آلية عمل الذكاء الاصطناعي:
الذكاء الاصطناعي هو السماح للكومبيوتر بالتفكير والتعلم من تلقاء ذاته، هاتان السمتان (أي التعلم والتفكير) اللتان كانتا منوطتين بالدماغ البشرية، نُقلتا اليوم إلى الآلة، فأصبحت الآلات التي تتمتع بالذكاء الاصطناعي قادرة على القيام بمهام كان أداؤها مقتصراً على الإنسان والدماغ البشري منذ وقت قليل انقضى، لقد أصبح الذكاء الاصطناعي حاضراً ملموساً نحياه كل يوم، ولم يعد وهماً من أوهام المستقبل، فما هي آلية عمل الذكاء الاصطناعي؟
تُبرمَج الآلة في الذكاء الاصطناعي على أداء مهمة محددة، وتُدرَّب على بيانات متاحة، لتتعلم منها الوصول إلى الهدف المطلوب على أكمل وجه، وعندما تتقن الآلة كيفية الخروج إلى الهدف المحدد باستخدام البيانات المتاحة، وتصل إلى مستوى مطلوب من التعلم، تنتقل إلى مرحلة أخذ البيانات بأسلوب مستقل دون أي تدخُّل بشري، وهذا ما وصلنا إليه في يومنا هذا؛ إذ أصبح من المتوقع من الآلة أن تأخذ البيانات وتحقِّق الغاية وحدها بمعزل عن أي تدخُّل بشري.
في المرحلة التالية، يحلِّل الذكاء الاصطناعي البيانات التي جمعها، ويبني تنبؤات على النتائج التي توصَّل إليها، ثمَّ يستخدم هذه النتائج ليحسِّن عملياته ومنهجه، وذلك يعقِّد ذكاءه أكثر فأكثر، قد تكون هذه الخبرات التراكمية أمراً جيداً، لكنَّ احتمالات حدوث الأخطاء ورادة جداً، ومن ثمَّ فإنَّ اعتماد نتائج مبنية على بيانات خاطئة من شأنه أن يتسبَّب بكارثة.
إيجابيات تقنيات الذكاء الاصطناعي:
ثمَّة ميزات عديدة نحصل عليها من استخدام الذكاء الاصطناعي، ومن أهم إيجابيات تطبيقات الذكاء الاصطناعي، نذكر:
1. تقليل الأخطاء البشرية:
يعدُّ تقليل معدل الأخطاء الناتج عن الاستخدام البشري من أهم إيجابيات الذكاء الاصطناعي؛ لأنَّ البشر خطاؤون، أمَّا الذكاء الاصطناعي المتمثِّل بالكومبيوترات المبرمجة جيداً، فهي غير قابلة للخطأ، كما أنَّ قرارات الذكاء الاصطناعي المبنية على بيانات جُمِّعت باستخدام الخوارزميات، ترفع من معدلات الدقة، وتقلِّل من نسبة الخطأ.
2. تسهيل وتسريع اتخاذ القرارات:
يعدُّ جعل عملية اتخاذ القرار أكثر سهولة وسرعة من أهم إيجابيات الذكاء الاصطناعي، فالذكاء الاصطناعي وتقنياته يعملان جنباً إلى جنب برفقة الآلات، وذلك يجعل من عملية اتخاذ القرار أكثر سرعة، ومن ثمَّ عملية تنفيذه تحدث بوقت أقل، وهذا ينتج عنه توفير للوقت وشعور بالثقة، وتكرار عمليات اتخاذ القرار ينتج عنه تقليل وقت اتخاذه في المستقبل، ومن ثمَّ تحسين العمليات.
3. استمرارية العمل:
إنَّ عدم حاجة الحواسيب وتقنيات الذكاء الاصطناعي إلى الإجازات والراحة، يُنشِئ استمرارية في العمل، وهذا يعدُّ من إيجابيات الذكاء الاصطناعي؛ لأنَّ الكائن البشري يحتاج إلى فترات من الراحة لمتابعة عمله بنفس الجودة المثالية، وإنَّ استمرار العمل على مدار 24 ساعة من شأنه أن يرفع من معدلات الإنتاجية جداً.
