هل الصداع هو أحد أعراض فيروس كورونا؟

نعرف أنَّ الحمى والسعال الجاف هما من أعراض فيروس كورونا المستجد، لكن ماذا عن الصداع؟ نراقب جميعنا بحذرٍ أيَّ أعراضٍ محتملةٍ لفيروس كورونا، فهل الصداع أحدها؟ في الحالات العادية، قد يحدث الصداع نتيجةً للإجهاد أو وضعيات الجلوس الخاطئة مثل: الانحناء فوق لوحة المفاتيح. ولكن في هذه الأيام، يتساءل الكثير منا: هل يُعدُّ الصداع أحد أعراض فيروس كورونا؟ وإذا كان كذلك، فهل علينا أن نجزع لمجرَّد شعورنا بالصداع؟ أم يجب أن يكون الصداع مترافقاً مع الحمَّى والسعال حتَّى يُثير قلقنا؟



إنَّ الأجوبة على هذه الأسئلة مثل كلُّ الأجوبة المتعلِّقة بفيروس كورونا، وهو أعقدُ من أن نجيب عنه بـِ "نعم" أم بـِ "لا".

تذكَّر أنَّ الصداع شائعٌ جداً، بما في ذلك الصداع الحاد:

1. صداع التوتر:

أكثر أنواع الصداع شيوعاً هو صداع التوتر الذي يعاني منه أغلب الناس، ووفقاً "لألكسندر ماسكوب" (Alexander Mauskop)، أستاذ علم الأعصاب السريري في المركز الطبي لجامعة ولاية نيويورك داون ستيت (SUNY Downstate Medical Center)، والحائز على درجة الدكتوراه في الطب: "نادراً ما يكون صداع التوتر شديداً، لذلك لا يراجع الناس الطبيب بسببه. وعادةً ما يحدث بسبب تشنُّج عضلات الرقبة أو فروة الرأس، كما يمكن أن يحدث بسبب أشياء أخرى مثل: الإجهاد، أو الجفاف، أو مشاكل العينين". إذا كنت تعاني من صداعٍ متكرر، فقد يكون صداع التوتر هو السبب.

2. الصداع النصفي (الشقيقة):

النوع الثاني من الصداع هو الصداع النصفي، أو ما يُعرَف بالشقيقة. الصداع النصفي أكثر من مجرد صداع، فهو في الواقع مرضٌ عصبيٌّ مزمن، وغالباً ما يكون ألم الرأس الشديد من الأعراض الرئيسة له، ولكنَّه يسبِّب أيضاً: الغثيان، والحساسية للضوء والصوت، وعدم وضوح الرؤية، والهالة (اضطرابٌ بصري)؛ لذا فإنَّ الصداع النصفي يحتاج إلى علاجٍ أكثر كثافةً من الصداع الناتج عن التوتر.

إقرأ أيضاً: أهم أسباب الصداع النصفي وطرق علاجه

3. صداع الجيوب الأنفية:

يُعدُّ "صداع الجيوب الأنفية" صداعاً شائعاً آخر، وتحدث معظم حالات صداع الجيوب الأنفية الحقيقية بسبب عدوى الجيوب الأنفية؛ لذلك تترافق عادةً مع أعراضٍ أخرى مرتبطةٍ بالجيوب الأنفية. يقول الدكتور ماسكوب: "إذا كان لديك إفرازاتٌ أنفيةٌ صفراء أو خضراء، فعادةً ما تكون مصاباً بعدوى في الجيوب الأنفية، ويمكن أن تصاب بصداع الجيوب الأنفية بسببها".

يمكن للمضادات الحيوية أن تُزيل التهابات الجيوب الأنفية البكتيرية، وعادةً ما تُشفَى عدوى الجيوب الفيروسية بنفسها في غضون أيامٍ قليلة، لكنَّ صداع الجيوب غالباً ما يكون بمثابة صداعٍ نصفيٍّ متنكِّر؛ لذلك إذا بقي الصداع أو لم يكن لديك أعراض الجيوب الأنفية، فراجع الطبيب مرةً أخرى.

4. الصداع العنقودي:

وهناك أيضاً الصداع العنقودي، وهو أكثر ندرةً من الصداع النصفي، ولكنَّه وفقاً لما يقوله الدكتور ماسكوب: "أسوأ ألمٍ يمكن تخيُّله، حيث يصفه بعض الناس بالصداع الانتحاري. وغالباً ما يوقظك في منتصف الليل مع وجود ألمٍ مركَّزٍ حول عينٍ واحدةٍ أو جانبٍ واحدٍ من رأسك". ووفقًا "لمايو كلينيك" (Mayo Clinic) المؤسسة الطبية الشهيرة، فهذا النوع من الصداع قد يدوم لأشهرٍ، وربَّما لأسابيع.

يعتمد سبب ألم رأسك على نوع الصداع الذي تعاني منه، ولكنَّ العديد من أنواع الصداع تتضمَّن محفِّزاً مشتركاً وهو: الإجهاد؛ والذي لا يختلف في انتشاره عن وباءٍ عالمي.

