ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتب "مارك كرنوف" (Marc Chernoff)، ويقدِّم فيه 5 نصائح لتبني نمط تفكير إيجابي.
لقد أثَّرت كلماتي فيها، وبدا أنَّها تفكر جدياً فيما قلته؛ لذلك تابعت: "ما أعنيه هو أنَّه لا يوجد طريقة تمكننا من التيقن تماماً من أيِّ شيء في هذه الحياة، والحياة تماماً مثل لوحة فنية، إنَّها معقدة ومتناقضة، ولا يمكن التنبؤ بها؛ لذلك فإنَّ الخيار لك: أن تقدِّري الحياة وتركِّزي على جمالها أو تفكِّري في السلبيات وتركِّزي عليها".
قالت عندها: "لكن، إذا كنت تتوقع الأسوأ فلن تشعر بخيبة الأمل مُطلقاً"، فأجبتها أنَّ هذا صحيح، وتابعت: "لكن هل ستعرفين المعنى الحقيقي للحياة بهذه الطريقة؟ طبعاً لا فكلُّ من يعيش بهذه الطريقة لا يختبر المعنى الحقيقي للحياة".
هذا جزء من الحوار الذي دار بيني وبين هذه المرأة، بعد أن بدأت الحديث، كما قلنا، بأنَّها تتوقع حدوث الأشياء السلبية بوصفها طريقة للتعامل مع تحديات الحياة؛ لذلك إذا كنت أيضاً تفكِّر بالطريقة نفسها فقد حان الوقت للتخلي عن هذا النمط من التفكير.
تبني المعتقدات السلبية والتصرف بناءً عليها هو العائق الأكبر الذي يمنعنا من أن نكون سعداء ومنتجين؛ لذلك إذا سمحت للأفكار السلبية بالسيطرة عليك لفترة طويلة فستفقد السلام الداخلي والمتعة وستخسر فرصة عيش حياة ذات مغزى ومليئة بالإنتاجية، وفي المُحصلة ستخسر حياتك، وستندم لاحقاً وستشعر بالألم، وحتى أنَّك ستصاب بالاكتئاب، وستشعر بالإحباط لفترات طويلة دون أن تعرف الأسباب الحقيقية؛ لأنَّ ما تواجهه ليس له علاقة بما يقوله أو يفعله الآخرون، كما أنَّه لا يتعلق بما حدث أو لم يحدث في الماضي.
إنَّه يتعلق فقط بالأفكار السلبية التي تدور في ذهنك، فأنت تحديداً نتاج أفكارك، ولست قادراً على تغيير أيِّ شيء إذا لم تكن قادراً بالدرجة الأولى على تغيير نفسك.
لحسن الحظ، أنَّ ذلك ممكن؛ أي إنَّك قادر بلا شك على تغيير الطريقة التي تفكر بها، وبمجرد أن تغيِّر الطريقة التي تفكِّر بها ستكون قادراً على تغيير الطريقة التي تعيش بها.
كيف ينشأ التفكير السلبي؟
في هذا المقال سنقدِّم 5 نصائح تساعدك على التخلص من الأفكار السلبية، وقد استخدمنا أنا وزوجتي "أنجل" (Angel) هذه النصائح مع مئات المتدربين والأشخاص الذين قدمنا لهم الكوتشينغ خلال سنوات طويلة، وقد أدت إلى نتائج رائعة، لكن بدايةً لنوضِّح أحد أكثر الأخطاء شيوعاً يرتكبه الأشخاص الذين يفكِّرون بطريقة سلبية.
إنَّ الأشخاص المعتادين على التفكير السلبي يبررون هذا النمط من التفكير بأنَّهم أناس واقعيون، وبالطبع أيُّ شخص يؤمن بشيء ما لدرجة كبيرة فإنَّه سيبرر إيمانه على أنَّه واقعي.
وصف التشاؤم على أنَّه واقعية هو ظاهرة منتشرة في كلِّ مكان، وإلى حدٍّ ما فإنَّ هذا التبرير صائب، لكن ليس لأنَّ الواقع سيئ؛ بل لأنَّ التفكير السلبي يمنع العقل من تجربة أنماط جديدة في التفكير، وفي أحسن الحالات يدفع صاحبه إلى بذل جهد غير مُنظم وغير متكامل يؤدي بالطبع إلى نتائج سلبية تتوافق مع الأفكار السلبية للشخص الذي يبذل هذا المجهود.
