هل الزواج عامل وقاية من الوحدة؟ وكيف يمكن أن تستمتع بوحدتك؟

يمكن أن نعرِّف الوحدة على أنَّها شعور أو إحساس غامض يستيقظ في أعماق الإنسان، عندما يشعر بأنَّ صوته لا يلاقي اهتماماً، وبأنَّه بلا ظل وبلا صدى، وبلا انعكاس حتى على وجه مرآة؛ وشعور بأنَّه لا أحد يتفهم الرغبات والاحتياجات عند هذا الإنسان، فتبقى بلا إشباع.



سنخبركم في هذا المقال، كيف يمكن لاقتناعنا بأنَّ الوحدة هي مجرد شعور، أن يساعد على تخطيها والتعامل معها دون أن تنغص عليكم حياتكم.

هل الزواج يمنع الإصابة بالوحدة؟

أجرت إحدى المجلات البحثية في الولايات المتحدة الأمريكية دراسة بحثية بعنوان: "معاً لكنَّنا وحيدون" أشارت إلى أنَّ 60% من الأشخاص الذين يعانون شعور الوحدة في الولايات المتحدة الأمريكية هم أشخاص متزوجون.

تؤكد هذه الدراسة خطورة أعراض الوحدة التي يعاني منها هؤلاء الأشخاص؛ إذ إنَّ الوحدة تشكل بيئة خصبة لتطور ونمو مختلف الأمراض أو الاضطرابات النفسية، فهي قد تؤدي إلى الإصابة بالقلق أو الاكتئاب. ومن الممكن أن تتفاقم المشكلات النفسية مع مرور الوقت، وتؤدي إلى مشكلات عضوية، مثل ارتفاع ضغط الدم الشرياني، أو زيادة في الوزن، أو مشكلات تنفسية.

الوحدة أكثر من مجرد إنسان يمشي وحده:

شبَّه خبراء علم النفس المشكلات التي تسببها الوحدة بالمشكلات والأخطار والأمراض التي يسببها تدخين التبغ الذي يضر بصحة الإنسان ويقصر من عمره على الأمد الطويل؛ لذلك فإنَّ المعالجين النفسيين ينصحون مرضاهم الذين يعانون من مشكلات متعلقة بالوحدة، أن يفكروا كثيراً قبل أن يندفعوا نحو الارتباط الجدِّي أو الزواج؛ وذلك لأنَّ النتيجة قد تكون مدمرة في حال لم يكن الخيار موفقاً.

قد يكون الدافع نحو هذا الزواج هو التخلص من مقبرة الوحدة، سواء كان إرادياً أم غير إرادي، أكثر مما هو قرار نابع عن رغبة ومحاكمة عقلانية، ومعرفة دقيقة إن كان قادراً على تحمُّل أعباء الزواج، ومسؤوليات العائلة، وتربية الأطفال، التي تُعَدُّ أكثر عملية معقدة في الحياة.

إن لم يضع الإنسان هذه الأمور في الحسبان، فإنَّ النتائج قد تكون كارثية، وتوقعه في مشكلات هي أكبر وأشد أذى بكثير من مشكلات الوحدة بحد ذاتها؛ إذ إنَّ مشكلات الوحدة تنطوي على ذاته فقط، أما فشل الزواج هو فشل منظومة كاملة، تتضمن زوجته وقد تتضمن أطفالاً، فيحصلون على كوارث مضاعفة.

هل الوحدة هي البعد عن الآخرين أم عن الذات؟

لأنَّ أي إنسان، إن لم يتعلم كيف يكون صادقاً مع نفسه، ويتقبل أنَّ فهمه ناقص لبعض الأمور، وينطلق من أجل محاولة تصحيح بعض مفاهيمه الخاطئة حيال ذاته أولاً، ومَن حوله ثانياً، إن لم يقم بما سبق، فلن يحالفه النجاح في بناء علاقة سليمة مع شخص آخر، وإن نجح في بداية العلاقة، فإنَّه بكل تأكيد سيفشل في الاستمرار بها لفترة طويلة؛ وذلك لأنَّ أقصى درجات الصدق هي أن يكون الإنسان صادقاً مع ذاته، ليواجه حقيقة ما هو عليه دون هروب أو مواربة.

