ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدوِّن "إيفان تارفر" (Evan Tarver)؛ يعطينا فيه خمس طرائق تساعدنا على التغلب على الضغوطات الأعراف الاجتماعية.
إنَّ الضغط الاجتماعي ليس قوة خارجية يمارسها المجتمع في محاولة الضغط عليك لكي تبقى مقيَّداً في مسارٍ محددٍ قد لا تريده في النهاية؛ بل هو ضغط داخلي تفرضه على نفسك بناءً على حاجتك اللاشعورية للتكيُّف مع مَن حولك؛ وهذا يعني أنَّنا نملك القدرة على كسر الأعراف الاجتماعية وعيش الحياة التي تجعلنا سعداء.
في هذا المقال، سنناقش الطرائق التي يمكنك بناءً عليها التغلُّب على الضغط الاجتماعي لكي تعيش حياتك بطريقة أفضل.
كيف تتغلَّب على الضغوطات الاجتماعية؟
الضغط الاجتماعي هو الضغط الذي نفرضه على أنفسنا لكي نعيش حياة يَعُدُّها أقراننا ناجحةً تقليدياً؛ إذ إنَّه ينبع من رغبتنا الداخلية في التوافق مع البشر من حولنا، وحاجتنا إلى أن يقبلنا الناس في حياتنا، لكن لسوء الحظ، يُعَدُّ الضغط الاجتماعي قيداً يحاول أن يبقينا عضواً فعَّالاً في المجتمع فقط، بدلاً من تشجيعنا على اتباع اهتماماتنا الفريدة في محاولة العثور على السعادة الدائمة.
فإذا تمكَّنَّا من التغلُّب على ضغوطاتنا الاجتماعية، وكسر الأعراف الاجتماعية، فنحن قادرون على عيش الحياة بطريقة تتوافق مع جوهر أنفسنا، وتذكَّر أنَّ السعادة هي توقعات دون الحقيقة، وإذا كان واقعك لا ينسجم مع توقعاتك اللاواعية عمَّا يجب أن تكون عليه حياتك، فإنَّه يتسبَّب في صراع داخلي يتجلَّى في مشاعر عدم الرضى، والغضب، وعدم المبالاة بالحياة.
ستساعدك الطرائق الأربع الآتية على التغلُّب على الضغوط الاجتماعية، وأن تعيش أفضل حياتك:
1. تحديد السبب بوضوح:
واحدة من أكبر المشكلات المتعلقة بالضغط الاجتماعي، هي أنَّ الناس غالباً لا يمتلكون فهماً راسخاً لما يُحفِّزهم؛ بل بدلاً من ذلك، يلجؤون إلى الأشياء التي يقول المجتمع إنَّها يجب أن تدفعنا؛ كالمال والمسمَّيات الوظيفية والممتلكات المادية والإثارات البسيطة، لكن هل هذا هو ما يدفعك شخصياً؟ كن صادقاً مع نفسك، أنا متأكَِّد من أنَّها ليست كذلك.
ومع ذلك، إذا كنت غير قادر على تحديد ما يدفعك، فمن السهل اتباع القصص التي يقول عنها الآخرون إنَّها تؤدي إلى "النجاح"، لكن ماذا لو لم يؤدِّ نجاح أحدهم إلى نجاح الآخر؟ وماذا لو كانت أهداف صديقك هي عكس ما تريده في أعماقك؟ فإذا اتبعت هذا المسار المعاكس، قد تبدو ناجحاً بالمعنى التقليدي، ولكنَّك ستشعر بعدم الانسجام مع نفسك الحقيقية، وهذا يؤدي إلى شعورك بالتعاسة.
هذا هو السبب في أنَّه من الهام جداً أن تُحدِّد بوضوح "السبب"؛ فالسبب الخاص بك هو السبب الأساسي لجميع أفعالك؛ على سبيل المثال، قد تكون حقيقة رغبتك في أن تكون موسيقياً هي السبب وراء ذهابك إلى مدرسة الموسيقى، بدلاً من ارتياد الكلية التقليدي، وإذا كنت تريد أن تكون رائد أعمال، فقد تكون ملكية الأعمال هي السبب وراء إجبارك على ترك الكلية والالتحاق بوظيفة مبتدئ مع شركة ناشئة مثيرة للاهتمام تعلِّمك كيفية توسيع نطاق الشركة.
