التوحد أو طيف التوحد:
مرض التوحد، أو اضطراب طيف التوحد (ASD)، هو حالة عصبية تطورية تظهر عادةً في السنوات الأولى من العمر. يتميز هذا الاضطراب بتحديات في التواصل والتفاعل الاجتماعي، بالإضافة إلى أنماط سلوكية متكررة ومحدودة. يُعتبر "طيف التوحد" المصطلح العلمي الشامل لهذه الحالة، مما يعكس التنوع الواسع في الأعراض والقدرات بين الأشخاص المصابين به. يُشير مفهوم الطيف إلى أن كل فرد مع التوحد يمكن أن يعاني من مجموعة مختلفة من التحديات والقوى، ولا يوجد شخصان متطابقان تمامًا في تجاربهما مع التوحد.
أنواع التوحد:
التوحد هو اضطراب تطوري يؤثر على التفاعل الاجتماعي والاتصال والسلوك للأفراد المتأثرين به. وتتنوع أنواع التوحد بشكل كبير، حيث يمكن أن يظهر الاضطراب بأشكال مختلفة ومتنوعة لدى الأفراد المصابين به. تتراوح هذه الأنواع من الشكل الخفيف إلى الشديد، مما يجعل فهم وتحديد الأنواع المختلفة من التوحد أمراً مهماً للتعامل مع المصابين وتقديم الدعم اللازم لهم.
1. متلازمة أسبرجر:
متلازمة أسبرجر هي اضطراب نمائي من أنواع التوحد، ويتميز بصعوبات في التواصل والتفاعل الاجتماعي، إلى جانب أنماط سلوكية مقيدة ومتكررة. الأشخاص المصابون بمتلازمة أسبرجر قد يظهرون مهارات لغوية جيدة ولا يعانون من تأخر في التطور المعرفي، مما يمكنهم من الاستقلالية والتعلم والعمل.
تم تسمية المتلازمة على اسم الطبيب النمساوي هانز أسبرجر، الذي وصف في عام 1944 أطفالًا يعانون من صعوبات في تكوين الصداقات وفهم الإيماءات أو مشاعر الآخرين، وينخرطون في محادثات أحادية الجانب حول اهتماماتهم.
في السابق، كانت متلازمة أسبرجر تعتبر حالة مستقلة، لكن مع الإصدار الخامس من الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية (DSM-5) في عام 2013، تم دمج أعراضها ضمن اضطراب طيف التوحد.
وبالمثل، في التصنيف الدولي للأمراض (ICD-11)، تم إدراج متلازمة أسبرجر من ضمن أنواع التوحد.
الأشخاص المصابون بمتلازمة أسبرجر قد يواجهون تحديات في العلاقات الاجتماعية وقد يؤثر ذلك على تطورهم المهني واستقرارهم الأسري. ومع ذلك، يمكن للعديد منهم أن يعيشوا حياة مستقلة وناجحة، وقد يتميزون بمعدل ذكاء أعلى من المتوسط وقدرات خاصة في مجالات معينة.
2. اضطراب التوحد الكلاسيكي أو متلازمة كانر:
اضطراب التوحد الكلاسيكي، المعروف أيضاً باسم متلازمة كانر، هو أحد أنواع التوحد. يُعتبر من الاضطرابات العصبية التنموية التي تظهر عادة خلال السنوات الثلاث الأولى من حياة الطفل وتستمر طوال الحياة.
يتميز هذا الاضطراب بثلاثة أعراض رئيسية: ضعف التفاعل الاجتماعي، وضعف في التواصل، والسلوكيات التكرارية.
يُلاحظ الأهل عادةً علامات التوحد على طفلهم خلال السنوات الأولى، حيث يمكن أن يظهر الأطفال المصابون بالتوحد الكلاسيكي تأخراً في النمو الاجتماعي والتواصل.
قد يواجهون صعوبة في تكوين علاقات مع الآخرين، وقد يظهرون سلوكيات متكررة مثل الهز أو التلويح باليدين. كما قد يعانون من تحديات في التواصل اللفظي وغير اللفظي، وقد يكون لديهم اهتمامات محدودة أو مفرطة في مواضيع معينة.
يُعتقد أن التوحد الكلاسيكي ينتج عن مزيج من العوامل الجينية والبيئية، مع وجود دلائل قوية على أن الجينات تلعب دورًا رئيسيًا. وعلى الرغم من وجود العديد من النظريات حول العوامل البيئية المؤثرة، مثل اللقاحات، إلا أن الأدلة العلمية قد دحضت هذه الفرضيات.
