مفهوم الديتوكس الرقمي وأهميته وفوائده

في ظل تطور التكنولوجيا وتأثيراتها البالغة في تحسين حياة الإنسان، وإضافة سبل الراحة والرفاهية إليها، وصل بعض الناس إلى حالة من الانغماس التكنولوجي جعلتهم يعتمدون على التقنيات الحديثة في تولِّي كافة أمور حياتهم، فلم تعد لديهم ثانية واحدة بمعزل عن الأجهزة والشاشات.



ولأنَّ لكل اختراع جانباً مظلماً بدأت آثار التكنولوجيا السلبية تظهر على هؤلاء الأفراد؛ وهذا جعلهم في حاجة ماسة إلى نقاهة واقعية يبتعدون فيها عن سموم العالم الافتراضي، لتكون فترات الراحة هذه أشبه بمشروبات الديتوكس التي تُطهِّر الجسم من سموم الأغذية، وهذا ما أُطلِق عليه اسم الديتوكس الرقمي، الذي خصصنا هذا المقال للحديث عنه وعن فوائده وأهميته.

مفهوم الديتوكس الرقمي:

إنَّ مفهوم الديتوكس الرقمي يعني أخذ إجازة من كل ما هو متعلق بالأجهزة والإنترنت، التي تراكم في أنفسنا وأجسادنا ما لا يمكن حصره من الشوائب والسموم، سواء بوعي منا لما يحدث أم دون أن نعي ذلك، وفي مثل هذه الحالات نحتاج إلى عزلة مؤقتة عن مصادر هذه السموم لنستعيد توازننا الطبيعي، ونصفِّي أذهاننا ونريح أجسادنا ونفوسنا من عبء يُحمِّلها إياه مكوثها الطويل في العالم الافتراضي.

إنَّ مفهوم الديتوكس الرقمي إذاً هو إغلاق مؤقت لجميع منافذ وصولنا إلى العالم الافتراضي، من هواتف وحواسب وحتى التلفاز والراديو، من أجل قضاء وقت حقيقي مع أنفسنا، والتعرف إليها أكثر واستيعاب التغيرات الحاصلة فيها جراء التسارع الكبير في الأحداث والتعرض المديد والمكثف للأخبار الجيدة منها والسيئة.

كما أنَّ الديتوكس الرقمي هو لحظة تنفس عميق نستوعب فيها ما يجري حولنا، ولملمة لأفكارنا وإعادة ترتيب لها، ولحظة هدوء وحياد لمشاعرنا التي اعتادت أن تتقلب مع تقلُّب الصفحة من أمامها.

إنَّ الديتوكس الرقمي هو فترة تشافٍ من إدمان الإنترنت واستخداماته، وحاجة ملحَّة إلى تذكُّر مهامنا وواجباتنا الواقعية، وحقوقنا في حياة أجمل من أن نقضيها نراقب الصورة، بينما يمكننا مشاهدة الأصل، والتعرف إلى أصدقاء وزملاء واقعيين نراهم ونحادثهم بعفوية ووضوح بعيداً عن تلميحات الإيموجي وتكهُّن النبرات.

أهمية الديتوكس الرقمي:

إنَّ أهمية الديتوكس الرقمي تتجلى من خلال حاجتنا الملحَّة إليه، فمما لا شك فيه أنَّنا جميعاً نمضي أوقاتاً طويلة أمام شاشات حواسبنا وهواتفنا المحمولة والأجهزة اللوحية، نتصفح المواقع ونتابع المشاهير والمؤثرين، ونمارس واجباتنا المهنية ونتواصل مع الأصدقاء والأقارب.

ومن تأثير قضاء هذا الوقت الطويل في صحتنا الجسدية هو وجود آلام في اليدين أو الرقبة أو الظهر، واكتساب وزن زائد أو فقدان الشهية وعادات غذائية سيئة، عدا عن الخمول والكسل وحدوث جفاف في أعيننا وما يترتب على تحديقنا المطوَّل بالشاشات من أضرار في النظر وغيرها من آلام الجسد.

أما الآلام النفسية فلها حصة قد تكون أكبر وأضخم، فنحن عبر شاشاتنا نشاهد الأخبار ونسمعها ونتألم للضحايا ونقرأ عن الكوارث فتمتلئ نفوسنا بالكآبة واليأس، وقد نشاهد الآخرين في رحلاتهم الترفيهية يقضون أوقاتاً ممتعة أو يشترون من العلامات التجارية المشهورة أو يحققون أهدافهم ويعيشون الحياة الرغيدة التي يحلم بها أي شخص.

إنَّ كل ما ذُكِر يولِّد في أنفسنا نوعاً من المقارنة لنجد بأنَّنا أبعد بكثير عما نراه، ونشعر بأنَّنا وحيدون في المعاناة أو أنَّنا نعاني النقص فننغمس في أحزاننا، أو أنَّنا قد نسمع عن حالات العنف والاغتصاب والاحتيال فنفقد الثقة بالآخرين ويتزعزع شعور الأمان داخلنا.

