هل مللت من حياتك؟ إليك كيفية جعلها مثيرة من جديد

عندما نعاني من الرتابة في حياتنا، فيمكن أن يبدو كلُّ يومٍ وكأنَّه ضبابي، ونحن ببساطةٍ نجتازه لننساه، وعادةً ما يتطلَّب الأمر نوعاً من الانهيار العاطفي لتقول: "أنا أشعر بالملل من حياتي". يجب أن تكون الحياة مثيرةً وحيويةً وكاملة؛ لأنَّك تحيا حياةً واحدةً فقط، وكلَّما زاد الوقت الذي تقضيه في الشعور كما لو أنَّك تخوض غمار الحياة بمفردك، قلَّ الوقت الذي تشعر فيه بأنَّك على قيد الحياة.



نناقش في هذه المقالة ما يعنيه أن تشعر بالملل، وما يعنيه أن تشعر بالملل من الحياة، ولماذا يُوقِع بنا العالَم لنفشل، وكيف يمكننا في نهاية المطاف التغلُّب على شعورنا بالملل.

ماذا يعني أن تشعر بالملل؟

غالباً ما نسمع الأطفال يقولون لوالديهم أو أصدقائهم: "أشعر بالملل الشديد"، ونسمع أصدقاءنا وزملاءنا في الصف وزملاء العمل يقولون لنا: "يا إلهي، لم أشعر بمثل هذا الملل في حياتي"، أو ربَّما كنَّا قد صرَّحنا لأنفسنا كم أنَّنا نشعر بالملل.

ولكن، ماذا يعني أن تشعر بالملل؟ وما هو الملل؟ ولماذا يبدو أنَّه لا يمكن لبعضنا تحمُّله، بينما يمكن لآخرين أن يشعروا بالملل طوال اليوم دون أن يتذمَّروا؟ وماذا يعني أن تشعر بالملل من الحياة؟
يشبه الشعور بالملل الشعور بالتعب، إذ ربَّما تشعر بالملل من علاقتك أو من شريكك أو من عملك أو من طعامك المفضل أو من هواياتك؛ وهذا ما يُسمِّيه علماء النفس: "التأقلم مع المُتَع"، وهيظاهرةٌسلوكيةٌ تصف النزعة البشرية للتعود على الأشياء التي نقوم بها مرةً تلو الأخرى.

لقد عانينا جميعاً من مشكلة التأقلم مع المتع في مرحلةٍ أو أخرى؛ فعندما نختبر شيئاً لأول مرة، سيكون ردُّ فعلنا العاطفي: الإثارة بأعلى مستوياتها؛ وبينما نواصل تجربة الشيء نفسه مراراً وتكراراً، ينخفض ردُّ الفعل العاطفي هذا شيئاً فشيئاً حتَّى يتلاشى تماماً، وهذه هي المرحلة التي نبدأ فيها الشعور بأنَّ "هذا مملٌ للغاية".

شاهد بالفديو: 7 عادات يومية قد تقصّر العمر

لماذا تشعر بالملل من الحياة؟

ولكن، ما الذي يعنيه أن تشعر بالملل من الحياة؟ يعني ذلك أن تشعر بالملل العميق لدرجة أنَّك لا تشعر به عند القيام بنشاطٍ معينٍ فحسب، بل من لحظة استيقاظك حتَّى اللحظة التي تنام فيها. إنَّه نوعٌ من انعدام المعنى الذي لا نهاية له، والشعور الدائم أنَّك لا تملك ما تقوم به في حياتك، فينطفئ شغفك، ويختفي الأشخاص الذين تُجلِّهم، لتفقد الآمال والأحلام أهميَّتها لسببٍ أو لآخر.
الشعور بالملل من الحياة أمرٌ بائس، لكنَّه قد يبدو وكأنَّه حالةٌ ذهنيةٌ دائمةٌ بالنسبة إلى أولئك الذين يجدون أنفسهم محتجزين فيه. ولكن، كيف يشعر المرء بالملل من الحياة؟
ربَّما قد استيقظت يوماً ما وأدركتَ أنَّك تشعر بأنَّه لم يعد لديك ما تعيش لأجله، ويمكن أن تشعر بالارتباك والخوف لأنَّك غير قادرٍ على تتبع أثر الخطوات التي حوَّلتك من الشخص السعيد المثير الذي تتذكَّره، إلى الشخص فاقد الشغف الذي أنت عليه اليوم.

