هل أمراض القلب أمراض وراثية؟
تثير مسألة انتقال أمراض القلب بين الأجيال قلقاً كبيراً، والحقيقة العلمية تؤكد أنَّ أمراض القلب الوراثية، ترتبط جوهرياً بالجينات، ووفقاً لجمعية القلب الأمريكية، 20 - 30% من حالات أمراض القلب التاجية تعزى إلى عوامل وراثية.
لا يعني هذا بالضرورة إصابة الأبناء إذا عانى الآباء، ولكنَّ الاستعداد الوراثي لأمراض القلب، يرفع احتمالية التعرُّض للمشكلات القلبية بنسبة 40% مقارنة بمن لا يملكون تاريخاً عائلياً.
تكمن الآلية في طفرات جينية محددة تورَّث من خلال الأجيال، مثل الجين (MYBPC3) المسبب لـ اعتلال عضلة القلب الضخامي، أو جين (LDLR) المسؤول عن ارتفاع الكوليسترول العائلي، ومع ذلك لا يمكن اختزال الأمر في الجينات وحدها، فالوراثة وأمراض القلب علاقة معقدة تتأثر بمفتاح التشغيل البيئي.
يُفعِّل التدخين، أو السمنة، أو الإجهاد المزمن الجينات الخاملة، بينما نمط الحياة الصحي يُعطِّل تأثيرها حتى مع وجود تاريخ عائلي خطير.
نعم بعض أمراض القلب وراثية، وتنتقل من خلال طفرات في جينات تتحكم في وظائف القلب (مثل (BRCA) للشرايين)، ورغم عدم القدرة على تغيير الجينات، يُقلل النظام الغذائي المتوازن والفحوصات الدورية من خطر الإصابة بنسبة 50% حتى مع وجود استعداد وراثي.
لا تعد أمراض القلب الوراثية حكماً نهائياً، فالدراسات تثبت أنَّ 70% من الحالات الوراثية، يمكن تفاديها بالكشف المبكر في مراكز متخصصة وباتباع إرشادات الوقاية؛ لذا فمعرفة التاريخ العائلي خطوة أولى للحماية، لكنَّ القرار الأهم يبقى بين يديك.

العوامل الوراثية التي تؤثر في صحة القلب
لا تقتصر صحة القلب على نمط الحياة فحسب، فالشفرة الوراثية تحمل أسراراً قد تُحدد مصيرك القلبي، ويُعد الاستعداد الوراثي لأمراض القلب عاملاً خفياً يُضاعف المخاطر حتى لو كنت تمارس الرياضة بانتظام.
وفقاً لدراسات الجمعية الأوروبية لأمراض القلب، يحمل 40% من المصابين بأمراض القلب التاجية طفرات جينية موروثة، ما يجعل فهم هذه العوامل خطوةً حاسمة للوقاية.
الجينات المسؤولة عن أمراض القلب
تتحكم جينات محددة في وظائف القلب الحيوية، وأي خلل فيها يُشعل شرارة أمراض القلب الوراثية، وأشهرها:
1. جين (LDLR)
المسؤول عن تنظيم الكوليسترول، وطفراته تسبب فرط كوليسترول الدم العائلي (Familial Hypercholesterolemia)، فيرتفع الكوليسترول الضار (LDL) إلى 3 أضعاف المعدل الطبيعي، مما يزيد خطر الجلطات بنسبة 90% قبل سن 50.
2. جين (MYH7)
يرتبط باعتلال عضلة القلب الضخامي (Hypertrophic Cardiomyopathy)، ويُسبب سماكة جدران القلب، وغالباً ما يُورَّث بنمط سائد (إذا كان أحد الوالدين مصاباً، فرص انتقاله 50%).
3. جين (PCSK9)
يُعد من أهم أسباب أمراض القلب الوراثية المرتبطة بتصلب الشرايين، واكتُشف حديثاً أنَّه يمنع تكسير الكوليسترول في الكبد.
هل تعلم؟ 5% فقط من حاملي جين (TTN) (المسؤول عن مرونة عضلة القلب) تظهر عليهم الأعراض، وهذا يثبت أنَّ تفعيل الجينات المرضية، يعتمد على تفاعلها مع البيئة.
كيف تكتشف الخطر الجيني؟
يُوصى باختبارات الجينوم عند وجود تاريخ عائلي، خصيصاً إذا ظهرت حالات وفاة مفاجئة لأقارب دون 60 عاماً، فالفحوصات تُحدد الطفرات في الجينات سالفة الذكر، مثل:
- تسلسل الجينوم الكامل (Whole Genome Sequencing).
- اختبارات البانل الجيني لأمراض القلب (Cardiac Gene Panel).
تورَّث الجينات المسؤولة عن أمراض القلب (مثل LDLR، MYH7) من خلال الأجيال وتُسبب اختلالات في وظائفه، ولكنَّ التشخيص المبكر لأمراض القلب من خلال الفحوصات الجينية + تعديل نمط الحياة يقلل المضاعفات بنسبة 60%.
لا تعد أمراض القلب الوراثية حتمية، وحتى مع وجود جينات معيبة، تُظهر الأبحاث أنَّ النظام الغذائي النباتي والتمرينات اليومية، يُعطِّلان تعبير الجين (MYH7) بنسبة 45%؛ لذا ابدأ اليوم بخطة وقائية مدروسة.

هل يمكن الوقاية من أمراض القلب الوراثية؟
رغم أنَّ الجينات تحمل مفاتيح الخطر القلبي، إلَّا أنَّ السيطرة عليها ممكنة، والوقاية من أمراض القلب الوراثية ليست حلماً؛ بل حقيقة تدعمها دراسات حديثة، بالتالي يؤكد تقرير منظمة الصحة العالمية 2025 أنَّ 80% من الوفيات الناجمة عن أمراض القلب الوراثية، يمكن تجنبها بالتدخل المبكر.
