ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتب "داريوس فوروكس" (Darius Foroux)، ويُخبرنا فيه عن تجربته في استخدام شبكة الإنترنت استخداماً معتدلاً للمحافظة على تركيز جيد.
معظم الناس لا يستخدمون التكنولوجيا، وإنَّما تتحكَّم التكنولوجيا بهم، فقد صُمِّمت كل من التطبيقات، والألعاب، ومقاطع الفيديو، والمقالات، والإعلانات التجارية، والبرامج التلفزيونية لجذب انتباهك، فتضيِّع ساعات كثيرة من وقتك دون أن تشعر، ويتشتَّت انتباهك في كل مكان، لكن ليس في المكان المناسب.
"التركيز على كل شيء يعني أنَّك لا تركز على أي شيء" الفيلسوف الرواقي "سينيكا" ( Seneca).
لماذا تعتقد أنَّ منصة "نتفليكس" (Netflix) تبدأ تلقائياً في عرض الحلقة التالية من أي مسلسل في غضون ثوانٍ معدودة؟ لأنَّه عندما يحدث ذلك ستفكِّر تلقائياً بمشاهدة حلقة أخرى، وينطبق الشيء نفسه على موقع "يوتيوب" (YouTube) وما فيه من محتوى، فهو يقدِّم اقتراحات جيدة جداً تبقيك مقيداً بها؛ إذ يوجد دائماً مقطع فيديو أو حلقة أو مقال أو لعبة أو جولة أو فيلم "تالي" يجذبك لمتابعته.
من الغريب أنَّ معظم الأشخاص الذين يقرؤون هذه الأنواع من المقالات يعرفون أنَّ قلة التركيز أمرٌ سيئ، فقد ظهر في السنوات الأخيرة عدد كبير من الأبحاث والكتب عن الآثار الضارة للمشتِّتات، وارتباطها الشديد بزيادة التوتر، والإحباط، وضغط الوقت، والجهد.
القيام بعمل يحتاج إلى تركيز كبير أمرٌ صعب، فنحن دائماً مُشتَّتون:
هذا ليس خطأك، فمعظم التكنولوجيا تستغل كسل دماغك، وتحبسك داخله، وتحوِّلك إلى مستهلك؛ لذلك لا تفكِّر حتى في مقاومة الإنترنت أو التكنولوجيا، وأراهن أنَّك جرَّبت ذلك في الماضي، وقلت لنفسك: "لن أتصفَّح الإنترنت دون تفكير لساعات طويلة"، لكن هل سينجح ذلك؟
لقد كتبتُ منذ فترة عن كيفية التغلب على التسويف من خلال إنشاء نظام، وإليك فيما يأتي أحد أهم أجزاء هذا النظام:
شاهد بالفديو: كيف تصل إلى التركيز وسط جميع الإلهاءات
قطع الاتصال بالإنترنت:
يوجد سبب واحد فقط للقيام بذلك، وهو أنَّ الإكثار من شيء مفيد يجعله مضراً.
- الكثير من التمارين: يؤدي إلى الإفراط في التدريب.
- الكثير من الحب: يؤدي إلى تضييق الخناق على الطرفين.
- الكثير من العمل: يؤدي إلى الاحتراق الوظيفي.
- الكثير من الطعام: يؤدي إلى السمنة.
- الكثير من الماء: يؤدي إلى الموت.
إذاً لماذا تستهلك الكثير من وقتك على شبكة الإنترنت؟ سألت نفسي هذا السؤال منذ عامين، ولم تكن لدي إجابة؛ لذلك فكَّرت أن أفعل كل شيء باعتدال، وكذلك في استخدام شبكة الإنترنت، وسرعان ما اكتشفتُ عدم وجود اعتدال في استخدام هذه الشبكة، فهي مثل صالة طعام مفتوحة فيها كل ما يمكنك أكله، فتشعر بالامتلاء، لكنَّك ما زلت تأكل، وبعد أن تحشو معدتك بالطعام يأكلك الندم حياً.
