من خلال هذا المقال، نستكشف مجموعة من الأساليب والاستراتيجيات المبتكرة التي يمكن أن تساهم في تعزيز قدرة الشركات على التكيف مع الأزمات المالية، وتعزيز قدرتها التنافسية. سنستعرض مفهوم الأزمة المالية وإدارة الأزمة المالية، وإعادة الهيكلة المالية واستراتيجيات إدارة الأزمة المالية بشكل فعّال، ونتحدث عن مراحل حدوث الأزمة المالية، ونستعرض أمثلة عن بعض أكبر الأزمات المالية التي حدثت عبر التاريخ، لنقدم رؤية شاملة حول أفضل الممارسات التي يمكن أن تقود المؤسسات نحو تحقيق الاستقرار والنمو في فترات التحديات.
مفهوم الأزمة المالية وإدارة الأزمة المالية
الأزمة المالية بمفهومها العام، هي خللٌ مفاجِئ يحدث في النظام الاقتصادي وتنتج عنه زيادة في معدلات التضخم وارتفاع معدَّل الطلب على النقود مقارنة بالعرض عليها وتقلُّبات في الأسواق المالية، وأيضاً تدهور في القيمة المالية للأصول، وعلى وجه التخصيص فإنَّ مفهوم الأزمة المالية في الأعمال هي حالة اضطراب يتعرض لها كيان تجاري ما، كانخفاض حادٍّ في إيراداته أو نقص في التمويل وغيرها من الأزمات التي تؤثر في سيولة الشركة، وتحول بينها وبين قدرتها على الوفاء بالتزاماتها المالية.
تعني إدارة الأزمة المالية اتباع مجموعة من العمليات والاستراتيجيات التي تخفِّف حدة الأزمة المالية التي تتعرض لها المؤسسة وتخطيها بأقل الخسائر الممكنة وبأسرع وقت ممكن.
استراتيجيات إدارة الأزمة المالية في الأعمال
من الهام أن تتسلَّح إدارة الشركات والمؤسسات بأساسيات وطرائق معالجة المشكلات المالية، لأنَّه لا يمكن استبعاد تعرُّض أي كيان تجاري لهذا النوع من الأزمات، وأيضاً في حال كانت مؤسستك في حالة حرجة مالياً يجب اتخاذ إجراءات سريعة وحاسمة للحد من الأضرار والآثار السلبية والعودة إلى مسار الاستقرار، وإليك فيما يأتي أفضل طرائق إدارة الأزمات المالية:
1. تحديد السبب وتقييم الأضرار
كما نعلم تحديد سبب المشكلة بدقة هو نصف الحل، لذلك يجب بدايةً تعيين فريق مالي متخصص يعمل على معرفة أسباب حصول هذه الأزمة، هل هي داخلية (سوء إدارة مثلاً)؟ أم خارجية (كوارث طبيعية وتغيرات اقتصادية أم حروب دولية) ويُجري تحليلاً مفصَّلاً للأوضاع المالية الحالية ويحدد مستوى الضرر الذي خلَّفه الضغط المالي والأضرار المحتملة.
2. اتخاذ التدابير اللازمة
بعد تحديد الأسباب بدقة يأتي دور اتخاذ القرارات الحاسمة والتدابير العلاجية الفورية فمثلاً:
- تقليل النفقات غير الضرورية وخفض التكاليف.
- إيجاد مصادر جديدة لزيادة الإيرادات وزيادة المبيعات.
- التخلص من الأصول الزائدة وغير الضرورية.
- البحث عن تمويل إضافي، كالاستعانة بالقروض قصيرة الأجل من البنوك أو طلب الدعم من المستثمرين، وكذلك الاستفادة من برامج دعم الشركات المتضررة التي تقدمها بعض حكومات الدول.
- اعتماد استراتيجيات وسياسات إدارية وعملية جديدة بوصفها نوعاً من تغيير هيكلية العمل.
3. اعتماد إجراءات وقائية
بوصفك رائد أعمال أو مدير شركة تقع على عاتقك مسؤولية الاستعداد الدائم للأزمات المحتملة، فمن الهام أن تعِدَّ خطة طوارئ مالية محدثة دائماً وتحدِّد باستمرار العوامل التي من الممكن أن تعرِّضك لضغوطات مالية مستقبلية، ومن بين الإجراءات الاحترازية التي يمكنك اعتمادها:
- تحديد المخاطر المالية التي من الممكن أن تؤثر في الشركة، كتقلبات السوق والمنافسة الشديدة وغيرها.
