في مواجهة هذا التحدي، يظهر دور التفكير النقدي بوضوح، فالتفكير النقدي يمثل الأداة الفعالة التي تمكِّننا من تحليل الأوضاع بعمق، واستكشاف مختلف السيناريوهات الممكنة، ويتيح لنا التأمل في الأفكار المختلفة، وتقييم الأدلة والمعلومات المتاحة بشكل منطقي، وهو بمنزلة القوة الدافعة لتوسيع آفاق اتخاذ القرارات وجعلها أكثر فاعلية.
أولاً: ما هو التفكير النقدي؟ وما هي مهارة اتخاذ القرار؟
يمثل التفكير الناقد عملية تشكيل قرارات وإصدار أحكام تستند إلى مبادئ موضوعية تتفق مع الوقائع الملاحظة، وتتم مناقشة هذه القرارات والأحكام بأسلوب علمي يتجنب التحيز والتأثيرات الخارجية التي قد تشوب هذه الوقائع؛ إذ يكون التفكير النقدي بعيداً عن التدخلات الذاتية التي قد تؤثر في دقة التقييم أو تعرُّضه لتأثير العوامل الشخصية، وبشكل أبسط، التفكير النقدي هو عملية تحليل وتقييم للمعلومات والأفكار؛ إذ يتم التفكير بعمق لفحص الأسس والمبررات التي تقوم عليها القرارات والاستنتاجات.
أما القرار فهو البت النهائي في موقف محدد يتطلب اتخاذ قرار بشأنه أو مشكلة معينة يجب البت فيها بصورة هادفة ومخططة، ويغيِّر المواقف الحالية لمواقف هادفة، أما اتخاذ القرار فهو مهارة تتضمن فحصاً دقيقاً للبدائل والخيارات الممكنة وتقييمها بناءً على معايير وأهداف محددة، وهذا يمكِّن من اتخاذ القرار الأفضل للظروف الراهنة.
تتألف عملية اتخاذ القرار من سبع مراحل؛ وهي تحديد المشكلة، وتحليل المشكلة، وتحديد البدائل والخيارات، وتقييم البدائل، واختيار البديل الأنسب، وتنفيذ الحل، والتقييم.
ثانياً: مهارات التفكير النقدي التي تساعد على اتخاذ القرارات الحاسمة
1. الملاحظة:
استخدام الحواس الخمس للحصول على معلومات ترتبط بالمشكلة التي تحتاج إلى اتخاذ قرار.
2. التحليل:
فهم الوضع بشكل دقيق وتقسيمه إلى مكوناته المختلفة واستكشاف المتضمنات.
3. تحليل علاقة الجزء بالكل:
تتضمن هذه المهارة فحص كيفية تأثير كل جزء في الكل؛ إذ يمكن لتحليل العلاقة بين الجزء والكل أن يوفر فهماً أعمق لتأثير الخيارات المختلفة في الموقف الكلي.
4. المقارنة:
تتضمن البحث في أوجه الشبه والاختلاف بين الخيارات المختلفة بناءً على مجموعة من المعايير، وهذا يسهم في اتخاذ قرار أفضل.
5. التصنيف:
يتعلق التصنيف بتنظيم المعلومات والخيارات في فئات أو مجموعات بناءً على خصائص محددة، فقد يساعد التصنيف على فهم العلاقات بين العناصر وتسهيل عملية اتخاذ القرار.
6. الترتيب:
يُقصَد بالترتيب وضع المفاهيم أو الخيارات أو الأحداث في سياق متتابَع وفقاً لمعايير محددة.
7. التلخيص:
هو القدرة على تحديد لب الموضوع؛ أي تحديد المعلومات الهامة في المشكلة وتجريدها من المعلومات غير الضرورية.
8. الاستنتاج:
يتعلق بالقدرة على استخلاص المعلومات الهامة من البيانات المتاحة والوصول إلى نتائج معقولة بناءً على تلك المعلومات.
9. التنبؤ:
القدرة على توقُّع وتقدير النتائج المستقبلية لكل خيار من الخيارات المتاحة.
10. الإسهاب:
القدرة على إضافة تفاصيل جديدة للمعلومات الموجودة، ومن ثمَّ إنتاج أفكار جديدة.