من المهم الإشارة إلى أن التوحد الكلاسيكي يُعتبر جزءً من طيف واسع من الاضطرابات، ولكل فرد مصاب بالتوحد خصائصه الفريدة. لا يوجد علاج شافٍ للتوحد، ولكن هناك تدخلات تعليمية وسلوكية يمكن أن تساعد في تحسين القدرات الوظيفية وجودة الحياة للأفراد المصابين.
3. متلازمة ريت:
متلازمة ريت هي اضطراب وراثي نادر يؤثر بشكل أساسي على الإناث، ويتميز بنمو طبيعي في البداية يليه تباطؤ في التطور، وفقدان القدرات الحركية أو الوظيفية في اليدين، وحركات يد مميزة، ونمو بطيء في الدماغ والرأس، ومشاكل في المشي، ونوبات صرع، ومشاكل إدراكية، ومشاكل هضمية، وأعراض أخرى، وتصنف من أنواع التوحد.
يبدأ الأطفال المصابون بمتلازمة ريت في فقدان المهارات التي اكتسبوها سابقاً، مثل القدرة على الزحف أو المشي أو التواصل أو استخدام أيديهم.
ومع مرور الوقت، يعاني الأطفال من مشاكل متزايدة في استخدام العضلات التي تتحكم في الحركة والتناسق والتواصل. وتصبح حركة اليدين غير طبيعية، مثل الفرك أو التصفيق المتكرر، بدلاً من استخدام اليدين في الأغراض الطبيعية.
من الناحية الوراثية، تحدث متلازمة ريت نتيجة طفرات في الجين MECP2 الموجود على الكروموسوم إكس، والذي يشارك في إسكات النسخ والتنظيم فوق الجيني للحمض النووي الريبوزي منقوص الأكسجين المميثل. وفي معظم الحالات، تكون هذه الطفرة جديدة لدى الطفل ولم يرثها من الوالدين.
على الرغم من عدم وجود علاج شافٍ لمتلازمة ريت، هناك علاجات محتملة قيد الدراسة. يركز العلاج الحالي على تحسين الحركة والتواصل، وعلاج نوبات الصرع، وتوفير الرعاية والدعم للأطفال والبالغين المصابين بمتلازمة ريت وعائلاتهم.
4. اضطراب الطفولة:
اضطراب الطفولة التفككي (CDD)، المعروف أيضًا باسم متلازمة هيلر، هو حالة نادرة تتميز بتأخر التطور الذي يحدث في وقت متأخر أو انعكاسات حادة ومفاجئة في اللغة (التعبيرية والاستقبالية)، والتفاعل الاجتماعي، والتحكم في الأمعاء والمثانة، واللعب، والمهارات الحركية.
يحدث هذا بعد حوالي عامين من التطور الطبيعي. يُعتبر CDD نوعاً من أنواع التوحد (ASD)، وفقاً لأحدث إصدار من الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية، الطبعة الخامسة، المراجعة النصية (DSM-5-TR)، حيث تم دمج CDD واضطرابات التوحد الأخرى ذات الصلة لتشكيل ASD تحت فئة الاضطرابات العصبية التطورية.
عادةً ما يظهر الأطفال المصابون بـ CDD تطورًا طبيعيًا حتى هذه النقطة، حيث يتطورون بشكل طبيعي في مجالات المهارات اللغوية والمهارات الاجتماعية ومهارات الفهم، ويحافظون على هذه المهارات لمدة حوالي عامين. ومع ذلك، بين سن الثانية والعاشرة، تُفقد المهارات المكتسبة تقريباً بالكامل في اثنين على الأقل من الوظائف الست التالية:
- المهارات اللغوية التعبيرية (القدرة على إنتاج الكلام ونقل الرسالة).
- المهارات اللغوية الاستقبالية (فهم اللغة - الاستماع وفهم ما يتم التواصل به).
لا يعرف المهنيون الطبيون ما الذي يسبب CDD أو ASD. يشير الخبراء إلى أن العوامل الوراثية والبيئية قد تساهم في تطورها. تشير الأبحاث إلى وجود علاقة بين CDD والأمراض التالية، خاصةً عندما تبدأ أعراض CDD في وقت لاحق من الطفولة.
5. اضطراب النمو الشامل:
اضطراب النمو الشامل (PDD)، والذي يُعرف بأنه مصطلح شامل لأنواع التوحد (ASD)، هو مصطلح كان يُستخدم لوصف مجموعة من الاضطرابات التي تتميز بتأخر في تطور الوظائف الأساسية مثل التواصل الاجتماعي والمهارات اللغوية.
تشمل الاضطرابات التي كانت تقع تحت هذه الفئة التوحد، متلازمة أسبرجر، اضطراب النمو الشامل غير المحدد (PDD-NOS)، اضطراب تفكك الطفولة (CDD)، الاضطراب الفرط الحركي المصاحب للتخلف العقلي والحركات النمطية، ومتلازمة ريت.
