نماذج عمل تجارية جديدة في صناعة الترجمة

في سبتمبر / أيلول عام 2013، كنت في لندن لحضور مؤتمر اتحاد شركات الترجمة (ATC) لطرح موضوعٍ صعب يُدعى: "نماذج عمل تجارية جديدة في صناعة الترجمة"، كانت نتائج الجلسة مثمرة؛ حيث نَشرتُ هذا المقال على موقع ذا بيغ ويف The Big Wave.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن رائد الأعمال دييغو بارتولومي (Diego Bartolome)، والذي يُحدِّثنا فيه عن تجربته مع نماذج العمل التجاري في صناعة الترجمة.

تُنتِج الصناعة التحويلية البضائِع، وهي تحاول زيادة الإنتاجية إلى الحد الأقصى مع تقليل النفقات التشغيلية والمصروفات العامة في الوقت نفسه، أمَّا في صناعة الترجمة، فإنَّ الهدف من أي مزود خدمة لغوية (LSP)؛ هو زيادة عدد الكلمات المُعالَجة مع الحفاظ على التكاليف التشغيلية تحت السيطرة، وتقليل عدد الكلمات في كل خطوةٍ من سلسلة الإنتاج، ومن أجل تحقيق هذا الهدف، قد تساعد نظرية القيود (TOC) على تحسين هذه العمليات، وفي رأيي، ونظراً لأنَّ عدد المترجمين الذين يعملون بشكل مستقل عالٍ جداً، فإنَّ العقبة الرئيسة لمزودي الترجمة التقليديين هي مقدار العمل الذي يمكن لمدير المشروع (PM) التعامل معه.

وبالإضافة إلى ذلك، وكما توضِّح نظريَّة القيود، قد لا يكون تنفيذ طريقة "الوارد أولاً صادر أولاً" (FIFO) تكتيكاً جيداً، وبدلاً من ذلك يجب محاولة تجميع المشاريع قبل الاستعانة بمصادر خارجيَّة لتنفيذ المهام، ولكن في هذا المقال، أودُّ مناقشة نماذج عمل تجاريَّة جديدة وطرائق مبتكرة لإيجاد موطئ قدمٍ لشركتك في سوقٍ مزدحم.

افعل ما تبرع به:

لا شكَّ في أنَّ معظم أعمال الترجمة لم تَعُد فناً، فقد أضحت الترجمة عملاً تجارياً، وحتى تتيقن من ذلك ألقِ نظرةً على موقع غالا (GALA)، تحتاج الشركات إلى تطوير نماذج إيراداتها وتعديلها لتُلائِم ظروف السوق، وكما نعلم جميعاً، فإنَّ سوق الترجمة مُجزَّأ للغاية وعقبات الدخول إليه ليست كثيرة؛ لذا فإنَّ العثور على شيءٍ يمكنك القيام به بشكلٍ أفضل؛ هو مفتاح استمرارية عملك على الأمد الطويل، وإلى جانب ذلك، لا ينبغي أن تكون هذه الميزة قابلة للتكرار بسهولة، وإلَّا فقد يتم إخراجك من السوق، وتفقد عملك، وقد تجد نفسك تفعل شيئاً آخر تكرهه، وهذا بالتأكيد ليس خياراً.

عندما أسمع حديث المصعد من مزودي الخدمات اللغوية، ومؤسسيها، وأَبرَزُ مديري التجربة فيها، أراها تبدأ عادةً بذكر أفضل ما يفعلونه، ولكن بعد عشر ثوانٍ، يبدؤون سرد قائمةٍ طويلة لجميع الأشياء الثانوية الأخرى التي يقومون بها دون تقديم قيمة مميزة مقارنةً بمئات الشركات الأخرى المشارِكة في الحدث نفسه، ومن الجلي أنَّ هذه استراتيجية تموضعٍ سيئة، فرسائل كهذه تنهال علينا من كل حدبٍ وصوب، وبهذه الحالة يجب علينا الحفاظ على البساطة وربط شيءٍ ما بالشركة أو الشخص، وهذا الشيء هو نقطة البيع الفريدة.

وهنا بعض الأمثلة التوضيحية من قائمة أفضل 100 مزود خدمات لغوية من قِبَل شركة كومون سينس أدفايزوري (Common Sense Advisory): تركز شركة إس تي بي نورديك (STP Nordic) على ترجمة لغات شمال أوروبا، بينما تتعامل شركة أرفاتو تيكنيكال إنفورميشن (Arvato Technical Information) غالباً مع الترجمة التقنية؛ حيث تُقدِّم كلتا الشركتين خدماتٍ إضافية، لكنَّنا نربطهما بشيءٍ ما يقومان به بشكلٍ جيدٍ للغاية، وهذا يساعدهما على زيادة إيراداتهما، وهذا هو ما يدعى بعرض القيمة الرئيس الخاص بهما، وهو أيضاً ما يفكر فيه الآخرون نحوهم.