11. إعادة البناء:
القدرة على صياغة المشكلة من جديد.
12. التأكد من موثوقية المصادر:
تتضمن التحقق من مصداقية وصحة المعلومات المتاحة لاتخاذ القرار.
13. توليد البدائل والاحتمالات:
إنشاء خيارات جديدة أو اكتشاف سيناريوهات مختلفة؛ إذ تساعد هذه المهارة على توسيع نطاق الخيارات المتاحة وتحسين اتخاذ القرارات.
شاهد بالفديو: 9 خطوات عملية لاتخاذ القرارات الصعبة في الحياة
14. التقييم:
يتمثل في تقييم الخيارات المتاحة لاتخاذ القرار وفحص ميزاتها وعيوبها بحيث يمكن اتخاذ القرار الأفضل.
15. التفكير باستقلالية:
يعني القدرة على التفكير دون التأثر بشكل كبير في الآراء الخارجية، والاعتماد على التفكير الخاص والتحليل الشخصي.
16. تحديد الأفكار التي تتضمن المشاعر:
يعني التفريق بين الأفكار القائمة على المشاعر والعواطف، وبين الأفكار التي تعتمد على الحقائق والمعلومات.
17. التمييز بين الحقائق القابلة للبرهان وبين الادعاءات.
18. تطوير التواضع العقلي والأحكام المتشككة:
يشمل القدرة على التفكير بروح منفتحة وتواضع، مع التحفظ في الوقت نفسه وعدم قبول المعلومات دون التحقق منها.
19. التساؤل بعمق:
يتضمن وضع أسئلة دقيقة ومفصَّلة لفهم الوضع بشكل أفضل والوصول إلى تحليل أكثر عمقاً.
20. تمييز الحقائق ذات العلاقة بالمشكلة من الحقائق التي لا علاقة لها بالمشكلة:
يتعلق بالقدرة على التمييز بين المعلومات الهامة والمتعلقة بالمشكلة من تلك التي قد تكون غير ذات صلة.
21. القدرة على تمييز المغالطات التي قد تبدو منطقية.
ثالثاً: خطوات التفكير الناقد لاتخاذ القرارات الحاسمة الصحيحة
1. تحديد المشكلة:
فهم السياق وتحديد المشكلة أو القضية التي تحتاج إلى اتخاذ قرار بوضوح.
2. جمع المعلومات:
جمع المعلومات اللازمة والمتعلقة بالمشكلة لتحليلها بشكل أفضل.
3. تحليل المعلومات:
يتعلق ذلك بتفكيك المعلومات إلى مكوناتها الأساسية وتقسيمها إلى فئات أو فقرات منطقية، فهذا يساعد على فهم أفضل للمحتوى والتأكد من أنَّ جميع الجوانب تم التحقق منها.
4. تحديد الخيارات:
تحديد مجموعة من الخيارات الممكنة لحل المشكلة.
5. تقييم كل خيار من حيث الفوائد والعيوب والتأثيرات المحتملة.
6. اتخاذ القرار:
اختيار الخيار الذي يبدو الأمثل بناءً على التحليل النقدي.
7. تنفيذ القرار:
تنفيذ القرار الذي تم اتخاذه بناءً على الخطوات السابقة.
8. تقييم النتائج:
متابعة النتائج لضمان أنَّ القرار المتخذ يحقق النتائج المرجوة والتصحيح إذا لزم الأمر.
9. التعلم من الخبرة:
استخدام الخبرة لتعزيز عمليات التفكير الناقد وتحسين قدرة اتخاذ القرارات في المستقبل.
رابعاً: كيف يمكن للتفكير النقدي المساهمة في تحسين جودة القرارات؟
يمثل التفكير النقدي القاعدة الأساسية التي تستند إليها عملية اتخاذ القرارات الفاعلة، فهو الأداة التي تفتح أبواب التحليل العميق للمشكلة وفحص العوامل المؤثرة فيها وفهم العلاقات بين العناصر المختلفة، فالتفكير النقدي يساعد على:
1. تحليل الوقائع والمعلومات:
يمكن للتفكير النقدي أن يساعد على تحليل الوقائع وجمع المعلومات بشكل منطقي ومنظم، فعندما نكون قادرين على فحص المعلومات بطريقة منهجية، يمكننا اتخاذ قرارات أفضل وأكثر توجيهاً.