هل شعورك بالوحدة مبرر منطقي لتنخرط في علاقة أو زواج؟

في حقيقة الأمر، إن كنت تشعر بالعزلة أو الوحدة، فهذا لا يعني أنَّ خيارك الوحيد، هو الانخراط في علاقة عاطفية أو ارتباط جدي، من أجل الحصول على شعور السعادة أو التخلص من أعباء الوحدة؛ ذلك لأنَّ القضاء على الشعور بالوحدة، يبدأ من داخل دواخلك أو من أعماق أعماقك، من ذلك القبو المظلم في شخصيتك، الذي تخاف أنت أن تقترب منه طوال سنوات، وتهرب من نبشه وتنظيفه وإعادة ترتيبه، والتخلص من الأمور المؤذية أو غير المفيدة.

إذ إنَّك قضيت طوال تلك السنوات تردم فوقه بدل تنظيفه، مثل مَن يقوم بتنظيف المنزل، فيقوم بإخفاء الأوساخ تحت السجادة وتحت الكراسي، فتعود لتجرفها نسمات الهواء، وتصبح عملية التنظيف أصعب من ذي قبل؛ لذا يجب عليك أن تعرف جيداً معلومة هامة جداً، ألا وهي أنَّ مماطلتك أو تسويفك في مصادقة نفسك - التي تُعَدُّ أمراً حتمياً في حال أردت حلاً حقيقياً - ما هي إلَّا تصعيب للحل في المستقبل، وإطالة لأمد المشكلة، وهروب عبثي إلى الأمام، دون أي فائدة تُذكَر.

إقرأ أيضاً: النجاح في العلاقات: 6 نصائح للخروج من العزلة ولتكوين الصداقات

هل يمكن للإنسان أن يجعل الوحدة أمراً ممتعاً؟

توجد الكثير من الطرائق والأساليب التي تجعل الإنسان يستمتع بالوحدة، ويصادقها؛ إذ إنَّ تعلُّم هذه المهارة يكسبه نوعاً من السعادة، لا يمكن لأحد أن يسلبه إياه، ولا يمكن لأحد أن يقوم بإفساده؛ وذلك لأنَّ هذه السعادة غير مبنية على أشخاص؛ بل هي مبنية على الذات، وهذه إحدى أمتن وأقوى أنواع السعادة التي يبنيها الإنسان بيديه. إليك أهم الطرائق التي تجعلك تستمتع في وحدتك:

1. ممارسة نشاطات عدة لا تحتاج إلا إلى شخص واحد هو أنت:

في حال كنت تستمتع بممارسة رياضة المشي أو الركض أو شراء الملابس والحاجات المختلفة أو مشاهدة مسلسلك الذي تحبه، فإنَّك تستطيع أن تمارس هذه الأمور وتستمتع بها، دون وجود أي حاجة إلى رفيق أو صديق.

2. تناوُل طعامك وحدك:

قد يظن بعض الأشخاص في حال رؤية شخص يتناول وجبة الغداء وحيداً، أنَّه لا يملك صديقاً يخرج معه، أو ربما يكون فاشلاً في حياته، أو غير محبوب من قبل محيطه، فيشعرون نحوه بالشفقة، لكن يمكن أن نسأل سؤالاً سهلاً، ولكنَّه هام جداً، ماذا لو كان هذا الشخص الذي نفترض مسبقاً أنَّه يعيش أسوأ أنواع البؤس، يقضي أجمل لحظات حياته وهو وحده، في قمة الاستمتاع؟ يقول علماء النفس إنَّ هذه الخطوة قد تُشعِر الشخص بأنَّه إنسان مستقل وقوي، وواثق بنفسه أكثر من غيره.

3. الانتباه وتمييز الحقيقة عن الشعور:

في الحقيقة إنَّ الوحدة ليست حقيقة، كما يظن الشخص الذي يشعر بالوحدة. لاحظوا ما قلنا "يشعر بالوحدة"؛ أي إنَّ الوحدة هي شعور أكثر من كونها حقيقة حرفية، وفي الواقع لو نظرنا إلى هذا الكلام لوجدناه غريباً للوهلة الأولى، ولكن لو دقَّقنا عميقاً لوجدناه كلاماً سليماً.