إنَّ التوقعات السلبية تتحقق، حتى إنَّ الدراسات العلمية تقترح أنَّ بعض الحالات تؤثِّر معتقداتنا عن صحتنا في تحديد ما إذا كنا سنعيش طويلاً أو لا، وهي تفوق في تأثيرها التأثير الذي تؤديه صحة أعضائنا الحيوية.
السؤال هو، إذا كان للتفكير السلبي هذه النتائج الكارثية، فلماذا نتبناه بوصفنا بشراً؟ الجواب: لأنَّ التفكير السلبي وتوقع الأسوأ ورؤية الجانب السلبي في أكثر الأوضاع إيجابية؛ بل وحتى توقع الفشل صراحةً، يجنبنا الوقوع في خيبة الأمل، ويحدث كلُّ ذلك دون وعي منا ولسان حالنا يقول: "إذا توقعت حدوث الكارثة فلن أُصاب بخيبة الأمل عندما تحدث حقاً".
يكمن الخطر في هذا النمط من التفكير أنَّنا قد نفكِّر بسلبية حتى عندما يسير كلُّ شيء على أحسن ما يرام، على سبيل المثال، توجد فكرة تخطر ببال معظمنا عندما يحققون شيئاً جيداً، وهي أن يقولوا لأنفسهم إنَّه من المستحيل أن يكون هذا الوضع دائماً، والنتيجة هي أن ينتهي الوضع الإيجابي بأسرع مما كان يجب؛ أي إنَّ أنماط التفكير السلبي تشوه تشويهاً كبيراً إدراكنا للواقع.
شاهد بالفيديو: تعرّف على آلية مواجهة الأفكار السلبية لعيش حياة إيجابية وسعيدة
إليك فيما يأتي 5 نصائح لتتخلص من هذه الأنماط:
1. تجنَّب تعميم المواقف السلبية الماضية على تجارب الحاضر والمستقبل:
لاحظ إذا ما كنت تقوم بتعميم الأحداث والتجارب السلبية التي تحدث فجأة؛ بمعنى أنَّك ترى أنَّ هذا الحدث أو الوضع السلبي ينطبق على كلِّ شيء؛ ومن ثمَّ تتوقع تكراره في المستقبل بدل أن تكتفي بإدراكه في الوقت والمكان الذي حدث فيهما.
على سبيل المثال، إذا رفضك شخص ما في مناسبة معينة، فهل تقوم بتعميم هذا الحدث على مناسبات ومواقف أخرى، من خلال إخبار نفسك مثلاً أنَّك لا تمتلك المهارة الاجتماعية الكافية من أجل العلاقات، ولن تحظى بعلاقات جيدة أبداً؟
على النقيض من ذلك، لنفترض أنَّك رسبت في أحد الاختبارات الدراسية، فإنَّك لا تطلق أحكاماً على نفسك من قبيل أنَّك لست ذكياً أو لا تمتلك المهارة الكافية؛ إنَّما تكتفي بالتعبير لنفسك عن انزعاجك؛ لكنَّك تعد نفسك بأن تدرس بجد أكبر في المرة القادمة.
تذكَّر دائماً أنَّ التفكير السلبي يمنعنا من رؤية الجوانب الإيجابية حتى عندما نحصل عليها، والأمر أشبه بعائق ذهني يمنع رؤية أيِّ شيء سوى ما يؤكِّد تحيزاتنا السلبية؛ لذلك توقف عن ذلك فوراً، واعلم أنَّ القدرة على التمييز بين السلبية التي هي من نسج خيالك، وبين ما يحدث فعلياً في حياتك هي خطوة بالغة الأهمية لعيش حياة أكثر سعادةً.
2. تقبَّل أنَّ الحياة مزيج من الإيجابيات والسلبيات:
الحياة ببساطة ليست كلُّها إيجابية ولا سلبية؛ ولذلك فإنَّ التفكير بعقلية "أن أحصل على كلِّ شيء، أو لا أحصل على شيء" يؤدي إلى تبني نمط من التفكير بالغ السلبية؛ وهو نمط خطير من التفكير ويؤدي بنا إلى عيش حياة بائسة، والسبب هو هذا السعي الحثيث للحصول على نتائج مثالية، وفي حال لم تكن مثالية، فإنَّنا نسارع إلى وصف الموقف بأنَّه سيئ.