وإنَّ كل هذه المشاعر المتخبطة تعترينا في أثناء وجودنا على شاشات أجهزتنا التي نمتلك هوس تفقُّدها كل بضع دقائق والبقاء في حالة من التوجس والتحفز؛ لذا إنَّ أهمية الديتوكس الرقمي تنبع من كل هذه الاحتياجات، فهو المفهوم الذي يقتضي بوجوب أخذ إجازة من كل هذا الصخب، وممارسة حياة طبيعية واقعية نقوم فيها بالتواصل مع الآخرين تواصلاً مباشراً والتأمل في الطبيعة والعالم المذهل من حولنا، وقضاء وقت بطيء برفقة عائلاتنا.

شاهد بالفيديو: سلبيات مواقع التواصل الاجتماعي

فوائد الديتوكس الرقمي:

يمكن الاستفادة من فوائد الديتوكس الرقمي عبر تطبيقه كلما شعرنا بحاجتنا إلى النقاهة بعيداً عن التكنولوجيا، وكلما شعرنا بأنَّنا على عتبة الإدمان، وسوف نشعر بفوائد الديتوكس الرقمي على أنفسنا وأجسادنا بوضوح، ومن هذه الفوائد نذكر:

1. الانفتاح الذهني:

من فوائد الديتوكس الرقمي أنَّه يساعد الذهن على التفتح؛ لأنَّه وفي حالة الإدمان الرقمي، ينحصر التفكير في كل ما نشاهده ونتابعه من أخبار، وألعاب، ودردشة، ومقاطع فيديو، ومن ثمَّ فإنَّ تطبيق الديتوكس الرقمي سوف يحرِّر الذهن من الأشياء السطحية المعتادة التي يفكر فيها، ويجعله يتأمل في الطبيعة والحياة من حوله، ويلاحظ أشياء جديدة كانت في محيطه ولم ينتبه لها سابقاً.

ويساعد الديتوكس أيضاً الذهن على اكتشاف قيمة الوقت ويدفعه إلى تجربة أشياء جديدة مثل قراءة الكتب، أو الذهاب في رحلات مسير من أجل التأمل في سحر الطبيعة وجمال الكون، وإنَّ تأثير الديتوكس الرقمي في الذهن تتمثل في توعيته نحو جوانب جديدة، وحمايته من أمراض الذاكرة مثل ألزهايمر والخرف.

2. تقوية الصلات الاجتماعية:

من فوائد الديتوكس الرقمي أنَّه يوفر مزيداً من الوقت من أجل قضائه مع العائلة والأصدقاء؛ إذ لا يمكننا الإنكار بأنَّ أجهزتنا الذكية استطاعت وبشكل كبير سحبنا من حياتنا الاجتماعية نحو عزلة اخترناها، ومهما كانت مبررات استخدامنا للأجهزة الذكية سواء لأجل العمل أم الدراسة أم غيرها، إلا أنَّنا نمضي كثيراً من الوقت نستخدمها لمجرد الاستخدام فقط، فنهدر بذلك الوقت المخصص لقضائه مع أهالينا وأطفالنا.

وفي هذه الحالة، تبرز فوائد الديتوكس الرقمي عن طريق الشعور بالرغبة في ملء الفراغ الذي كنَّا نقضيه في رحاب التكنولوجيا بزيارة الأصدقاء أو صلة الرحم أو حتى الاستماع لقصص أطفالنا وأحداث يومهم بوعي وتركيز كاملين، وإعادة وصل جميع العلاقات التي تسبب ضيق الوقت الذي أدى إليه إدماننا في قطعها أو تبلُّدها.

3. تحسُّن العادات الغذائية والصحية:

من فوائد الديتوكس الرقمي أنَّه يساعد على تحسين العادات الغذائية والصحية، فمعظم الناس يتناولون طعامهم في أثناء استخدامهم لأجهزتهم المحمولة أو مشاهدتهم الأفلام على شاشات حواسيبهم، وبعضهم الآخر ينسيه انسجامه في المشاهدة والمتابعة تناول الطعام، أو يجعله يميل إلى تناول الوجبات السريعة والتلكُّؤ عن عمل الأطباق الصحية.

ويوجد كثير من الناس الذين يسهرون إلى وقت متأخر وهم يستخدمون الإنترنت أو يشاهدون التلفاز؛ وهذا يؤثر في ساعتهم البيولوجية ويسبب لهم الأرق ومشكلات النوم، وفي هذه الحالات يكون تطبيق الديتوكس الرقمي حلاً لتنظيم الشهية وتحسين العادات الغذائية، وتنظيم النوم وما ينطوي عليه هذا التنظيم من تحسين للصحة النفسية والجسدية.

