في هذا المقال، سنناقش مفهوم أمن البيانات وكيف يمكننا حماية خصوصيتنا في عالم يتسم بالرقمنة المتزايدة. سنستكشف أيضاً التحديات التي تواجهنا والحلول المحتملة لهذه المشكلة المعقدة. فلنبدأ رحلتنا في فهم هذا الموضوع الحاسم.
ضرورة أمن البيانات وحماية الخصوصية في العصر الرقمي:
في بعض الصناعات كالخدمات المالية والرعاية الصحية تخضع المؤسسات للتنظيم نتيجة الأحجام الهائلة لمعلومات تحديد الهوية الشخصية والبيانات الحساسة. مما يجعل هذه الصناعات هدفاً رئيسياً للجرائم الإلكترونية وبالتالي فإن كمية البيانات المنظمة والتاريخية التي تخزنها تلك المؤسسات تضمن استثمارات التعلم الآلي وتكنولوجيا البيانات الضخمة هذا يزيد تعقيد التحديات التي تواجه حماية هذه البيانات. فقد نما قطاع الخدمات المالية بشكل كبير في التكنولوجيا الحديثة خلال مدة قليلة، لكن رغم توقنا للخصوصية لكننا لا نستطيع الحصول على قدر كافي من الحلول الرقمية.
حيث يثق العملاء في البنوك ومؤسسات الرعاية الصحية للتعامل مع معلوماتهم الشخصية والمالية الأكثر حساسية لعدة سنوات؛ إذ يتمثل الاختلاف في الوقت الحالي أنه في عالم شديد الترابط والرقمنة، فقد تضاعفت سبل الوصول إلى البيانات وأصبحت أكثر عرضة للاختراق.
لذلك تم سن قوانين خصوصية البيانات المعمول بها لمثل هذه المؤسسات كـ: NYDFS التابع لوزارة المالية في نيويورك (الولايات المتحدة)، والسلطة النقدية في سنغافورة MAS-TRM وقانون نقل التأمين الصحي والمساءلة HIPAA في الولايات المتحدة.
تترتب على عملية خرق البيانات عواقب وخيمة في كل الصناعات، فسابقاً بنت الشركات قاعدة عملائها على الثقة، لكن مع وجود الوافدين الجدد في مجال التكنولوجيا الذين ينتظرون أخذ عملائهم، قد يضعف خرق البيانات تلك الثقة كما قد تكبدهم عقوبات مالية شديدة.
لكن نتيجة استمرار المنافسة في تلك الصناعات وتوليد المزيد من البيانات، تقوم المؤسسات بإعداد بنيتها التحتية لمزيد من الاتصال، كما نستطيع توقع رؤية لوائح خصوصية إضافية يتم تقديمها.
تحديات الخصوصية في العصر الرقمي:
يعتبر الذكاء الاصطناعي تحدي أساسي لخصوصية الأفراد والمؤسسات نتيجة تعقيد الخوارزميات المستخدمة في أنظمة الذكاء الاصطناعي. فتقدم وتطور الذكاء الاصطناعي سيمكنه من اتخاذ القرارات بالاعتماد على أنماط دقيقة في البيانات، ولن يتمكن البشر من تمييزها. بمعنى أخر لن يدرك الأفراد أن بياناتهم الشخصية قد تستخدم لاتخاذ قرارات تؤثر عليهم، ويكمن ذلك التأثير في عدة جوانب تتجلى فيما يلي:
1. تحدي انتهاك الخصوصية:
رغم الفوائد الكثيرة التي توفرها تقنية الذكاء الاصطناعي لكن يوجد عدة تحديات هامة قد تفرض نفسها عند استخدامها؛ أحدها إمكانية استخدامه لانتهاك الخصوصية. حيث تحتاج أنظمة الذكاء الاصطناعي إلى كميات كبيرة من البيانات الشخصية، فلو وقعت تلك البيانات في أيدي المتسللين فإنهم سيتمكنون من استخدامها لأغراض شائنة كسرقة الهوية أو التجسس عبر الإنترنت.
2. قضية التحيز والتمييز:
احتمال التحيز والتمييز هو تحدي آخر قد ينتج عن أنظمة الذكاء الاصطناعي في العصر الرقمي، فقد يحدث ذلك عندما تكون قد دربت النظام على بيانات متحيزة. فينتج عن ذلك قرارات تمييزية تؤثر على الأفراد وفق عدة عوامل تتجلى بالعرق أو الجنس أو الوضع الاجتماعي والاقتصادي.
3. ممارسات إساءة استخدام البيانات:
تفرض تقنية الذكاء الاصطناعي احتمال إساءة استخدام البيانات من قبل الجهات المسيئة، إذ يمكن استخدامه لإنشاء صور ومقاطع فيديو مزيفة مقنعة، قد تستخدم لنشر معلومات مضللة هدفها التلاعب بالرأي العام. كما يمكن استخدامه لإنشاء هجمات تصيد احتيالي متطورة قد تخدع الأفراد للكشف عن معلومات حساسة وذلك عبر دعوتهم للضغط على روابط ضارة.