قد يبدو الشعور بالملل من الحياة وكأنَّه آتٍ من العدم، ولكنَّ هذه ليست القضية أبداً؛ بل إنَّها أكثر من مجرَّد مرحلةٍ لا يمكنك التنبؤ بوقت حدوثها، إذ لن تشعر بها حتَّى تكون قد غرقت فيها بالكامل. تتطلَّب هذه المرحلة أحداثاً معينةً في حياتك، فقد تجد نفسك عالقاً في حالةِ الفراغ المعروفة باسم: "الشعور بالملل من الحياة"، حالما تكون قد شهدت ما يكفي من هذه الأنماط من الأحداث دون معالجتها بشكلٍ صحيح.

إليكَ أنواع التجارب التي يمكن أن تودي بك إلى الشعور بهذه الطريقة:

  • عندما ينفطر قلبك، وتشعر بأنَّك لا تقدر على خوض التجربة نفسها مرةً أخرى.
  • عندما تحاول إنجاز شيءٍ ما وتفشل؛ لذلك تفكِّر الآن أنَّ أيَّ شيءٍ آخر قد تجرِّبه سينتهي بالطريقة نفسها.
  • عندما تهتم بعمقٍ وحماس بمشروعٍ أو برؤية، ولكنَّك تتعرض إلى خيبة أملٍ بطريقةٍ ما.
  • حينما تقضي شهوراً أو سنواتٍ وأنت تحاول تغيير وضعك للحصول على المزيد في حياتك، ولكنَّ الأمور تبقى على ما هي عليه، وبالتالي تمنعك من المضي قدماً.
  • حينما تشعر بأنَّ الوقت الذي تحتاجه لتكون الشخص الذي تريده ينفد منك؛ لتجد بأنَّك لست الشخص الذي يجب أن تكون عليه في هذا العمر.
  • عندما تفقد أشخاصاً آخرين كانوا متساوين معك فيما يتعلَّق بالمهنة أو المشاريع التي أمكنك أن تحقق أحلامك من خلالها، لتشعر لاحقاً أنَّ أحلامك لم تكن لتتحقق.
  • عندما لا تشعر أبداً بشغفٍ حقيقيٍّ تجاه أيِّ شيء، لتخشى لاحقاً فكرة أنَّك لن تشعر أبداً بما يشعر به الآخرون.
  • حينما تعايش الحياة والروتين نفسهما في السنوات العديدة الماضية ولا ترى أنَّ أيَّاً منهما سوف يتغير قريباً؛ ليبدو أنَّ هذا سيستمر لباقي حياتك، وأنَّ كلَّ شيءٍ جديدٍ في حياتك قد انتهى.

الشعور بالملل من حياتك شعورٌ أعمق بكثيرٍ من كونك ببساطةٍ شخصاً ضَجِر، إنَّه أزمةٌ تضاهي الأزمة الوجودية، وأحياناً يكون إشارةً هامَّةً تدلٌّ على حدوث أزمةٍ وجودية؛ وفي نهاية المطاف، فإنَّ جذوره تعود إلى الصراع الداخلي الذي نواجهه جميعاً. هل هذا هو الأمر؟ هل هذه حياتي؟ هل هذا جل ما أردت فعله؟ فبدلاً من مواجهة هذه الأسئلة الصعبة، نقمعها وندفنها بعيداً، ممَّا يؤدِّي إلى الشعور بالملل من الحياة.

هناك أسئلةٌ وصراعاتٌ نعلم أنَّنا بحاجةٍ إلى معالجتها، لكنَّنا نخشى ألا نملك الشجاعة لمواجهتها؛ لأنَّنا قد لا نحبُّ الحلول التي يجب أن نقوم بها بمجرد أن نواجه تلك الأسئلة وجهاً إلى وجه.

