نوبات الهلع وكيفية التعامل معها

هل سبق واستيقظتَ صباحاً أو في منتصف الليل وأنت تشعر بخفقان قلبك وتجد جسدك يرتجف؟ من المدهش معرفة أنَّ نوبات الهلع منتشرة بشدة؛ حيث إنَّ واحداً من ثلاثة أشخاصٍ على الأقل سيمرُّ بها في مرحلة ما من حياته وفقاً لأستاذة علم النفس "سيندي آرونسون" (Cindy Aaronson).



في حين أنَّ الأعراض تختلف من شخص لآخر، فإنَّ الأعراض الشائعة يمكن أن تشمل خفقان القلب، وضيقاً في التنفس، والدوار، والتعرق، والرجفة، والغثيان، والوخز أو التنميل في الأطراف، وشعوراً غامراً بالموت الوشيك.

على الرغم من الخوف الذي تسببه نوبات الهلع، فإنَّها ليست خطيرة بطبيعتها، وبالنسبة إلى العديد من الأشخاص، فإنَّ هذه الأحاسيس المقلقة - التي يمكن أن تحاكي نوبة قلبية أو حالة طبية خطيرة أخرى - تكون مصحوبة بقناعة بأنَّهم على وشك الموت، أما بالنسبة إلى الآخرين - كما تقول "آرونسون" - فهناك إحساس "بعدم الواقعية"؛ حيث يصبح الوقت والإدراك مضطربين، وتضيف "آرونسون": "تبدو الأصوات مختلفة وتشعر كأنَّك في نفق والأشياء بعيدة وتبدو الألوان مختلفة، يصفها الناس أحياناً على أنَّها تجربة خارج الجسم؛ حيث يشعرون أنَّهم سيفقدون السيطرة ويصابون بالجنون".

من البديهي إذاً أن يأتي المصابون بنوبة هلع إلى قسم الطوارئ في اعتقادٍ منهم أنَّهم يتعرضون لنوبة قلبية أو للاختناق، وعلى الرغم من أنَّ هذه النوبات مخيفة ولكن لا تنسَ فهي ليست خطيرة بطبيعتها، كما يقول "جاستين فينشتاين" (Justin Feinstein)، الطبيب النفسي العصبي، ومدير مركز أبحاث سريري في معهد "لورييت للأبحاث المتعلقة بالدماغ" (Float Clinic and Research Center at the Laureate Institute for Brain Research): "إنَّ نوبات الهلع هي مظهر من مظاهر عدم التزامن بين الدماغ والجسم. إنَّها استجابة فيزيولوجية طبيعية للخوف تحدث في وقت غير مناسب على الإطلاق".

إقرأ أيضاً: نوبات الهلع: أنواعها، وأعراضها، وعلاجها، وطرق التعامل معها

إليك ما يحصل للجسم عند التعرض لنوبة الهلع:

على الرغم من أنَّ الأطباء النفسيين كانوا يبحثون في حقيقة الهلع منذ منتصف إلى أواخر القرن التاسع عشر، فإنَّ مصطلح "اضطراب الهلع" لم يظهر في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية حتى عام 1980، ولا يزال الخبراء على غير يقين مما يكمن وراء هذا الاتصال المضطرب بين الدماغ والجسم.

يقول "فينشتاين": "في بعض الأحيان يبدأ الذعر من جسمك نفسه، ثم يبدأ بمراحل داخل عقلك، وفي أحيان أخرى، يمكن أن يبدأ دماغك في نوبة الهلع بأكملها، والتي تتجلى بعد ذلك في جسمك"، وفي بعض الحالات، قد تؤدي الجينات أو التغيرات في وظائف الدماغ دوراً، وفي حالات أخرى، يكون التوتر عاملاً، وتبدأ نوبات الهلع بشيء يتسبب في تسارع نبضات قلبك، ويمكن أن يكون سببها شيئاً غير ضار مثل جرعةٍ من الكافيين.

ولكن ما إن تبدأ النوبة، فإنَّ سلسلة الاستجابات الفيزيولوجية في الجسم تكون متشابهة لدى جميع الأفراد إلى حد ما، وعادةً، يبدأ الأمر بشيء يساهم في تسارع قلبك، فقد يكون هذا محفزاً من البيئة؛ ربما صوتاً أو رائحةً تذكِّرك بحدث صادم، أو حتى شيئاً غير ضار مثل جرعة الكافيين، وفي نوبة الهلع، يرسل القلب المتسارع إنذاراً بالخطر إلى دماغك ويجعل استجابة الخوف في جسمك في حالة نشاط مفرط.

