مفهوم الاستحقاق: كيف نرفع استحقاقنا الذاتي؟

فور وصول الإعلامية "غزل بغدادي" المتخرجة من الجامعة وتحديداً كلية الإعلام في جامعة دمشق الأراضي البريطانية، قرأت على صفحات الويب إعلاناً لقناة تلفزيونية مشهورة تطلب مذيعين للعمل فيها، فكانت سعادة "غزل" غامرة بمشاهدة فرصة عمل الأحلام أمام عينيها. لذا سارعت بإرسال سيرتها الذاتية والتقديم إلى هذا الشاغر الوظيفي، ولكنَّها قوبلت بالرفض لشاغر المذيعة، واقتُرح عليها العمل في التحرير الإخباري السياسي.



كانت صدمتها مروعة للغاية، فهي لم ترغب في العمل في التحرير، وهي تمقت السياسة أصلاً، ولكنَّها اضطرت إلى القبول طمعاً بفرصة مواتية قادمة، وللأسف لم تستطع أن تستمر في هذا العمل طويلاً، فهي لا تملك شغفاً به.

الآن بعد مرور سبع سنوات على عملها بوصفها مؤسِّسة ومديرة تنفيذية لمشروع "علمتني كنز" التربوي، تماماً كما كانت تحلم، تقر "بغدادي" بأنَّها حين قدمت على وظيفة المذيعة فور تخرجها كانت تشعر في قرارة نفسها بأنَّها لا تستحق هذه الوظيفة، فهي حديثة التخرج ومعدومة الخبرات العملية في هذا المجال، ويوجد الكثيرون من المذيعين المنافسين لها على هذا المنصب في قناة مشهورة كهذه.

إنَّ مشكلة "غزل" كما صرَّحت عبر حسابها على "إنستغرام" كانت في انعدام شعورها بالاستحقاق لشغل هذه الوظيفة لأسباب عديدة قد تبدو منطقية ولكنَّها حالت دون وصولها إلى هدف تريده، ومنذ ذلك الحين آمنت رائدة الأعمال بمقولة "أنت تحصل على ما تستحق، وليس على ما ترغب".

انطلاقاً من هذه التجربة الواقعية وغيرها من التجارب التي مرَّ بها الناجحون، قررنا في فريق "النجاح نت" أن نعرفكم بمفهوم الاستحقاق وكيفية رفع استحقاقنا الذاتي، علَّنا نكون جسر عبور بينكم وبين أحلامكم وطموحاتكم.

مفهوم الاستحقاق:

إنَّ مفهوم الاستحقاق من وجهة نظر أدبيات تنمية وتطوير الذات يعني شعور الفرد بأنَّه يستحق الحصول على أمر ما لمجرد رغبته فيه بصفته إنساناً، ويعتقد المتخصصون في هذا المجال أنَّ الإنسان الذي يشك في استحقاقه لأمر معين أو يؤمن بشكل قطعي بأنَّه لا يستحقه، فهو لن يحصل عليه أبداً.

من وجهة نظرهم فإنَّ التعامل مع هذه الحالات من أجل الحصول على الهدف المبتغى يكون على هيئة عمل على رفع استحقاق الشخص لهدفه، ويكون ذلك عن طريق إعادة برمجة الدماغ وتوليفه على توكيدات جديدة من قبيل: "أنا أستحق السعادة"، "أنا أستحق النجاح والشهرة"، "أنا أستحق الحب"، "أنا أستحق أن يكون لدي شركتي الخاصة"، "أنا أستحق أن أملك سيارة"، وغيرها من التوكيدات التي تخاطب عقل الإنسان وتتغلغل في عقله الباطن لتدير تصرفاته عن بعد وتتحكم بها، ومن ثمَّ يصل إلى غايته.

من وجهة نظر الأبحاث والدراسات الأكاديمية فإنَّ مفهوم الاستحقاق يُعرَّف على أنَّه "شعور الإنسان الطاغي بأنَّه يستحق المزيد، ويستحق أن ينال أكثر من غيره".

يرى قسم من الباحثين أنَّ الشعور العالي بالاستحقاق هو واحد من علامات النرجسية، وهم هنا يقصدون الحالات التي يقارن فيها الفرد الذي يشعر بالاستحقاق نفسه بغيره، ويرى أنَّه مؤهل أكثر منهم لبلوغ هذا الهدف، وأما الرابطة الأمريكية للطب النفسي، فترى أنَّ تعريف مفهوم الاستحقاق هو "توقع معاملة خاصة أو محاباة دون أن يترتب على الطرف المستحق مسؤوليات متبادلة".

