ما هو التدفق النقدي في الأعمال؟
عند إدارة مشروع تجاري أو شركة ناشئة، قد يظهر التدفق النقدي في بداية الأمر وكأنَّه يتحرك في اتجاه واحد فقط، وهو النقد الخارج من العمل، ولكنَّ الحقيقة أنَّه يتحرك في اتجاهين متباينين.
الأول هو النقد الوارد للعمل، وينبع عادةً من عمليات شراء العملاء لسلعك أو خدماتك، وإذا لم يتم دفع العملاء في الوقت المناسب، فستظهر تأثيرات هذا التأخير في التدفق النقدي للمشروع؛ إذ ستظهر في حسابات مستحقة الدفع في بيان التدفق النقدي الخاص به، وفي حال كنت تتلقى أموالاً أكثر مما تصرف، فهذا يشير إلى أنَّ عملك يحتل وضعاً إيجابياً في تدفق النقد، ويُعرَف هذا بـ "المنطقة السوداء".
أما النقد الخارج من العمل فيتمثل في المدفوعات والنفقات اللازمة لإنتاج سلعك أو خدماتك، وتشمل هذه المصاريف الإيجار أو الرهون العقارية التي يجب سدادها في تسويات القروض الشهرية، وتظهر هذه التفاصيل في بيان التدفق النقدي الخاص بالمشروع بصفتها حسابات مستحقة الدفع.
عندما يكون النقد الخارج أكبر من الوارد، قد يعرِّض المشروع لمخاطر مثل السحب على المكشوف أو الاستدانة؛ لذا يُعَدُّ التحكم الجيد في تدفق النقد في الشركات الناشئة خطوة أساسية لتحديد المجالات التي يمكن تحسين أداء عملك فيها، سواء كان ذلك في الوارد أم الصادر.
لماذا تُعَدُّ إدارة التدفق النقدي هامة؟
يُعَدُّ نقص السيولة أحد العوامل الرئيسة التي تؤدي إلى فشل الشركات؛ إذ يواجه نحو 33% من أصحاب الشركات الناشئة صعوبات في تحقيق التدفق النقدي اللازم لتجنب الإفلاس، ويكتسب النقد أهمية خاصة في بعض سيناريوهات الأعمال، ومنها:
1. بداية عمل تجاري:
تتسارع مشكلات التدفق النقدي في بداية أي عمل تجاري، خاصةً خلال الأشهر الستة الأولى؛ إذ يحدث تدفق النقد الخارج من العمل بسرعة في البداية، وحينما يتم إعداد العمليات ولا يوجد عدد من العملاء أو المبيعات بعد، وغالباً لا يقدِّم المورِّدون شروط ائتمان للشركات الناشئة، وهذا يزيد من ضغوطاتهم المالية.
2. العمل أو العمل الموسمي:
في حال كانت منتجاتك أو خدماتك مقتصرة على فترة معينة مثل الهدايا ذات الطابع الموسمي، أو الملابس الفصلية؛ إذ يساعد فهم تدفق النقد على وضع مخصصات لتقلبات كبيرة في الأعمال، خاصةً فيما يتعلق بالإيرادات، ويكون التدفق النقدي أمراً حيوياً للحفاظ على استقرار عملك خلال فترات الركود.
3. عدم توازن الربح والنقد:
قد تحقق الشركة من الناحية الفنية ربحاً حتى لو لم تسجل أي أموال نقدية؛ والسبب وراء ذلك هو أنَّ الربح مجرد مفهوم يُستخدَم في المحاسبة، في حين أنَّ النقد هو مقدار الأموال المتوفرة في الحساب البنكي لشركتك، لكن تذكَّر أنَّ الربح لا يمكِّنك من دفع الفواتير والالتزامات المالية.
سيشمل الربح أصولاً مثل الحسابات المدينة والأموال المستحقة لشركتك من قِبل العملاء التي لا يمكن تحصيلها على الفور، ومن ثمَّ لا يمكنها تلقِّي النقد الفوري، فمن الضروري التأكد دائماً من وجود ما يكفي في حساب الشركة لدفع الدفعات الشهرية.