كان يُلاحظ على الأطفال المصابين بـ PDD تأخر في تحقيق مراحل التطور العمرية المتوقعة، مثل الحركة المناسبة للعمر وإنتاج الكلام. قد يبدأ الآباء في الشك في صحة طفلهم عندما لا يتم تحقيق هذه المعالم الهامة.
في الإصدار الخامس من الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية (DSM-5)، تم إزالة PDD كفئة من التشخيصات، واستُبدلت إلى حد كبير بـ ASD ومقياس للخطورة النسبية للحالة.
الأعراض التي قد تظهر على الأطفال المصابين بـ PDD تشمل:
- صعوبة في استخدام وفهم اللغة.
- صعوبة في التواصل مع الأشخاص والأشياء والأحداث؛ على سبيل المثال، نقص التواصل بالعين، وعدم الإشارة، وغياب الاستجابات الوجهية.
- اللعب غير العادي بالألعاب والأشياء الأخرى.
- الحركات الجسدية المتكررة أو أنماط السلوك، مثل التلويح باليدين، ولف الشعر، أو الحركات الأكثر تعقيداً.
- صعوبة في تنظيم السلوكيات والعواطف، والتي قد تؤدي إلى نوبات الغضب، والقلق، والعدوان.
لا يوجد علاج معروف لـ PDD، ولكن يمكن استخدام الأدوية لمعالجة مشاكل سلوكية محددة ويجب أن تكون العلاجات متخصصة وفقًا لاحتياجات كل طفل. يلعب التدخل المبكر دوراً حاسماً في تحسين نتائج الأفراد المصابين بـPDD.
مستويات التوحد:
مستويات التوحد تشير إلى تنوع في شدة ونطاق الأعراض التي يظهرها الأفراد المصابون بالتوحد. يتراوح هذا التنوع من مستويات خفيفة حيث قد تكون الأعراض طفيفة وغير واضحة بشكل كبير، إلى مستويات شديدة حيث قد تكون الأعراض مكثفة وتؤثر بشكل كبير على حياة الفرد.
تفهم درجات التوحد يساعد بشكل كبير في تحديد احتياجات الفرد المصاب بالتوحد وتوجيه الدعم اللازم له، مما يسهم في تعزيز جودة حياته وتحقيق أقصى إمكانياته.
المستوى الأول: التوحد الخفيف
يُعرف المستوى الأول بأنه أخف درجات التوحد، حيث يحتاج الأشخاص في هذا المستوى إلى الحد الأدنى من الدعم. يمكن للأفراد المصابين بالتوحد الخفيف التواصل لفظيًا وتكوين جمل كاملة، وقد يكونون قادرين على تكوين علاقات اجتماعية، لكنهم قد يواجهون صعوبات في بعض المواقف الاجتماعية والحفاظ على العلاقات.
المستوى الثاني: التوحد المتوسط
يشير المستوى الثاني إلى درجة متوسطة من شدة أعراض التوحد، حيث يعاني الأشخاص في هذا المستوى من مشاكل أكثر وضوحًا في التواصل والمهارات الاجتماعية مقارنةً بالتوحد الخفيف.
قد يواجهون صعوبة ملحوظة في إجراء محادثات وقد يحتاجون إلى دعم أكبر في التواصل اللفظي وغير اللفظي.
المستوى الثالث: التوحد الشديد
المستوى الثالث هو أشد درجات التوحد، حيث يحتاج الأشخاص المصابون به إلى دعم مكثف. يمكن أن يعانوا من ضعف كبير في مهارات التواصل اللفظي وغير اللفظي وقد يظهرون سلوكيات متكررة ومقاومة للتغيير في الروتين اليومي، ويحتاجون إلى مساعدة مستمرة في مختلف جوانب الحياة.
في الختام:
باختتامنا لهذا المقال، ندرك أهمية فهم التوحد بجميع أنواعه ومستوياته، فهو ليس مجرد اضطراب، بل هو جزء لا يتجزأ من تنوع البشرية. من خلال التعرف على أنواع التوحد ومستويات التوحد، نستطيع أن نبني جسوراً للفهم والتعاطف، ونقدم الدعم والمساعدة للأفراد المتأثرين بهذا الاضطراب. لذا، دعونا نعمل سوياً على تعزيز ثقافة الاحترام والتضامن مع الأشخاص المصابين بالتوحد، لنجعل مجتمعنا مكاناً يتسع للجميع ويحتضن الاختلاف بكل احترام وتقدير.
أضف تعليقاً