هل البكاء مفيد لنا حقاً؟!

كَتَبَ شكسبير في كتاب الملك هنري السادس: "أنْ تبكي هو أنْ تُخفّف من عمق الأحزان". يُعتَبَر البكاء ردّ فعلٍ طبيعيٍّ من الإنسان عندما يواجه ظروفاً معيّنةً ويُعبّر من خلاله عن شعوره بالحزن أو الألم أو حتّى عند شعوره بالفرح العارم. ولطالما رُبِطَ البكاء بالضعف أو عدم النضج وتمَّ حصره بالنساء فقط. حيث تبكي النساء في المتوسط حوالي 3 إلى 6 مرّات في الشهر، في المقابل يبكي الرجال من مرّةٍ إلى ثلاث مرّات، كما تختلف أسباب البكاء. وسواء كنت رجلاً أم امرأةً فليس هناك من داعٍ لتحبس دموعك لشعورك بالخجل أو لتتظاهر بالقوّة بعد الآن؛ فالعِلم له رأيٌ آخر في ذلك. في مقالنا هذا سنتحدّث عن فوائد البكاء على جسم الإنسان وصحّته.



ما هي أنواع الدموع؟

تتكوَّن الدموع بشكلٍ رئيسيٍّ من الماء بنسبة 98%، وبالإضافة للماء تحتوي الدموع على البروتينات والإنزيمات والمواد التي تحتوي على النيتروجين. كما تحتوي على الملح بنحو 9% من الدمعة ممّا يُفسّر طعمها المالح. وقد ذهبت بعض الدراسات إلى أنَّ هذه التركيبة تختلف باختلاف سبب ذرف هذه الدموع. ولذلك فقد تمَّ تقسيم الدموع إلى ثلاث أنواع، وهي:

1. الدموع الأساسيّة أو القاعديّة:

ويتمّ إفراز هذا النوع من الدموع من قِبَل القنوات الدمعيّة بشكلٍ دائمٍ للحفاظ على رطوبة العين في كلّ مرّةٍ تَقُوم بها في الرمش، حيث أنَّ هذه الدموع غنيّةٌ بالمواد الكيميائيّة التي تحمي العين، ومنها إنزيم الليزوزيم الذي يعمل كمضادٍّ قويٍّ وسريعِ الفاعليّة للبكتيريا والفيروسات، كما يحمي العين من العدوى التي قد تنتج عن غيابه بسبب البكتيريا التي تتواجد في البيئة المحيطة، وتنمو في الأماكن الرطبة.

2. الدموع الانعكاسيّة أو اللاإراديّة:

وهي الدموع التي تفرزها العين نتيجة تعرُّضها لمحفّزات أو مهيّجات وأجسام غريبة كالرياح والأتربة والدّخان وحتّى تقطيع البصل. وتُسهم هذه الدموع في غسل العين وحمايتها من هذه العوامل والأجسام.

3. الدموع العاطفيّة:

وتُذرَف هذه الدموع كردّ فعلٍ طبيعيٍّ عند تعرُّض الإنسان لانفعالات ومشاعر مختلفة كالحزن والقلق والاكتئاب والغضب والألم الشديد أو حتّى الفرح العارم، وعادةً ما تحتوي هذه الدموع على نِسَبٍ أعلى من هرمونات التوتُّر التي يفرزها الجسم عند الشعور بالقلق والتوتُّر مقارنةً بأنواع الدموع الأخرى، ومن هذه الهرمونات هرمون"البرولاكتين"، وهرمون "الإنكِيفالِين".

ما هي فوائد البكاء؟

دائماً ما نُحاول كبح دموعنا وإخفاء ما نشعر به ولكنّنا بذلك لا نعلم أنَّنا نحرم أنفسنا من الفوائد الصحيّة التي تعود علينا من البكاء وإخراج ما في داخلنا. فوفقاً لدراسات عديدة فإنَّ للبكاء فوائد جمّة تعود على صحّة الإنسان. وإليكم بعض هذه الفوائد:

1. البكاء يُحسّن المزاج:

