مفهوم الجيل الجديد:
إنَّ جيل الألفية يعكس تجربة الذين وُلدوا في فترة زمنية حيوية شهدت تغيرات هائلة، وهؤلاء الأفراد نشؤوا في عصر التكنولوجيا الرقمية السريعة، فأصبحت الهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي جزءاً لا يتجزأ من حياتهم اليومية.
لهم طابعٌ فريد يتجلى في تبنِّيهم للتنوع والابتكار، وفي قدرتهم على التأقلم مع التغيرات بشكل سريع، ومع ذلك، تنطوي هذه الرحلة الفريدة على تحديات نفسية قد تعكس هشاشة مظهرهم الاجتماعي.
سيتم استكشاف هذه الهشاشة النفسية في هذا المقال، مسلطين الضوء على الضغوطات الحديثة التي يواجهها أفراد جيل الألفية، وكيف يمكن التصدي لهذه التحديات لتعزيز صحتهم النفسية واستقرارهم العاطفي.
الهشاشة النفسية:
تتجلى الهشاشة النفسية في جيل الألفية بوصفها تأثيراً نفسياً ينبعث من تفاعلهم مع التحولات الاجتماعية والتكنولوجية السريعة، ويتعرض أفراد هذا الجيل لضغوطات متعددة قد تؤثر في استقرارهم النفسي بطرائق متنوعة، ومنها:
1. ضغوطات الحياة:
الاقتصاد:
يواجه أفراد الألفية تحديات اقتصادية، مثل ارتفاع تكاليف المعيشة وصعوبة تأمين السكن، وهذا يتسبب في ضغوطات مالية تؤثر في رفاهيتهم النفسية.
المهنية:
تواجه سوق العمل تحولات هائلة مع زيادة التنافس وتطور التكنولوجيا، وهذا يثير توترات وضغوطات بشأن اختيارات الحياة المهنية الخاصة بهم.
2. تأثير وسائل التواصل الاجتماعي:
المقارنة:
قد تعزز وسائل التواصل الاجتماعي مقارنة غير صحية بين الأفراد، فيشعر الكثيرون بالضغط لتحقيق إنجازات مشابهة لأقرانهم.
التأثير النفسي:
يؤدي التعرض المستمر لصور النجاح والسعادة على منصات التواصل إلى الشعور بعدم الرضى عن الذات والضغط النفسي.
3. تأثيرات التكنولوجيا:
إدمان الشاشات:
يؤدي الاعتماد الكبير على الأجهزة الذكية إلى العزلة الاجتماعية وتقليل التفاعل الشخصي، وهذا يؤثر في جودة العلاقات الاجتماعية.
تحديات الاتصال:
تغيرت ديناميات العلاقات الاجتماعية مع التحول إلى التواصل الرقمي، وهذا أدى إلى ظهور تحديات في التفاهم والتواصل العاطفي.
يسهم فهم هذه العوامل المؤثرة في الهشاشة النفسية لدى الجيل الجديد في تطوير استراتيجيات لدعم صحتهم النفسية وتحفيزهم على مواجهة التحديات بإيجابية.
الجيل الجديد هش لدرجة تسبب أزمة عالمية:
جوناثان هايدت، أحد علماء النفس الاجتماعي المرموقين في جامعة نيويورك، قد جاد في مقابلة مع صحيفة "وول ستريت جورنال" بالتأكيد على أنَّ جيل الألفية قد تم تعريضه للفشل بسبب تلاقي عدة عوامل، من بينها وسائل التواصل الاجتماعي وأساليب التربية السيئة والأيديولوجية السياسية التي تبرز دور الضحية.
يقول هايدت إنَّ أفراد جيل الألفية (المولودين بين 1997 و2012) يعانون من أزمة نفسية عميقة نتيجة لهذه العوامل، ويرى هايدت أنَّه عندما نلقي نظرة على الأميركيين الذين ولدوا بعد عام 1995، نجد أنَّهم يعانون من معدلات عالية جداً من القلق والاكتئاب وإيذاء الذات والانتحار والهشاشة النفسية.
يعزو هايدت ذلك إلى تأثير وسائل التواصل الاجتماعي وثقافة إبراز دور الضحية، ويشدد على أنَّ أسلوب التربية المقيد جداً أيضاً قد جعل معظم أفراد جيل الألفية "هشين"، غير قادرين على التكيف بفاعلية مع الضغوطات والتحديات العادية للبلوغ.
كمثال عن هذا الأسلوب التربوي غير الفعَّال، يشير الخبر إلى اكتشاف هايدت الذي يوضِّح أنَّ "سن السماح للأطفال بالخروج من المنزل وحدهم قد ارتفع من المتوسط الذي كان 7 أو 8 سنوات في الأجيال السابقة إلى ما بين 10 و12 سنة".
