وما تسببه من خسائر اقتصادية ومادية، وتهديد باستمرار الحياة على سطح الأرض، وهذا ما لا يتمناه أحد منا.
لكن للأسف يُحذِّر خبراء المناخ من خطورة آثار تغيُّر المناخ فيما لو لم يتخذ البشر إجراءات وخطوات جدية للحد من هذه المشكلة الذين هم السبب الرئيس لتفاقهما، فما هي مشكلة تغيُّر المناخ؟ وما هي أسبابها وآثارها؟ وما هي الحلول المقترحة لتخفيفها؟
ما هو "تغيُّر المناخ" (Climate change):
هو التحولات والتغيرات غير الاعتيادية التي تحدث في المناخ على مدار فترات زمنية طويلة الأمد، سواء كانت طبيعية أم نتيجة النشاط البشري. وتتمثل هذه التحولات في: الارتفاع الشديد لدرجات الحرارة، وموجات الصقيع، والفيضانات، والعواصف، وارتفاع منسوب مياه البحار والمحيطات.
أما تعريف تغيُّر المناخ وفق الأمم المتحدة: "هو التحولات في درجات الحرارة وأنماط الطقس على الأمد الطويل، التي تكون طبيعية أحياناً، لكن منذ القرن التاسع عشر، أصبحت النشاطات البشرية المُسبب الرئيس لتغيُّر المناخ، ويرجع أساساً إلى حرق الوقود الأحفوري".
أسباب التغيُّر المناخي:
أبرز أسباب التغيُّر المناخي:
- يُعَدُّ حرق الوقود الأحفوري مثل الفحم والنفط والغاز، من أبرز أسباب تغيُّر المناخ، فهو يؤدي إلى انبعاث الغازات الدفيئة مثل ثنائي أوكسيد الكربون والميثان، التي تشكل غطاء يلتف حول الكرة الأرضية، يحبس حرارة الشمس ويُسبب ارتفاع حرارة الأرض؛ أي الاحتباس الحراري. مما جاء عن "مركز الأبحاث المشترك للاتحاد الأوروبي ووكالة تقييم البيئة الهولندية" عام 2017، تُعَدُّ "الصين"، و"الولايات المتحدة" أكثر دولتين إنتاجاً للانبعاثات الكربونية، التي تصل إلى أكثر من 40% من المجموع العالمي.
- ارتفاع انبعاثات الغازات الدفيئة الناتجة عن النشاط البشري والتصنيع والآلات والمحركات، وحسب الدراسات فإنَّ انبعاثات الغازات الدفيئة بلغت أعلى مستوياتها منذ مليوني سنة؛ إذ ارتفعت درجة حرارة الكرة الأرضية بمقدار 1.5 درجة مئوية، عما كانت عليه قبل الثورة الصناعية.
- ثقب الأوزون: تقع طبقة الستراتوسفير على ارتفاع 50 كيلومتر تقريباً فوق سطح الأرض، وتتركز فيها جزيئات الأوزون التي تمتص الأشعة فوق البنفسجية وتحمي الأرض من هذه الأشعة الضارة بصحة الإنسان والنباتات والحيوانات، وفي عام 1985 اكتشف العلماء ظهور جزء رقيق للغاية في طبقة الأوزون سُمي بـ "ثقب الأوزون" يقع فوق القارة القطبية الجنوبية، ناتج عن المواد الكيميائية التي تُستخدم في صناعة المبيدات الحشرية، والمكيفات، ودخان السيارات، والحرائق.
- من أسباب تغيُّر المناخ؛ التلوث بكل أشكاله البري والبحري والجوي.
- قطع الغابات والأشجار الذي يؤدي إلى زيادة نسبة غاز ثنائي أوكسيد الكربون، واختلال التوازن البيئي.
- مكبات النفايات التي تُعَدُّ مصدراً رئيساً لانبعاثات غاز الميثان؛ وهذا يزيد من نسبة غاز ثنائي أوكسيد الكربون والغازات السامة.
