ولكن لماذا تعتبر الحياة العاطفية في سن المراهقة صعبة للغاية؟ هذا المقال سيجيبك ويناقش أبرز المشاعر التي تنتاب المراهقين وكيفية التعامل معها.
لماذا تحدث الاضطرابات العاطفية عند المراهقين؟
يعاني المراهقون من صعود وهبوط في حالتهم العاطفية، فتارة تجدهم مبتهجين وتارة أخرى حزينون ومكتئبون فما هو السبب في ذلك؟ تشير الدراسات أن ما يعانيه المراهقون من اضطرابات شعورية في هذه المرحلة الحساسة من أعمارهم يعود إلى ثلاث عوامل، هي:
1. العوامل الجسدية
يمر المراهقون ومرحلة ما قبل المراهقة بالعديد من التغيرات الجسدية خلال فترة المراهقة، حيث يتغير جسم طفلك، مما قد يجعله يشعر بالخجل أو الإحراج، أو يجعله يرغب في المزيد من الخصوصية والوقت لنفسه، وقد يشعر المراهقون في مرحلة ما قبل المراهقة والمراهقون الذين يبدو أنهم يتطورون في وقت مبكر أو متأخر عن أصدقائهم بمشاعر مضطربة تجاه هذه التغييرات الجسدية.
يمكن أن يؤثر طعام طفلك وتغذيته ومستويات نشاطه البدني على الحالة المزاجية أيضاً، غالباً ما يساعد الأكل الصحي وممارسة الكثير من التمارين الرياضية طفلك على تنظيم هذه الحالة.
2. تغيرات دماغية
يمر دماغ المراهق بالعديد من التغييرات في سنوات المراهقة. على سبيل المثال، تؤدي تغيرات الدماغ إلى قيام جسم طفلك بإنتاج هرمونات جنسية، تؤدي هذه الهرمونات إلى حدوث تغيرات جسدية. بالإضافة إلى، المشاعر الجنسية والرومانسية الطارئة، التي يمكن أن تكون قوية ومربكة لطفلك في بعض الأحيان.
غالباً ستستمر تغيرات الدماغ حتى أوائل العشرينات من العمر، حيث يرتبط قسم الدماغ الذي هو آخر ما تطور، وهو قشرة الفص الجبهي، ارتباطاً وثيقاً بالمناطق المسؤولة عن تنظيم وإدارة العواطف.
هذا يعني أن طفلك قد يجد صعوبة في إدارة بعض مشاعره القوية، وقد يبدو أنه يتفاعل بشكل عاطفي مع المواقف أكثر مما اعتاد عليه. في الحقيقة، إنهم ما زالوا يتعلمون كيفية معالجة مشاعرهم والتعبير عنها.
3. العوامل الاجتماعية والعاطفية
يمكن أن تؤثر الأفكار الجديدة والمشاعر الجديدة والأصدقاء الجدد والمسؤوليات الجديدة على ما يشعر به طفلك، حيث يتعلم طفلك كيفية حل المزيد من المشاكل بنفسه أثناء نموه وتحضره نحو الاستقلال النفسي عن والديه، أيضاً من الملاحظ أن المراهق يكون منشغلاً بنفسه أكثر ممّا اعتاد عليه من قبل، فهو مشغول بالتفكير في التحديات مثل الصداقات والعلاقات المدرسية والعائلية.
ما هي علامات القلق والاكتئاب لدى المراهقين؟
في بعض الأحيان، يمكن أن تكون الحالة المزاجية الطويلة من الشعور بالرضا أو التصرف بشكل غير طبيعي علامة على شيء أكثر خطورة يخفيه المراهق تحت لثام أطواره الشعورية المضطربة. فيما يلي بعض علامات وأعراض القلق والاكتئاب لمساعدتك على معرفة ما إذا كان ابنك المراهق يعاني من ذلك:
يمكن أن تشمل علامات القلق ما يلي:
- تجنب المواقف المثيرة للخوف/القلق (قد يتجلى ذلك في المماطلة مثل تأجيل الدراسة).
- سلوك البحث عن الطمأنينة (اللفظي و/أو الجسدي).
يمكن أن تشمل علامات الاكتئاب ما يلي:
- انخفاض الاهتمام بالمشاركة في الأنشطة التي استمتعت بها سابقًا (مثل قضاء الوقت مع الأصدقاء).
- فقدان الدافع.
- صعوبة في النوم.
- تغيرات في الشهية و/ أو الوزن.