إقرأ أيضاً: كيف تنفصل عن التكنولوجيا وتستعيد السيطرة على حياتك؟

4. تقبُّل الذات:

مما لا شك فيه أنَّ الجميع يحاول أن يظهر بأبهى صورة أمام الناس وعلى منصات التواصل الاجتماعي، إلا أنَّ هذا لا يعني أنَّ الجميع يعيشون بمثالية وكمال؛ إذ لا وجود لهذين المصطلحين على أرض الواقع، ولا أحد يحب أن ينشر جوانبه المظلمة.

وإنَّ التعرض اليومي لصور الآخرين وهم يستمتعون بعطلهم أو يحتفلون بإنجازاتهم، أو يبتسمون بوجوه خالية من التجاعيد وشفاه ممتلئة وأنوف صغيرة وأجساد بلاستيكية لا تعاني من الشعر الزائد والدهون المتراكمة، يشكل لدى الإنسان صورة محرَّفة عن الجمال، مضبوطة بمعايير وهمية ومقاييس افتراضية لا تمت إلى الواقع بصلة، فتضعف ثقته بنفسه إذا ما وضع نفسه في مقارنة مع ما يراه.

وهنا تبرز فوائد الديتوكس الرقمي في الابتعاد عن كل هذه الأنماط المزيفة المخصصة للاستعراض والمتخرِّجة من كليات الفوتوشوب ومراكز التجميل، فهو يتيح للإنسان رؤية ناس حقيقيين بملامح ربَّانية جميلة وغير نمطية، يضحكون ويحزنون، ويفشلون وينجحون، فيشعر المرء بأنَّه ينتمي إليهم ويتقبَّل طبيعته البشرية، ويتصالح مع ذاته ويحب نفسه.

تحسُّن العادات الغذائية والصحية

متى نحتاج إلى الديتوكس الرقمي؟

توجد بعض الإشارات التي تؤكد حاجة الإنسان إلى تطبيق الديتوكس الرقمي، وفي الإجابة عن سؤال "متى نحتاج إلى الديتوكس الرقمي؟" نقول:

  • نحتاج إلى الديتوكس الرقمي عندما يكون فقدان الهاتف للحظات معدودة سبباً للشعور بالضغط والتوتر.
  • وعند هدر كثيرٍ من الوقت في تصفح المواقع واستخدام التطبيقات.
  • وإذا شعرنا بالغضب والتوتر في حال لم يتوفر لدينا اتصال بالإنترنت، فهذا دليل على أنَّنا نحتاج إلى الديتوكس الرقمي.
  • وعند انخفاض الإنتاجية وانعدام التركيز في العمل بسبب الحاجة إلى تفقُّد الجوال كل برهة.
  • وعند استهلاك كثير من الوقت في أداء المهام بسبب تفقُّد المواقع والتطبيقات خلال القيام بها.
  • وعند جلد الذات والشعور بالإحباط والتوتر بعد قضاء وقت طويل على مواقع التواصل الاجتماعي.
  • وعندما يكون تفقُّد إشعارات الهاتف المحمول هو أول شيء نفعله بعد الاستيقاظ، وعندما يكون استخدام الأجهزة الذكية والحواسيب سبب أرقنا وقلة نومنا في الليل.
إقرأ أيضاً: التخلص من سموم التكنولوجيا لتعزيز السلامة الجسدية والنفسية والروحية

فإنَّ كل هذه الأعراض والممارسات هي دلائل تثبت أنَّنا نحتاج إلى الديتوكس الرقمي؛ وذلك لأنَّها بحد ذاتها أعراض إدمان التكنولوجيا والهوس بها، والذي يجب وضع حد له للحفاظ على توازن حياتنا.

وإنَّ الديتوكس الرقمي أصبح في أيامنا هذه ضرورة ملحَّة، فنحن نملأ عقولنا الواعية وغير الواعية كل يوم بكمٍّ هائل من المعلومات، وإنَّ أذهاننا التي تبقى على أهبة الاستعداد وفي حالة الجهوزية التامة والاستنفار، تستحق أن تأخذ إجازة مؤقتة من كل هذا الطوفان المعرفي.

لذا فإنَّ الديتوكس الرقمي يجب أن يصبح عادة أسبوعية أو شهرية على الأقل من أجل أن نريح أجسادنا من سلبيات الاستخدام الطويل، ونريح أنفسنا من تقلبات المشاعر التي يكون سببها التعرض للكثير من الأخبار والمشاهد المؤجِّجة لها، كما إنَّ الديتوكس الرقمي هو إجازة مؤقتة من العالم الكثيف المتسارع الذي نحياه قسراً، لنعود إليه بعد ساعات أكثر هدوءاً واتزاناً.

المصادر: 1،2،3،4،5




مقالات مرتبطة