استراتيجيات لإدارة التدفق النقدي:
يؤدي التدفق النقدي في الشركات الناشئة دوراً محورياً في استمرارية العمليات ونجاح الشركة؛ إذ تتطلب إدارة التدفق النقدي بشكل فعال استراتيجيات مُحكَمة واتخاذ قرارات ذكية، وفي هذه الفقرة سنقدِّم بعض الاستراتيجيات القيِّمة لضمان تحقيق تدفق نقدي صحي ومستدام، وذلك من خلال:
1. التخطيط والتتبع:
استخدام توقعات التدفق النقدي الدورية على مدى 12 أسبوعاً، وتكون الخطوة الأولى هي تخصيص 45 دقيقة من صباح يوم الإثنين لتحديث ومراجعة هذه التوقعات، ويتم ذلك من خلال مراجعة الأداء الفعلي خلال الأسبوع السابق وضبط التوقعات للأسبوع القادم بناءً على المستجدات.
تُعَدُّ هذه الطريقة أداة إدارة مباشرة تتيح لك رؤية واضحة عن وضع النقد لشركتك على مدى الـ 12 أسبوعاً القادمة، وعند اكتشاف أيَّة مشكلة محتملة في التدفق النقدي من خلال هذه التوقعات، يمكنك التخطيط للتصدي لها مسبقاً بدلاً من الوقوع بها عندما تحدث بشكل غير متوقَّع.
تعمل هذه الطريقة أيضاً على مساعدتك على اتخاذ قرارات حكيمة بشأن الإنفاق؛ إذ يمكنك تحديد مواعيد الإعلانات الكبيرة أو الالتزامات المالية الأخرى بناءً على الأموال المتاحة.
على سبيل المثال، إذا كنت تخطط لحملة إعلانية باهظة الثمن، فستوفِّر لك توقعات التدفق النقدي معلومات حاسمة عن إمكانية تحمُّل هذا الالتزام المالي، وفي حال عدم توفُّر الأموال، يمكنك تأجيل الحملة أو التفاوض على شروط دفع مرنة.
شاهد بالفيديو: 6 نصائح لإدارة شركتك الناشئة مالياً
2. طلب فقط ما تحتاجه من المخزون:
قد تواجه الشركات المعتمدة على الإنتاج غالباً تحديات في إدارة المخزون، فقد يؤدي الطلب الزائد على المخزون إلى قيود في التدفق النقدي، وهذا يعوق القدرة على تمويل نشاطات هامة مثل التسويق والمبيعات.
للتغلب على هذه التحديات، يمكن تحديد فترة زمنية لاستلام المخزون، ومن ثمَّ طلب كمية مناسبة تلبي مقدار المبيعات المتوقَّعة في تلك الفترة، إضافة إلى أسبوع أو أسبوعين إضافيين، ويعتمد هذا النهج على زيادة التكرار في عملية الطلب، وهذا قد يؤدي إلى زيادة تكلفة الوحدة وتأثيرها سلباً في هوامش الربح.
على الرغم من أنَّ هذا النهج ليس مثالياً، إلا أنَّ الجانب الإيجابي هو أنَّك ستكون على علم بأنَّ هوامش الربح ستزيد كلما زادت المبيعات، ومن ثمَّ ستكون لديك الأموال اللازمة للاستثمار في مجالات أخرى حيوية في عملك مثل التسويق والمبيعات.
3. الانضباط مع المدينين:
يتطلب ضمان تحصيل المبالغ في الوقت المحدد إعداد عملية حسابية قوية؛ إذ يمكنك تحديد إصدار الفواتير إما في نهاية الشهر أو خلال عمليات التقدم، وسواء اخترت أحد هذين الخيارين، يجب عليك تتبُّع بدقة المبالغ المستحقة من كل عميل وفي أي تاريخ.