2. تقييم الأفكار والمواقف:
يمكننا فحص الأدلة والمبررات المقدَّمة وتحديد مدى قوَّتها وصحتها، وهذا يؤدي إلى اتخاذ قرارات مستندة إلى تقييم دقيق.
3. توسيع الرؤية واستكشاف البدائل:
يساعد التفكير النقدي على توسيع رؤيتنا وفحص البدائل الممكنة بدلاً من التقييد بخيار واحد، ويمكن للتفكير النقدي أن يفتح آفاقاً للتفكير في سيناريوهات متعددة.
4. تحقيق التوازن بين العقلانية والعواطف:
بدلاً من الاعتماد الكامل على المشاعر أو العقل، يمكن للتفكير النقدي دمج الجانبين بطريقة متوازنة.
5. تقييم الآثار المحتملة:
يتيح التفكير النقدي فرصة فحص النتائج المحتملة لكل خيار قبل اتخاذ قرار نهائي.
6. تحفيز الابتكار والإبداع:
عندما نفكر بطريقة نقدية، نميل إلى استكشاف حل مبتكَر للتحديات والمواقف، وهذا يساهم في تحسين جودة القرارات والخيارات المتاحة.
7. يزيد من مصداقية الأفراد مع ذواتهم:
فمن خلال التفكير الناقد يمكن للأفراد التخلص من الجوانب السلبية في شخصياتهم التي تعوق اتخاذ القرارات الجيدة.
شاهد بالفديو: كيف تتعلَّم فن اتخاذ القرارات الصحيحة
خامساً: معوقات التفكير النقدي المؤثرة في القرارات اليومية
يمكن أن يتأثر التفكير النقدي في اتخاذ القرارات بعدة معوقات، نذكر منها:
1. فقدان المهارات الشخصية:
عدم امتلاك الفرد للمهارات الشخصية اللازمة، مثل مهارات الاطلاع والقدرة على تحمُّل المسؤولية وحل المشكلات، يعرقل قدرته على جمع المعلومات بشكل فعال.
2. نقص المعلومات:
عدم توفُّر المعلومات الكافية عن المشكلة يجعل اتخاذ الفرد قراراً صحيحاً صعباً.
3. التسرُّع وعدم البحث في البدائل:
اتخاذ قرار سريع دون تفكير كافٍ أو بحث في البدائل يزيد من احتمالية اتخاذ قرار غير صحيح.
4. التسرُّع في الأحكام:
عدم منح الفرد لنفسه الوقت الكافي للتفكير والتحليل قد يؤدي إلى اتخاذ قرارات خاطئة.
5. التعصُّب والتحيز:
يعرقل تأثير العوامل الشخصية والتحيز القدرة على اتخاذ قرارات مستنيرة.
6. الانصياع للآراء الشائعة:
قد لا يفكر الفرد في المشكلة أو الحلول المتاحة؛ بل يتخذ القرارات كما اعتاد الآخرون اتخاذها.
7. التركيز على جزئيات محددة:
قد يؤدي الانحياز لبعض الجزئيات دون النظر إلى الصورة الكاملة إلى اتخاذ قرارات غير دقيقة.
8. الجمود وعدم مواكبة التطور:
عدم القدرة على التكيف مع التطور التكنولوجي والتحولات في المعلومات يعوق التفكير الناقد.
9. التفكير الخرافي:
اعتماد أسلوب تفكير غير واقعي ولا موضوعي يعوق القدرة على اتخاذ قرارات صحيحة.
10. الانحياز إلى وجهات نظر متطرفة:
اتخاذ قرارات استناداً إلى وجهات نظر متطرفة دون النظر بشكل موضوعي إلى جميع الجوانب.
11. خجل الفرد والخوف من الفشل:
قد يحوِّل الخوف من الفشل دون التفكير الناقد واتخاذ قرارات مستقلة.
12. عدم الالتزام بالموضوعية:
قد يجعل الابتعاد عن النظرة الموضوعية الفرد يتجاهل الحقائق والتحليل الواقعي.