هل تعلم أنَّ البكاء قد يعمل على تحسين مزاجك؟ حيث يكون ذلك من خلال إفراز هرمونات الاوكسيتوسين والاندورفين أيضاً الذي يُعتَبَر مُسكّن طبيعي للألم في الجسم، وتُسمّى هذه الهرمونات بهرمونات السعادة. حيث خلصت دراسة علميّة قام بها باحثون أميركيون وهولنديون إلى أنَّ غالبية الناس يشعرون بتحسُّن في المزاج بعد البكاء، وفي المقابل فإنَّ واحداً من أصل عشرة أشخاص تتدهور حالته بعد البكاء. وقد وجد الباحثون أنَّ الأشخاص الذين قاموا بالبكاء وتلقّوا مساندةً ودعماً اجتماعيّاً كانوا يُعبّرون عن تحسُّن في مزاجهم، وفي المُقابل لاحظت الدراسة عدم تحسنُّ مزاج حوالي ثلث الأشخاص الـ 3000 الذين شملتهم أبحاث الدراسة بعد البكاء.

إقرأ أيضاً: 8 طرق لتحسين حالتك المزاجية في 5 دقائق

2. البكاء يُقلّل التوتر ويُخلّص الجسم من السموم:

من فوائد البكاء الرائعة تخليصنا من التوتر والسموم التي تتراكم في جسمنا، فقد اكتشف الكيميائي الحيوي و"خبير الدموع" د. ويليام فري من مركز رامزي الطبي في مينيابوليس بعد أن أجرى دراسةً لتركيبة الدموع، أنَّ دموع العاطفة تُساعد على إفراز هرمونات التوتُّر والسموم الأخرى إلى خارج الجسم والتي تتراكم نتيجة الإجهاد، ممَّا يُقلّل من مستوياتها في الجسم. وبذلك فإنَّ البكاء يُقلّل أيضاً من شعورنا بالتوتُّر.

وذهب أحد الأكاديميين اليابانيين وهو "هيدفومي يوشيدا" أيضاً إلى كون "البكاء" هو الطريقة الأكثر فائدةً للتخفيف من التوتُّر، وأنّه أفضل وأكثر فعاليّةً من الضحك أو النوم في الحدّ من التوتُّر. حيث يقوم "يوشيدا" بتنظيم ورش عمل ومحاضرات منتظمة في جميع أنحاء اليابان لتثقيف الناس حول الفوائد النفسيّة للبكاء، كما يَعتَبر نفسه "معلّم الدموع".

ويوضح يوشيدا أنّنا قد نحصل على فوائد كبيرة لصحّتنا العقليّة من خلال الاستماع إلى الموسيقى، أو مشاهدة أفلام حزينة وقراءة الكتب التي تجعلنا نذرف الدموع وتُسهِم في تحفيز نشاط العصب السمبثاوي الذي يؤدّي بدوره إلى إبطاء معدّل ضربات القلب، ممَّا يُساعد في تهدئة العقل.

3. البكاء يحسّن الرؤية:

كنّا قد تحدَّثنا عن الدموع الأساسيّة أو القاعديّة والتي تُساهم في ترطيب العين بشكلٍ مستمرٍّ عند الرمش، وتعمل على منع جفاف الأغشية المخاطيّة، الأمر الذي من شأنه أن يُساعد على تحسين الرؤية بشكلٍ أوضح أيضاً، حيث أنَّ جفاف الأغشية المخاطيّة قد يجعل الرؤية مشوّشة.

إقرأ أيضاً: 11 تمريناً بسيطاً للعينين لتستعيد الرؤيا بوضوح

4. البكاء يقي من بعض الأمراض:

إنَّ البكاء وذرف الدموع يُسهم في رفع معدّلات الأيض في جسم الإنسان، كما ويُسهم البكاء في الوقاية من ارتفاع ضغط الدم، ويعمل على تنظيم التنفّس، لاسيما معدّل ضربات القلب. كما يقوم بتنشيط الدورة الدمويّة، ويقي من الإصابة بمرض السكّري والسمنة المفرطة.

5. وقاية العين من الجراثيم:

غالباً ما تكون العين عرضةً للكثير من الجراثيم بسبب الأتربة المحمّلة في الهواء. لذلك يعمل البكاء على تنقية العين من هذه الجراثيم من خلال إفراز الغدّة الدمعيّة التي تُوجَد في أعلى العين لسائل الليزوزيم والذي يعمل كمضاد قوي وسريع الفاعليّة للجراثيم والفيروسات، كما يعمل على حماية العين ويقتل نسبة من الجراثيم تصل إلى 95 بالمائة خلال خمس دقائق.