كيف يتعامل دماغ المراهق مع العواطف المضطربة؟
تعتبر مرحلة المراهقة من أصعب المراحل التي يمر بها الإنسان، حيث تتزايد الضغوط النفسية والاجتماعية على الفرد في هذه المرحلة العمرية. ويتعامل دماغ المراهق مع مشاعره المضطربة بطرق مختلفة، فالدماغ يكون في مراحله النهائية من التطور، حيث يعمل الدماغ على تطوير مهارات التحكم بالمشاعر والتفكير التحليلي المنطقي.
ولكن، من الصعب أن يمر هذا التطور دون تحديات وحالات مزاجية مضطربة ترافق هذه العملية، وبعض السلوكيات الأخرى التي تشكل رد فعل نفسي من المراهق تجاه ما يمر به، مثل:
1. السلوك الاندفاعي
لا يمكن التحكم في مشاعر المراهق بسهولة، ففورة ما يمر به من تغيرات فيزيولوجية نفسية لا تتيح له السيطرة على المواقف. فالكثير من الأدرينالين يطلق في مواقف تبدو بسيطة، الغضب، والاستياء الجامح، كلها رد فعل أقرب للطبيعي في هذه المرحلة العمرية، شرط التعامل معها بحكمة. يمكن أيضاً ممارسة التقنيات البسيطة التالية للحد منها:
- التنفس العميق.
- الاسترخاء.
- الجلوس منفرداً مع مشاعرك ومحاولة فهمها.
- الخروج والابتعاد الفوري عن الموقف المسبب لهذه المشاعر.
2. الاضطراب الانفعالي والغضب
في المواقف غير المتوقعة، سوف يتم تنشيط اللوزة الدماغية مما يعطي الأمر لجهازك العصبي إلى التوثب والتحفز للمواجهة، حيث تنشط استجابتك للقتال ويعطل الجزء العقلاني من الدماغ عن العمل، ولكن هناك أشياء وتقنيات يمكنك القيام بها لمساعدتك للبقاء هادئاً، منها:
- التحكم في تنفسك: يمكن أن يساعد ذلك في إبطاء جهازك العصبي وتنشيط الهدوء داخل الجسم.
- تعزيز نشاط للقلب: إن القيام بالأنشطة التي تزيد من معدل ضربات القلب بانتظام وتتيح لك التنفس بكمية كبيرة من الأكسجين يمكن أن يساعد في تعزيز صحة الدماغ وتحسين استجابتك للمواقف العصيبة والصعبة.
- إطفاء الأنوار: يلعب النوم دور مهم في تعزيز الصحة العقلية، فإذا كنت لا تحصل على ما يكفي، يمكن أن تصل اللوزة الدماغية إلى مستويات عالية، وهذا يجعل الأمر أكثر صعوبة بالنسبة لك للتحكم في استجاباتك العاطفية.
3. اليقظة الذهنية والتأمل
التأمل له فوائد عديدة، فهو يقلِّل من النشاط داخل اللَّوزة الدماغية، والتي يمكن أن تحول الأمور من الاضطراب إلى الهدوء.
كيفية التعامل مع مشاعر المراهقين
هناك العديد من الممارسات والتقنيات التي يمكن استخدامها للتعامل مع مشاعر المراهقين المضطربة في هذه المرحلة العمرية، ومنها:
1. مساعدة طفلك على قبول التقلبات العاطفية
يمكن أن تساعد طفلك على معرفة أنّ التقلبات العاطفية جزء من الحياة، واحدة من أفضل الطرق للقيام بذلك هي السماح لطفلك بمعرفة أنك تشعر أحياناً بأنك مثله عانيت من قبل وتعاني حتى اليوم من هذه المشاعر والانفعالات.
من المهم أيضاً، أن يعرف طفلك أنك ستكون بجانبه عندما يشعر بالإحباط أو يمر بوقت عصيب، قد يكون من المفيد أن تقول له فقط: "أستطيع أن أرى أنك تمر بيوم صعب". يتيح ذلك لطفلك معرفة أنه لا بأس أن يشعر بالإحباط في بعض الأحيان وأن ذلك جزء من الحياة اليومية التي يجب عليه تقبلها ومواجهتها أيضاً.
شاهد بالفيديو: نصائح للتعامل مع المراهقين
2. الاستماع الفعال
البقاء على اتصال والاستماع بتركيز إلى ما يحدث في حياة طفلك سيساعدك على التعرف بسهولة أكبر على محفزات التقلبات العاطفية التي يمر بها. في بعض الأحيان، تكون الأنشطة اليومية غير المخطط لهان مثل اصطحاب طفلك إلى مكان ما أو مشاهدة التلفزيون معاً هي أفضل الأوقات لطفلك لمشاركة الأشياء معك والشعور بالأمان العاطفي إلى جانبك.