سادساً: هل التفكير النقدي يُعزِّز التوازن بين العقلانية والعواطف؟
نعم، يساعد التفكير النقدي على تحقيق التوازن بين العقل والعاطفة، فالإنسان غالباً ما يسمح للعواطف بالتأثير في قراراته، وهذا يؤدي إلى اتخاذه قرارات سريعة واندفاعية وغير متوازنة، لكن بالتفكير النقدي، نحن نقيِّم الأدلة والمعلومات المتاحة ونفهم الظروف المحيطة بشكل أفضل، وبذلك نصل إلى قرارات أكثر توازناً؛ إذ تتم مراعاة العواطف بشكل صحيح وفي نفس الوقت يتم الاعتماد على المعرفة المنطقية والمعلومات المتاحة.
إضافة إلى ذلك، فإنَّه بواسطة التفكير النقدي يمكننا أن نكون قادرين على تجاوز الانحيازات الشخصية والتصورات الخاطئة والتعامُل مع مشاعرنا بشكل أفضل، ومن ثمَّ اتخاذ قرارات أفضل وأكثر دقة.
سابعاً: كيفية تطوير مهارات التفكير النقدي في اتخاذ القرارات؟
- اقرأ كثيراً في مجالات متنوعة، وافهم وجهات نظر مختلفة.
- حدِّد أهدافاً واضحة لتوجيه تفكيرك واتخاذ قرارات جيدة.
- ابحث عن مصادر موثوقة ومتنوعة لتوسيع آفاقك.
- مرِّن عقلك من خلال حل التحديات الذهنية.
- وجِّه الأسئلة لنفسك بشكل منتظم، مثل: "لماذا أعتقد ذلك؟" أو "ما هي البدائل الممكنة؟".
- قيِّم الأدلة والمعلومات بناءً على مصداقيتها.
- تجنَّب الانحياز والتعصُّب لآراء محددة.
- نظِّم أفكارك بشكل منطقي مستخدماً الرسوم البيانية والخرائط الذهنية لتوضيح العلاقات بشكل أفضل.
- طوِّر مهارات حل المشكلات وابحث عن حلول بديلة وقارن بينها.
- شارك في فِرق عمل أو مناقشات لتبادل وجهات النظر.
- تعلَّم من تجارب الآخرين.
- تعرَّف إلى أشخاص من مختلف الخلفيات والتخصصات لتعزيز تنوع الأفكار والرؤى.
- استفد من التكنولوجيا للوصول إلى مصادر متعددة وتبادل الأفكار عبر الشبكات الاجتماعية والمنتديات.
- طوِّر تقنيات الذاكرة لتحسين استرجاع المعلومات.
في الختام:
من الأمور البسيطة إلى القرارات الحياتية الكبرى، نكتشف أنَّ التفكير النقدي يُعَدُّ صمام الأمان الذي يحمينا من الانزلاق إلى أعماق الشك والتردد، وهذا النوع من التفكير يكمن في القدرة على استنباط الأبعاد المختلفة للمواقف، وهذا يتيح لنا رؤية الصورة بشكل شامل وليس جزئياً.
يساعدنا التفكير النقدي على تحليل الأفكار والمعلومات بشكل أعمق، وهذا يزيد من قدرتنا على اتخاذ قرارات مستنيرة وتحديد العلاقات السببية بين الأفكار المختلفة، وبفضل هذا النهج، يمكننا تجنُّب الانغماس في أفكار ضيقة الأفق والتفكير السطحي، ونكون قادرين على اتخاذ قرارات تعكس تفكيراً نقدياً متقدماً وقراءة دقيقة للوضع، فالتفكير النقدي هو الركيزة الأساسية في بناء فهمنا للعالم من حولنا وفي اتخاذ قراراتنا اليومية والحياتية بأفضل طريقة ممكنة.
المصادر +
- ماهر محمد عواد العامري، التفكير الناقد، الجامعة المستنصرية.
- دور التفكير الناقد في اتخاذ القرار لدى المشرفة التربوية بمنطقة الرياض بالمملكة العربية السعودية ، مجلة كلية التربية، جامعة الأ
أضف تعليقاً