مثلاً تضطر إلى التأخر عن المنزل بسبب عاصفة مطرية، وبدلاً من أن تقول لنفسك إنَّك تأخرت، تقول إنَّك ضيعت أمسيتك بالكامل، وبدلاً من أن تقول لنفسك إنَّك متوتر عند مقابلتك لمجموعة من الأشخاص الجدد، فإنَّك تحكم عليهم بأنَّهم لا يحبونك.
نظراً لأنَّ الأغلبية العظمى من مواقف الحياة ليست مثالية؛ فإنَّ نمط التفكير "كلُّ شيء أو لا شيء" يجعلنا نرى السلبيات فقط، ويقودنا نحو المبالغة في تقييم المواقف والإخفاقات، ونستمر بتوقع أسوأ ما يمكن أن يحدث.
بالطبع تحدث أشياء سلبية للغاية في بعض الأحيان، لكن الحياة بشكل عام ليست سوى مزيج من الأشياء الإيجابية والسلبية، على عكس ما يعتقد معظمنا سواء الذين يبالغون في التفاؤل أو الذين يبالغون في التشاؤم.
3. تجنَّب افتراض تفسيرات سلبية للمواقف المزعجة:
يؤدي التفكير السلبي إلى استنتاجات سلبية عن الأوضاع المجهولة، ما يمكن أن يسبب ضرراً كبيراً على صعيد العلاقات؛ إذ نجد أنفسنا تلقائياً نفسِّر أفعال الآخرين على أنَّها شيء سلبي حتى عندما لا توجد إشارات تؤكِّد ذلك.
على سبيل المثال، تنتظر اتصالاً هاتفياً من أحدهم فيتأخر عليك، فتقول لنفسك إنَّه حتماً لا يهتم، أو تسمع شيئاً إيجابياً بحقك من أحدهم فتقول لنفسك، إنَّه لا يعني ما يقوله؛ وإنَّما قاله فقط بوصفه نوعاً من اللباقة؛ إذ تتسبب هذه الاستنتاجات السلبية بالألم والتوتر والإحباط لنا وللآخرين في الوقت الذي نكون فيه بغنى عن هذه المشاعر.
أحد الإجراءات التي تساعدك على التخلص من هذا النمط بالتفكير هو أن تتوقف عن افتراض معانٍ أخرى للأحداث، فإذا قال أحدهم شيئاً فلا تفترض أنَّه يعني أكثر ممَّا قاله، أو في حال لم يقل شيئاً فلا تفترض أنَّ الصمت له معنى سلبي مجهول.
تجعلك الافتراضات المسبقة حيال الأوضاع المجهولة أكثر عرضةً للاعتقاد بأنَّ عدم اليقين الذي تواجهه هو مؤشر سلبي، وعلى النقيض من ذلك، يساعد التروي في إطلاق حكم على الوضع المجهول حتى يتضح أمامك في التغلب على التحيزات السلبية.
عندما تفكِّر تفكيراً أكثر إيجابية أو بالأحرى أكثر واقعيةً عن الحقائق ستكون قادراً على تقييم جميع الأسباب المحتملة التي يمكن أن تخطر في ذهنك، وليس الاحتمالات السلبية فقط، عملياً وبالعودة إلى المثال الذي يتأخر فيه الشخص عن الاتصال بك، ستقول: "لا أعرف لماذا لم يتصل إلى الآن، لكن ربما هو مشغول جداً بسبب ضغط العمل".
4. حدِّد الأسباب الكامنة وراء أفكارك السلبية:
لتغيير طريقة تفكيرك، من المفيد أن يكون لديك فهم واضح تماماً لما تفكر فيه في المقام الأول، فعندما يخطر ببالك فكرة سلبية مقلقة، فبدلاً من تجاهلها، لاحظها جيداً ثم دونها.
على سبيل المثال إذا كنت جالساً أمام مكتبك ووجدت نفسك تفكر في شيء سلبي، توقف للحظة ودوِّن ما تفكر به، انقل هذه الفكرة المبدئية من ذهنك إلى الورقة، ويكفي مجرد جملة قصيرة أو جملتين توضِّح بصراحة هذه الفكرة المقلقة، ولنفترض أنَّك فكرت في الآتي:
"أنا لست كفؤاً بما يكفي للوظيفة التي أتقدم لها؛ لأنَّني لا أمتلك الخبرة الكافية"؛ ومن ثَمَّ حدد بوضوح وإيجاز السبب وراء هذه الفكرة، الذي قد يكون على سبيل المثال: "أنا جديد في هذا المجال؛ ومن ثَمَّ أشعر بأنَّني خارج منطقة الراحة الخاصة بي".