إقرأ أيضاً: 6 سلوكيات يومية تساعدك للقضاء على الملل نهائياً

ثلاثة أنواعٍ من الملل:

يتحدَّث "ساكيونغ ميبهام" (Sakyong Mipham) عن ثلاثة أنواعٍ من الملل، وهي:

  • ملل القلق: هو الملل الذي يغذِّيه القلق من مصدره، حيث نستخدم المحفزات لإبقاء أنفسنا منشغلين دائماً، ونؤمن بأنَّ المرح يجب أن ينتج عن محفزٍ خارجيٍّ مثل: نشاطٍ مع شخصٍ آخر، ولأنَّنا لا نملك تلك المحفزات الخارجية، نصبح مليئين بالقلق والرعب.
  • ملل الخوف: هو الخوف من الذات، ومن عدم معرفة إلى أين سيأخذك انعدام الحافز، وماذا يمكن أن يحدث إذا سمحنا لعقولنا أن تهدأ لمرةٍ واحدةٍ وتفكِّر. هناك الكثير من الناس الذين لا يستطيعون تحمُّل فكرة التفرُّد بعقولهم؛ ذلك لأنَّها تجبرهم على طرح أسئلةٍ لا يريدون مواجهتها.
  • ملل الشخصية: يختلف ملل الشخصية عن النوعين الأول والثاني من حيث أنَّه انعكاسيٌّ أكثر؛ ممَّا يتطلَّب من الشخص تحليل ما يعنيه مللهم بدلاً من إقصائه كغريزةٍ أساسية. يحدث هذا النوع من الملل عند أولئك الذين يفهمون أنَّ شعورهم بالملل لا يأتي من نقص التحفيز الخارجي، بل من عدم القدرة الشخصية على التعامل مع العالم بطريقةٍ مشوقة. نحن نشعر بالملل لأنَّ أفكارنا متكررةٌ ومملة، وليس لأنَّ العالم لا يمكنه تسليتنا.

يجعل العالم الحديث الحياة مملةً لأسبابٍ خمس:

يشعر معظم الناس بالملل من حياتهم أكثر من أيِّ وقتٍ مضى، لكن يبدو أنَّ وباء الملل متناقضٌ مع العالم الحديث الذي يحتوي على آلاف القنوات التلفزيونية، وملايين مواقع الويب، وعدداً لا يُحصَى من ألعاب الفيديو والأفلام والألبومات والأحداث، بالإضافة إلى المقدرة على السفر حول العالم، وتعلُّم اللغات، وتجربة المأكولات الغريبة بشكلٍ غير مسبوق. فلماذا يتكلَّم مزيدٌ من الناس عن الملل المزمن ومشاعر عدم الإنجاز بمرور السنين؟ هناك 5 أسبابٍ تجعل العالم الحديث يقودك إلى الفشل، وهي:

1. التحفيز الزائد:

العقل البشري عرضةٌ إلى الإدمان لعددٍ من الأسباب، إذ يحدث الإدمان البيوكيميائي على الدوبامين نتيجة خوض تجربةٍ ممتعة، والإدمان السلوكي على تكرار النشاطات نفسها والتعود ببساطةٍ على الرتابة، والإدمان النفسي على مجاراة الأنشطة كيلا تشعر بأنَّك مستبعدٌ اجتماعياً من قِبل أقرانك؛ وليست هذه سوى قلةٌ من الأسباب التي تجعلنا مدمنين على أيِّ شيءٍ يثيرنا بما يكفي باستخدام الطرائق المناسبة. في هذه الحالة، نحن نتحدَّث عن الإدمان على التحفيز الزائد.

نحن نُحفَّزُ باستمرارٍ من خلال التكنولوجيا التي تستحوذ علينا من خلال: البرامج التلفزيونية، وألعاب الفيديو، ووسائل التواصل الاجتماعي، والأفلام، والرسائل النصية، والصور، وكلَّ شيءٍ آخر يملأ منصات الأخبار الاجتماعية والشخصية، ويملأ وقتنا طوال اليوم؛ فلا نريد أبداً مزيداً من الترفيه في عالمٍ مليءٍ به، ويمكن للحد الأقصى منه أن يبقينا في مستوى مُرْضٍ من التحفيز؛ لأنَّنا اعتدناه لفترةٍ طويلة.

