يقدِّم لك مقالنا هذا خطة (30-60-90) يوماً العملية التي ترسم لك الطريق خطوة بخطوة تجاه حضور قوي يترك أثراً لا يُنسى.
الأيام 1–30: التعلم والملاحظة
عندما تبدأ رحلة مهنية جديدة، قد تشعر بالحماس للغوص مباشرة في المهام وإثبات جدارتك، ولكن تمهَّل، فالمرحلة الأولى من انضمامك لا تعد سباقاً تجاه الإنجاز؛ بل هي فترة حيوية للاستيعاب والتأسيس.
عُد هذه الفترة استثماراً في مستقبلك المهني، فكلما كان أساسك أقوى، كان نجاحك أكثر استدامة، والتركيز هنا يجب أن ينصبَّ على الفهم العميق لبيئة العمل وثقافتها، وبناء العلاقات التي ستكون سندك في رحلتك.
1. استكشاف بيئتك الجديدة وفك شفرة ثقافتها
مهمتك الأولى هي أن تستمع وتلاحظ بشغف؛ لذا انغمِس في بيئتك الجديدة بعقلية المستكشف الذي يفهم كل جزء من هذا العالم الجديد، وإليك بعض الخطوات العملية:
- الإنصات لبوصلة الشركة: افهم رؤية المؤسسة، ورسالتها، وأهدافها الاستراتيجية، هذه هي المبادئ التي توجِّه كل قرار وكل مهمة داخل الشركة.
- ملاحظة ديناميكية العمل: راقِب كيف تتفاعل الأقسام المختلفة، ومن هم أصحاب القرار، وكيف تتدفق المعلومات بين الفِرق.
- المشاركة الفعالة: لا تفوِّت أي اجتماع ترحيبي أو تعريفي، وهذه الجلسات مصممة خصيصاً لك؛ لذا جهِّز أسئلة ذكية، فكل سؤال تطرحه يفتح لك باباً جديداً للفهم.
- إتقان الأدوات: جزء لا يتجزأ من هذه المرحلة هو التعرف على الأنظمة، والبرامج، والأدوات التكنولوجية المستخدمة، فكلما أصبحت أكثر كفاءة في استخدامها، زادت ثقتك بنفسك.
- استخدام خطة (30-60-90) بذكاء: لا تجعل هذه الخطة مجرد قائمة مهام؛ بل تعامَل معها بوصفها خارطة طريق توجه تركيزك في كل مرحلة، بدءاً من التعلم والمراقبة في الشهر الأول، ثم المساهمة الفعالة وبناء العلاقات في الشهر الثاني، وصولاً إلى إحداث تأثير ملموس يثبت قيمتك في الشهر الثالث.
شاهد بالفيديو: 10 نصائح لليوم الأول في العمل الجديد
2. بناء شبكة العلاقات المهنية فهي رأس مالك الحقيقي
لا يعتمد النجاح في أية بيئة عمل فقط على مهاراتك التقنية؛ بل على قوة علاقاتك المهنية، فالتواصل الفعال وبناء الثقة هما عملتك تجاه الاندماج السريع والنمو المستمر.
- التواصل الواعي: ابدأ بمديرك المباشر وأعضاء فريقك، وافهم أسلوب عملهم، وتوقعاتهم، وأفضل طرائق التواصل معهم.
- التوسع في الشبكة: لا تحصر نفسك في حدود فريقك؛ بل تعرَّف على زملاء من أقسام أخرى، فهذا يمنحك رؤية أشمل للمؤسسة ويفتح لك آفاقاً للتعاون المستقبلي.
- البدء بمبادرات صغيرة: تحدَّ نفسك كل يوم بالتحدث مع زميل جديد، واسأله عن طبيعة عمله أو عن اهتماماته، فهذه المحادثات البسيطة تبني جسوراً من الألفة.
- تجهيز الأسئلة الذكية: قبل أن تطرح الأسئلة، فكِّر جيداً، ودوِّن 5 أسئلة جوهرية تساعدك على فهم الثقافة غير المكتوبة، مثل:
- ما هي أفضل قناة تواصل لتقديم الملاحظات أو طرح الأسئلة؟.