شاهد بالفديو: 8 طرق تُسهّل عليك إتقان اللغات الأجنبية

عرض القيمة الثابت:

يجب أن يمثِّل عرض القيمة لشركتك رسالةً واضحة، ليس عن شركتك؛ بل عن فئات العملاء التي تتعامل معها، فأنت لا تستطيع أن تُلبِّي طلبات الجميع؛ وذلك لأنَّ شركتك صغيرة، كما هو الحال مع معظم مزودي الخدمات اللغوية في سوق الترجمة، فإمَّا أن تركِّز الاهتمام على شيءٍ محدد أو سيكون التوقف عن العمل مصيراً قريباً، قد يكون التنويع خياراً جيداً عندما تنمو وتَفوقُ إيراداتك مليون أو 10 ملايين دولار.

السؤال الرئيس لذلك هو: ما هي المشكلات التي تحلها شركتي لعملائي؟ إنَّ حل مشكلةٍ من مشكلات العميل أفضل بكثيرٍ من تقديم خدمةٍ يرغب في الحصول عليها، فمن الأسهل بكثير بيع منتجٍ أو خدمةٍ ضرورية، حدد شريحة العملاء التي تستهدفها، فالأسواق تشبه حوارات يجريها أشخاصٌ يعرف بعضهم بعضاً، ومن ثم سيتحدثون عنك، وإذا أَتقنتَ ما تفعل، فإنَّ جهودك ستؤتي ثمارها، ومن ثم إمَّا أن تركز على تخصصٍ معين أو تجد فئةً جديدة لم تكن موجودة ولكن افعل شيئاً ما، ابحث عن جمهورك ولا تُقلِّد الآخرين.

تُفَضِّل فئات العملاء التي تتعامل معها شركتك أن يُتَّصَلَ بها وفق طريقةٍ محددة وهم يحبون الشراء وفقاً لبعض الآليات المعمول بها، والتي ينبغي عليك معرفتها، وإلَّا لن يتعرَّف إليك عملاؤك المستهدفون، ومن ثم لن يقوموا بالشراء منك؛ حيث يمكن للوصول إلى القنوات الصحيحة أن يضعك في موقع الهيمنة على شريحة الزبائن المستهدفة.

والتموضُع تموضعاً قويَّاً لدى الشريحة المستهدفة يُعزِّز هوامشك، وهذا أمرٌ جيد لاستمرارية ميزتك التنافسية، فبمجرَّد أن تكسب عميلاً، تكون بذلك قد أنشأتَ علاقة معه، ومجدداً، يتعلق الأمر بكيفية رغبة الآخرين في هذه العلاقة، وليس رغبتك، ولا يمكنك معاملة الجميع بالطريقة نفسها، فقد يحتاج بعضهم إلى مساعدة شخصية خاصة، بينما يفضل بعضهم الآخر الخدمات الآلية، هل أنت حقاً تُوفِّر علاقةً مع العملاء تتوافق مع عَرض القيمة الخاص بك؟

إقرأ أيضاً: سعادة عميلك تعني سعادتك

حان الوقت لنموذجٍ تجاريٍّ جديد:

كل شيءٍ حتى في هذه المرحلة مرتبطٌ بالطريقة التي تتعامل بها مع الزبائن، والآن حان دور نموذج الإيرادات، فقد يُحدِّد تسعير خدماتك تموضعك في السوق أيضاً، وهنا أودُّ التفكير في نماذج التسعير المبتكرة التي يمكن اقتباسها من الصناعات الأخرى، مثل نماذج فريميوم الآتية من الإنترنت؛ حيث يدفع العملاء فقط مقابل بعض الميزات التي توفر قيمة أعلى، ولكن تبقى بعض الخدمات الأساسية مجانية، ولكنَّ هل هذا ممكن في الترجمة؟ يُعَدُّ الإعلان أيضاً نموذجاً مثيراً للاهتمام؛ إذ يحصل الزبائن على الخدمة مجاناً، ولكنَّهم يتلقون إعلاناتٍ في المقابل.

هل يمكن أن تكون الترجمةُ مجانيةً مستقبلاً في صناعة الترجمة؟ لقد فُوجِئت عندما قَدَّمت هذه النماذج في مؤتمر اتحاد شركات الترجمة في لندن، فبعد إحدى التغريدات، قام العديد من المترجمين بإلغاء متابعتي، وهنا أنا لا أقول إنَّ قيمة الترجمة هي صفر؛ بل هي أعلى من أي وقتٍ مضى؛ حيث يمكن للمترجمين الجيدين كسب المزيد؛ وذلك لأنَّهم يساعدون العملاء على زيادة إيراداتهم، ولكن ربما يجب أن يتطور نموذج التسعير بعيداً عن السعر التقليدي المُتَّبع لكل كلمة أو لكل سطر، أو حتى التسعير وفقاً لعدد الساعات، فهَلْ فكّرتَ في ذلك؟ فكما تُذكَر المواد التي تُنشَر في موقع تاوس (TAUS)، باستخدام أتمتة العمليات، والترجمة الآلية، وحشد المصادر، والتقنيات الجديدة التي تظهر باستمرار، فقد تتمكن من تغيير الطريقة التي تحصل بها على القيمة في السوق وزيادتها.