اللوزة الدماغية، وهي زوج من الحزم العصبية بحجم اللوزة متموضعة في الدماغ والتي تؤدي دوراً رئيساً في إدارة العواطف، وترسل إشارة استغاثة إلى منطقة ما تحت المهاد، وهو مركز قيادة صغير يقع فوق جذع الدماغ وينسق الوظائف الجسدية اللاإرادية مثل التنفس وضغط الدم وضربات القلب، ويُطلِق ما تحت المهاد رسائل عبر الجهاز العصبي اللاإرادي إلى الغدد الكظرية؛ مما يدفعها إلى ملء مجرى الدم بالهرمونات بما في ذلك الأدرينالين والكورتيزول.

تتدخل هذه الرسائل الكيميائية في ردود أفعال جسدك للبقاء على قيد الحياة ويجعلونه على أهبة الاستعداد لاتخاذ إجراءات دفاعية، فتتسع حدقة العين ويصبح العقل في حالة عالية من التركيز، وتزداد سرعة التنفس؛ مما يسمح للجسم باستهلاك أوكسجين إضافي، وتعمد عملية الأيض الخلوي لزيادة كمية الجلوكوز المتوفرة للدماغ والعضلات إلى الحد الأقصى، وتحويل الدم بعيداً عن المناطق غير الأساسية مثل أصابع اليدين والقدمين والمعدة ونحو العضلات الرئيسة في الذراعين والساقين، جاعلاً منها مستعدة إما لمواجهة تهديد أو الفرار من المكان.

عادةً ما تبلغ نوبات الهلع ذروتها وتهدأ في غضون 10 أو 15 دقيقة، وهناك القليل من الأساليب القوية التي يمكن أن تساعدك على التخلص منها، ويجسد ذلك التفكير العلمي التقليدي حول نوبة الهلع، يقول "فينشتاين": "لطالما كان يُنظَر إلى اللوزة الدماغية على أنَّها بؤرة الخوف".

ومع ذلك، فإنَّ العمل الأخير من مختبره يشير إلى أنَّ الهياكل الأخرى في أعماق الدماغ قد يكون لها دور أيضاً، وعلى وجه التحديد، الفص الجزيري وجزء من جذع الدماغ يسمى "نواة السبيل المفرد"، وهي مناطق تستقبل وترسم معاً إشارات من القلب والرئتين ومجرى الدم، كما وجد فريق "فينشتاين" أنَّ هذه المناطق تولِّد نبضات الخوف حتى لدى الأشخاص الذين فقدوا اللوزة بسبب إصابة دماغية نادرة؛ مما يشير إلى أنَّ الذعر قد يبدأ غالباً هنا عند أشخاص آخرين أيضاً.

كيف نساهم بتخفيف أعراض نوبة الهلع؟

لكي نصنفها على أنَّها نوبة هلع، يجب أن تظهر الأعراض بسرعة، أو في غضون بضع دقائق كما تقول "آرونسون"، ومن الجيد أنَّ النوبات تصل عادةً إلى أوجها وتهدأ في غضون 10 أو 15 دقيقة، وهناك عدد قليل من الأساليب الفعالة التي يمكن أن تساعدك على التخلص منها.

من أهم هذه العوامل الاعتراف بأنَّ ما تمرُّ به على أنَّه نوبة ذعر وليست حالة مَرَضيةً أكثر خطورة، وتذكير نفسك بهدوء بأنَّه لا يوجد خطرٌ جسدي، تقول "آرونسون": "إنَّ مجرد معرفة ماهيَّتها يُعَدُّ مساعداً"، فقط للتأكد، تحقق جيداً من أنَّك لا تعاني من أي أعراض محددة للنوبة القلبية مثل الضغط في الصدر أو الألم الذي يتراكم أو ينتشر في الذراع أو الفك.

إقرأ أيضاً: كيف تتعامل مع القلق حينما يصيبك بشكل مفاجئ؟

بمجرد استبعاد هذه الأعراض، تذكَّر أنَّ الذعر يمضي دائماً، والتركيز على هذا الاعتقاد يساعد في ذلك:

ولكنَّ هذا ليس بالأمر السهل، عندما تشعر أنَّك تختنق أو تفقد السيطرة، تقول "آرونسون": "يتطلب الأمر تدريباً، ولكن بتكرار الأمر ستتمكن من فعله بشكل أفضل"، وبإمكانك أن تقول لنفسك: "كل ما يفعله جسدي الآن مصمم لإبقائي آمناً وحمايتي"، فابحث عن مكان هادئ يمكنك التحدث فيه مع نفسك عن سبب شعورك بما تشعر به، على سبيل المثال: قد تقول لنفسك: "أشعر بالدوار؛ لأنَّ دمي يُعاد إطلاقه إلى أطرافي، وأتنفس بصعوبة؛ لأنَّ جسدي يستجيب للأدرينالين، وكل ما يفعله جسدي الآن مصمم لإبقائي آمناً وحمايتي".

