حقيقةً، دفعت هذه التساؤلات عن الذكاء الاصطناعي والخصوصية دولاً عدة إلى وضع قيود وسن تشريعات في محاولة منها لوضع ضوابط لطرائق جمع البيانات والتقليل من انتهاك الخصوصية، إضافة إلى المطالبة بمزيد من الشفافية من قِبل الشركات وإعطاء المستخدمين معلومات أساسية عن طرائق جمع المعلومات وتخزينها؛ إذ يعتمد الذكاء الصناعي بطبيعة الحال على تجميع قاعدة بيانات ضخمة.
هل يمكن الوصول فعلاً لتطمينات موثوقة بشأن الذكاء الاصطناعي والخصوصية؟ وهل يمكن تحقيق التوافق بين جمع البيانات وتعليم الآلة والخصوصية؟ هذه الأسئلة وكثير غيرها سنحاول الإجابة عنها من خلال المقال الآتي، ففي حال كنتَ مهتماً بمعرفة المزيد، فتابع القراءة.
كيف يهدد الذكاء الاصطناعي الخصوصية؟
يمثل الذكاء الاصطناعي تهديداً كبيراً للخصوصية؛ وذلك بسبب قدرته على جمع وتحليل البيانات بسرعة ودقة، وتوليد معلومات جديدة عن المستخدمين بشكل تلقائي، وبذلك يمكن أن يتم تعريض خصوصية المستخدمين للخطر، ومن بين الطرائق التي يهدد بها الذكاء الاصطناعي الخصوصية سنعرض ما يأتي:
1. جمع البيانات الشخصية:
يُستخدَم الذكاء الاصطناعي في جمع البيانات الشخصية للمستخدمين، مثل الاسم والعنوان والبريد الإلكتروني والرقم الوطني والتفاصيل الشخصية الأخرى، ويمكن استخدام هذه البيانات لتحديد هوية المستخدمين ومراقبة نشاطاتهم.
2. تحليل البيانات الشخصية:
يُستخدَم الذكاء الاصطناعي في تحليل البيانات الشخصية للمستخدمين، ويمكن استخدام هذه المعلومات لتحديد الاهتمامات والعادات والسلوكات الشخصية للمستخدمين، ومن ثمَّ يمكن استخدام هذه المعلومات للتوجيه الإعلاني والتسويقي للمستخدمين.
3. الكشف عن المعلومات الحساسة:
يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكشف عن المعلومات الحساسة للمستخدمين، مثل المعلومات الطبية والمعلومات المالية والمعلومات الجنسية والعرقية والدينية، ويمكن استخدام هذه المعلومات بطرائق غير مشروعة أو غير متوافقة مع الخصوصية.
4. استخدام البيانات في صنع القرارات:
يمكن للذكاء الاصطناعي أن يستخدم البيانات المجمَّعة لاتخاذ القرارات، مثل قرارات القبول في الوظائف والمؤسسات التعليمية وتحديد التأمينات والقروض، ويمكن أن تؤدي هذه القرارات إلى تمييز المستخدمين بطرائق غير متوقعة وغير متوافقة مع الخصوصية.
لذلك، يجب على المنظمات والشركات والحكومات تطبيق إجراءات وممارسات للحفاظ على خصوصية المستخدمين وتوفير الأمان اللازم للبيانات المجمعة، وذلك عن طريق تحديد أغراض جمع البيانات والحصول على الموافقة المسبقة، وتحديد الحدود القانونية لجمع واستخدام البيانات، وتقييد الوصول إلى البيانات الحساسة، وتوفير خيارات الاختيار للمستخدمين، وتحسين أمان البيانات وتشفيرها، والتقليل من استخدام البيانات بطرائق غير مشروعة أو غير متوافقة مع الخصوصية.
كما يجب تدريب الموظفين على الممارسات الجيدة للخصوصية والأمن، وتوفير نظام للإبلاغ عن انتهاكات الخصوصية واتباع إجراءات لحلها بسرعة.
ما هي التقنيات الحديثة المستخدَمة للحفاظ على الخصوصية في أثناء جمع المعلومات؟
توجد تقنيات حديثة عدة مستخدَمة لحفظ الخصوصية في أثناء جمع المعلومات، وتشمل على سبيل المثال لا الحصر:
1. تقنيات التشفير:
وهي تقنية تُستخدَم لتحويل البيانات المرسَلة عبر الإنترنت إلى شكل لا يمكن فك شفرته إلا بوجود مفتاح تشفير، ويمكن استخدام هذه التقنية لحفظ خصوصية المعلومات المرسَلة عبر الإنترنت.