في واقع الأمر، لا يوجد شخص لا يمتلك أخوة أو أباً أو أُماً أو أصدقاء مدرسة أو رفاق عمل أو أقارب، ومن ثم وفق المعنى الحرفي للكلمة، لا يوجد إنسان وحيد؛ بل يوجد إنسان يمر بفترة ما من حياته يشعر فيها بالوحدة، لكنَّه سيتجاوزها بكل تأكيد، والأهم ألَّا يتخذ قرارات مصيرية من أجل إنهاء هذه الفترة بسرعة مثل الارتباط أو الزواج.

شاهد بالفديو: 10 أسرار تضمن لك السعادة في زواجك

4. نبش الذات ومواجهتها:

هل تعرفون من هو هذا الشخص الذي أنتم لاهثون وراء البحث عن بديله، تحاولون باستمرار تعويضه من خلال البحث عن علاقات أو صداقات، هذا الشخص هو ذاتكم الضائعة، التي لم تحاولوا ولو لمرة الاقتراب منها، الآن حانت لحظة الحقيقة، لكي تكسروا حاجز الجليد الذي يفصل بينكما.

خصصوا وقتاً محدداً تقضونه مع أنفسكم، تسبرون أغوارها، جبالها وهضابها، أخرِجوا كل الخوف والخجل والقلق والعصبية الزائدة من أعماقها، دعوها تتجسد على مسرح أمامكم وأنتم الجمهور ولجنة الحكم، الذين تقررون ما إذا كانت هذه الأمور يجب الاحتفاظ بها أو التخلص منها.

5. علاقة الإنسان بنفسه:

ارفعوا الغطاء عن كل القيود التي تحاصركم، واختاروا نوع الحرية الذي يناسب شخصيتكم، وتصرفوا تصرفات تتمنون أن يعاملكم بها الآخرون؛ فلا يمكن لأي علاقة مع أي شخص آخر، أن تعوض العلاقة الأساسية والمحورية، ألا وهي علاقة الإنسان بذاته.

من الأفضل لأي إنسان أن يهتم بنفسه وعلاقته بها من جميع النواحي الجسدية والنفسية؛ إذ إنَّ هذه العلاقة مع الذات هي ما يخفف أي خسارة في أي علاقة مع أي طرف آخر، وهي صمام الأمان الذي يحمي الذات، فإنَّ أغلى ما يملكه أي إنسان هو ذاته.

إقرأ أيضاً: علاقة تقدير الذات بالصحة: 3 نصائح تزيد من احترامك لذاتك

6. تعلُّم عدم جعل الأمل أكبر من الواقع:

عندما ترمون مسؤولية إسعادكم على شخص آخر، وتعوِّلون عليه وعلى جهوده في إدخال شعور الفرح إلى حياتكم، فأنتم بقصد أو من غير قصد، سلَّمتموه مفاتيح قلوبكم ومشاعركم وكيانكم الداخلي والنفسي؛ لذا فإنَّ قيامه بأي تصرُّف خارج إطار توقعاتكم، سيحفر للخيبة والخذلان حفرة تقعون بها، ويصعب عليكم أن تخرجوا منها. من هنا تنمو بذرة المشكلات والخصومات في العلاقات العاطفية، تنمو وتكبر، حتى تصل إلى مرحلة الانفصال الكامل.

في الختام:

العلاقة مع الذات هي أساس الاستقرار النفسي، إن لم يجلب لك أحد الهدايا والورود، فاجلبها لنفسك، حضِّروا وجبتكم المفضلة، لا تنتظروا أن تأتيكم هذه السعادة من أي أحد. إن لم تجدوا مَن يصفق لكم، فصفقوا لأنفسكم.

كلما عرفتم أنفسكم معرفة أعمق، وتجولتم في أروقتها، وتعرفتم معالمها، أصبحتم أكثر قدرة على معرفة ما تحبون وما تكرهون، وما يعجبكم وما لا يعجبكم، والأهم من ذلك، ستصبحون أكثر قدرة على اختيار العلاقات التي تناسبكم وتنقلكم إلى الأمام بسهولة وسلاسة.

دمتم بخير وصحة وسلامة وسعادة.




مقالات مرتبطة