2. تلبية الاحتياجات الأساسية:

لم يمتلك معظم التاريخ البشري مدخلاً مستمراً للضرورات الأساسية في الحياة؛ فقد كان كلٌّ من الطعام والمياه والمأوى أشياء لطالما كافح أغلب الناس من أجلها، وبالكاد نظر العالم حينها في الحقوق المعاصرة مثل: حقوق الإنسان الأساسية للغالبية العظمى من الحضارة البشرية.

في هذه الأيام، لا داعٍ لأن يقلق الكثير منا - على الأقل أولئك الذين يقرؤون هذه المقالة - كثيراً حول أساسيات المعيشة من الغذاء والماء والمسكن. قد نكون لا نزال نعاني في تدبُّر أمرِ دفع فواتيرنا؛ ولكن، وفي أسوأ السيناريوهات لحياتنا، هل علينا أن نواجه حقيقة أنَّنا سوف نجوع، وأنَّه ليس لدينا ما يكفي من الماء، وأنَّنا لا نمتلك مكاناً للنوم؟ كافحت البشرية طويلاً لتحقيق هذه الحاجات الإنسانية الأساسية، وقد جرت برمجة عقولنا على هذا الأساس.

الآن، وقد أصبح الكثير منَّا يمتلكون هذه الاحتياجات الأساسية، راضين بقضاء يومهم كلِّه في العمل من أجل تحقيقها، فعقولنا مضطرةٌ الآن لأن تسأل: ماذا بعد؟ إنَّه سؤالٌ جديدٌ ولا يزال الكثير منَّا يناضلون للإجابة عنه. ما الذي سيأتي بعد هذا؟ فعندما لا نبقى جياعاً وعطشى وبدون بيت، وعندما يكون لدينا شريكٌ ورضا عاطفي، وعندما يكون لدينا مهنةٌ ثابتة؛ فماذا بعد ذلك؟

3. الفصل بين الفرد والإنتاج:

من أجل فهم هذه النقطة، يجب علينا أن نتعمَّقَ في "النظرية الماركسية"، ونفهم الصلة بين الأفراد وما ينتجونه. في عالمِ ما قبل الحداثة، كان هناك صلةٌ واضحةٌ بين دورك كعاملٍ والخدمة أو العمل الذي تقوم به، فأنت ومهما كانت مهنتك، تفهم بوضوحٍ دورك في المجتمع، لكونه مرتبطاً مباشرةً بالعمل الذي قمت به والأشياء التي أنتجتها. لم يعد هذا الرابط واضحاً اليوم؛ فقد أنشأنا الشركات والمؤسسات التي لها دورٌ وهميٌّ على ما يبدو، وهناك عددٌ لا يحصى من المهن الآن، والتي إذا سُئِلَ أصحابها السؤال: "ماذا تنتجون"؟ لما استطاعوا الإجابة ببساطة. نحن قد نفهم عملنا والطريقة التي تساهم بها ساعات عملنا في الشركة ككل؛ لكن هناك تباعدٌ بين ما نقوم به وما ننتجه.

بينما قد نعمل ونحصل على راتبٍ ونُشيد بشركتنا وصناعتنا، قد لا نشعر أنَّنا نعمل من أجل إبداع أيِّ شيءٍ حقيقيٍّ وملموس، وهذا يساهم في الشعور بالحاجة إلى السؤال: "ماذا أفعل في حياتي؟" والذي يتردَّد صداه لدى الأفراد الذين يشعرون أنَّ شغفهم بلا معنى؛ لأنَّ العمل الذي يقومون به لا يخلق أيَّ شيءٍ يتخيَّلون القيام به.