فإذا كنت تعرف سبب ذلك، فسيصبح من الأسهل كثيراً بأن تقول "لا" عندما يظهر الضغط الاجتماعي، فلا أحد يستطيع رؤية "الرؤية الخاصة بحياتك"، لكن إذا لم تتمكَّن من رؤيتها أيضاً، فليس هناك فرصة بأن تكون قادراً على عيشها؛ لهذا عندما تريد التغلُّب على الضغط الاجتماعي، فأنت تحتاج إلى فهم جيد لـ "السبب" الذي يحفِّز سلوكك؛ لذلك عندما يحاول شخص ما التأثير فيك في اتجاه آخر، يمكنك على الفور تحديد أنَّه ليس الاتجاه الصحيح لك.
شاهد بالفيديو: 8 تقنيات للتخلص من الضغط اليومي بسرعة
2. البحث عن أشخاص مبدعين:
سبب آخر لشعور الناس بالضغط الاجتماعي هو الناس المحيطين بهم؛ على سبيل المثال، إذا كان أصدقاؤك جميعهم أشخاصاً تقليديين يريدون الأشياء التقليدية التي يقول المجتمع إنَّها "جيدة"، فسيصبح من السهل اتباع طريقهم.
لقد كان رجل الأعمال "جيم رون" (Jim Rohn) مُحقَّاً عندما قال إنَّك متوسِّط الأشخاص الخمسة الذين تقضي معظم الوقت معهم، فإذا كان هؤلاء الأشخاص هم نفس الأشخاص الذين يجعلونك تشعر بالضغط لتعيش حياة تقليدية يوافق عليها المجتمع، فمن المُحتمل أنَّك ستستسلم لهذا الضغط.
وفي المقابل، إذا أحطت نفسك بأشخاص مبدعين، ربما أكثر منك، فسيصبح من الأسهل أن تتصرَّف بأسلوبك الخاص؛ على سبيل المثال، إذا كان لديك صديق موسيقي، وشاهدته يحقِّق النجاح في المجال الذي يختاره، فسيصبح من الطبيعي أن تظنَّ بأنَّك يمكنك القيام بشيء مشابه، ويكون القيام بذلك أصعب بكثير إذا كان جميع أصدقائك يعملون في وظيفة تقليدية؛ لذا إذا لم تكن مستعداً لأشياء؛ مثل: الزواج، أو للحياة المؤسسية، فتأكَّد من أنَّ لديك أصدقاء ومنتورز مبدعين.
3. كسر الأعراف الاجتماعية:
لدينا جميعاً خوف فطري من مخالفة قواعد المجتمع؛ إذ ينبع هذا من حاجتنا الغريزية لقبولنا في المجتمع، ومع ذلك، على الرَّغم من أنَّ هذا كان جزءاً لا يتجزَّأ من بقائنا على قيد الحياة منذ آلاف السنين، إلَّا أنَّه أقل من ذلك بكثير اليوم.
ومع ذلك، فإنَّنا جميعنا قلقون إلى حدٍّ ما بشأن كسر الأعراف الاجتماعية، لكن لماذا؟ ما الذي يمكن أن يسوء إذا كنت تتعارض مع مقدار ضئيل من المجتمع؟ لا شيء أكثر من تعليق غاضب أو اثنين على "الانستغرام" (Instagram).
عندما تتعامل مع الضغط الاجتماعي، فمن الهام أن تكسر القواعد الاجتماعية؛ لسببين: الأول، هو أنَّه يتيح لك استكشاف هيكلية المجتمع، والثاني، أنَّه يساعدك على الإجابة عن السؤال، "ما هو أسوأ شيء يمكن أن يحدث؟" ستجد الجواب عادةً "ليس الكثير".
يسمِّي رائد الأعمال "تيم فيريس" (Tim Ferriss) هذا الأمر بمواجهة الخوف، وهذا يعني الجلوس وتخيُّل أسوأ ما يمكن أن يحدث من جرَّاء مجموعة إجراءات محتملة، وهذا مفيد جداً؛ وذلك لأنَّ الأشياء التي نخاف منها عادةً إمَّا أنَّها لن تحدث، أو هي ليست مخيفة أبداً، وبطبيعة الحال، عندما تخالف الأعراف الاجتماعية، فإنَّك تواجه الخوف وتفعل ما يخيفك.