- تنويع مصادر الدخل وتوسيع نطاق العمل لتجنُّب الاعتماد على مصدر واحد.
- ضمان تميُّز منتجات الشركة أو خدماتها مع التحديث المستمر فيها، لتتمكن من مجابهة المنافسة التي تحدث في الأسواق.
- ضمان المحافظة على وجود سيولة نقدية قوية احتياطية لتغطية النفقات في الحالات الطارئة.
- ضمان التأمين الشامل لجميع الأصول.
- الاعتماد على ميزانية مرنة تتناسب مع وضع السوق وحالة الشركة المالية.
- تشكيل فريق خاص لإدارة الأزمات وتحليل المخاطر.
- مراقبة الديون والإيرادات دائماً لما لهما من تأثير في الوضع المالي.
شاهد بالفديو: 10 طرق لتخفيض نفقات شركتك في ظل الأزمات الاقتصادية الحالية
مراحل حدوث الأزمة المالية
تبدأ المشكلة المالية بالظهور تدريجياً وتعطي دلائل وعلامات قبل تفاقم الوضع، كما أنَّ هذه المراحل تختلف من حالة لأخرى، ولكن عموماً وبنظرة عامة تكون المراحل على الشكل الآتي:
- تدهور الأداء المالي، كانخفاض في نسب المبيعات مع ازدياد التكاليف.
- تجاهل هذا التدهور حُكماً سيؤدي إلى تراكم الديون مع عدم القدرة على سدادها ومعالجة الوضع.
- ستصل المؤسسة لحالة من انخفاض السيولة النقدية وصعوبة في تغطية النفقات اليومية.
- سيزيد من تراجع المبيعات تراجُعاً كبيراً وحصول قلة في التدفق النقدي.
- ستحتاج المؤسسة لتمويل مالي إضافي لتتمكن من تغطية النفقات، ولكنَّها قد لا تجد من يقدِّم لها هذا التمويل نتيجة تدهور وضعها المالي وقلة الثقة بها.
- سيتفاقم الأمر سوءاً وتضطر المؤسسة لتخفيض تكاليفها إلى الحد الأدنى، والحل قد يكون تسريح عدد كبير من الموظفين أو تقليل الإنتاج، كما أنَّها قد تضطر لبيع بعض من أصولها لتوفير السيولة النقدية.
- قد تدخل في حالة من التفاوض مع الدائنين لتأجيل سداد المستحقات أو إعادة هيكلة الديون وتدخل في دوامة جديدة من الديون.
- ما نتيجة ما سبقَ في حالة عدم المعالجة؟ من الطبيعي أن تكون النتيجة حالة من الإفلاس وتوقف النشاطات التجارية للشركة وحدوث خسائر مالية كبيرة ستؤثر في طواقم العمل تأثيراً كاملاً.
هكذا نعود لفكرة ضرورة المعالجة الفورية والتدخل الفوري لمعالجة الأزمة منذ بداية ظهور عوارضها.
أسباب حدوث الأزمة المالية
يمكن تشبيه الأزمة المالية بالمرض الذي يداهم الجسد، ولكون (علاج المرض يبدأ من تشخيصه) فمن الهام أن تدرك ما هي أبرز أسباب حصول الأزمات المالية نظراً لتعدد الأسباب، والعوامل منها داخلي ومنها خارجي، وإليك أبرزها:
أسباب داخلية
أهمها وجود أخطاء إدارية وقرارات إدارية خاطئة، مثل تخطيط مالي غير صائب أو استثمار في مشروع غير ناجح وغيرها.
أسباب خارجية
العوامل الخارجية متعددة وتأثيرها يظهر بوضوح، ومن بين هذه الأسباب:
1. الحروب والأزمات السياسية
ودورها الواضح في التأثير في الاقتصاد والمجال الاقتصادي.
