ما هي الأزمات:
تُعرَّف الأزمة على أنَّها: مرحلة من سلسلة من الأحداث تحدد ما إذا كنَّا مُقبلين على وضع أفضل، أو أسوأ في المستقبل، ويمكن القول باختصار إنَّها نقطة تحوُّل.
يساهم كلُّ إجراء وقرار نتخذه خلال الأزمات بتحديد مستقبلنا، ما يعني أنَّ ما قمنا به، خلال الجائحة وتداعياتها الاقتصادية بصفتنا أصحاب شركات ورواد أعمال ومهنيين ساهم في تحديد مستقبلنا بطريقة أو بأخرى، ولا يوجد مثال أفضل عن قدرة بعض الأشخاص على التكيف واستثمار الأزمات لتحسين أدائه مما حدث في أثناء الجائحة.
قد لا تعلم ذلك، لكنَّك كنت مثل البقية، أمام خيارين؛ فإمَّا أن تواجه الواقع وتخرج من الأزمة أقوى وأفضل مما كنت عليه، أو تتجنَّب التعامل مع الأزمة، وتنتظر حتى تنتهي من تلقاء نفسها، لم يكن الأمر عشوائياً، إنَّما كان التزاماً ورغبةً في تحدي مدى واقعية تصوراتنا عن العالم الذي نعيش فيه، والطريقة الصحيحة للقيام بالأمور، فكان من الضروري أن نمتلك الاستعداد لتجاوز نمط التفكير والاستراتيجيات التي امتلكناها قبل الجائحة، ولقد وصف المتحدث التحفيزي الأمريكي توني روبنز (Tony Robbins) هذه الخطوة بالتحرر من تصوراتنا الراسخة عن وجود طريقة واحدة صحيحة للقيام بأي شيء.
أهم 5 أفكار نابعة من عقلية التعامل مع الواقع:
هذه الأفكار ساعدت الكثيرين خلال الجائحة على تحقيق النجاح، والخروج من الأزمة أفضل من ذي قَبل:
1. نمتلك جميعاً القدرة على الاختيار:
إمَّا أن نستسلم للظروف ونشعر بالحسرة بسبب ما يحدث، أو نعمل على تشكيل مستقبلنا ونفكِّر فيما نريد تحقيقه، وهذا الخيار مُتاح لأي شخص في هذا الوقت، كما كان مُتاحاً عند حدوث الجائحة، ولن يؤدي قرارنا بالتعامل مع الظروف العصيبة إلى إنهاء ما نواجهه من أزمات، كما أنَّه لا يعني أنَّنا نتجاهل وجودها، أو نحاول تجميل الواقع المؤلم، ولكنَّه يؤدي إلى تخليصنا من عقلية الضحية، وامتلاكنا بدلاً من تلك العقلية التي تتيح لنا تحديد مستقبلنا.
يقول توني روبنز: "تنصَب طاقتك فيما تركِّز عليه"، فنحن نحدُّ من إمكاناتنا إذا ركَّزنا فقط على الأشياء الخارجة عن إرادتنا، في حين نصبح فاعلين في تحديد مصيرنا إذا ركَّزنا على ما نريد تحقيقه في ظل ظروف معيَّنة.
2. أهمية اختبار صحة افتراضاتنا:
تبيَّن أنَّ كل ما نعتقده عن مدى كفاءة استراتيجياتنا في العمل وما يتعلق بمنافسينا، والاحتياجات التي تحتاج إلى تلبية، ومصادر إيراداتنا، والأدوار التي يجب القيام بها؛ كلها ليست حقيقة ثابتة، والدليل أنَّها تغيَّرت بعد الجائحة، وبعد أن تبيَّن لنا عدم صحة معتقداتنا، فإنَّ السؤال الحاسم الذي يمكِّننا من اتخاذ الإجراءات، وتبنِّي الاستراتيجيات الصحيحة هو: "أين يمكننا إضافة قيمة؟ وكيف يمكِّننا منح هذه القيمة لعملائنا وموظفينا في الوقت الراهن؟".
يعني ذلك أنَّ مشاريعنا التجارية تحتاج إلى التكيُّف مع الوضع الجديد تكيُّفاً جزئياً أو كلياً؛ كما يعني ذلك ضرورة إجراء مناقشات مع عملائنا لمعرفة ما يحتاجونه، وليس بناءً على افتراضاتنا المُسبقة.
