مفهوم الدعم النفسي الاجتماعي: أهميته وأنواعه

منذ فترة ليست بالبعيدة قامت الممثلة الأمريكية "أنجلينا جولي" بزيارة مخيمات اللاجئين في تركيا، جالست فيها الأطفال وعطفت عليهم، وتحدثت مع المسنين وأبدت تعاطفها ودعمها لهم، وتحدثت مع سكان المخيمات عن العقبات التي يواجهونها في مساكنهم المؤقتة، وقدمت المساعدات الغذائية والطبية والنفسية اللازمة.



إنَّ ما قامت به "جولي" هو تجسيد لما يسمى في وقتنا الحالي "الدعم النفسي الاجتماعي" الذي يعني تقديم المساندة والتعاطف للأفراد الذين ساءت بهم ظروف الحياة وضاقت فيهم سبلها؛ إذ إنَّ اللاجئين في المخيمات مهما كانت جنسيتهم هم بشر طبيعيون دفعتهم الحرب للنزوح من منازلهم واستبدالها بالخيام التي لا تقي حر الصيف ولا برد الشتاء، فهم كما يقال "عزيزُ قومٍ ذُلَّ"؛ فأي ألم نفسي يكابدونه عندما يقارنون أنفسهم بين الأمس واليوم؟

كما أنَّ ذوي الاحتياجات الخاصة هم أيضاً بحاجة إلى الدعم النفسي المعنوي لتخطِّي إعاقتهم والتوقف عن النظر بدونية تجاه أنفسهم، وامتلاك الثقة الكافية للانخراط في المجتمع، وإنَّ الدعم النفسي الاجتماعي هو نوع من التعاطف بين أبناء الجنس البشري وأخذهم بيد بعضهم بعضاً نحو الاندماج الاجتماعي، وهو موضوع هام أردنا أن نسلط الضوء عليه وعلى أنواعه وأهميته في مقالنا هذا، فتابعوا القراءة.

ما هو مفهوم الدعم النفسي الاجتماعي؟

قبل الدخول في تعريف مفهوم الدعم النفسي الاجتماعي يجب أن نتوقف قليلاً عند مصطلح "النفسي الاجتماعي" الذي يشير إلى العلاقة الديناميكية التي تربط بين البعد النفسي للفرد والبعد الاجتماعي؛ إذ يؤثر هذان البعدان ببعضهما بعضاً ويتفاعل كل منهما مع الآخر.

أما البعد النفسي، فإنَّه بحسب "الأونروا" يقصد به الأفكار والعواطف والذكريات والسلوكات والتصورات وطرائق فهم الأمور، وأما البعد الاجتماعي، فهو الذي يتولى الجوانب الاجتماعية للتنمية من تفاعل وعلاقات بين الفرد والأقران والأسرة والمجتمع.

يمكننا تعريف مفهوم الدعم النفسي الاجتماعي على أنَّه إظهار الاهتمام والاكتراث بحاجات الأسر والأفراد والأطفال الذين يمرون بظروف صعبة واستثنائية، والحرص على تلبية هذه الاحتياجات وحل المشكلات التي تواجه هذه الفئة من المجتمع وتحدها عن ممارسة حياتها بشكل طبيعي، وتوفير جميع المستلزمات ووسائل الرعاية التي تصب في مصلحة استعادة أدائهم الاجتماعي.

كما أنَّه يعني إكساب الأفراد المهارة والمعرفة والقدرة التي تؤهلهم لاتخاذ قراراتهم الخاصة بشكل سليم، ومنحهم مفاتيح التفكير التي تعينهم على ترتيب أولوياتهم وتجسيد الأدوار المطلوبة منهم بكفاءة عالية.

من وجهة نظر الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر، فإنَّ مفهوم الدعم النفسي الاجتماعي يشمل أي نشاط من شأنه أن يحسِّن من قدرات الأفراد في التعامل مع الأحداث الحرجة والظروف الاستثنائية وغير العادية التي تكون تبعياتها على الأفراد على هيئة توتر عال وقلق مستمر، كما أنَّ الدعم النفسي الاجتماعي هو سلسلة مستمرة من الرعاية والدعم التي يطال تأثيرها الفرد والبيئة الاجتماعية التي يعيش فيها.

تطول هذه السلسلة الدائرة القريبة؛ أي الأسرة والأصدقاء والجيران ثم تتسع لتطال المدرسين وأفراد المجتمع والعاملين في مجال الصحة، وتهدف هذه السلسلة إلى إحاطة الأفراد بجو من التفاهم والحب غير المشروط والتقبل والتسامح من أجل تشجيعهم على بناء علاقات اجتماعية مستمرة سليمة ومتجانسة.