4. تقليل الخطر:
هذه إيجابية أخرى من إيجابيات تقنيات الذكاء الاصطناعي، فهو ينوب عن الإنسان في أداء المهام والعمليات المحفوفة بالمخاطر، وعلى سبيل المثال إنَّ تولِّي روبوت يعمل بتقنيات الذكاء الاصطناعي مهمة التنقيب عن الفحم، أو نزع فتيل القنبلة، أو استطلاع أعماق البحار ونشاط البركان، يخفِّف عدد وفيات العمال الذين كانوا يقومون عادة بهذه المهام.
5. توفير الجهد البشري:
تتطلَّب وظائف عديدة أداء مهام روتينية، ومع تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي أصبح بإمكانه تولي هذه المهام عن الموظف البشري، وادخار جهود الأخير، وتوظيفها في مهام إبداعية أخرى، وهذه ميزة من إيجابيات الذكاء الاصطناعي، تخيَّل أن تترتب عليك مهمة إرسال بريد إلكتروني ترحيبي لكل عضو جديد يدخل منتداك، إنَّه لمن الجنون تكرار هذه العمليات مئات وآلاف المرات، وإنَّه لمن الجيد حقاً أن يستطيع الذكاء الاصطناعي تولي هذه المهام المكررة، وترك المجال لك للقيام بأعمال إبداعية تتطلَّب إنتاجيتك البشرية.
6. توفير المساعدة الرقمية:
الاستعانة بتقنيات الذكاء الاصطناعي قلَّلت حاجة الشركات إلى الموظفين، ومن ثمَّ فقد خفَّفت عنها بعض أعباء التوظيف، والأجور، والتأمين الصحي، وهذه واحدة أخرى من إيجابيات الذكاء الاصطناعي، وتأتي أهمية تقنيات الذكاء الاصطناعي عن طريق توفير المساعدة الرقمية في مجالات عديدة نذكر منها؛ مجال خدمة العملاء مثلاً؛ إذ أصبح لروبوتات المحادثة دور هام في توجيه العميل نحو المعلومات التي يبحث عنها، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الروبوت الصوتي الذي يرد على المكالمات الهاتفية، ولقد تطورت هذه التقنيات كثيراً حتى أصبح من الصعب في بعض الحالات معرفة أنَّ الذي نتحدث معه مجرد آلة.
7. تحديد الأنماط:
من أهم إيجابيات تقنيات الذكاء الاصطناعي قدرتها في التفوق على الإنسان في مجال اكتشاف الأنماط، كالصور، والأرقام، والكلمات، تخيَّل أنَّك تريد البحث عن قصيدة ما في دواوين شاعر، سيتطلَّب منك الأمر وقتاً طويلاً تبحث في الفهارس، فيما لا يكلف الأمر تقنيات الذكاء الاصطناعي ثوان معدودة، فضلاً عن كفاءة تطبيقات الذكاء الاصطناعي في البحث ودقة نتائجها، ومن ثمَّ قدرتها على الوصول إلى استنتاجات، وبناء تنبؤات في وقت قياسي، وهذا ما يتيح لك رؤية الصورة الشاملة وبسرعة، كأن تستعين بتقنيات الذكاء الاصطناعي في مجال تحليل السوق مثلاً، وتستعين بنتائجه في وضع الخطة التسويقية.
8. تحديد تدفقات العمل البشرية بصورة أفضل:
ممَّا لا شكَّ فيه أنَّ استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، يزيد الإنتاجية، ويرفع من كفاءة العمل، ومن ثمَّ يزيد من الإيرادات، وهذا يتطلَّب تطوير تدفقات العمل البشرية وجعلها متلائمة مع الكفاءة العالية التي يعمل بها الذكاء الاصطناعي؛ أي يجب أن يوجد تناسب بين قدرات الذكاء الاصطناعي، وتدفقات العمل البشري، بصورة تحقِّق استفادة قصوى من مجهود كل منهما؛ وذلك من خلال العمل بأقصى سعة ممكنة، الأمر الذي تظهر تأثيراته الإيجابية في العمل بأسلوب واضح.
9. السلاسة في التعامل مع البيانات الضخمة:
إذا ما طلبنا من موظف بشري القيام بعملية جمع رقمين فإنَّه سيجيب، ولكنَّ الطلب من كائن بشري جمع مئات الأرقام، سيسبِّب حدوث خطأ ما، عدا عن الوقت الطويل الذي سيستغرقه في عملية الحساب، وهذا ما لا يحدث مع تقنيات الذكاء الاصطناعي، فإنَّ من إيجابيات تقنيات الذكاء الاصطناعي قدرتها على القيام بعمليات على مجموعات كبيرة من البيانات مهما كانت معقدة بسرعة ودقة خارقتين، وكذلك الأمر بالنسبة إلى استخراج البيانات وتحويلها وتفسيرها.