تُشير وسائل التواصل الاجتماعي، بتأثيرها الفتَّاك وتوقعاتها الاجتماعية غير الواقعية، إلى أنَّ لها تأثيراً خاصاً ومدمراً في الصحة النفسية والقدرة على أن تكون "مقاومة" لدى فتيات جيل الألفية.
فيما يتحدث بشكل عام عن التأثير السلبي لوسائل التواصل الاجتماعي، يُجادل هايدت بأنَّ "وسائل التواصل الاجتماعي غير متوافقة مع الديمقراطية الليبرالية؛ لأنَّها نقلت المحادثات والتفاعل إلى مركز الكولوسيوم، ونحن لسنا هنا للتحدث مع بعضنا، بل نحن هنا للاستعراض".
بصفته أستاذاً جامعياً، لاحظ هايدت أنَّ تلك المشكلات تظهر عند الطلاب في الحرم الجامعي، ويشير إلى أنَّ الطلاب الجامعيين رغم وجودهم في أكثر الأماكن أماناً وترحيباً وشمولاً ومكافحة للعنصرية على هذا الكوكب، إلا أنَّ معظمهم كان يتصرف كما لو أنَّه دخل إلى عالم من عوالم الظلام والتهديد غير الأخلاقي".
لقد درس هايدت لفترة طويلة قضايا تلاقي الأيديولوجيا السياسية والصحة النفسية وديناميات المجتمع، معتبراً أنَّ الحل الوحيد لهذه المشكلات هو التربية والتعليم مع التركيز على التحمل والانفتاح الفكري.
في عام 2018، تعاون هايدت مع غريغ لوكيانوف، لإصدار كتاب "تدليك عقل الأمريكي"، ويقدم الكتاب حجة تقول إنَّ "المشكلات الجديدة في الحرم الجامعي تأتي من ثلاثة أفكار فظيعة أصبحت تندمج تدريجياً في الطفولة الأمريكية وتعلِّم مفهوم: ما لا يقتلك يجعلك أضعف؛ ثق دائماً بمشاعرك؛ والحياة هي معركة بين الناس الطيبين والناس الأشرار".
يقول وصف الكتاب: "هذه الحقائق الثلاث الكبيرة تتناقض مع المبادئ النفسية الأساسية المتعلقة بالرفاهية والحكمة القديمة من عدة ثقافات". من أجل المساهمة في حل هذه المشكلات، أسَّس هايدت أيضاً Heterodox Academy، وهي منظمة أكاديمية تسعى إلى تحسين جودة البحث والتعليم في الجامعات من خلال زيادة الاستفسار المفتوح وتنوُّع وجهات النظر والخلاف البناء.
شاهد بالفيديو: 10 حقائق يجب معرفتها عن جيل الألفية
الحماية المفرطة والهشاشة النفسية:
تميل الحماية المفرطة من صعوبات الحياة إلى إنشاء بيئة تربوية يُحاط فيها الأطفال بدرجة عالية من الرعاية والحماية، وهذا يمنعهم من تجربة الصعوبات اليومية، وهذا النوع من الحماية يتجلى في تجنب تعريض الأطفال لأي نوع من التحديات أو المشكلات، مع التركيز الزائد على إبقائهم في بيئة محمية.
على الرغم من أنَّ الهدف الأساسي لهذه الحماية هو ضمان راحة الأطفال وسعادتهم، إلا أنَّ النتيجة قد تكون مناقضة، فالأطفال الذين يعيشون في هذا النوع من البيئات يصبحون أقل قدرة على التكيف، ويتجنبون المواقف الصعبة ويصبحون أكثر خوفاً من مواجهة أي تحديات قد تطرأ في المستقبل.
يؤدي هذا الخوف والتجنب المستمر إلى هشاشة نفسية، فيصبح الفرد عرضة للتوتر والقلق عند مواجهة أي ضغوطات أو مشكلات، ويفتقد الأطفال الذين يعيشون في هذا السياق إلى الفرصة لتطوير مهارات التحمل والتكيف اللازمة لمواجهة التحديات بشكل فعَّال.
من الهام تحقيق توازن صحيح بين توفير الحماية وتشجيع الأطفال على تجربة وفهم الصعوبات، فذلك يساعد على تعزيز تنمية نفسية قوية ومرونة عاطفية، وهذا يسهم في بناء فرد يستطيع التعامل بكفاءة مع التحديات الحياتية بشكل أكثر فاعلية.