في مثال مبسط عن تقديم الدعم النفسي الاجتماعي، وفدت إلى الجامعة التي كنا ندرس فيها طالبة من دولة آسيوية، وكانت تشعر بالغربة كونها لا تفهم لغة البلاد التي وفدت إليها ويصعب عليها التواصل فهي تتحدث اللغة الفصحى بطريقة مكسرة تثير سخرية بعض الناس بسبب لفظها الطريف للكلمات، فضلاً عن شكلها الآسيوي اللافت للنظر، وهذا أصابها بالإحباط وأدخل إلى نفسها الرغبة في التخلي عن المنحة الدراسية التي كانت سبباً في قدومها إلينا.

إنَّ الدعم النفسي الاجتماعي تجسَّد في تصرفات زملائها في الجامعة الذين تولى قسم منهم مرافقتها إلى الأماكن الهامة في المدينة وتعليمها طرائق التجول فيها، وتولت بعض الزميلات مهمة مشاركة الطالبة الجديدة في السكن وتعليمها بعض الكلمات المتداولة لتسيير أمورها ومرافقتها في تجوالها في السوق وفي المكتبة، وتقديم المساعدة الدراسية لها في حال صعب عليها شيء باللغة العربية.

يوماً بعد يوم استطاعت الطالبة الجديدة الاندماج في المجتمع الجامعي والمدني واستطاعت التغلب على المصاعب النفسية والمادية التي واجهتها، وتمكنت من تحقيق نتائج دراسية جيدة، كما تمكنت من الحصول على عمل بعد دوامها الجامعي لتأمين مصاريفها الشخصية وتخفيف الأعباء عن ذويها.

شاهد بالفديو: 12 نصيحة للحفاظ على الصحة النفسية

ما هي أنواع الدعم النفسي الاجتماعي؟

إنَّ أنواع الدعم النفسي الاجتماعي تشمل جميع الممارسات التي تصب في دعم مواطن القوة لدى الأفراد، والتخفيف من المصاعب والضغوطات النفسية التي يمرون بها، والحد من تراكم العوائق التي تعترضهم وتؤثر في صحتهم الجسدية والنفسية، وبناءً على ذلك فإنَّنا نقسم أنواع الدعم النفسي الاجتماعي إلى ما يأتي:

1. الدعم المعنوي:

يُعَدُّ الدعم المعنوي واحداً من أنواع الدعم النفسي الاجتماعي وشكلاً من أشكاله، ويشمل المساندة والاحتواء الذي يتلقاه الفرد في المواقف الضراء التي يمر بها "مثل التعازي عند خسارة شخص قريب"، والمشاركة في الابتهاج والتعبير باستخدام عبارات الثناء والتهاني في المواقف السراء التي يمر بها "مثل التخرج من الجامعة"، وقد تساعد مواساة الآخرين الفرد في المواقف الصعبة على الاحتواء والتخفيف من مشاعر الحزن والتوتر والقلق والخوف، كما تعزز مشاركته في المشاعر الإيجابية التقبل والتقدير وبناء علاقات من الحب المتبادل بين الفرد والآخرين في المجتمع.

2. الدعم العاطفي الاجتماعي:

هو من أنواع الدعم النفسي الاجتماعي الذي يشمل تقديم مشاعر الحب والرعاية والتعاطف والثقة، وتعزيز روح انتماء الفرد إلى الجماعة.

إقرأ أيضاً: التعاطف أساس النجاح في العلاقات الاجتماعية

3. الدعم السلوكي:

هو نوع من أنواع الدعم النفسي الاجتماعي، ويشمل السلوكات التي يعبِّر القيام بها عن دعم الأفراد، مثل مشاركة الأقليات في احتفالاتهم ومناسباتهم والمهام التي يقومون بها تعبيراً عن دعمهم وتقبُّل وجودهم في المجتمع، مثل الشراء من البازارات التي تباع فيها أشغال يدوية صنعها أطفال مصابون بالتوحد.

4. الدعم المعلوماتي:

هو من أنواع الدعم النفسي الاجتماعي ويشمل تقديم المعلومات والتغذية الراجعة والنصائح للأفراد الذين هم بحاجة إليها، مثل تقديم المعلومات للجيران المسلمين في بلد أوروبي عن المتاجر التي تبيع لحوماً حلال؛ أي مذبوحة على الطريقة الإسلامية.

5. الدعم المادي:

هو شكل من أشكال الدعم النفسي الاجتماعي، ويعني تقديم المساعدة المادية للأفراد المحتاجين إليها بأشكالها المالية أو الخدمية أو تقديم السلع، مثل توزيع الأمم المتحدة للمساعدات الغذائية والدوائية للمهجرين والنازحين عن أوطانهم.

6. دعم الأصدقاء:

على الرغم من أنَّنا نقوم به بدافع الفطرة والصداقة إلا أنَّه نوع من أنواع الدعم النفسي الاجتماعي، ويشمل تشجيع الفرد لأصدقائه وتحفيزهم نحو الأفضل ونيل طموحهم، والوقوف إلى جانبهم في الأوقات الشديدة والمآسي.