4. وجود تطلُّعاتٍ غير واقعية:

وسائل التواصل الاجتماعي سرطان، ولا توجد طريقةٌ أخرى أفضل لقول ذلك. تملؤنا هذه الوسائل بمشاعر (FOMO) أو "الخوف من عدم معرفة آخر المستجدات"؛ إذ إنَّنا نتابع الأغنياء والمشاهير، لنثمل بصورٍ ومقاطعِ فيديو عن حياتهم المذهلة؛ كما نتابع أيضاً أقراننا، ونرى كلَّ الأشياء العظيمة التي تجري في حياتهم من: الإجازات والترقيات المهنية والعلاقات الرائعة وغيرها، ثمَّ نضطر إلى القيام بأحد أمرين:

  • الاستمرار في استهلاك محتوى الوسائط الاجتماعية المذهل، بينما يتزايد الشعور بأنَّ حياتنا غير كافية.
  • محاولة التنافس مع أوساطنا الاجتماعية، ونشر أشياء أفضل وأكبر لإظهار أنَّ لدينا حياةً مذهلة كحياتهم.

يؤدِّي هذا في النهاية إلى حلقةٍ من التطلُّعات غير الواقعية، حيث لا يعيش أيٌّ منا حياته لمجرَّد أنَّه يريد أن يعيشها؛ ولكن لأنَّه يريد أن يعرف الآخرون أنَّه يعيشها، لنشعر في نهاية المطاف أنَّنا لا نستطيع أن نكون سعداء أو راضين إذا لم نكن نعيش حياة الأشخاص الذين نتابعهم. تلك الحياة المثيرة والكاملة والتي من المستحيل تكرارها، هي ليست جيدةً في الواقع كما تبدو عليه على الإنترنت؛ حيث أنَّنا لا نرى شيئاً سيئاً، إنَّما نشهد الكثير من المبالغة في الأمور الجيدة؛ فنحن نرى الصورة المثلى التي يريدون أن نراها عن حياتهم، ولا شيء من السلبية أو خيبة الأمل أو المشقة التي قد يكونون قد مروا بها؛ وعندما نقارن حياتنا بحياتهم، لا يمكن لحياتنا أبداً أن ترقى إليها، فنستسلم للشعور بالملل؛ لأنَّه لا يمكننا التنافس مع سعادتهم، وبهذا نكون قد سمحنا للآخرين بتحديد معنى السعادة بالنسبة إلينا.

إقرأ أيضاً: 5 نصائح للتوقف عن إضاعة الوقت على الانترنت دون فائدة

5. عدم معرفة ما تريد:

ربَّما كانت أهمُّ نقطةٍ بالنسبة إلى معظمنا في مواجهة الملل من الحياة هي: عدم معرفة ماذا نريد، ولا كيفية الاختيار. لقد منح العالم الحديث للكثير منا حرية اختيار مسارات حياتنا، بدءاً من الوظائف التي نختارها، وحتَّى الأشخاص الذين نتزوَّج بهم. فمثلاً: لدينا حرية العمل لـ 8 ساعاتٍ فقط في اليوم، بدلاً من تمضية اليوم كلِّه في الخارج أو في الصيد؛ ولدينا رفاهية الدراسة والعمل في أيِّ مكانٍ نريده حول العالم. لقد تُرِكَت لنا مليون طريقةٍ للذهاب في مليون مسارٍ مختلف، لكنَّ هذا المستوى من الاختيار يمكن أن يكون بلا فائدة؛ حيث علينا أن نسأل أنفسنا وباستمرار: هل قمنا بالاختيار الصحيح؟

عندما نبدأ بالشعور بعدم الرضا وعدم الإنجاز في حياتنا، نبدأ بالشك في القرارات الهامَّة التي اتخذناها. هل درست في المكان الصحيح؟ هل حصلت على الشهادة الصحيحة؟ هل اخترت الشريك المناسب؟ هل اخترت الشركة المناسبة؟ ومع الكثير من الأسئلة للعديد من القرارات المتاحة لنا، فكلُّ ما يتطلَّبه الأمر هو القليل من الشك في عددٍ قليلٍ منها للبدء بالشعور وكأنَّ شيئاً ما في حياتنا قد فشلَ في مكانٍ ما في المستقبل؛ وحالما يتسلل ذلك الشك إليك، سيرافقه الندم، وسينتهي هذا بتسميم كلِّ جوانب حياتك الأخرى، ممَّا يجعلك تشعر أنَّ الحياة الحالية التي تعيشها غير كافية أو غير مرضية.