3. إعطاء مساحة لطفلك
تتيح هذه المرحلة العمرية التي يمر بها طفلك تطّوير استقلاليته وتعامله مع أشياء جديدة يشعر بها لأول مرة. أثناء حدوث ذلك، حاول أن تمنح طفلك مساحة أو وقتاً بمفرده للتفكير في مشاعر وتجارب جديدة، دع طفلك يعرف أنك ستكون هناك إذا أراد التحدث، ولكن له مطلق الحرية أن يكون منفرداً بنفسه في أي وقت أراده.
4. تأجيل البحث عن حل
إذا كانت هناك مشكلة تعترض طفلك، فإن مناقشة الحلول معه يمكن أن يكون أمراً رائعاً، ولكن يحتاج طفلك في مرحلة المراهقة إلى المساهمة في الحلول والشعور بأنه "يملكها". من المرجح أيضاً أن يجرب طفلك الحل إذا شعر أنه جاء منه، أكثر بكثير في حال جاء منك.
كما أن حل المشكلات يعد مهارة حياتية قيّمة، ويستحسن تعليم طفلك التعامل معها في سن صغيرة، فمن خلال مساعدة طفلك على تطوير مهارات حل المشكلات، فإنك ترسل له رسالة مفادها أنك تقدر مساهمة طفلك في القرارات التي تؤثر على حياته.
5. مشاركته تطوير استراتيجيات إدارة التحديات
تعلَّم كيفية التعامل مع التقلبات العاطفية وإدارتها بشكل مستقل إحدى الوظائف الكبيرة المهمة في مرحلة المراهقة، حيث يجدر بك مساعدة طفلك على تطوير هذه المهارة الحياتية المهمة.
إحدى الطرق للقيام بذلك هي عن طريق إعداد قائمة بالأمور التي يستحسن القيام بها للتخلص من شعور الضيق أو مواجهة المواقف العصيبة التي يمر بها، على سبيل المثال:
- قضاء بعض الوقت مع صديق.
- الذهاب في نزهة سريعة.
- العناق العاطفي والحصول على الدعم.
- مشاهدة فيلم معك.
6. كن قدوة جيدة
مع نمو طفلك والتغيرات التي تحصل له في مرحلة المراهقة قد يبدو لك بانه لا يأبه لأفعالك، لكن ذلك غير صحيح أبداً، سوف ينظر إليك طفلك خفية ليرى كيف تتعامل مع الأوقات الصعبة. فكِّر في الطريقة التي يراك بها طفلك أثناء حل المشكلات ومواجهة التحديات المختلفة، سيساعده ذلك من دون شعور في اتباع نفس استراتيجياتك للمواجهة.
7. اطلب المساعدة المهنية
غالباً ما تمر فترة المراهقة بشكل سلس في حال حصول المراهق على الدعم من مجتمعه ووالديه، لكن في أحيان كثيرة قد يتطلب الأمر مساعدة من مختص، لا تترد في ذلك إذا كان طفلك يعاني من القلق أو الاكتئاب المستمر وكانت هذه المشاعر تسبب ضائقة كبيرة و/أو تدخلاً في الأداء اليومي (على سبيل المثال، بدأ طفلك في رفض الذهاب إلى المدرسة، أو قضاء اليوم كله في السرير بسبب عدم وجود الدافع ومشاعر الحزن).
في الختام
تناولنا في هذا المقال أبرز المشاعر التي تنتاب المراهقين وكيفية التعامل معها، حيث تعد فترة المراهقة من أصعب وأكثر المراحل العمرية حساسية، فهي نقطة التحول الكبيرة التي تحدث في نفسه، فمن طفل صغير إلى شاب متوثب مفعم بالطاقة الزائدة التي لا يعرف كيف يتحكم بها.
التغيرات النفسية والفيزيولوجية التي يمر بها المراهق كبيرة جدّاً ولا يجب علينا التقليل من شأنها، بل التعامل معها بحكمة وروية فأي خطأ صغير بالتعامل قد يؤدي إلى سلوكيات غير مرغوبة من المراهق.
لذا، يجب على المجتمع بشكل عام والأهل والمعلمين بشكل خاص دعم المراهقين في هذه المرحلة العمرية المفصلية وتقديم الدعم اللاّزم لهم للتغلب على مشاعرهم المضطربة وتحقيق التوازن النفسي اللازم.
أضف تعليقاً