نتناول في هذا المقال أنواع الخلايا التائية ووظائفها، ونوضح آلية عملها داخل الجسم، كما سنتطرق إلى أبرز الاضطرابات التي قد تؤثر في أدائها.
ما هي الخلايا التائية؟
الخلايا التائية (T cells) أو الخلايا اللمفاوية التائية وفقاً لـ (NIH PMC) هي نوع أساسي من خلايا الدم البيضاء ينتمي إلى فصيلة الخلايا اللمفاوية، وتشكل جزءاً رئيساً من الجهاز المناعي التكيفي.
سُمِّيت بهذا الاسم؛ لأنَّها تنضج في الغدة الزعترية (Thymus) بعد أن تنشأ في نخاع العظم، وهي المسؤولة عن الاستجابة المناعية النوعية التي تستهدف مسببات الأمراض والخلايا الغريبة بدقة عالية.
تحمي الخلايا التائية الجسم من الفيروسات والبكتيريا والفطريات والطفيليات، إضافة إلى الخلايا السرطانية، سواء من خلال مهاجمة الخلايا المصابة مباشرة أم من خلال إرسال إشارات لتنظيم وتنسيق عمل مكونات جهاز المناعة الأخرى، وتتميز هذه الخلايا بالدقة والتخصص؛ إذ يمتلك كل منها مستقبلاً فريداً للتعرف على مستضد محدد.
تُنشَّط الخلية التائية المناسبة عند اكتشاف غزو خارجي، فتتضاعف لتكوِّن نسخاً متعددة تُعرف بالخلايا المؤثرة (Effector T cells) التي تخوض المعركة ضد التهديد، وبعد القضاء على العدوى، تتحول بعض هذه الخلايا إلى خلايا ذاكرة، لتظل في الجسم وتضمن استجابة سريعة وفعالة في حال تكرار التعرض للعدوى.
تمثِّل الخلايا التائية العقل المدبر والمقاتل المتخصص في الجهاز المناعي، فهي لا تهاجم مسببات الأمراض فحسب؛ بل تنظم أيضاً التوازن المناعي بما يضمن حماية الجسم دون الإضرار بخلاياه السليمة.
الفرق بينها وبين الخلايا البائية
الخلايا التائية (T cells) | الخلايا البائية (B cells) | |
الموقع النشوء | تنشأ في النخاع العظمي وتنضج في الغدة الزعترية (Thymus). | تنشأ وتنضج في النخاع العظمي (Bone marrow). |
الدور الرئيس | مهاجمة الخلايا المصابة وتنظيم الاستجابة المناعية. | إنتاج الأجسام المضادة (Antibodies) للتعرف على المستضدات. |
طريقة التعرف على المستضد | من خلال المستقبلات على سطح الخلية (TCR) وترتبط بالمستضد المعروض على الخلايا الأخرى. | من خلال مستقبلات سطحية (BCR) تتعرف مباشرة على المستضد الحر. |
أنواع رئيسة | الخلايا المساعدة (Helper T cells)، والخلايا القاتلة (Cytotoxic T cells)، وخلايا الذاكرة. | خلايا البلازما المنتجة للأجسام المضادة، وخلايا الذاكرة البائية. |
آلية الاستجابة | تقتل مباشرة أو تنشط خلايا أخرى من الجهاز المناعي. | تُفرِز الأجسام المضادة التي تلتصق بالمستضدات وتدمِّرها. |
تعد الخلايا التائية نوعاً من خلايا الدم البيضاء تتعرف على مسببات الأمراض وتنسق الاستجابة المناعية أو تهاجم الخلايا المصابة مباشرة.
أنواع الخلايا التائية
تُقسَّم الخلايا التائية إلى عدة أنواع رئيسة بالاستناد إلى تصنيفات منظمة الصحة العالمية وأبحاث (PubMed)، لكلٍّ منها دور محدد في التعرف على مسببات الأمراض، أو تنشيط الخلايا الأخرى، أو حماية الجسم من الاستجابات المناعية المفرطة، ففي هذه الفقرة نوضح أبرز أنواع الخلايا التائية ووظائفها الحيوية في الجهاز المناعي:
1. الخلايا التائية المساعدة (Helper T cells)
تعد الخلايا التائية المساعدة من الركائز الأساسية في الجهاز المناعي؛ إذ تنشِّط وتوجه باقي خلايا الجهاز المناعي، مثل الخلايا البائية والقاتلة، وتتمثل وظيفة هذه الخلايا في التعرف على المستضدات وتنظيم الاستجابة المناعية من خلال إفراز سيتوكينات (Cytokines) التي تعمل بوصفها رسائل كيميائية تحفز خلايا أخرى على مهاجمة مسببات الأمراض.