شاهد بالفديو: 10 نصائح لحماية حسابك المصرفي من الاختراق عن طريق الإنترنت
2. تقنيات الحفاظ على الخصوصية:
وهي تقنية تسمح بجمع المعلومات دون الحاجة إلى إفشاء الهوية الفردية للأفراد، وتشمل هذه التقنيات تقنيات الحفاظ على الخصوصية في تحليل البيانات (Privacy-Preserving Data Analysis) وتقنيات الحفاظ على الخصوصية في التعلم الآلي (Privacy-Preserving Machine Learning) وغيرها.
3. تقنيات التعريف العشوائي:
وهي تقنية تمكِّن من جمع المعلومات دون الكشف عن الهوية الفردية للأفراد؛ إذ يتم إجراء استطلاعات عشوائية وتقديم إجابات عشوائية بطريقة تحمي الخصوصية.
4. تقنيات تحديد الهوية المجهولة:
وهي تقنية تمكِّن من جمع المعلومات دون الكشف عن الهوية الفردية للأفراد، وتتمثل في إعطاء هويات وهمية للأفراد في أثناء جمع البيانات.
تتطور هذه التقنيات يوماً بعد يوم، ويتم استخدامها في مجالات مختلفة مثل الصحة، والتجارة الإلكترونية، والتحليلات، والتعلم الآلي، وغيرها، لحماية خصوصية المستخدمين والحفاظ على سرية المعلومات المرسَلة عبر الإنترنت.
ما هي عوائق جمع البيانات في عصر الخصوصية وتعليم الآلة؟
توجد عوائق عدة تواجه جمع البيانات في عصر الخصوصية وتعليم الآلة، ومنها:
1. قضايا الخصوصية والأمان:
يجب أن يتم جمع البيانات بطريقة تحترم خصوصية المستخدمين وتحمي البيانات من الاختراق والاستغلال غير المشروع.
2. عدم توفُّر البيانات الكافية:
قد يكون من الصعب الحصول على بيانات كافية ومتنوعة لتدريب نماذج التعلم الآلي، ومن ثمَّ يمكن أن تؤثر في جودة النتائج.
3. التحديات التقنية:
يواجه العلماء والمهندسون عدداً من التحديات التقنية، مثل قدرة المعالجة والتخزين وتوفُّر الأدوات والبرامج المناسبة لتحليل وتعلُّم الآلة.
4. عدم تمثيلية البيانات:
يمكن أن يؤدي عدم تمثيلية البيانات إلى إنتاج نماذج تعلُّم آلي غير دقيقة أو غير قابلة للتعميم على مجموعة أوسع من البيانات.
5. قيود القانون:
قد تفرض القوانين واللوائح قيوداً على جمع البيانات واستخدامها، وقد تؤثر هذه القيود في جودة النتائج وفي قدرة النظام على التعلم والتحسين.
6. ثقافة المستخدمين والقبول:
يمكن أن يواجه العلماء والمهندسون تحديات في إقناع المستخدمين بجمع البيانات واستخدامها في التعلم الآلي، وقد يؤثر ذلك في جمع البيانات وجودة النتائج المستخرَجة.
كيف نحقق أكبر قدر من التوافق بين الخصوصية وجمع البيانات؟
لتحقيق أكبر قدر من التوافق بين الخصوصية وجمع البيانات، يمكن اتباع بعض الإجراءات والممارسات، ومنها:
1. التعريف بأساليب وأغراض جمع البيانات:
يجب على المنظمات والشركات توضيح أساليب جمع البيانات والأغراض المرجوة منها للمستخدمين، وذلك لتعزيز الشفافية والثقة بين المستخدمين والشركات.
2. الحفاظ على خصوصية المستخدمين:
يجب على المنظمات والشركات اتخاذ إجراءات لحماية خصوصية المستخدمين وتحقيق الأمان اللازم للبيانات المجمعة، مثل استخدام تقنيات التشفير وتقنيات الحفاظ على الخصوصية.
3. الحصول على موافقة المستخدمين:
يجب على المنظمات والشركات الحصول على موافقة المستخدمين قبل جمع بياناتهم، ويمكن استخدام الإشعارات والمعلومات الواضحة لتوضيح ماهية البيانات التي سيتم جمعها والأغراض المرجوة منها.