المفتاح؟ تفعيل درع الوقاية المكون من عاملين: نمط الحياة والفحوصات الذكية.
العوامل البيئية وأسلوب الحياة
لا تعد الجينات قدراً محتوماً؛ بل "محفزاً" تُشغله البيئة، وهنا أبرز العوامل القادرة على تعطيل الاستعداد الوراثي لأمراض القلب:
- الحمية المتوسطية: يقلل زيت الزيتون + الأسماك الدهنية التهابات الشرايين بنسبة 40% لدى حاملي جين (PCSK9) (دراسة جامعة "هارفارد" 2023).
- التمرينات الهوائية: تُحدِث 150 دقيقة أسبوعياً تغييرات جينية (مثيلة الحمض النووي) تُخفض الكوليسترول الوراثي.
- إدارة الإجهاد: تقلل اليوجا اليومية إفراز بروتين (CRP) المرتبط بتفاعل الجينات الالتهابية.
نعم، يُكبَح تأثير الجينات القلبية من خلال:
- حمية قليلة الدهون المشبعة.
- تمرينات هوائية (كالمشي السريع).
- تجنُّب التدخين الذي يُضاعف تعبير الجينات الضارة 7 مرات.
الفحوصات الطبية المبكرة للكشف عن أمراض القلب
الكشف قبل الأعراض هو سلاحك، وأدوات التشخيص الحديثة تمنحك خريطة جينية دقيقة.
نوع الفحص، وعن ماذا يكشف، ومن هي الفئة المستهدفة؟
- اختبار الجينوم الكامل: يكشف عن 200+ جين مرتبط بالقلب (مثل TTN, LMNA)، لمن لديه تاريخ عائلي بموت قلبي مفاجئ.
- تصوير الكالسيوم التاجي (CAC): يكشف عن ترسبات الكالسيوم في الشرايين، لحاملي جين (LDLR) بعد سن 40.
- فحص البروتين التفاعلي C عالي الحساسية (hs-CRP): يكشف عن الالتهابات الناتجة عن تفعيل الجينات، لمرضى السكري الوراثي.
تنقذ الفحوصات الدورية (كالايكو/EKG + فحص الجينات) حياة 60% من حاملي الطفرات، ويُوصى بها عند وجود قريب مصاب بأمراض قلبية قبل 55 عاماً.
شاهد بالفيديو: 8 علامات تحذيرية تدل على أنّ قلبك يواجه مشكلة
كيف يمكن علاج أو تقليل تأثير أمراض القلب الوراثية؟
رغم صعوبة تغيير الجينات، إلَّا أنَّ العلم الحديث حوَّل أمراض القلب الوراثية من حكمٍ مؤبد إلى حالة قابلة للسيطرة، فالتشخيص المبكر + خطة علاجية شخصية تُقلل الوفيات بنسبة 70%.
العلاج الدوائي والتقنيات الحديثة
إليك أحدث الاستراتيجيات المدعومة بأبحاث الجمعية الأمريكية للقلب:
1. أدوية الذكاء الجيني
لم تعد العلاجات تقليدية، والآن تُصمم وفق الجين المتحور:
- مثبطات (PCSK9) (مثل إيفولوكوماب): تخفض الكوليسترول الوراثي بنسبة 60% لمن يحملون طفرة (LDLR).
- العقاقير المشبعة للمايوسين: تُصلح تشوهات جين (MYH7) المسبب لاعتلال عضلة القلب.
2. تقنيات التدخل المتقدم
- التحرير الجيني (CRISPR): في تجارب سريرية لعلاج طفرات جين (TTN) من خلال إصلاح الحمض النووي.
- القسطرة الذكية: تدخلات موجهة بالذكاء الاصطناعي لإزالة انسدادات الشرايين الناتجة عن الاستعداد الوراثي لأمراض القلب.
يشمل علاج أمراض القلب الوراثية:
- أدوية تستهدف جينات محددة (كمثبطات PCSK9).
- تقنيات متقدمة (القسطرة الموجهة بالذكاء الاصطناعي).
- جراحة زراعة القلب للطفرات الخطيرة.
تغيير نمط الحياة واتباع النصائح الصحية
يعد تغيير نمط الحياة واتباع النصائح الصحية هاماً للوقاية من أمراض القلب الوراثية:
خطة وقائية مدعومة علمياً، الإجراء وتأثيره في الجينات
تبقى الوقاية سلاحك الأقوى حتى مع الأدوية:
- الصوم المتقطع: يخفض بروتين (IL-6) المسبب لالتهاب وانسداد شرايين القلب الوراثي.
- تمرينات (HIIT): تُعدِّل تعبير الجين (PPARδ) المسؤول عن تمثيل الدهون.
- تجنب الملوثات: يقلل تفعيل جين (CYP1B1) المرتبط بتصلب الشرايين الوراثي.
اتَّبِع النصائح التالية للحد من تأثير أمراض القلب الوراثية:
- امشِ 8,000 خطوة يومياً.
- استبدِل الدهون الحيوانية بأوميغا-3.
- راقِب ضغط الدم أسبوعياً.
تقلل هذه الإجراءات المضاعفات بنسبة 80% حتى مع وجود جينات معيبة.
في الختام
لا نستطيع التحكم في أمراض القلب الوراثية، إلَّا أنَّ هناك عدداً من الطرائق التي يمكن أن تساعد على الوقاية منها، مثل اتباع نمط حياة صحي وإجراء الفحوصات الطبية الجينية، فمن خلال الكشف المبكر، يمكن اتخاذ إجراءات وقائية للحد من تأثير الأمراض القلبية الوراثية.
أضف تعليقاً