- استخدام المركبات والسيارات التي تعمل على البنزين؛ أي حرق الوقود الأحفوري.
- استخدام أجهزة التكييف والثلاجات التي تستخدم الكلوروفلوروكربون؛ وهذا يؤدي إلى استنفاد طبقة الأوزون وحدوث ثقب فيها.
- انتشار الصناعة والمصانع التي تبعث ثنائي أوكسيد الكربون والغازات الدفيئة التي تؤدي إلى ارتفاع الحرارة.
- الظواهر الطبيعية التي تؤدي إلى ارتفاع درجة الحرارة، مثل: البراكين، وتبخُّر الماء من المسطحات المائية.
- إهمال الحكومات لمشكلة تغيُّر المناخ، وسعيها إلى مُحاباة الشركات الكبرى، والاهتمام بالأرباح والعوائد المالية على حساب الإضرار بالمناخ.
آثار التغيُّر المناخي:
آثار تغيُّر المناخ كارثية في الإنسان والحيوان والنبات، وتتمثل بـ:
- يؤثر تغيُّر المناخ في صحة الإنسان، وانتشار الأمراض، وخاصة السرطانات الناتجة عن الغازات السامة وأشعة الشمس فوق البنفسجية، كما يُساهم التغيُّر المناخي في انتشار الضباب الدخاني؛ وهذا يؤدي إلى تهيج الرئتين، والإصابة بنوبات الربو. تقول "ماريا نيرا" مديرة إدارة البيئة في منظمة الصحة العالمية: "الصحة تدفع ثمن أزمة المناخ؛ لأنَّ رئتنا وأدمغتنا وأجهزة القلب والأوعية الدموية لدينا، تُعاني بشدة من أسباب تغيُّر المناخ".
- انتقال البكتيريا إلى الإنسان عن طريق الهواء والمياه الملوثة.
- يؤثر تغيُّر المناخ وزيادة سخونته في طبيعة سقوط الأمطار، وجفاف المسطحات المائية؛ وهذا يؤدي إلى فقدان الماء، وبخلاف ذلك يؤدي تغيُّر المناخ في المناطق القطبية إلى ذوبان الثلج، وحدوث الفيضانات.
- من آثار تغيُّر المناخ النزوح وهجرة السكان من المناطق الخطرة بيئياً ومناخياً.
- من آثار تغيُّر المناخ ارتفاع مستوى سطح البحر إلى نحو 20 سم من عام 1880 وحتى وقتنا الحالي؛ وسبب ذلك هو توسع مياه البحر نتيجة ارتفاع درجة حرارة الأرض وذوبان الجليد الأرضي.
- يؤثر التغيُّر المناخي وارتفاع درجات الحرارة وتغيُّر أنماط هطول الأمطار في الحيوانات؛ وهذا يؤدي إلى انقراضها وموت النباتات.
- موجات حر مدمرة تؤدي إلى حرائق الغابات.
- الجفاف القاسي، وتصحُّر بعض المناطق وفقدان التربة لخصوبتها، ونقص الغذاء.
- يُسبب تغيُّر المناخ انتشار الجوع؛ وذلك بسبب انخفاض غلة المحاصيل، وانقراض الكائنات الحية من نباتات وحيوانات.
- ذوبان الصفائح الجليدية وارتفاع منسوب مياه البحر والفيضانات؛ وهذا يُهدد باحتمال غرق المدن المطلة على السواحل البحرية.
- الاحتباس الحراري وارتفاع درجات الحرارة إلى مستويات قياسية؛ وذلك بسبب ارتفاع تركيزات الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي.
- يؤدي تغيُّر المناخ وحدوث الفيضانات والعواصف إلى تدمير البنية التحتية والمباني والطرقات.
أسوأ الكوارث الطبيعية الناتجة عن تغيُّر المناخ:
تقع كل يوم كوارث طبيعية ومناخية حول العالم تودي بحياة البشر والكائنات الحية، وتُخلِّف الكثير من الخسائر الاقتصادية، ومن أشهرها:
- تسونامي إندونيسيا عام 2004؛ وهو زلزال وتسونامي ضرب إندونيسيا بلغت قوَّته 9.1 درجة، وأودى بحياة 226 ألف شخصاً.