3. أهمية دورنا القيادي في نجاح شركاتنا ومشاريعنا التجارية:
تطلَّبَت ظروف الجائحة من كل شخص أن يعمل على تجديد وتحسين أسلوبه في القيادة، وتبيَّن أنَّ النجاح في ظل الجائحة يعتمد على جهودنا بالكامل، وإذا أردت أن تستمر في تحقيق مزيد من النجاح، فيجب أن تتريث قليلاً وتسأل نفسك: "ما الذي يجب أن تقوم به لضمان تحويل الصعوبات إلى فرصة لتطوير نفسك ومشروعك التجاري؟".
تتمثل إحدى الاستراتيجيات التي اقترحتها مؤسِّسة شركة "آي ووركير إنوفيشينز" (iWorker Innovations) بتشكيل مجمع تفكير، بحيث تحيط نفسك بمجموعة من الأشخاص الخبراء الذين يُقدِّمون لك المشورة والأفكار الجديدة، والاستئناس بهذه الآراء، مع أخذ حدسك بالحسبان.
شاهد بالفيديو: 6 مهارات أساسية للقائد الاستراتيجي
4. الأشخاص الأكثر قدرةً على مواكبة التغيير هم الأكثر نجاحاً بعد انتهاء الأزمة:
مرَّت جائحة كوفيد بـ 3 مراحل مفصلية مثَّلت السياق والإطار الذي تم بناءً عليه تطوير الاستراتيجيات واتخاذ القرار، وهي:
- المرحلة الأولى هي الإغلاق:
اقتصرت النشاطات والتفاعلات الاجتماعية على الأمور الأساسية.
- المرحلة الثانية هي "العودة الجزئية":
عاودَت الشركات العمل، وإنَّما بإجراءات عمل مختلفة نظراً لضرورة الحدِّ من انتشار جائحة كورونا، فكِّر مثلاً في الإجراءات التي اتخذتها صالات الألعاب الرياضية للحفاظ على مسافة التباعد الاجتماعي بين الآلات الرياضية، مع السماح فقط لعدد محدد من الأشخاص بالوجود في الصالة في نفس الوقت.
- المرحلة الثالثة هي الحياة الطبيعية:
العودة إلى حياتنا "الطبيعية" مع ما حدث من تغييرات أدت إليها المرحلتين السابقتين على مستوى العالم.
وفقاً لتيد سنايدر (Ted Snyder) أستاذ الاقتصاد والإدارة في كلية ييل للإدارة (Yale School of Management) فإنَّ ريادة الأعمال ستكون من نصيب الشركات والأفراد الذين بإمكانهم تطوير وإنشاء أفضل الممارسات في أثناء فترة "العودة الجزئية"، ونشر تلك الممارسات على مستوى العالم، وسيكون لديهم نتيجةً لذلك الفرصة المثالية لإنشاء قيمة في السوق.
5. أهمية التعاون والعمل الجماعي:
تبيَّن مدى تعقيد التحديات التي واجهناها خلال الجائحة التي أدت إلى تغيير هائل وفوري في جميع جوانب الحياة تقريباً، بدءاً من العمليات التجارية الصغيرة، إلى إدارة سلسلة التوريد، إلى التعليم، وانتهاءً بإعادة صياغة مفاهيمنا عن العمل وأساليب النجاح، فتبيَّن - وهو ما يصُح في جميع الأزمات - أنَّه لا يوجد فرد أو شركة أو منظمة، تمتلك وحدها الحل لمواجهة الصعوبات.
الأهم من ذلك أنَّنا تعلمنا كيف نستفيد مما يحدث لتحسين أدائنا، وتبنِّي نهج أكثر شموليةً وأكثر فائدة بمجرد انتهاء الجائحة، لقد تعلَّمنا مدى أهمية التواصل، وتأديته دور بنَّاء في تقريب أفكار ووجهات النظر المختلفة من أجل مساعدتنا على الخروج من الأزمة بشكل أسرع وأسهل.
في الختام:
لم تكن الجائحة هي الأزمة الوحيدة التي أدت إلى تغيير العالم عبر تاريخنا المعروف؛ لكنَّها الدرس الأقرب إلى الذاكرة الذي يمكننا من خلال العودة إليه تعلُّم كثير من الأمور عن استثمار الأزمات وتحويلها إلى فرص لتطوير أنفسن، ومساعدة الآخرين أيضاً على تحقيق النجاح، فنأمل ألَّا يواجه عالمنا أزمات أخرى من هذا النوع، لكن حتى لو حدث ذلك، فيجب أن نكون قادرين على التعامل مع الوقائع، والمثابرة على تطوير أنفسنا للتغلب على أية عوائق، وتحقيق مزيد من النجاح.
أضف تعليقاً