفية، وتساعد ممارسات مثل اليقظة الذهنية والتأمل الذاتي والرعاية الذاتية على تنمية الحرية العاطفية والنفسية.
نصائح لتحقيق الحرية النفسية والعاطفية:
1. مارِس التأمل الذاتي:
قيِّم أفكارك ومعتقداتك وعواطفك باستمرار لتحديد أنماط أو تأثيرات قد تعوق حريتك.
2. اطلب المعرفة:
وسِّع مداركك عبر قراءة الكتب وحضور المحاضرات واستكشاف وجهات النظر المختلفة.
3. أحِط نفسك بتأثيرات متنوعة:
تعامل مع أفراد يتحدون أفكارك ويقدِّمون آراء متنوعة.
4. تقبَّل غياب اليقين:
اقبل التشكيك في معتقداتك، وكن على استعداد للتكيف والتطور مع ظهور معلومات جديدة.
5. تعاطَف مع ذاتك:
عامل نفسك بلطف وتفهُّم؛ فهذا يتيح لك النمو والتعلُّم من تجارب الماضي.
6. ضع الحدود:
ضع حدوداً واضحة لحماية صحتك النفسية والعاطفية، واحرص على أن تتوافق أفكارك وأفعالك مع قيمك.
يعني التمتع بالحرية عدم أخذ الأمور على محمل شخصي، وعدم السماح لأفكار الآخرين ومشاعرهم بالتأثير في شعورك وتصرفاتك، ويعني أيضاً التحكم بعقلك وعدم السماح للأفكار والمخاوف السلبية بأن تملأه.
أمثلة عن الحرية:
1. أمثلة عن التأثيرات في الحرية:
- الأسرة:
قد يتبنى الفرد الذي نشأ في أسرة محافِظة وجهات نظر أسرته السياسية والاجتماعية في البداية؛ ولكنَّه عندما يتعرف إلى وجهات نظر مختلفة في المدرسة أو من خلال التجارب الشخصية، يبدأ التشكيك في معتقداته السابقة وتشكيل معتقدات جديدة.
- ضغط الأقران:
يواجه المراهقون غالباً ضغط الأقران لتتوافق سلوكاتهم مع سلوكات أو مواقف معينة، وعلى سبيل المثال: قد يرتدي المراهقون ملابس معينة أو يتبنون اهتمامات محددة لتتناسب شخصيتهم مع جماعة معينة، وحتى لو كان ذلك يتعارض مع شخصيتهم الحقيقية.
2. مثال عن قائد ملهِم:
سُجِن "نيلسون مانديلا" (Nelson Mandela) لمدة 27 عاماً بسبب نشاطه ضد الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، وعلى الرغم من سجنه جسدياً، إلا أنَّه أبى أن يفقدَ حريته النفسية والعاطفية عبر رفض السماح لساجنيه بتغيير موقفه ومعتقداته، واستمر بعد إطلاق سراحه في الدفاع عن المساواة والتسامح مؤكداً على قوة الحرية الشخصية في مواجهة الشدائد.
3. التغلب على القيود المجتمعية:
قد يعتقد الفرد الذي نشأ في إطار ثقافة تحدد أدوار جندرية صارمة في البداية أنَّ بعض المهن أو النشاطات محصورة على جنس معين فقط؛ ولكنَّ الاقتداء بأشخاص من كِلا الجنسين وتحدي الأعراف الاجتماعية يساعد على التحرر من هذه القيود، والسعي نحو ما يثير شغفك دون عوائق.
4. البحث عن وجهات نظر متنوعة:
نتعرف من خلال حضور فعاليات متعددة الثقافات أو المشاركة في حوارات مع أفراد ينتمون لخلفيات مختلفة إلى وجهات نظر متنوعة؛ فنستطيع عبر الإصغاء الفعَّال والمشاركة في نقاشات بنَّاءة، توسيع مداركنا، ودحض أفكارنا المسبقة؛ وهذا يمنحنا حرية أكبر في أفكارنا ومواقفنا.
5. تنمية الحرية العاطفية والنفسية:
يمكن أن تساعد ممارسة التأمل واليقظة الذهنية على التخلص من المشاعر السلبية أو التأثيرات الخارجية؛ وهذا يتيح لنا مراقبة أفكارنا دون انتقادها، وتعزز هذه الممارسة الذكاء العاطفي، وتمكِّن الأفراد من الاستجابة للمواقف بناءً على قيمهم وليس التأثيرات الخارجية.
في الختام:
إنَّ هذه الأمثلة هي بمنزلة تذكير بأنَّه يمكن بلوغ الحرية الشخصية، ويمكننا تكوين أفكارنا وأفعالنا بعيداً عن تأثير البيئة ووسائل الإعلام، ولكن لتحقيق ذلك، فعليك العمل على الأمر عبر ممارسة تقنيات وتمرينات مختلفة.
الحرية الشخصية هي جانب معقد وجوهري من جوانب حياتنا، وعلى الرغم من أنَّنا نتأثر في الآخرين والبيئة المحيطة بنا، إلا أنَّنا نملك القدرة على تنمية التفكير المستقل.
نستطيع أن نبقى صادقين مع أنفسنا من خلال التفكير في معتقداتنا، والبحث عن وجهات نظر متنوعة، وتعزيز الحرية العاطفية والنفسية، لذا تذكر أنَّ الحرية الشخصية هي رحلة تستمر مدى الحياة، وتتطلب تقييماً ذاتياً مستمراً ونمواً؛ لذا تقبَّل حريتك، وثِق بأفكارك، وتصرف وفقاً لقيمك لتحقيق الحرية الحقيقية.
أضف تعليقاً