- زلزال الصين عام 2008؛ وهو زلزال ضخم ضرب الصين وبلغت قوَّته 7.8 درجة، أدى إلى قتل وفقدان 87 ألف شخصاً.
- موجة حر أوروبا عام 2003؛ كانت الموجة الأشد حرارة منذ أكثر من 500 عاماً، وأودت بحياة 70 ألف شخصاً.
- زلزال إيران عام 2003؛ الذي ضرب إيران بقوة 6.6 درجة، وقتل 31 ألف شخصاً.
- جفاف الصومال عام 2010؛ وهو موجة جفاف أصابت منطقة القرن الإفريقي، وسببت المجاعة وانعدام الأمن الغذائي، كما أسفرت عن وفاة نحو 285 ألف شخصاً، من بينهم 133 ألف طفلاً دون الخامسة.
- موجة حر شديدة في كندا وأمريكا عام 2021؛ إذ سجلت أرقاماً قياسية لدرجات الحرارة، وأدت إلى وفاة عشرات الأشخاص.
- حرائق الجزائر عام 2021؛ التي التهمت عشرات الهكتارات من الغابات، وأحرقت المنازل، وأودت بحياة 69 شخصاً.
- إعصار آيدا في أمريكا 2021؛ الذي ضرب عدداً من الولايات الأمريكية، وتسبب في مقتل 95 شخصاً.
الحلول المقترحة لتخفيف التغيُّر المناخي:
سنستعرض أهم الحلول والخطوات التي يجب اتخاذها في سبيل تخفيف حدة التغيُّر المناخي:
- التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة؛ من خلال تحويل أنظمة الطاقة من الوقود الأحفوري إلى مصادر الطاقة المتجددة؛ أي الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح؛ لأنَّها تُقلل انبعاثات الغازات الدفيئة التي تُسبب تغيُّر المناخ، وتُشير كل التحذيرات إلى ضرورة جعل صافي انبعاثات الكربون 0 بحلول عام 2050، وحينها سيتوقف احترار الأرض ويستقر المناخ خلال عقد أو عقدين.
- مساعدة الدول النامية وتمويلها من قِبل الدول المتقدمة، للتمكن من التحول نحو تطبيق اقتصادات أكثر اخضراراً واستدامة.
- حذَّرت الأمم المتحدة في الكثير من تقاريرها على ضرورة الحفاظ على ألا تتجاوز درجة حرارة الأرض الـ 1.5 درجة مئوية، منعاً من الوصول إلى أسوأ التأثيرات المناخية وانقراض كل أشكال الحياة على كوكب الأرض.
- تقليل قطع الأشجار والتوسع في زراعة الأشجار والغابات، التي هي بمنزلة خزانات لامتصاص الكربون وتخزينه في التربة، ومن ثمَّ الحد من الانبعاثات.
- الاعتماد على وسائل النقل الجماعية كالقطار والمترو في السفر بدلاً من الطائرات، وعلى السيارات الكهربائية بدلاً من سيارات الوقود، والمشي والدراجات الهوائية للمسافات القصيرة، وللنرويج تجربة رائدة في هذا المجال؛ وذلك لأنَّ 60% من السيارات الجديدة التي تم بيعها فيها عام 2019 كانت تعمل بالطاقة الكهربائية.
- إصلاح الأجهزة المنزلية وإطالة عمرها الافتراضي قدر الإمكان، لتقليل الانبعاثات الناتجة عن تصنيعها وإنتاجها.
- الحد من استخدام البلاستيك قدر الإمكان، والاعتماد على العبوات الزجاجية والكرتونية بدلاً من البلاستيكية، فهي مواد قابلة لإعادة التدوير بسهولة، بخلاف البلاستيك الذي يُصنَّع من النفط ويُطلِق الوقود الأحفوري عند الاحتراق.