أهمية الدعم النفسي الاجتماعي:

تظهر أهمية الدعم النفسي الاجتماعي للأفراد من خلال إدراكه لضغوطات الحياة واكتشافه لمواجهتها والاستفادة منها بطرائق فعالة، ويكون هذا عبر النقاط الآتية:

1. حماية الذات:

من ملامح أهمية الدعم النفسي الاجتماعي أنَّه يرفع من معدل تقدير الأفراد لذواتهم، ويزيد من إحساسهم بالتحكم بمجريات الحياة، فضلاً عن المشاعر الإيجابية التي تتولد لديهم في أثناء مواجهة أي ظرف خارجي قاسٍ؛ وذلك بفضل إدراكهم لكونهم هامين ومرغوبين من قِبل المحيط، وهذا يسبب تناقصاً في احتمالات إصابة الفرد بالاضطرابات النفسية والعقلية، وقد يرفع الدعم النفسي الاجتماعي من سعادة الأفراد مهما كانت الضغوطات التي يتعرضون لها عالية، كما أنَّه يخفف من معاناتهم وحدة تأثرهم بها.

إقرأ أيضاً: 11 طريقة بسيطة لاكتساب تقدير الذات

2. الوقاية من الأمراض:

تبدو أهمية الدعم النفسي الاجتماعي واضحة في كونها جزءاً من رحلة التعافي من الاضطرابات العقلية أو النفسية التي يعاني منها الفرد، كما أنَّ لها تأثيرات إيجابية في نمو الأفراد وانخفاض تأثرهم بالأزمات، ومن ثمَّ فإنَّ للدعم النفسي الاجتماعي دوراً هاماً في الحفاظ على الصحة النفسية للأفراد وتزويدهم بالخبرات الإيجابية اللازمة في تنظيم علاقاتهم.

3. تحقيق التكيف الانفعالي والتوافق مع المجتمع:

تبدو هذه النقطة من نقاط أهمية الدعم النفسي الاجتماعي واضحة بشكل جلي في تحقيق انسجام المعاقين حركياً مع المجتمعات التي تتباين وجهات نظرها تجاه موضوع الإعاقة، فالمعاقون المحاطون بشبكة متينة تقدم لهم الدعم النفسي الاجتماعي أكثر قدرة على الحب والمساندة والتأقلم والتكيف وتقدير ذواتهم وتقبُّل اختلافهم مقارنة بأقرانهم الذين يفتقرون إلى هذا النوع من الدعم.

4. إشباع الحاجة إلى الشعور بالأمن النفسي:

تشرح حاجة الإنسان الفطرية إلى كونه اجتماعياً ومرغوباً أهمية الدعم النفسي الاجتماعي في توفير شعور الأمان النفسي للأفراد الذين يفتقرون إليه، كونه يساعد الأفراد على التمتع بصحة نفسية جيدة نابعة من إحساسهم بكونهم محبوبين ومرغوبين من قِبل المحيط، ولأنَّ فقدان هذه المشاعر ينعكس على أمان الفرد، فهذا يفقده ثقته بنفسه ويهدد إحساسه بذاته.

شاهد بالفديو: أهمية التسامح للفرد والمجتمع

مصادر الدعم النفسي الاجتماعي:

إنَّ مصادر الدعم النفسي الاجتماعي متنوعة؛ إذ يمكن الحصول على هذا الدعم عبر أحد المصادر الآتية:

1. الأسرة:

هي العنصر الأكثر تأثيراً في الفرد كونها البنية الاجتماعية الأولى التي يختبرها ويصقل فيها شخصيته ومهاراته في التواصل؛ لذا لا بد من الحرص على توفير أجواء أسرية غنية بالحب غير المشروط والتقبل والاحتواء والاحترام للأبناء وخاصة ذوي الإعاقة.

2. الأصدقاء:

هم العلاقات الاجتماعية الاختيارية التي يبنيها الفرد؛ لذا فهم مصدر هام من مصادر الدعم النفسي الاجتماعي والتحفيز والمواساة.

3. المؤسسات الاجتماعية المتخصصة:

هي مصدر هام من مصادر الدعم النفسي الاجتماعي يجب أن تحرص الحكومات على توفيره وإعداده بشكل جيد، كونه سيكون سنداً للأفراد الذين يحتاجون إلى الدعم والتأهيل للانخراط في المجتمع.

في الختام:

إنَّ الدعم النفسي الاجتماعي هو مفهوم يشرح التكافل الإنساني بأسمى صوره، ويركز على العلاقة بين البعد النفسي والبعد الاجتماعي للأفراد، فيعمل على تأهيلهم نفسياً تحضيراً لعملية اندماجهم في المجتمعات بشكل إيجابي، وهو مفهوم له أشكال وأنواع عديدة أبسطها مشاركة المجتمع للفرد في أفراحه وأتراحه، وله إيجابيات كثيرة على الصحة النفسية والجسدية للأفراد التي تنعكس إيجاباً على علاقاتهم، ومن ثمَّ على تلاحم المجتمع وتماسكه عموماً.




مقالات مرتبطة