إقرأ أيضاً: نموذج خطة عمل لوكالة ترجمة

الأركان الثلاثة:

يتعلق الأمر الآن بالجزء التشغيلي من النموذج التجاري، ففي الأساس أنت تحتاج إلى تحديد ثلاثة أشياء: النشاطات الرئيسة، والموارد الرئيسة، والشركاء الرئيسين، وفيما يتعلق بالنشاطات؛ الأمر المهم هو تحديد النشاطات التي تُولِّد أعلى قيمة لعملك، وكذلك النشاطات التي تَحُدُّ من نمو مشروعك، وتتم هذه النشاطات إما داخلياً عن طريق الموارد - البشرية أو المالية أو الفكرية - أو يمكن الاستعانة بمصادر خارجية من الشركاء، وعندما أُفكِّرُ في مزودي الخدمات اللغوية الذين سيخرجون من السوق في غضون عامين، أُفكِّر في أولئك الذين يقضون معظم وقتهم في التعامل مع الملفات وتحويلات الملفات، وكذلك رسائل البريد الإلكتروني للتواصل مع العملاء ومقدِّمي الخدمات، فهل تُقدِّم هذه النشاطات قيمة في جميع الحالات؟ وإذا لم يكن الأمر كذلك، فهي مضيعة للوقت ويجب تطويرها.

كان المورد الرئيس التقليدي في صناعة الترجمة هو الأشخاص العاملين داخل الشركات من موظفين ومديري المشاريع الذين يضمنون أنَّ الوظائف التي يقوم بها المترجمون المستقلُّون تفي بالجودة التي يتوقعها العميل، ولكن هل سيظل ذلك ساري المفعول في غضون خمس سنوات؟ أَصبَحَت صناعة الترجمة الآن نشطة للغاية مع وجود أصحاب رؤوس الأموال الذين يستثمرون ملايين الدولارات في شركاتٍ ذات منتجاتٍ تكنولوجيَّة رائعة مخصصة لهذه الصناعة وهي تتحدى الوضع الراهن، وتشمل بعض الأمثلة الحديثة شركة سمارتلينغ (Smartling) أو جينغو (Gengo)، من بين العديد من الشركات الأُخرى، وهذه الشركات لا يديرها مترجمون؛ بل رجال أعمال أو حتى علماء كمبيوتر، وهذا سيكون له تأثيرٌ في طريقة توظيف مزودي الخدمات اللغوية في السنوات القادمة.

اعتمدت صناعة الترجمة تقليدياً على شراكاتٍ طويلة الأمد، بين بائعين متعددي اللغات (MLVs) مع بائعي لغة واحدة (SLVs)، وبين مزودي الخدمات اللغوية مع مترجمين مستقلين؛ حيث يعمل الجميع معاً لتلبية احتياجات العملاء، وعلى الرغم من أنَّ الاستعانة بمصادر خارجية هو أمرٌ رائع لزيادة القدرات - عدد الكلمات التي يمكننا معالجتها - إلا أنَّه قد يضيف بعض العقبات إذا لم تكن الشركة مستعدة.

ينمو مزودو الخدمات اللغوية الذين يستطيعون الاستمرار في عملهم بسلاسة في ظل انتشار الأتمتة نمواً سريعاً، مثل شركات ستراكر للترجمة (Straker Translations) أو لينغو 24 (Lingo24) أو ترانزليتد دوت نت (Translated.net)، وترتبط هذه الجدولة عادةً بالتكنولوجيا؛ حيث أصبحت التكنولوجيا الآن أساسية في نماذج أعمالنا التجارية.

أما الجانب الأخير هو نموذج التكلفة، المرتبط بنموذج الإيرادات، ولقد تحدثنا عن تكلفة المترجمين المستقلين والمصروفات التشغيلية الداخلية، وحتى الآن كان الناس يقودون هيكل التكلفة للشركات في سوقنا، فقد كانت أعلى النفقات لدى مزودي الخدمات اللغوية، ويؤدي هيكل التكلفة هذا إلى هوامش ربح عالية، وفي الكثير من الحالات، لم تزداد الهوامش، أو حتى كانت تتناقص بسبب التكنولوجيا التي تجعل حياتنا أسهل، ومن ثم كم ستكون التكاليف في غضون خمس سنوات؟ وهذا ما أُراهن عليه.

يجب أن تكون في موضعٍ تستطيع فيه فعل ما تحب، وأن تكون الأفضل في العالم فيه، وتحصل على أجرٍ مقابل ذلك - التقاطُع بين الدوائر الثلاث في مفهوم القنفذ (Hedgehog Concept) - ولذلك فكر في مخطط نموذج العمل التجاري لشركتك الحالية، صِف الشركة التي ترغب في الحصول عليها خلال خمس سنوات من خلال المخطط نفسه، ثم اتبع الخطوات اللازمة لتحقيق حلمك.

المصدر




مقالات مرتبطة