شاهد بالفيديو: 8 طرق بسيطة لاكتساب تقدير الذات

أمثلة عن انخفاض الشعور بالاستحقاق:

إنَّ الشعور بالاستحقاق ينبع من تقدير الإنسان لنفسه بأنَّه أكرم وأنبل مخلوقات الله تعالى التي ميزها بالعقل والتفكير والوعي، وهذه الهبات لا بد من التعامل معها بما يحفظ كرامة حاملها، ومن ثمَّ باحترام وتقدير وحرية فهي تستحق ذلك، لكنَّ الظروف الحياتية التي ينشأ فيها الإنسان قد تكون سبباً في خفض شعوره بالاستحقاق، ولعلَّ هذه الأمثلة توضح ما نرمي إليه:

  • تشكو سيدة لأمها انشغال زوجها الدائم بالعمل والخروج مع أصدقائه، وبدل أن تطبطب على كتف ابنتها وتفكر معها في حلول لهذه التصرفات تجيب: "احمدي الله أنَّه يسمح لك بحرية الخروج من المنزل وقتما تريدين"، وهنا صمتت السيدة، فقد تحوَّل حقها الطبيعي بالخروج من البيت إلى منَّة، فأي استحقاق سيولد في ذاتها؟ وأي استحقاق منخفض تربت عليه الأم لتجيب بهذه العبارة؟
  • يتحدث "جابر" وهو طالب في قسم الهندسة المدنية إلى زميله عن نيله المرتبة الأولى على دفعته، فيجيب الصديق "أنت لست ذكياً؛ بل تذاكر كثيراً"، حطَّمت كلمات الزميل قلب "جابر" وأذهبت فرحته وكانت سبباً في انخفاض شعوره بالاستحقاق بالتفوق، فتراجعت درجاته تراجعاً ملحوظاً في العام القادم.
  • غضبت أم من طفلها وخاصمته وتوقفت عن توجيه الكلام إليه أو الرد على أسئلته، فتبادر إلى ذهن الصغير بأنَّه لا يستحق أن تتحدث ماما إليه، على الرغم من أنَّ هذا من أبسط حقوقه.
  • تتحدث صبية ممتلئة الجسد وتقول: "أشعر بأنَّ خطيبي يجاملني عندما يمتدح هيئتي" فهي معتادة على ذم شكل جسدها وتجد نفسها لا تستحق عبارات المديح والغزل.
  • قد تقدم معروفاً لصديقك أو جارك وعندما يشكرك على جميل صنعك أو يقدم لك هدية تحمر خجلاً وتقول: "هذا كثير عليَّ، الموضوع لا يستحق كل هذا، آمل أن أكون أستحق كل هذا".

يا صديقي! أغمض عينيك وتقبل الإطراء بكل رحابة صدر وابتسم، فنحن بشر مكرَّمون من رب الكون، ونستحق كل سعادة الحياة وخيرها وحبها.

من أين ينشأ الشعور بالاستحقاق أو عدمه؟

إلى الطفولة وأسلوب التربية المتَّبَع تعود جذور كل شيء، وينشأ الشعور بالاستحقاق العالي أو المنخفض، فالطفل الذي يعاقَب على سكبه الطعام على الأرض بغير قصد بالحرمان من الطعام، سينشأ في نفسه شعور بانعدام استحقاق تناول الطعام لأنَّه أخطأ، ويتخذ من الحرمان أسلوب حياة، فضلاً عن الحب المشروط لكل شيء.

الطفل الذي يُحرَم من الخروج مع أصدقائه بسبب درجاته المتدنية في الاختبار، سينشأ عنده مفهوم استحقاق مشوَّه، فهو لن يمنح نفسه إجازة إذا لم ينهِ عمله في الوقت المحدد؛ بل سيقضي العطلة في إنجاز ما تراكم عليه بدل أن يخرج مع أصدقائه.

من جهة أخرى، فإنَّ الطفل الذي يحصل على جميع حقوقه دون منَّة من أهله، سينشأ بشعور استحقاق عالٍ يكون سلاحه في مواجهة جميع تحديات الحياة، ونحن لسنا هنا لنقول إنَّ الأوان قد فات لنرفع استحقاقنا الذاتي إذا ما كنا قد تربينا بطريقة خلقت عندنا استحقاقاً منخفضاً؛ بل بخلاف ذلك نريد أن نؤكد لكم بأنَّ اليوم هو الوقت المناسب لرفع استحقاقنا الذاتي وبلوغ المجد الذي نطمح إليه.

شاهد بالفيديو: 10 أمور بسيطة تحقق لك الرضا الذاتي عن نفسك

كيف نرفع استحقاقنا الذاتي؟

إذا ما أردنا أن نرفع استحقاقنا الذاتي الذي يعني أن نجد أنفسنا أهلاً لنيل أسمى مراتب الخير والرفعة في الحياة فقط لأنَّنا بشر ونستحق هذا، يجب علينا أن نؤمن بذلك يقين الإيمان، فنحن مخلوقات قادرة على تحقيق المعجزات، وعلى من يشكك في نفسه أن يتذكر الآية الكريمة: {وَفِىٓ أَنفُسِكُمْ ۚ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} [سورة: الذاريات، الآية: 21] التي تضيء على الكم الهائل من المعجزات في التركيبة البشرية، وتشرِّع أهمية سعي الإنسان ليكون أفضل صورة عن نفسه؛ وذلك عن طريق اتباع الخطوات الآتية:

1. الاعتراف بوجود شعور منخفض بالاستحقاق:

لا بد لنا إذا ما أردنا رفع شعورنا بالاستحقاق الذاتي أن نعترف بامتلاكنا شعوراً منخفضاً بالاستحقاق، وهذا يتشابه مع مبدأ أنَّ أولى خطوات حل المشكلة هي الاعتراف بوجودها، وبهذا نكون قد وضعنا أقدامنا على أول طريق الحل.