4. الحصول على الموافقة المسبقة للمستخدمين قبل مشاركة بياناتهم مع أطراف ثالثة:
يجب على المنظمات والشركات الحصول على الموافقة المسبَقة للمستخدمين قبل مشاركة بياناتهم مع أطراف ثالثة، ويمكن استخدام الإشعارات والمعلومات الواضحة لتوضيح ذلك.
5. تقليل استخدام البيانات المجمعة:
يجب على المنظمات والشركات تقليل استخدام البيانات المجمعة إلى الحد الأدنى الممكن، وتفادي استخدام البيانات بطرائق غير مشروعة أو غير متوافقة مع الخصوصية.
شاهد بالفديو: 10 نصائح تحفظ خصوصيتك على الإنترنت
6. تقديم خيارات الاختيار:
يجب على المنظمات والشركات توفير خيارات الاختيار للمستخدمين، مثل خيار حذف البيانات أو خيار عدم مشاركة البيانات مع أطراف ثالثة، وذلك لتعزيز الشفافية والثقة بين المستخدمين والشركات.
عموماً، يمكن تحقيق التوافق بين الخصوصية وجمع البيانات من خلال تطبيق مبادئ الشفافية والموافقة المسبقة، والحفاظ على خصوصية المستخدمين، وتوفير خيارات الاختيار، وذلك لتحقيق الأمان والثقة بين المستخدمين والشركات.
إجراءات للحفاظ على الخصوصية عند استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي:
يمكن للأفراد الحفاظ على خصوصيتهم عند استخدام التطبيقات التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي، لكن يتطلب ذلك بعض الحذر واتباع بعض الإجراءات الوقائية:
- يجب على الأفراد مراجعة سياسات الخصوصية للتطبيقات التي يستخدمونها، والتأكد من أنَّها تحترم خصوصية المستخدمين وتحمي بياناتهم الشخصية.
- يجب تقليل كمية المعلومات الشخصية التي يتم تقديمها للتطبيقات، وتجنُّب مشاركة المعلومات الحساسة، مثل الرقم الوطني أو رقم الضمان الاجتماعي أو معلومات الحساب المصرفي إذا لم يكن ذلك ضرورياً.
- يجب تفعيل إعدادات الخصوصية في التطبيقات وتقييد الوصول إلى المعلومات الشخصية الخاصة بالمستخدمين.
- يجب تجنُّب تثبيت التطبيقات المشبوهة أو التي لا تتضمن سياسات خصوصية واضحة ومحددة.
- يجب الانتباه إلى أنَّه على الرغم من اتخاذ هذه الإجراءات الوقائية، إلا أنَّه لا يمكن ضمان الحفاظ على الخصوصية بنسبة 100%؛ لذا يجب التعامل بحذر وتقييم المخاطر قبل مشاركة أيَّة معلومات شخصية.
إقرأ أيضاً: المشكلات الأخلاقية والقانونية التي يمكن مواجهتها عند العمل على ChatGPT
في الختام:
الذكاء الاصطناعي والخصوصية موضوعان مترابطان بشكل كبير في عالم التكنولوجيا الحديثة، فالذكاء الاصطناعي يعتمد على البيانات الشخصية لتحقيق أهدافه وأغراضه، وهذا يشكل تحدياً كبيراً للخصوصية، وخاصةً إذا تم جمع هذه البيانات دون موافقة صريحة من الأشخاص المعنيين، وهذا ما يحتم على الشركات والمؤسسات التي تستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي احترام خصوصية الأفراد وتوفير آليات حماية البيانات الشخصية، مثل تقنيات التشفير والحماية عبر الإنترنت.
كما يجب على المستخدمين مراجعة سياسات الخصوصية المتعلقة بالشركات التي يتفاعلون معها، وتجنُّب مشاركة أيَّة معلومات شخصية دون موافقة صريحة، ويمكن كما رأينا من خلال المقال السابق استخدام التقنيات الحديثة في الذكاء الاصطناعي، التي تسمح للبيانات الشخصية بالبقاء على أجهزة الأفراد دون الحاجة إلى نقلها إلى خوادم خارجية، ومن ثمَّ تحسين الخصوصية.
يجب أن تكون الخصوصية والأمان على رأس الأولويات لدى مطوري التقنيات الحديثة والشركات التي تستخدمها، ويجب علينا جميعاً أن نكون حذرين في مشاركة معلوماتنا الشخصية مع أي شخص أو جهة دون التأكد من سياسات الخصوصية والأمان المعتمَدة.
أضف تعليقاً