التغلُّب على الملل:

عندما نشعر بالملل، نتَّجه غريزياً نحو الخروج إلى العالم وإضافة أشياء جديدةٍ إلى حياتنا؛ وهذا جزءٌ من المشكلة. يميل الناس إلى التفكير أنَّ الذهاب حول العالم أو الذهاب إلى حفلةٍ مجنونةٍ أو ممارسة هوايةٍ جديدةٍ جامحة؛ هو الحلُّ النهائي للشعور بالملل. غير أنَّ البحث عن تجارب جديدةٍ لا يمنحك الوقت أو المساحة للتفكير في الأشياء التي لديك في حياتك، فكلُّ ما تفعله هو ملء أيامك بمزيدٍ من مصادر الإلهاء ومزيدٍ من التحفيز.

شاهد بالفديو: 8 خطوات للحفاظ على التحفيز الذاتي حتى في الأوقات الصعبة

في الواقع، مهما كان الشيء المثير الجديد الذي تتبنَّاه، فسوف يصبح قديماً حتماً؛ ومن المؤكِّد أنَّ كلَّ شيءٍ جديدٍ تفعله سيصبح مملاً؛ لأنَّ الأشياء التي تفعلها ليست أصل المشكلة؛ بل إنَّ المشكلة هي كيفية القيام بها.
في النهاية، الشعور بالملل هو أن يكون لديك أحد الأعراض التالية:

  • أن تكون خائفاً من أفكارك.
  • ألَّا تعرف ماذا تفعل في فترات الهدوء والسكون.
  • أن تكون مدمناً على التحفيز.

ما لا يفهمه معظم الناس هو أنَّ الشعور بالمللِ حالةُ وجودٍ وانعكاسٍ لكيفية عيش حياتك؛ فحتَّى أكثر الناس إثارةً في العالم سئموا حياتهم بعد أن تكيَّفوا معها تماماً. ليس الهرب هو العلاج لشعورك بالملل؛ بل عليك بالمجابهة من أجل الاستقلال الذاتي في حياتك الخاصة، فلن يساعدك الذهاب في المغامرة الكبيرة التالية في عدم الشعور بالملل؛ لأنَّ ما سيساعدك هو جعل حياتك اليومية مغامرة.

إقرأ أيضاً: 20 طريقة للتخلص من الملل الشديد في المنزل

التأقلم مع المُتع:

يجب عليك التغلُّب على التأقلم مع المُتع إذا كنت تريد التغلُّب على الشعور بالملل؛ ذلك لأنَّنا ننسى التفاصيل الصغيرة التي جعلت حياتنا ممتعةً للغاية بمجرَّد ما إن نعتد على الروتين؛ سيساعدك تبني عقليةٍ أكثر وعياً في إيجاد مباهج جديدةٍ في الحياة، وسوف يجعلك تشعر أنَّ القديم يتجدَّد باستمرار. فيما يلي بعض التمرينات العقلية التي يمكن أن تساعدك في التغلُّب على التأقلم مع المُتع:

1. تَبَنَّ مقاربةً مختلفة:

لا يجب أن ينطوي تغيير حياتك على تغييرٍ جذريٍّ دائماً، إذ يمكن أن يكون الأمر بسيطاً مثل: تغيير المسار الذي تسلكه إلى العمل والمنزل؛ فذلك سيسمح لك أن ترى مناظر مختلفة، ويمنح عقلك الفرصة للتفكير في الأشياء بشكلٍ مختلف، بدلاً من التحديق في اللوحات الإعلانية نفسها والإعلانات نفسها التي رأيتها آلاف المرات من قبل. وعندما تبدأ الشعور بالملل من هذا الطريق، عد إلى طريقك القديم؛ وستندهش من الأشياء الجديدة التي ستبدأ ملاحظتها حالما تُغيِّر المشهد.