توافق الدكتورة "فيكتوريا فانغ" (Victoria Fang)، المديرة الطبية المساعدة لعيادات (UW Medicine Neighborhood Clinics) في جامعة واشنطن: "في لحظاتٍ كهذه، حيث توقَّف روتين الناس وغيَّروا أنماطهم الغذائية، سيصبح الصداع والصداع النصفي حقيقةً لكثيرٍ من الناس".

إقرأ أيضاً: أنواع الصداع وزيوت طبيعية للتخلّص منه

تذكَّر أنَّه من المعروف أنَّ الفيروسات تسبِّب الصداع:

ليس من الواضح تماماً لماذا تسبب الفيروسات الصداع، إذ يمكن أن يكون التهاباً أو قد يكون شيئاًَ آخر، ولكن من الواضح أنَّها تسبِّب ذلك. يقول الدكتور ماسكوب: "أيُّ نزلة بردٍ أو أيُّ عدوى في الجهاز التنفسي العلوي يمكن أن تسبِّب لك الصداع". كما يمكن أن يكون فيروس كورونا مسبِّباً للصداع أيضاً.

وفقاً لتقريرٍ مشتركٍ من منظمة الصحة العالمية والصين، تشير بيانات ما يقرب من 56000 حالةٍ مؤكَّدةٍ من فيروس كورونا -توقَّف جمع التقرير في 20 فبراير- إلى أنَّ 13.6٪ من المصابين أبلغوا عن إصابتهم بالصداع.

إذا كان من الممكن الشعور بالصداع عند الإصابة بفيروس كورونا، فلماذا لا يجري إدراجه بين الأعراض الأساسية الأخرى مثل: السعال، والحمى، وضيق التنفس؟

استناداً إلى البيانات فإنَّه حتَّى الآن لا يبدو أنَّ الصداع شائعٌ مثل الأعراض الأخرى. يشير تقرير منظمة الصحة العالمية إلى أنَّ أكثر من 87٪ من الأشخاص الذين تأكَّدت إصابتهم بفيروس كورونا في تقريرهم مصابون بالحمَّى، و67.7٪ يعانون من السعال الجاف؛ أمَّا ضيق التنفس فهو أحد أعراض الحالات الأكثر شدةً، وهو موجودٌ لدى 18.6٪ من المرضى. ومع ذلك، فإنَّ منظمة الصحة العالمية تعدُّ الصداع أحد الأعراض الرئيسة لفيروس كورونا، لكن إذا ترافق مع أعراضٍ أخرى تشبه الإنفلونزا مثل: آلام الجسم، والإرهاق، وإفراز البلغم (مادةٌ لزجةٌ تُفرِزها الشعب الهوائية السفلى).

بات من الواضح أنَّ الكثير من الأعراض قد تغيَّرت منذ 20 فبراير، وستستمر في التغيُّر. تقول الدكتورة فيكتوريا: "أحد التحديات حول تحديد أعراض كوفيد-19 هو أنَّه عندما تصف المرض بأنَّه حمَّى وسعال وضيق في التنفس، يركِّز الخبراء والمرضى على اكتشاف تلك الأعراض فإذا كنت لا تفكِّر في الصداع كعارض، فربَّما لن تصاب به. وهذا يعني أنَّ 13.6٪ من المرضى الذين يعانون من الصداع يمكن أن يكونوا مصابين بالصداع فعلاً، أو قد يكون صداعهم عَرَضاً زائداً أو مزيَّفاً".

من الأمثلة الجيدة على ذلك: فقدان حاسة الشم والتذوّق التي لم تكن مرتبطةً بفيروس كورونا المستجد في البداية، ولكنَّها أصبحت الآن عارضاً مؤكِّداً للفيروس. في أواخر مارس 2020، وبعد نشر تقرير منظمة الصحة العالمية؛ ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" (New York Times) أنَّ من بين 2000 شخصٍ مصابٍ جرى مسحهم في كوريا الجنوبية، 30٪ فقدوا حاسة الشم والتذوق، وهذه عينةٌ صغيرةٌ نسبيَّاً، ورغم أنَّ جميع حالات المرضى كانت خفيفة؛ لكنَّها سلَّطت الضوء على الواقع الهامِّ لمدى تجدُّد هذا الفيروس، وكيف أنَّنا ما زلنا نتعلَّم حوله. تقول الدكتورة فيكتوريا: "من الواضح أنَّنا لا نعرف بعد كلَّ شيءٍ عن هذا الفيروس؛ لذا، يمكن أن يكون الصداع من أعراض فيروس كورونا. عندما نتذكَّر أن نسأل عن الصداع، نجد غالباً أنَّه موجودٌ عند المرضى، لكنَّه ليس العارض الأكثر أهميةً. فإذا كنت مصاباً بالحمَّى وتعاني من سعالٍ مستمر، تماماً مثل أيِّ فيروسٍ آخر، فهل تكترث للصداع؟".