كما قد يؤثر إنشاء ونشر مقاطع فيديو وصور مزيفة على الخصوصية بشكل خطير، لأنها قد تحتوي على أشخاص حقيقيين ربما لم يوافقوا على استخدام صورتهم. مما قد يتسبب بمواقف تعرض الأفراد للأذى من خلال نشر الوسائط المزيفة، إما نتيجة استخدامها لنشر معلومات كاذبة أو ضارة عنهم أو نتيجة استخدامها بطريقة تنتهك خصوصيتهم.
حلول تحديات أمن حماية الخصوصية في العصر الرقمي:
يجب اتباع نهج استباقي لمواجهة تحديات أمن البيانات وحماية الخصوصية والتأكد من استخدام التقنيات الرقمية والذكاء الاصطناعي بشكل أخلاقي ومسؤول.
حيث تقع مسؤولية حماية الخصوصية على عاتق عدة أطراف وهي: الحكومات والشركات والأفراد. إذ يجب على المستهلكين حماية معلوماتهم الشخصية بالبقاء على اطلاع على آخر تحديثات الخصوصية للمواقع والتطبيقات التي يستخدمونها، واستخدام أدوات وإعدادات الخصوصية، ومراعاة أنشطتهم عبر الإنترنت.
على الجانب الآخر يجب على الحكومات تنفيذ اللوائح لضمان تطوير التقنيات الرقمية واستخدامه بطريقة تحترم خصوصية الأفراد وغيرها من الاعتبارات الأخلاقية الأخرى. إذ يجب على المنظمات إعطاء الأولوية للخصوصية كقيمة أساسية واعتماد سياسات قوية لحماية البيانات تحترم الخصوصية الفردية.
أهم المناهج العالمية لحماية الخصوصية الرقمية:
باعتبار أن مسألة الخصوصية مصدر قلق عالمي اتخذت بعض البلدان تدابير مختلفة لحماية خصوصية مواطنيها.
ففي الولايات المتحدة الأمريكية يعد قانون خصوصية المستهلك في كاليفورنيا CCPA أكثر قوانين الخصوصية شمولاً فهو يمنح سكان كاليفورنيا الحق في معرفة المعلومات الشخصية التي تجمعها الشركات وتطلب حذفها. كما طرحت الحكومة الأمريكية أيضاً عدة مشاريع للقوانين كقانون حقوق خصوصية المستهلك على الإنترنت COPRA وقانون البيانات الآمنة.
وفي أوروبا تعد اللائحة العامة لحماية البيانات GDPR لائحة خصوصية حيث تضع معياراً عالمياً للوائح الخصوصية. يوفر مجموعة من القواعد لحماية البيانات الشخصية لمواطني الاتحاد الأوروبي وينطبق على كل الشركات العاملة داخل الاتحاد الأوروبي. مثلاً عام 2020 فرضت هيئة تنظيم حماية البيانات الفرنسية غرامة قدرها 50 مليون يورو على Google لانتهاكها اللائحة العامة لحماية البيانات.
على الجانب الآخر نفذت الصين عدة إجراءات لحماية خصوصية المواطنين كقانون الأمن السيبراني، الذي يفرض على الشركات حماية المعلومات الشخصية ويمنح المواطنين الحق في معرفة كيفية استخدام بياناتهم. ففي عام 2020 أقر المؤتمر الوطني لنواب الشعب الصيني سيد قانون جديد لحماية المعلومات الشخصية يفرض قواعد أكثر صرامة على الشركات التي تجمع المعلومات الشخصية ومعالجتها ويفرض عقوبات على الانتهاكات.
كما سنت أستراليا قانون الخصوصية عام 1988 والذي ينظم معالجة المعلومات الشخصية من قبل الوكالات الحكومية والمنظمات الخاصة ويمنح المواطنين الحق في الوصول إلى معلوماتهم الشخصية وتصحيحها.
في الختام:
تؤثر قضية أمن البيانات وحماية الخصوصية على المجتمع سواء أفراد أو شركات، لذا يجب تبني نهج يتضمن حلولاً تقنية وتنظيمية. إذ تتطلب حماية الخصوصية التعاون بين مجموعة من أصحاب المصلحة والذي يشمل الحكومة والمجتمع المدني.
يكون ذلك من خلال العمل على تطوير وتنفيذ استراتيجيات تعزز الخصوصية والأمن، إذ نستطيع المساعدة في ضمان تحقيق فوائد التكنولوجيا بشكل أخلاقي ومستدام يحترم خصوصية الأفراد وكرامتهم.
فقد تلعب الحكومات والهيئات التنظيمية دوراً نشطاً في الإشراف على تطوير ونشر تلك التقنيات؛ يشمل ذلك وضع اللوائح والمعايير وهيئات الرقابة لضمان الاستخدام المسؤول والأخلاقي وحماية حقوق الخصوصية الفردية.
أضف تعليقاً