على سبيل المثال، إذا كنت تريد أن تصبح رائد أعمال، فقد تشارك في "تحدي القهوة"، وهذا يعني الذهاب إلى مقهى "ستاربكس" (Starbucks) وطلب فنجان قهوة مجاني؛ فالفكرة هنا هي أنَّك ستدرك سريعاً أنَّ أسوء ما يمكن أن يحدث هو رفض طلبك بلباقة.
ومع مرور الوقت، إذا فعلت ذلك كثيراً، فإنَّك تدرِّب عقلك على طلب الخصومات والصفقات، التي ستساعدك على ريادة الأعمال؛ إذ إنَّ كسر الأعراف الاجتماعية، مهما كانت كبيرة أو صغيرة، يجعلك معتاداً على التشكيك في القيود الاجتماعية التي تجعلنا نشعر بالضغط الاجتماعي، بدلاً من الالتزام بحياة لا تتفق معها.
4. تبنِّي وجهة نظر متناقضة مع الآخرين:
أنا شخصياً أحب أن أكون متناقضاً، وأظنُّ أنَّني لطالما عرفت نفسي بهذه الطريقة، فإحدى الطرائق السريعة والسهلة للتخلُّص من الضغوطات الاجتماعية وعيش أفضل حياة يمكن أن تعيشها، هي تعزيز طبيعتك المتناقضة، فإذا كان في إمكانك القيام بذلك، فإنَّك تصبح مناقضاً بطبيعتك في أذهان الآخرين؛ فعندما تتصرَّف بأسلوبك الخاص، لن يظنُّ أحد أنَّ ما تفعله غير طبيعي.
ويوجد مثال ممتاز من حياتي الخاصة؛ فأنا أعرِّف نفسي بصفتي رجل أعمال وكاتباً، أحدهما مجال كمي، والآخر نوعي بدرجة أكبر؛ فعندما أكون في بيئة الأعمال، أحب أن أُظهر أهمية كوني كاتباً مبدعاً، وعندما أكون في عالم الكتابة وأتفاعل مع المبدعين الآخرين، أحب أن أُظهر أهمية أنَّ لديَّ خلفية في الأعمال والتكنولوجيا، والنتيجة هي أنَّني الشخص الأكثر إبداعاً في بيئة الأعمال، وأكثر رجال الأعمال ذكاءً في البيئة الإبداعية.
بهذه الطريقة، يتوقَّع مني الأشخاص في كلتا البيئتين أن أُخالفهم؛ لذلك، عندما أشعر بضغط اجتماعي وأختار اتباع طريقي الخاص، فمن المُرجَّح أن يتقبَّله الناس على أنَّه أمرٌ "طبيعي"، وينتج عن هذا ضغط اجتماعي أقل يقع عليَّ من قِبل أولئك الذين يحيطون بي، وهذا يسمح لي باتباع مسار فريد في الكتابة الإبداعية وعالم الأعمال دون أن يخبرني أحد بأنَّ ذلك غير ممكن أو قابل للاستدامة.
شاهد بالفيديو: 6 طرق عملية للتعامل مع الإحساس بالضغط
فهم نظرية الأعراف الاجتماعية وكيفية استخدامها:
نظرية الأعراف الاجتماعية هي نظرية تقول إنَّ سلوك الشخص غالباً ما يكون مُتأثراً في التصوُّرات غير الصحيحة لكيفية توقُّع تصرفاتنا من قِبل الآخرين، وتنصُّ على أنَّ تأثير الأقران هو أحد أكبر العوامل التي تؤثر في معتقداتنا وأفكارنا وأفعالنا، والنتيجة هي أنَّنا غالباً ما نمارس سلوكاً نَعُدُّه سلبياً، مثل: تعاطي المخدرات؛ وذلك فقط لأنَّنا نظن أنَّ الآخرين يتوقَّعون منَّا ممارسة هذا السلوك.