على أقل تقدير، تساعد عملية تقييم أفكارك السلبية ومسبباتها على إدراك مصادر السلبية أو القلق بموضوعية، ممَّا يسمح لك في النهاية بتغيير طريقة تفكيرك واتخاذ الخطوة الإيجابية التالية إلى الأمام.
5. ركِّز على العملية لا على النتيجة:
تبدأ مسيرة التغيير الإيجابي بمختلف أنواعها بامتلاك هدف وعزيمة لتحقيق هذا الهدف؛ ومع ذلك، سيكون للإصرار المبالغ فيه نتائج عكسية على هذه العملية؛ لأنَّك وببساطة ستبدأ بالاعتقاد أنَّك لست جيداً بما فيه الكفاية لتحقيق الهدف.
أصبحت إحدى العميلات - قبل بضعة أشهر - اللاتي أقدم لهنَّ الكوتشينغ مصرة جداً على تحقيق نتائج مثالية في التأمل؛ وذلك مع تزايد اهتمامها بالتأمل، بدأت ترى نفسها غير جيدة بما يكفي وتصر على أنَّها يجب أن تكون أفضل في هذه الممارسة، وبدأت تلاحظ عيوبها وتسعى إلى التخلص منها.
باختصار، أدت جهودها الهائلة لتحقيق نتائج مثالية في التأمل ولفترات طويلة من الوقت إلى كثير من النقد الذاتي والتوتر غير المتوقع، ولحسن الحظ من خلال الكوتشينغ الذي قدَّمته لها مع زوجتي "أنجل" (Angel) استطاعت أن تلاحظ أنَّها وبسبب إصرارها العنيد فشلت في تحقيق أحد أهم أهداف التأمل وهو تقبُّل الذات.
لذا، فإنَّ المغزى هو: عليك أن تتقبل نفسك كما أنت، ثم تلتزم بجهودك في تطوير الذات؛ لأنَّك إذا كنت تعتقد أنَّك مثالي بالفعل، فلن تبذل أيَّ جهود إيجابية لتطوير نفسك، وبالمثل فإنَّ انتقاد نفسك باستمرار يؤدي إلى نتائج عكسية تماماً، مثل عدم القيام بأيِّ شيء لأنَّك لن تكون قادراً على القيام بتغييرات إيجابية جديدة في حياتك عندما تكون شديد التركيز على عيوبك.
المفتاح هو تذكير نفسك بأنَّك بالفعل جيد بما فيه الكفاية؛ وأنَّك بحاجة فقط إلى مزيد من الممارسة؛ لذا غيِّر نمط تفكيرك وركِّز على العملية لا على النتيجة؛ أي تقبَّل أنَّك جيد؛ لكنَّك مع ذلك ستبذل قصارى جهدك لتصبح أفضل؛ وذلك بدلاً من توبيخ نفسك والتركيز على النتيجة.
نمط التفكير الأول أكثر فاعليةً بكثير؛ لأنَّه يدفعك فعلياً لاتخاذ إجراء إيجابي مع قبول حقيقة أنَّ كلَّ جهد قد لا يكون مثالياً في الوقت نفسه؛ إذ تعد القدرة على إبقاء إصرارك ضمن الحدود خطوة أخرى هامة للغاية نحو عيش حياة أكثر سعادةً ونجاحاً.
في الختام:
من الجدير بالملاحظة أنَّ استبدال نمط تفكيرك السلبي بنمط تفكير إيجابي لا يعني أن تتخلص من كلِّ الأفكار ووجهات النظر السلبية لديك؛ فهذا يكاد يكون مستحيلاً؛ وذلك لأنَّ التفكير السلبي ينشأ عادةً تلقائياً وبطريقة لا يمكن السيطرة عليها، كما أنَّه لا تعني تحويل أفكارك ووجهات نظرك السلبية الخاطئة إلى أخرى إيجابية وخاطئة أيضاً.
الأمر يعني إعادة تشكيل أفكارك ووجهات نظرك السلبية بطريقة فعالة؛ إذ تصبح مرتكزة على الواقع كاملاً، وبعيدة كلَّ البعد عن المبالغة غير الضرورية ومركِّزة فقط على الخطوة الإيجابية التالية التي يمكنك اتخاذها في الوقت الراهن.
من خلال هذه النصائح الخمس ستتمكن من الانطلاق في رحلة التغيير الإيجابي بقوة، وستحقق نتائج مذهلة طالما أنَّك تريد ذلك بالفعل.
أضف تعليقاً