2. اطرح أسئلةً جيدة:

استبدل السؤال النمطي: "كيف حالك اليوم؟" بشيءٍ جديد ومثير؛ فلطرح أسئلةٍ مثيرةٍ فوائدٌ ذات شقين؛ فأولاً: إنَّه يحرض دماغك للتفكير خارج الصندوق، وثانياً: أنت تندمج مع شريكك أو صديقك أو زميلك في العمل بطريقةٍ لم تفعلها من قبل. وبدلاً من إجراء المحادثة القديمة نفسها حول عطلة نهاية الأسبوع، اسأل الناس من حولك عن أشياء جديدة لم تسألهم عنها من قبل، وانتقل إلى أسئلةٍ غريبةٍ مثل: "إذا سُمِح لك بتناول الطعام من مطبخٍ واحدٍ في العالم فقط، أيَّ مطبخٍ سيكون؟"

يمنحك مثل هذا الأمر الفرصة لاكتشاف أشياء جديدةٍ حول دائرتك الاجتماعية، ويحرِّض الفضول والإثارة في حياتك الشخصية في الوقت نفسه.

3. اترك المكتب:

يساهم الوجود في البيئة نفسها لفترةٍ طويلة في الشعور بالملل؛ فإذا كنت تعمل في أحد المكاتب، ففكِّر في الطلب من رئيسك بأن تعمل من المنزل لبعض الوقت، واغتنم هذه الفرصة لإجراء المكالمات والتحقق من رسائل البريد الإلكتروني والقيام بالمهام المكتبية في مقهى أو قاعةٍ جميلة. إذا كان الخروج من المكتب غير قابلٍ للتفاوض، فكِّر في إعادة ترتيب مكتبك، وأَعِد هيكلة طريقة العمل، فالهدف هو إرغام دماغك على الانتباه من جديد، بدلاً من وضع نفسك في حالة تفكيرٍ رتيبةٍ وتلقائية.

4. تناول الطعام بيديك:

لتجربة تناول الطعام العديدَ من المقومات؛ فنحن نودُّ أن نعتقد أنَّ جودة الطعام والخدمة هي الأشياء الوحيدة الهامَّة، ولكنَّ الحقيقة هي أنَّ التجربة يمكن أن تلوِّن الطريقة التي تبدو بها الأشياء في رؤوسنا. هل تساءلت يوماً عن السبب الذي يجعل تناول الطعام الصيني - مثل أمراً ممتعاً؟ ليس لأنَّك تأكل طعام "نجمة ميشلان"، بل ربَّما بسبب جلوسك على الأرض وتناوله من العبوة مباشرةً باستخدام العيدان.

الأكل بيديك نصيحةٌ يمكنك أن تأخذها حرفياً ومجازياً؛ وفي المرة القادمة التي تأكل فيها شيئاً، تخلَّص من أدوات المائدة، واستمتع بتذوق كلِّ لقمةٍ على مهل، واشعر بقوام ما تأكله، وفكر في كيفية مساهمته في تجربة تناول الطعام بشكل عام. إنَّ التغلب على التأقلم مع المُتع يدور حول التوصل إلى تحديث الأشياء التي لديك فعلاً مثل: الأكل أو التنقل أو العمل، وذلك من خلال إيجاد طرائق جديدةٍ وغريبةٍ للقيام بها.

إقرأ أيضاً: كيف تغيّر الروتين اليومي بسهولة

ليس الشعور بالملل هو المشكلة:

في المرة القادمة التي تشعر فيها بالملل، قاوم رغبتك بحجز رحلة شاطئٍ عشوائية، أو بالانخراط في شكلٍ من أشكال تعديل الجسم؛ وفي نهاية المطاف، لن يكون الشعور بالملل مشكلةً بقدر ما هو مجرَّد عارض
إنَّ ما يجعل الملل لا يُطاق، هو أنَّ الناس يعالجونه على أنَّه مشكلة؛ وفي الواقع، ليس عليك الهروب من الشعور بالملل، فهو جزءٌ طبيعيٌّ من كينونة الجميع، وهو ليس مشكلةً عليك الهروب منها، بل فرصةً لتسأل نفسك هذا السؤال: "كيف يمكنني أن أفعل الأشياء بشكلٍ مختلف؟".

المصدر




مقالات مرتبطة