ففي كثير من الأحيان، الضغط الاجتماعي الذي نشعر به ليس حقيقياً؛ إذ إنَّه جرحٌ مُفتعل ناتج عن تصورنا الخاطئ للآخرين؛ وهذا يعني أنَّه إذا تمكَّنَّا من فهم نظرية الأعراف الاجتماعية والتغلُّب عليها، فلدينا فرصة أفضل للتغلُّب على مشاعرنا بشأن ضغط الأقران، وكسر الأعراف الاجتماعية، ففي النهاية، تنصُّ نظرية الأعراف الاجتماعية على شيئين:
- يتأثر السلوك الفردي في تصورات ما يتوقَّعه الآخرون ويقبلونه من حيث السلوك.
- عادةً ما يكون تصور الفرد لما يتوقَّعه الآخرون ويقبلونه خاطئ.
والآن، لنلقي نظرة على طريقتين يمكننا بفضلهما مواجهة نظرية الأعراف الاجتماعية، حتى يكون لدينا فرصة أفضل للتغلُّب على الضغط الاجتماعي، وكسر الأعراف الاجتماعية.
1. زيادة ضغط الأقران الإيجابي:
الطريقة الأولى التي يمكننا بها التغلُّب على نظرية الأعراف الاجتماعية، هي أن نفهم أنَّ ضغط الأقران يمكن أن يكون في الواقع إيجابياً؛ إذ يخبرنا جوهر نظرية المعايير الاجتماعية أنَّنا غالباً ما نبالغ في تقدير توقعات أقراننا في المواقف السلبية، ونقلِّل من شأنها في المواقف الإيجابية؛ على سبيل المثال، قد نكون أكثر ميلاً إلى تعاطي المخدرات؛ وذلك لأنَّنا نظنُّ أنَّ الآخرين يقومون بذلك، لكنَّنا قد نكون أقل ميلاً للذهاب إلى النادي الرياضي؛ وذلك لأنَّنا نفترض بأنَّ أقراننا لا يهتمون بذلك.
ومع ذلك، هذا ليس صحيحاً بالضرورة، بل إنَّ خلاف ذلك هو الصحيح عادةً، على الرَّغم من أنَّه قد لا يبدو كذلك، فهذا هو السبب في أنَّنا نحتاج إلى الاستفادة من ضغط الأقران بِوصفه أمراً إيجابياً وليس سلبياً.
لذا، ضع قيوداً إيجابية على حياتك انطلاقاً من التوقُّعات الإيجابية للآخرين، فإذا كان لديك صديق مبدع يلهمك لمتابعة الفنون، فاستخدم توقعاتك بِعَدِّها طريقةً لتحفيز نفسك على بذل الوقت والجهد اللازمين للنجاح في هذا المجال.
2. تقليل ضغط الأقران السلبي:
ستحتاج أيضاً إلى تقليل ضغط الأقران السلبي في حياتك، أو على الأقل تقليل تعرُّضك له، ففي سياق هذا المقال، ضغط الأقران السلبي هو الضغط الذي تشعر لاتِّباع المسار الذي يخبرك المجتمع بأنَّه المسار الصحيح، على عكس ضغط الأقران الإيجابي؛ إذ يُعَدُّ هذا قيداً سلبياً يقيِّدك بدلاً من إجبارك على العمل الإيجابي والتحرر النهائي.
ولحسن الحظ، يمكنك تقليل ضغط الأقران السلبي باتباع الخطوات الأربع المذكورة آنفاً، ومع مرور الوقت، لن تزيل هذه السلبية من حياتك فحسب؛ بل ستقلِّل أيضاً من سيطرتها عليك، وهذا يسمح لك بمتابعة أفضل حياة يمكن أن تعيشها بحرية.
في الختام:
إنَّ عيش أفضل حياة يمكن أن تعيشها، هو شيء لا يستطيع أحد القيام به إلا أنت، ففي بعض الأحيان، تكون أفضل حياة يمكن أن تعيشها هي بالضبط تلك التي يحدِّدها المجتمع، وفي أحيانٍ أُخرى، تكون عكس ما يحدده المجتمع، وبصرف النظر، إذا كنت تشعر بصحة ما يحدده المجتمع، فاتبعه، وإلَّا فلا.
شاهد بالفيديو: 4 خطوات للتغلب على الضغوط الاجتماعية
أضف تعليقاً