لماذا نشعر باستحقاق منخفض؟

إذا ما أردنا أن نرفع استحقاقنا الذاتي يجب علينا أن نتعامل بتقنيات الذكاء العاطفي مع شعور انخفاض الاستحقاق، فنجيب أنفسنا بصراحة تامة عن سؤال: "لماذا لا أشعر بأنَّني أستحق؟"، ومن خلال الإجابات الواضحة والصريحة التي سنجيب بها أنفسنا، سنكتشف نقاط الضعف ومواطن الخلل وسندرك الطريق نحو إصلاحها، ومن ثمَّ رفع الاستحقاق الذاتي.

على سبيل المثال، في وقت سابق شعرت أنَّني لا أستحق أن أتقاضى أجراً عالياً لقاء الخدمات التي أقدمها لأنَّني مبتدئة في عملي، وكنت أحصل على أجر منخفض، وعندما تساءلت عن سبب استحقاقي المنخفض وقبولي بذلك الأجر الزهيد، وجدت أنَّني بحاجة إلى تعلُّم بعض المهارات التي تنقل عملي إلى مستوى الاحتراف، وكان ذلك، وعندما رفضت الشركة تعديل الأجور تركت العمل ورفضت التقديم إلى أي شاغر وظيفي لا يمنحني المرتب الذي أستحق، حتى وصلت أخيراً إلى الوجهة التي تُقدِّر مهاراتي.

2. التعامل بلطف مع الذات:

إنَّ التعامل مع ذاتك ومخاطبتها كأنَّك تخاطب شخصاً عزيزاً يساعد على رفع الاستحقاق الذاتي، وفي أي موقف تقوم فيه بالتصرف على أساس استحقاق منخفض، ضع شخصاً عزيزاً في مكانك وتخيل ماذا من المفترض أن تقول له.

على سبيل المثال، إذا كان لديك الكثير من الدروس لتذاكرها في وقت قصير، وقررت أن تؤجل موعد تناول الطعام حتى انتهاء المذاكرة، ففكِّر بأنَّ صديقك يفعل بنفسه هكذا، ألن تقول له: "إنَّ لنفسك عليك حقاً"، "صحتك أهم من المذاكرة"، "عليك أن تتغذى وترتاح من أجل أن يستجيب عقلك"؛ لذا كن لطيفاً مع نفسك ولا تقبل لها ما لا تقبله لأحبتك.

إقرأ أيضاً: التعاطف مع الذات وأهميته

3. تقبُّل نفسك:

إنَّ تقبُّل كل إنسان لنفسه وعيوبها ونواقصها وإيمانه بأنَّ الكمال لله تعالى وحده من شأنه أن يعزز شعوره بالاستحقاق؛ لأنَّه بذلك يخرج من حلبة السباق مع الآخرين المختلفين عنه بشكل كلي، ويتأكد من أنَّ المثالية خرافة ووهم.

4. الاحتفاء بإنجازاتك مهما بدت صغيرة:

إذا أردت استحقاقاً مرتفعاً فكافئ نفسك بعد كل مهمة تقوم بها، ولا تنتظر الشكر والتقدير من الآخرين، فيا ربة المنزل إنَّ أداءك لواجباتك المنزلية ورعاية أطفالك طيلة النهار أمر يستحق الشكر والمكافأة، فاشكري نفسك وأعِدِّي لها كوباً من الشاي الدافئ واشربيه في أثناء مشاهدة مسلسلك المفضل.

5. التفاؤل:

{وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى} [سورة: النجم، الآيتان: 39-40]؛ لذلك ثق بالله تعالى وابذل جهدك وتفاءل، فالحياة منصفة وكل ما تقدمه سوف يعود إليك.

إقرأ أيضاً: ما هو الاكتفاء الذاتي؟ وكيف نصل إليه؟

في الختام:

إنَّ مفهوم الاستحقاق يعني أن يشعر الإنسان بأنَّه أهل لكل ما يحصل عليه من خير وكل ما يقصده منه، فلا يستكثر على نفسه شيئاً، فهو خليقة الله وصنيعته، وإنَّ التشوه في مفهوم الاستحقاق يُرَد إلى الطفولة ولكنَّه قابل للمعالجة عن طريق اتباع السلوكات والتوكيدات الإيجابية التي من شأنها تعديل البرمجات المغلوطة في العقل الباطن واستبدالها بأخرى جديدة وصحيحة.




مقالات مرتبطة