- الانتقال إلى توليد الكهرباء عن طريق شبكات صديقة للبيئة؛ أي الطاقات المتجددة؛ وهذا يُخفِّض الانبعاثات الكربونية.
- يُنصَح بالتقليل من استهلاك اللحوم، وشراء الأطعمة العضوية؛ إذ ينطلق معظم الكربون من منتجات الحيوانات المجترة.
- عقد اتفاقيات تتعلق بالموضوع؛ فيجب ألا تتوقف دول العالم عن الاهتمام بموضوع تغيُّر المناخ، مثل "اتفاقية باريس المناخية" التي عُقدت عام 2015، وتعهدت فيها 193 دولة - 192 دولة بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي - بمحاولة "إبقاء الاحترار العالمي عند 1.5 درجة مئوية"، من خلال خفض انبعاثاتها من الغازات الدفيئة، بغاية التحول إلى عالم منخفض الكربون، والتخفيف من آثار تغيُّر المناخ.
- فرض عقوبات وغرامات على السلوكات الضارة بالبيئة، وسن قوانين تُنظِّم استخدام المركبات مثلاً والتخلص من النفايات، وعمل المصانع التي يصدر عنها انبعاثات ضارة.
- لا بد من الاهتمام بالتثقيف المجتمعي، وزيادة وعي الأفراد المتعلق بمشكلة تغيُّر المناخ ومخاطرها، وإرشادهم ليعرفوا دورهم في تقليل هذه المشكلة.
ممارسات الدول للتخفيف من التغيُّر المناخي:
من أشهر تجارب الدول في تخفيف مشكلة التغيُّر المناخي:
- تُعَدُّ الدنمارك من الدول التي تعمل جدياً للتخفيف من وطأة تغيُّر المناخ، وتسعى إلى أن تكون مدينة "كوبنهاجن" مدينة مُحايدة الأثر الكربوني بحلول عام 2025، ولتحقيق ذلك انتقلت المدينة من استخدام الوقود الأحفوري إلى استخدام الطاقات المتجددة وخاصة الرياح، بالإضافة إلى الاعتماد على الدراجات الهوائية في التنقل، وتسعى الدنمارك إلى التوسع في إنتاج الهيدروجين الأخضر بوصفه مصدراً نظيفاً لإنتاج الطاقة، بدلاً من الاعتماد على الوقود الأحفوري.
- ألمانيا من الدول التي تهتم بالتحول إلى الاقتصاد الأخضر، من خلال الانتقال إلى مصادر الطاقة النظيفة والآمنة وأهمها الشمس والرياح، والتخلي عن الخيار النووي لإنتاج الطاقة الكهربائية، والعمل على تخفيض انبعاثات الكربون، والتحول إلى المنتجات الصديقة للبيئة والنقل المستدام.
- تعتزم فرنسا على تحقيق خطة إنعاش اقتصادي، وتخصيص 30 مليار يورو للاستثمار في الاقتصاد الأخضر، ومجال الطاقة والنقل، وخفض انبعاثات الكربون والغازات الدفيئة في صناعاتها.
في الختام، كوكبنا يحتضر:
يجب أن نعي جميعاً خطورة الوضع، ولا يُبالغ بعض العلماء في القول إنَّ "كوكب الأرض يحتضر"، وقد نشهد تغيرات مناخية كارثية؛ لذا علينا بصفتنا أفراداً تغيير أنماط سلوكنا وممارساتنا اليومية وجعلها صديقة للبيئة، وهو ما يُسمى بتقليل "البصمة الكربونية"، بدءاً من تقليل استخدام السيارة واستبدالها بالدراجة الهوائية، وزراعة الأشجار والنباتات حول المنزل لتنقية الهواء، وتقليل المخلفات وفصلها حسب نوعها لإعادة تدويرها، وترشيد استخدامنا للمياه وللطاقة، بالإضافة إلى ضرورة توفر النية الجدية لدى دول العالم كافة بالتحول إلى الاقتصاد الأخضر منخفض الكربون.
أضف تعليقاً