هذا بالضبط ينطبق على استخدام الإنترنت، فإنَّه مُغرٍ جداً ويمنحك إحساساً بالرضى ومتاحٌ في كل مكان وكل وقت؛ لذلك فأنت تصرف كل وقتك وجهدك في تطبيقاتٍ لا فائدة منها؛ كمشاهدة موقع "يوتيوب" (YouTube)، واستخدام تطبيق "واتس آب" (Whatsapp)، "وفيس بوك" (Facebook)، و"سناب تشات" (Snapchat) وما إلى ذلك.
أنا أهتم كثيراً بالتخلص من الأشياء المشتِّتة للانتباه، ومع ذلك، لا أريد أيضاً أن أعيش حياتي في عزلة؛ لذلك كان عليَّ إيجاد حل وسط جيد، فوجدت أنَّ تعديلاً بسيطاً في موقفي تجاه الإنترنت هو بالضبط ما كان مطلوباً، وانتقلت من "متصل دائماً" إلى "غير متصل دائماً".
عملياً، سارت طريقتي على النحو الآتي:
- على هاتفي، أوقفت تشغيل شبكة "الواي فاي" (WiFi) وبيانات الجوال، ولا أقوم بتشغيلها إلا عندما أحتاج إليها.
- على الكمبيوتر المحمول، أستخدم تطبيقاً يسمَّى "سيلف كونترول" (SelfControl) في أثناء أوقات عملي؛ إذ يحظر هذا التطبيق المواقع المشتتة للانتباه، والميزة هي أنَّ تطبيقاتي مثل "إيفرنوت" (Evernote)، و"داي وان" (DayOne)، و"أوفيس 365" (Office 365) تبقى متصلة حتى أتمكَّن من حفظ عملي عبر الإنترنت.
حالة "متصل دائماً" مشتتة للتركيز والإنتاجية:
يشبه ذلك الذهاب إلى صالة الألعاب الرياضية، أو تناول العشاء، أو قضاء أمسية رومانسية مع شريك حياتك، فأنت لا تقوم بهذه النشاطات 24 ساعة في اليوم، بل لمدة ثلاثين دقيقة أو ساعة أو بضع ساعات، فكثير من هذه الأشياء غير فعَّال.
لقد أدَّى قطع الاتصال بالإنترنت إلى تحسين حياتي إلى حدٍّ كبير، فلم أعد أشعر بالحاجة إلى التحقُّق من هاتفي الذكي أو بريدي الإلكتروني أو الأخبار 500 مرة في اليوم، وستشعر بعد فترة أنَّ لا شيء يفوتك، وهذا يجلب إحساساً بالهدوء في حياتك.
أنا أيضاً أستفيد أكثر من وقتي وأيامي، فقد حققت أشياء أكثر من أي وقت مضى، وأشعر بأنَّني أقل تشتتاً، ولديَّ المزيد من الوقت لأقضيه في الأمور التي تجعلني سعيداً.
الإنترنت هو مجرد أداة، ومع ذلك، يظنُّ بعض منَّا أنَّه كل شيء، لكنَّني على ثقة تامة من أنَّه بعد سنوات من الآن، لن أنظر خلفي وأندم على أنَّني لم أقض وقتاً كافياً في استخدام الإنترنت، لكنَّك ربما ستكون ممتناً للوقت الذي قضيته مع عائلتك أو أصدقائك، أو الذكريات التي صنعتها عندما كنت مسافراً، أو استمتاعك في عملك؛ لذا استخدم الإنترنت بطريقة معتدلة، فهو لن يمنحك أي شيء سوى الإحباط.
في الختام:
بعد قراءة هذا المقال، اقطع الاتصال، حتى لو تعرضت لبعض أعراض هذا الانسحاب السريع مثل أن تمسك بهاتفك 100 مرة، أو محاولة فتح تطبيق "فيسبوك" (Facebook) طوال الوقت، لكنَّني أعدك بهذا: سيساعدك قطع الاتصال على إنجاز المزيد، وهذا ما تدور حوله الحياة.
أضف تعليقاً