- من هم الأشخاص الرئيسيون الذين يجب استشارتهم عند اتخاذ قرارات معينة؟
- ما هي تقاليد الفريق التي يستمتع بها الجميع؟
الأيام 31–60: إثبات الذات
بعد أن أرسيت أساساً متيناً من الفهم وبنيت جسوراً من التواصل في شهرك الأول، انتقِلْ الآن إلى مرحلة أكثر ديناميكية، ألا وهي مرحلة إثبات الذات وتقديم قيمة ملموسة. يتحول تركيزك في هذه الفترة من "التعلم" إلى "التطبيق والمساهمة"، فالهدف هو أن تُظهر لفريقك ومديرك أنَّك لست مجرد عضو جديد؛ بل شريكاً فاعلاً في تحقيق النجاح.
1. المبادرة بمساهمات ذكية ومؤثرة
"إذا كانت أفعالك تلهم الآخرين ليحلموا أكثر، ويتعلموا أكثر، ويعملوا أكثر، ويصبحوا أفضل، فأنت قائد." - جون كوينسي آدامز.
لا يُشترط أن تكون مبادراتك الأولى ضخمة أو ثورية لتُحدث فرقاً، فالقيمة الحقيقية تكمن في التأثير المدروس والتحسينات المستمرة، وإليك بعض النصائح لتعرف كيف يمكنك البدء:
- ابدأ بالتحسينات البسيطة: لاحِظ العمليات اليومية، هل هناك خطوة يمكن تبسيطها؟ هل يمكن تحسين قالب تقرير أسبوعي لتوفير الوقت؟ هذه التحسينات الصغيرة تُظهر اهتمامك بالتفاصيل ورغبتك في التطوير.
- حدِّد هدفاً شهرياً قابلاً للقياس: اختر مجالاً واحداً يمكنك إحداث تغيير ملموس فيه خلال هذا الشهر، فيمكنك أن تقلل زمن الحصول على الموافقات بنسبة 15%" أو "تنظم ملفات المشروع المشتركة لتسهيل الوصول إليها".
- اجعل لصوتك حضوراً في الاجتماعات: لا تحضر بصمت؛ بل شارِك بفعالية، وقدِّم أفكاراً مدروسة، واطرح أسئلة بنَّاءة. فرؤيتك الجديدة قد تحمل حلولاً لم يفكر بها الآخرون.
- اطلب التغذية الراجعة (Feedback) بجرأة: لا تنتظر التقييم السنوي؛ بل اطلب من مديرك وزملائك ملاحظاتهم دورياً. سؤال بسيط، مثل: "كيف يمكنني تطوير أدائي في هذه المهمة؟" يعكس نضجاً مهنياً ورغبة حقيقية في النمو.
شاهد بالفيديو: كيف تحدد أهدافك في العمل لتطور مهاراتك المهنية
2. تعزيز المشاركة لتكون عضواً لا غنى عنه
المشاركة الفعالة هي سلوك استباقي يجعلك جزءاً لا يتجزأ من الفريق، فهي تعني أن تكون مبادراً ومسؤولاً في آن واحد من خلال النصائح التالية:
- كن سبَّاقاً في البحث عن الفرص: لا تنتظر حتى تُسند إليك المهام، فإذا رأيت فجوة أو حاجة، اعرض المساعدة وقدِّم الدعم.
- التزِم بالاحترافية الكاملة: عند تكليفك بمهمة، نفِّذها بكفاءة وجودة عالية ضمن الإطار الزمني المحدد، فهذا يبني سمعتك بوصفك شخصاً يُعتمَد عليه.
- شارِك تقدمك بانتظام وشفافية: اجعل من عادتك الأسبوعية أن تلخِّص تقدمك لفريقك أو مديرك. استخدم إطاراً بسيطاً وقوياً:
- ماذا فعلت؟ (إنجازاتك خلال الأسبوع).
- ماذا تعلمت؟ (الدروس المستفادة والتحديات التي واجهتها).
- ماذا بعد؟ (خطواتك التالية والأولويات للأسبوع القادم).