سلبيات تقنيات الذكاء الاصطناعي:
لا نستطيع إنكار وجود سلبيات تقنيات الذكاء الاصطناعي على الرغم من الإيجابيات الكثيرة التي ذكرناها، ومن أبرز سلبيات الذكاء الاصطناعي نذكر:
1. التكاليف العالية:
يعدُّ ارتفاع التكاليف من أبرز سلبيات الذكاء الاصطناعي، وهذا ما لا يخفى على أحد، فالجميع يعلم الحاجة إلى استثمار عالٍ إذا ما أرادت شركة أن تستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي؛ وذلك من أجل الحصول على الأجهزة والتطبيقات اللازمة لتشغيله، إضافة إلى تكاليف تحديثه المستمرة، ولا ننسى تكاليف توظيف المتخصصين أو تدريب الموظفين من أجل التعامل معه.
2. تقليل العمالة:
قد يبدو حلول تقنيات الذكاء الاصطناعي محل اليد العاملة البشرية أمراً جيداً، لا سيما بالنسبة إلى الشركات، لكنَّه يعدُّ من سلبيات الذكاء الاصطناعي بالنسبة إلى الموظفين، فكثير من الموظفين قد فقدوا أعمالهم ومصادر رزقهم بسبب الذكاء الاصطناعي وتقنياته، وعدد منهم يتخوَّف من خطر وقدرة هذا الذكاء على إزاحته مستقبلاً، ويعيش هاجس افتقاد الأمان الوظيفي.
3. الافتقار إلى الإبداع:
من سلبيات الذكاء الاصطناعي أنَّه جامد وغير إبداعي، وعلى الرَّغم من قدرته على التعلم من البيانات والتجارب المدخلة مع مرور الوقت، إلا أنَّه عاجز تماماً عن الخروج عن النوتة التي رسمت له أو التفكير خارج الصندوق؛ لذا لا يمكن الاعتماد عليه في إنتاج محتويات إبداعية لا غنى عنها أبداً في التعاملات البشرية.
4. يفتقر إلى التعاطف والأخلاق:
تعدُّ العواطف البشرية جزءاً هاماً من عمليات الشراء، وتؤدي الأخلاق أيضاً دوراً محورياً في ضبط تصرفات البشر، وهذا ما لا يمكن للذكاء الاصطناعي فهمه أو التغلب عليه، فهو عبارة عن خوارزميات منطقية عقلانية غير قادرة على استيعاب دور العاطفة في اتخاذ القرارات، ولا دور الأخلاق في التحكم بالسلوك؛ لذا فإنَّ غياب الجانب العاطفي والتقدير الأخلاقي يعدُّ من سلبيات الذكاء الاصطناعي.
5. يزيد احتمالات كسل البشر:
تنظيف الأرض باستخدام الروبوت، وتحضير القهوة باستخدام المكنة، والاستعانة بالمساعدات الرقمية، من شأنه أن يرفع من اعتماد الإنسان على الآلة، ومن ثمَّ زيادة الكسل البشري، جميعنا أصبح ركيكاً في عمليات الجمع والحساب بعد اختراع الآلات الحاسبة، وكذلك في الاستيقاظ بعد المنبه، وفي التذكر أيضاً بعد تطبيقات الملاحظات، وهذا مردُّه إلى تقليل استخدامنا لأدمغتنا والذي بدوره سبَّب كسلها؛ فيجب الاعتراف بهذه النقطة، وعدم السماح لها بتجاوز حدود معينة، وإلا فإنَّنا سوف نتحول إلى كائنات بلهاء بالمطلق إذا ما استمر الذكاء الاصطناعي بالتطور واستمررنا بالاعتماد عليه بهذه الطريقة.
في الختام:
التطور في تقنيات الذكاء الاصطناعي سيف ذو حدَّين، فهو قد حمل إيجابيات كثيرة ونوايا نبيلة، ولكنَّه في الوقت ذاته انطوى على مخاطر لا يُستهان بها؛ لذا لا بدَّ من الوعي في استخدامه وتطويره.
أضف تعليقاً