6. البكاء يُخفّف الشعور بالألم:

حيث توصّلت عددٌ من الدراسات إلى أنّ من فوائد البكاء تخفيف شعور الإنسان بالألم، وذلك لكون ذرف الدموع والتي يُقصَد بها دموع المشاعر يعمل على تحفيز إنتاج هرمون الأوكيتوسين وهرمون الإندورفين الذي يُعتَبَر مُسكّن طبيعي للألم في الجسم ومن هرمونات "الشعور بالرضا"، والتي تّساعد بدورها في التخلُّص من المشاعر السلبيّة وتشمل هذه المشاعر الجسديّة والنفسيّة منها.

7. الحصول على الدعم والمساندة من الآخرين:

حيث أثبتت العديد من الدراسات أنَّ البكاء على الملأ له بعض الفوائد أيضاً، فقد يُسهِم البكاء في حصول الشخص على عطف الآخرين ودعمهم ومساندتهم لتخطّي سبب البكاء. وبيّنت دراسةٌ أنّنا نستدلّ على حاجة الآخرين للحصول على المساعدة والدعم من خلال علامات البكاء على وجوههم، كما أنّنا نُبادر لمساعدة الأشخاص الذين يبكون أكثر ممّا نُساعد غيرهم.

إقرأ أيضاً: 8 نصائح للحفاظ على صحة العينين مدى الحياة

نادي البكاء في الهند (من الدموع إلى الفرح)!

وهو نادٍ في ولاية سورات في الهند يقوم بتنظيم جلساتٍ شهريّة لأعضائه، ويعمل على تحفيز الأعضاء على ذرف الدموع، من خلال الاستماع للقصص المحزنة التي يرويها المشاركون لبعضهم البعض، أو الاستماع للموسيقى الحزينة المخصّصة لهذا المهرجان. ويُؤْمِن هذا النادي بقدرة البكاء على خفض التوتُّر، ممَّا يساهم في السلامة العقليّة للإنسان.

ويقول المنظّم لهذا النادي "كامليش ماسالاوالا" إنّه تمَّ إنشاء هذا النادي لمساعدة الناس في العثور على كتفٍ يبكون عليه، وأنَّ البيئة التي يؤمّنها النادي تساعدهم على التعبير عن مشاعرهم بسهولة. وشعار هذا النادي هو: "من الدموع إلى الفرح".

هل البكاء مفيد حقّاً؟!

على الرغم من العديد من الدراسات والأبحاث التي تدعم فوائد البكاء على الصحّة العقليّة، إلّا أنَّ هناك دراسات ذهبت لعدم وجود فوائد ماديّة للبكاء. حيث ذهب الباحث في علم النفس في جامعة تيلبورخ في هولندا "أد فينغهوتس" ومؤلّف كتابَيْ "لماذا يبكي البشر فقط" و"بكاء البالغين"؛ إلى أنَّ هذا الأمر لا يحمل أيّ معنى، كما أنّه يرفض أيّ حجّةٍ تؤكّد الفوائد الماديّة للبكاء، ويؤكّد فينغهوتس أنَّ: "هرمونات الضغط النفسي موجودةٌ أيضاً في اللعاب، وهو ما يُشير إلى الشعور بالتوتُّر عند البكاء. بالإضافة إلى ذلك، لا يُمكن لكميّة الدموع التي يذرفها الشخص خلال نوبة البكاء أن تُزيل كلّ هذا الضغط النفسي".

وقد قام فينغهوتس مع باحثٍ آخر بإجراء دراسةٍ في عام 2008 على 35 دولة و5000 شخص، وقاما بجمع بيانات حول مدّة "نوبة البكاء" وأسبابها ومكانها، فضلاً عن وجود أو غياب أشخاص غرباء وردود أفعالهم. وأكّدت نتيجة الدراسة أنَّ الدموع لا تُخفف الآلام حين يكون البكاء ناجماً عن وضعٍ خارجٍ عن نطاق سيطرتنا كالموت مثلاً، وأنّنا لا نصل إلى هذه النتيجة إلّا في حال كان السبب مرتبطاً بنا نحن شخصيّاً، كأن يكون سبب البكاء شجار مثلاً.

 

المصادر: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9




مقالات مرتبطة