عندما تفعل هذا، فأنت تدعو منطقة أخرى من الدماغ إلى المحادثة، وهي قشرة الفص الأمامي؛ إذ تقع هذه المنطقة خلف الجبهة مباشرة، وهي مسؤولة عن التفكير الواعي والحكم وحل المشكلات، فإنَّ جلب شعورٍ بالفضول والتحليل للطريقة التي تلاحظ بها هذه الأحاسيس يمكن أن يساعدك في التأكيد على أنَّها مجرد عمليات فيزيائية عابرة تتحرك من خلالك، وتوجد الأداة الرئيسة الأخرى في جعبتك وهي أنفاسك، يقول "فينشتاين": "يتنفس معظم الناس في المتوسط ​​من 12 إلى 20 نفساً في الدقيقة، وعندما تكون شديد التنفس، فإنَّك تضاعف ذلك بسهولة".

ويُنصَح بمحاولة إبطاء تنفسك تدريجياً لتصل إلى ما بين 5 إلى 10 أنفاس في الدقيقة، وتهدف إلى جعل الزفير أطول من شهيقك، وتستغل هذه التقنية البسيطة استجابة الجهاز العصبي اللاودي، والذي يشار إليه أيضاً باسم "الراحة والهضم"، فجرب القيام بهذا التمرين البسيط من "جودسون بروير" (Judson Brewer)، الطبيب النفسي وعالم الأعصاب ومدير البحث والابتكار في مركز (Mindfulness Center) التابع لجامعة "براون في بروفيدنس" (Brown University)، "رود آيلاند" (Rhode Island).

يحفز هذا النوع من التنفس العميق العصب المبهم؛ وهو أطول عصب في الجسم، والذي يمرُّ عبر مناطق تشمل الجهاز الهضمي والحجاب الحاجز، ويمرُّ مباشرة بنواة جذع الدماغ في السبيل الانفرادي، وينقل الإشارات والمعلومات الحسية من وإلى الدماغ، وينظم الوظائف بما في ذلك معدل ضربات القلب ومعدل التنفس والهضم، "في نهاية المطاف، نوبات الهلع هي مجرد خوف من الخوف" كما تقول الطبيبة النفسية "سيندي آرونسون" (Cindy Aaronson).

ومن المثير للاهتمام أنَّ العصب المبهم هو طريق ذو اتجاهين، فمن خلال التنفس بطريقة بطيئة ومتزنة، فإنَّك ترسل إشارة قوية إلى عقلك بأنك مسترخٍ ولا يوجد ما يخشاه، وهذا بدوره يحفز أجزاء معينة من عضلة القلب ويساعد على استقرار النبض.

وعند تأديتها بانتظام، يمكن أن تساعد الممارسات طويلة الأمد مثل التأمل الذهني، والذي يتمحور عادةً حول جوهر تقنيات التنفس، على قمع النوبات قبل أن تترسخ، كما يقول "فينشتاين": "اليقظة تعلِّم الناس ارتباطاً جديداً بتجاربهم العميقة"، فيمكن أن يساعدك التركيز على أنفاسك ودقات قلبك في جو مريح على التخلص من أيَّة قفزة انعكاسية للذعر عندما تتسارع في الحياة اليومية.

يمكن أن يساعد العلاج أيضاً؛ حيث وجدَت مجموعة "آرونسون" أنَّ العلاج السلوكي المعرفي، المصمم لمساعدتك تدريجياً على تعديل استجاباتك السلوكية لأحداث الحياة، يمكن أن يقوي الروابط العصبية بين القشرة الفص الجبهي واللوزة الدماغية، وهذا يجعل الذين يعانون من الذعر أكثر مهارة في التحدث إلى أنفسهم وتهدئتها.

تقول "آرونسون": "في النهاية، نوبات الهلع هي مجرد خوف من الخوف"، ففي الولايات المتحدة وحدها، يعاني 1 من كل 10 أمريكيين على الأقل من نوبة هلع في أي عام، وهو العدد نفسه الذي يصاب بالعدوى خلال موسم الإنفلونزا؛ لذلك إذا وجدتَ نفسك مصاباً بنوبة هلع، فاعلم أنَّ لديك الكثير ممن شاركوك تجربتك.

ومثلما يستجيب جسمك لفيروس الإنفلونزا بالحمى، يمكنه أحياناً الاستجابة للخوف بإطلاق نوبة هلع، ولكن مع القليل من المساعدة وبعض الطرائق الأساسية، يمكنك التخلص من الذعر، تقول "آرونسون": "إذا لم تكن خائفاً من نوبة الهلع، فمن يهتم بها إن حدثَت؟ ستمضي".

المصدر




مقالات مرتبطة