التحدي الآخر الذي نواجهه: أنَّ الصداع شائعٌ في هذه الفترة. وفقاً للدكتورة فيكتوريا: "إذا أُصيب المريض بصداعٍ فقط، بدون حمَّى، أو سعالٍ جاف، أو آلامٍ في العضلات؛ فقد أضع فيروس كورونا في قائمة التشخيصات المحتملة. ولكن في أعلى قائمتي ستكون الأسباب الأخرى للصداع، مثل الصداع النصفي، وهو أمرٌ شائعٌ بكثرة".

إذا كانت لديك أعراضٌ أخرى، فمن الهامِّ أن تدرك ما يجب عليك فعله إذا كنت تشك في إصابتك بفيروس كورونا، وأيضاً يجب أن تعرف متى يحين الوقت للذهاب إلى غرفة الطوارئ؛ وتذكر أنَّ الصداع وحده لن يمنحك معلوماتٍ كافية.

إقرأ أيضاً: فيروس كورونا مقابل الإنفلونزا، أيهما يشكل الخطر الأكبر؟

تعامل مع الصداع كالمعتاد إذا لم يكن لديك أعراضٌ أخرى لفيروس كورونا:

في منتصف مارس، نصح وزير الصحة الفرنسي بأنَّ مسكن الألم "الإيبوبروفين" يمكن أن يزيد من تفاقم عدوى فيروس كورونا، ممَّا يؤدِّي إلى أعراضٍ أكثر حدَّة. انتشرت الأخبار حول التصريحات التي أدلى بها وزير الصحة الفرنسي كالنار في الهشيم، وتجادل الخبراء حول كيفية التعامل مع هذه النصيحة؛ مع الأخذ في الاعتبار أنَّه لم تُجرَ دراساتٌ واسعةُ النطاق حول تأثير "الإيبوبروفين" على العدوى. وفي خضم هذه السجالات، صرَّحت منظمة الصحة العالمية بأنَّها لا توصي بعدم استخدام الإيبوبروفين.

وتقول الدكتورة فيكتوريا حول هذا الأمر: "أعتقد أنَّ هذا هو أحد التحديات الكبيرة؛ لأنَّنا كأطباء تعلَّمنا أن نشكِّك في التقارير القصصية، وأن نبحث دائماً عن دراساتٍ عشوائيةٍ مزدوجةٍ ومضبوطةٍ لمساعدتنا في تحديد ما هو فعَّالٌ حقاً. ولكن في حالة الوباء، ليس هناك وقتٌ لذلك".

ووسط الأخذ والردِّ والمعلومات المتضاربة حول الإيبوبروفين؛ أوصى كلٌّ من الدكتورة فيكتوريا والدكتور ماسكوب بعدم المخاطرة، وتناول بديلٍ عنه إذا اضطر الأمر. يقول الدكتور ماسكوب: "ليس من الخطر تناول الإيبوبروفين، خاصَّةً إذا كنت لا تشعر بأيِّ أعراضٍ لفيروس كورونا؛ لكن إذا كنت تعاني من السعال والحمى، فربَّما يجدر بك الابتعاد عن الإيبوبروفين وتناول الباراسيتامول بدلاً من ذلك".

إذا كنت قادراً على تحمُّل الصداع، أو تحمُّل أعراض الصداع النصفي في المنزل، فهذا هو الخيار الأفضل؛ لأنَّ أنظمة الرعاية الصحية غارقةٌ إلى أذنيها في العمل الآن، كما أنَّك لن ترغب بالمخاطرة بالتعرُّض المحتمل إلى الفيروس ما لم تكن مضطراً لذلك؛ لذا حاول معالجة صداعك في المنزل، ولا تنسَ أنَّ هناك بعض الحالات التي يكون فيها من الهامِّ التحدُّث مع طبيبك على الفور إذا كنت تعاني من الصداع.

وفقاً للدكتورة فيكتوريا، يشمل ذلك الأشخاص الذين لا يعانون من الصداع أبداً وفجأةً بدأوا يعانون منه، أو إذا كان صداعك مترافقاً بأعراضٍ عصبيةٍ أخرى مثل: فقدان حاسة الشم أو الأعراض البصرية، أو إذا كنت تعاني من الحمى والصداع في وقتٍ واحد. وإنَّ خيارات الرعاية الصحية عن بعدٍ هي أفضل خيارٍ لك الآن. تضيف الدكتورة فيكتوريا: "يمكن للممرضة أو الطبيب أن يساعدا كثيراً حتَّى بالتحدُّث مع المريض من دون فحصه شخصياً".

أخيراً، ولتكون آمناً: يجب عليك مراقبة الصداع، وإذا كان هناك شيءٌ مختلفٌ أو غير معتادٍ حوله، فاستمرَّ في فحص درجة حرارتك بانتظام.

 

المصدر




مقالات مرتبطة