الثناء الزائد والهشاشة النفسية:
الثناء الزائد، عندما يُعطى للأطفال بشكل مفرط دون مراعاة لجهودهم الفعلية أو دون تقديم تقييم واقعي لأدائهم، قد يكون له تأثير سلبي في تطور الهوية الشخصية لديهم، وعلى الرغم من أنَّ الثناء يعد أمراً إيجابياً، إلا أنَّ الزيادة عن الحد تحرم الأطفال من فرصة فهم أنفسهم بشكل واقعي وتطوير تقدير صحيح لمهاراتهم وقدراتهم.
عندما يُثنى على الأطفال بشكل دائم دون تحديد أسباب التقدير أو دون ربطه بأدائهم الفعلي، قد يتشكل لديهم تصور غير واقعي عن قدراتهم، ويصبحون قادرين على تلقي الثناء دون الحاجة إلى بذل مجهود أو تحقيق نجاح فعلي، وفي النهاية، يؤدي هذا إلى نقص الاعتماد على النفس وعدم القدرة على التعامل مع التحديات.
الهشاشة النفسية قد تظهر في هذه الحالة نتيجة لتبني صورة مزيفة للذات، فيفتقد الفرد إلى الفهم الواقعي لقواه وضعفه، وقد يعيش في حالة من الترقب المستمر للثناء الخارجي، وهذا يؤثر في ثقته بنفسه وقدرته على التحكم في مصيره.
ونتيجة لذلك تظهر أهمية توازن الثناء، فيجب أن تُقدَّر الجهود والإنجازات الفعلية بدلاً من إعطاء ثناء عام وغير محدد، ويُشجع الأطفال على تطوير فهم صحيح لأنفسهم وقدراتهم، فهذا يساعدهم على بناء هوية قائمة على الواقع وتحقيق تقدير صحيح لمجهوداتهم.
سبل التغلب على الهشاشة النفسية:
يمكننا التغلب على الهشاشة النفسية بما يلي:
1. التوعية النفسية:
يعد تعزيز التوعية بالصحة النفسية أساسياً، فيمكن للأفراد فهم مشكلاتهم والبحث عن الدعم اللازم.
2. التحدث المفتوح:
يقلل تشجيع الحوار المفتوح عن القضايا النفسية من الضغوطات وينشئ بيئة داعمة للتحدث عن التحديات الشخصية.
3. تطوير مهارات التحمل:
يمنح تعزيز مهارات التحمل والتكيف الأفراد قدرة أكبر على التعامل مع الضغوطات والصعاب بشكل فعَّال.
4. تنمية المهارات الشخصية:
يعزز تطوير المهارات الشخصية مثل إدارة الوقت وتحسين مهارات التواصل القدرة على التعامل مع التحديات الحياتية.
5. التفاعل الاجتماعي الحقيقي:
يعزز تشجيع النشاطات الاجتماعية في الحياة الواقعية التواصل بعمق ويسهم في تحسين العلاقات الاجتماعية.
6. الاعتناء بالصحة البدنية:
يعزز ربط الصحة النفسية بالصحة البدنية التوازن العام، فالنشاط البدني والتغذية السليمة يؤديان دوراً هاماً في تحسين المزاج والطاقة.
7. البحث عن الدعم المهني:
يقدم اللجوء إلى المساعدة المهنية من أخصائيين في الصحة النفسية دعماً متخصصاً وفعَّالاً في التغلب على التحديات النفسية.
8. تحديد الأهداف والتوجيه:
يوفر وضع أهداف وتوجيهات حية إحساساً بالهدف والتوجه، وهذا يعزز الرغبة في التقدم والتحسين الشخصي.
عند وضع هذه السبل في الحسبان، يمكن للأفراد في جيل الألفية تحقيق توازن صحي يسهم في التغلب على الهشاشة النفسية وتعزيز جودة حياتهم الشخصية والاجتماعية.
في الختام:
يظهر الجيل الجديد، جيل الهشاشة النفسية، بوصفه تحدياً هاماً يستدعي انتباهنا واهتمامنا، فتأثير العوامل مثل وسائل التواصل الاجتماعي وأسلوب التربية يبرز بوضوح في تشكيل هوية هذا الجيل وتأثيره في صحته النفسية، وللتغلب على هذه الهشاشة، يتطلب الأمر تفعيل سبل التقوية النفسية، مثل تعزيز الوعي الذاتي، وتطوير مهارات التحمل، والبحث عن الدعم الاجتماعي.
بالتوجيه نحو مسارات التحسين الشخصي والاستفادة من التكنولوجيا بشكل إيجابي، يمكن لهذا الجيل تحقيق تطور نفسي صحي ومستدام، وإنَّ إدراكنا لهذه التحديات وعملنا المشترك لتقديم الدعم والتوجيه سيسهم بشكل كبير في بناء جيل يواجه التحديات بقوة وينمو بنفسية إيجابية.
أضف تعليقاً