الأيام 61–90: التأثير
لقد نجحت في بناء أساس قوي، وأثبتَّ قدرتك على المساهمة بفعالية، والآن، تدخل المرحلة الأهم في رحلتك المهنية الجديدة، مرحلة ترسيخ مكانتك بوصفك قائداً وصاحب تأثير حقيقي، فهذا هو الوقت الذي تجني فيه ثمار الثقة التي بنيتها، وتحولها إلى مبادرات استراتيجية ونتائج ملموسة.
1. انتقِل إلى مقعد القيادة
"لا تعد وظيفة القيادة إنتاج مزيد من الأتباع؛ بل إنتاج مزيد من القادة." - رالف نادر.
لا تعني القيادة بالضرورة الحصول على منصب إداري، فالقيادة الحقيقية تظهر عندما تأخذ زمام المبادرة لحل مشكلة أو تحقيق هدف. حان الوقت الآن لتُظهر قدراتك الكامنة من خلال النصائح التالية:
- قُدْ مبادرة ذات أثر: ابحث عن فرصة لقيادة مشروع صغير أو مبادرة تخدم الأهداف الاستراتيجية لفريقك، ولا تنتظر أن يُطلب منك؛ بل اعرِض.
- اختر مشروعك بذكاء: يمكن أن يكون مشروعك مركزاً على:
- تحسين رضى العملاء: من خلال تصميم مسار خدمة أسرع وأكثر كفاءة.
- تعزيز الكفاءة الداخلية: من خلال تطوير إجراءات العمل، مثل تحسين خطوات ما قبل الإجابة عن تذاكر الدعم الفني.
- جهِّز خطط قائد محترف: لا تترك شيئاً للصدفة؛ بل صمِّم خطة عمل واضحة تتضمن:
- أهداف ذكية (SMART): محددة، وقابلة للقياس، وللتحقيق، وذات صلة، ومحددة بإطار زمني.
- جدول زمني واضح: مع مراحل تسليم رئيسة.
- تحديد دقيق للموارد: من ستحتاج لمساعدتك؟ ما هي الأدوات التي تلزمك؟
2. كن "الموظف الموثوق" الذي لا يُستغنى عنه
"لا تساوي الفكرة شيئاً ما لم تستخدمها." - جون ماكسويل.
في هذه المرحلة، هدفك الأسمى هو أن تصبح ذلك الشخص الذي يلجأ إليه الجميع عند مواجهة تحدٍ أو البحث عن حل، وهذا لا يحدث بالمصادفة؛ بل هو نتيجة مباشرة لأدائك وسلوكك.
- النتائج تتحدث عنك: حقِّق نتائج ملموسة وقابلة للقياس، فالأرقام والإحصائيات هي أقوى دليل على تأثيرك.
- مشاركة النجاح بوضوح: جهِّز تقارير موجزة وفعالة لمشاركة تقدمك وتأثير مبادراتك مع مديرك وفريقك، واجعلهم يرون القيمة التي تضيفها.
- تعزيز علاقاتك مع أصحاب المصلحة: ابنِ جسور التواصل مع الإدارة والفرق الأخرى، فالتقارير الدورية وعرض نتائج مشاريعك هي فرصة ذهبية لتعزيز صورتك بوصفك شخصاً مسؤولاً ومنجزاً.
- الاستعداد لجلسة تقييم الأداء (90 يوماً): لا تعد هذه الجلسة مجرد تقييم؛ بل هي فرصتك لعرض إنجازاتك رسمياً، ومناقشة طموحاتك، ورسم ملامح خطة تطويرك المهني للمرحلة القادمة، فكن مستعداً ومبادراً.
إقرأ أيضاً: 7 تقنيات لدمج الموظفين الجدُد في بيئة العمل
الختام: حضور يصنع الفرق
لا يحدث النجاح في الوظيفة الجديدة صدفة؛ بل يصنع بوعي وخطة واضحة، فكل خطوة تخطوها في أول 90 يوماً، إمَّا تدفعك للأمام أو تعيدك خطوة للوراء؛ لذا امتلِك زمام المبادرة، وكن حاضراً، وابنِ شبكة دعم قوية، وتذكَّر: في كل مؤسسة، هناك دائماً مساحة لشخص يختار أن يكون مؤثراً، فالسؤال الآن: هل ستكون أنت ذلك الشخص؟
أضف تعليقاً