تحقَّق من وضوح شروط الائتمان الخاصة بك على الفواتير، وتأكَّد من نقلها بشكل واضح لعملائك، وفي النهاية، حاول جمع المدفوعات وفقاً لشروطك المحددة، فإنَّ السماح للعملاء بتراكم أرصدة كبيرة قد يؤثر سلباً في تدفق النقد، كما يشير إلى احتمالية مواجهة العميل لتحديات، وهذا قد يؤدي في النهاية إلى عدم الدفع على الإطلاق.
4. التفاوض بشروط الدفع مع المورِّدين:
عند استكمال توقعات التدفق النقدي لفترة تمتد على مدى 12 أسبوعاً، قد تكتشف أنَّ شروط الدفع الخاصة بك لا تتناسب تماماً مع خصائص عملك، وفي حال كان بإمكانك تمديد هذه الشروط قليلاً، فإنَّ ذلك قد يحسن تحسيناً كبيراً من تدفق النقد الخاص بك؛ لذا تحدَّث مع مورِّديك وابدأ بإعادة التفاوض بشأن شروط الدفع التي تتناسب بشكل أفضل مع طبيعة عملك.
على الرغم من أنَّ هذا قد يكون تحدياً - خاصةً عندما تكون شركة صغيرة وتكون كمية طلباتك محدودة - لكن يمكنك إجراء بحث عن شروط مورِّدين آخرين واستخدام ذلك بوصفه وسيلة ضغط، وتلك الخطوة قد تساعدك على تحقيق توازن أفضل بين شروط الدفع وتحسين تدفق النقد لديك.
5. إعادة استثمار الأرباح:
يُعَدُّ التأكيد على ضرورة أهمية إعادة استثمار الأرباح في مرحلة مبكرة من نمو الأعمال لتحقيق أفضل إدارة لتدفق النقدي في الشركات الناشئة هاماً، وذلك يتم من خلال عدم سحب كميات كبيرة من أموال النشاط التجاري للاستخدام الشخصي، وبدلاً من ذلك، يُشجَّع على استخدام الأرباح لتعزيز نمو الأعمال والحفاظ على المبالغ المالية المرتبطة بالربح عند الحد الأدنى، وذلك بهدف تحقيق التطور والتوسع في النشاطات التجارية.
6. الاستثمار:
يُعَدُّ النمو عنصراً حاسماً لنجاح أي مشروع تجاري، ولكنَّ الجانب السلبي هو أنَّه يتطلب استهلاكاً للأموال النقدية، وكلما كانت نسبة النمو أكبر، زادت التكاليف، وفي بعض الأوقات تظهر فيها فرص هائلة للنمو، لكن يصعب على الشركة الاستفادة الكاملة منها بسبب النقص في التمويل، وفي تلك الحالات، يُسلَّط الضوء على دور المستثمر الذي يمكنه توفير التدفق النقدي اللازم لتمكين الشركة من استثمار تلك الفرص استثماراً كاملاً.
7. الاقتراض:
يُعَدُّ تمويل شراء الأصول أو السحب على المكشوف أو مجرد الحصول على قرض تجاري من الطرائق الأخرى للوصول إلى الأموال النقدية اللازمة لأيَّة شركة ناشئة، فيجب عليك أن تكون حذراً عند اختيار أحد هذه الخيارات، فمن الضروري وضع خطة مُحكَمة تحدد كيف ستتعامل شركتك مع التكلفة النقدية وتوفير خطة واضحة لسداد الديون المستحَقة.
في الختام:
يظهر أنَّ إدارة التدفق النقدي تُعَدُّ عنصراً أساسياً في نجاح الشركات الناشئة، فمن خلال اتخاذ إجراءات فعالة مثل تحديد الأولويات، وتحسين عمليات التحصيل، والاستفادة الذكية من مصادر التمويل، يمكن للشركات الناشئة الحفاظ على استقرارها المالي وتحقيق نمو مستدام، كما يجب أن تكون خطط العمل مدروسة لتحديد كيفية تغطية تكاليف النقد وسداد الديون بشكل فعال، وهذا يمنحها القوة اللازمة للتفوق في بيئة الأعمال التنافسية.
أضف تعليقاً