2. الكوارث الطبيعية
أيضاً لها تأثير في الاقتصاد وخير دليل على ذلك جائحة كورونا (كوفيد 19) ومشكلاتها التي ما زلنا نعاني منها حتى يومنا هذا.
3. التغيرات الاقتصادية
مثل الركود والتضخُّم.
4. المنافسة الشديدة
يؤدي السوق الخارجي دوراً كبيراً وزيادة المنافسة ستخفِّض حصة الشركة في السوق وقلة في المبيعات، وتراجع في الأرباح، ومن هنا تأتي ضرورة المحافظة على التحديث المستمر لما تقدِّمه الشركة.
مثلاً عندما تعرضت شركة آبل (Apple) لأزمة مالية في أواخر التسعينيات نتيجة قلة مبيعات أجهزة الحاسوب الخاصة بها، وبوصفها حلاً سريعاً ابتكرت الشركة أجهزة ومنتجات تكنولوجية جديدة كالآيفون والآيباد، الأمر الذي جعلها تعود لمسارها الطبيعي وتكمل مسيرتها في السوق العالمية بقوة.
أمثلة عن أزمات مالية عالمية
الأمثلة متعددة وكثيرة أشهرها بدءاً من الأقدم حتى الأحدث:
1. أزمة الكساد الكبير (1929-1939)
تعد من أشهر الأزمات العالمية، وتسمَّى أيضاً بأزمة الكساد العظيم (Great Depression) والتي بدأت من انهيار سوق الأسهم في الولايات المتحدة الأمريكية وانكماش الائتمان والأخطاء الفادحة للبنوك المركزية، وأدَّت هذه الأزمة إلى انخفاض حاد في الإنتاج وارتفاع كبير في مستويات البطالة، وكذلك انهيار التجارة الدولية، وللمعالجة عملت الحكومة على زيادة الإنفاق الحكومي وتخفيض الضرائب لتحفيز الطلب، كما طرحت برنامجاً مالياً ضخماً لمساعدة الفقراء ودعم الصناعات والاستثمار في عدد من المشاريع، وكذلك برز دور التعاون الدولي لتخفيف الآثار.
2. أزمة النفط (1973)
بدأت هذه الأزمة في 16 أكتوبر 1973عندما أعلنت منظمة أوبك إيقاف تصدير النفط للولايات المتحدة الأمريكية، الأمر الذي أدى إلى حصول نقص كبير في النفط وارتفاع أسعاره ارتفاعاً حاداً.
هذا تسبَّب في حدوث الركود التضخمي، وهو ارتفاع الأسعار ارتفاعاً كبيراً مع توقُّف النمو الاقتصادي، وأزمة الطاقة العالمية، وأيضاً كانت المعالجة عن طريق التدخل الحكومي واتباع سياسات مالية ونقدية تتمثَّل برفع أسعار الفائدة لخفض التضخم، وزيادة الإنفاق الحكومي لدعم الاقتصاد.
3. الأزمة المالية العالمية (2008)
بدأت هذه الأزمة في سبتمبر 2008 من الولايات المتحدة، ثمَّ امتدت إلى دول العالم لتشمل الدول الأوروبية والدول الآسيوية والدول الخليجية والدول النامية، عندما رفع بنك الاتحاد الأمريكي نسب الفائدة، وهذا أدى إلى تراجع مبيعات المنازل وانخفاض أسعارها وانهيار سوق البناء وحصول انهيار في بنوك الاستثمار، وبدأت مرحلة التعافي عندما أقرَّ الكونغرس الأمريكي خطة الإنقاذ المالي المتمثِّلة باتباع سياسات مالية ونقدية.
في الختام
إنَّ حصول الأزمات المالية ليس مستبعداً عن أحد الأفراد، فهي جزء لا يتجزأ عن عالم الأعمال، وتعدُّ من أصعب التحديات التي تواجه الشركات والمؤسسات المختلفة، لذلك من الضروري البقاء في حالة استعداد دائم لمجابهة أي تغيُّر أو طارئ وإدارة الأزمات بفاعلية للتخفيف من حدتها وتأثيرها السلبي، والإدارة عملية مستمرة ودائمة وتتطلب تعاوناً قوياً بين جميع الأقسام في الشركة، فهي ليست ملزمة بقسم خاص دون غيره.
أضف تعليقاً