2. الخلايا التائية القاتلة (Cytotoxic T cells)
الخلايا التائية القاتلة متخصصة في مهاجمة الخلايا المصابة مباشرة، سواء كانت خلايا مصابة بالفيروسات أم خلايا سرطانية، ووظيفة هذه الخلايا الأساسية تكمن في تدمير الخلايا المصابة من خلال إطلاق بروتينات سامة، مثل البروتينات الثقبية (Perforins) والإنزيمات المحللة للبروتينات وتؤدي إلى موت الخلية المستهدفة ومنع انتشار العدوى.
3. الخلايا التائية المنظمة (Regulatory T cells)
الخلايا التائية هي الخلايا الضابطة للجهاز المناعي، فهي تمنع الاستجابات المفرطة أو المناعية الذاتية التي قد تسبب أمراضا مناعية. وتتمثل وظيفتها في كبح نشاط الخلايا المناعية الأخرى، والحفاظ على التوازن الدقيق بين مهاجمة مسببات الأمراض وحماية أنسجة الجسم من التلف.
4. الخلايا التائية الذاكرة (Memory T cells)
تتحول بعض الخلايا التائية إلى خلايا ذاكرة بعد انتهاء العدوى، تحفظ هذه الخلايا معلومات عن المستضد الذي واجهته سابقاً، وتتمثل وظيفة الخلايا التائية الذاكرة في ضمان استجابة أسرع وأقوى عند التعرض المستقبلي للعامل الممرض نفسه، مما يعزز فعالية الجهاز المناعي ويقلل شدة العدوى عند التعرض مرة أخرى.
تنقسم الخلايا التائية إلى أنواع متعددة، أبرزها المساعدة، والقاتلة، والمنظمة، وخلايا الذاكرة، ولكل منها دور محدد في المناعة.
النوع | الرمز العلمي | الوظيفة الرئيسية | الدور المفصّل |
التائية المساعدة | TH / CD4+ | قائدة الجهاز المناعي. | تطلق إشارات لتنشيط الخلايا الأخرى (الخلايا البائية لإنتاج الأجسام المضادة، والخلايا التائية القاتلة). |
التائية القاتلة | TC / CD8+ | القاتل المباشر للخلايا المصابة. | تتعرف على الخلايا المصابة بالفيروسات أو الخلايا السرطانية وتدمرها مباشرة. |
التائية التنظيمية | Tregs | كابح ومُنظِّم للمناعة. | تمنع الجهاز المناعي من مهاجمة أنسجة الجسم الذاتية وتوقف الاستجابة بعد زوال الخطر. |
التائية الذاكرة | Memory T Cells | حفظ الذاكرة المناعية. | تبقى في الجسم لتضمن استجابة سريعة وقوية جدًا عند التعرض لنفس المُمْرِض مرة أخرى. |
وظيفة الخلايا التائية في الجهاز المناعي
وفقاً لبيانات الجمعية الأمريكية لعلم المناعة (American Association of Immunologists – AAI)، تقوم هذه الخلايا بمجموعة متنوعة من الوظائف الدقيقة، تشمل:
1. التعرف على المستضدات وتفعيل الخلايا المناعية
تتمتع الخلايا التائية بقدرة دقيقة على التعرف على المستضدات (Antigens) الموجودة على سطح الخلايا الغريبة أو المصابة، مما يتيح للجهاز المناعي تحديد مصدر العدوى أو الخلايا الشاذة، وعند اكتشاف هذه المستضدات، تنشط الخلايا التائية بقية الخلايا المناعية، مثل الخلايا البائية والخلايا القاتلة، لتعزيز التنسيق بين مكونات الجهاز المناعي وضمان استجابة فعالة وسريعة ضد مسببات الأمراض.
2. قتل الخلايا المصابة
تهاجم بعض الخلايا التائية، مثل الخلايا التائية القاتلة وتدمر الخلايا المصابة بالفيروسات أو الخلايا السرطانية مباشرة، منعاً لانتشار العدوى داخل الجسم، فتنتج مواد كيميائية (سيتوكينات) تعمل بوصفها رسائل داخل الجهاز المناعي لتوجيه وتحفيز خلايا أخرى على مهاجمة مسببات الأمراض والتنسيق بين مختلف مكونات الاستجابة المناعية.
تتعرف الخلايا التائية على المستضدات، وتنشط الخلايا المناعية الأخرى، وتقتل الخلايا المصابة بالفيروسات أو السرطان.
إقرأ أيضاً: 9 أغذية تحميك من الأمراض مدى الحياة
دورة حياة الخلايا التائية
تبدأ الخلايا التائية حياتها في نخاع العظم بوصفها خلايا جذعية متعددة القدرات، وهذه الخلايا يمكنها أن تتحول إلى أنواع مختلفة من خلايا الدم، ومنها الخلايا التائية الأولية، وبعد ذلك، تنتقل هذه الخلايا إلى الغدة الزعترية من خلال الدم لتبدأ مرحلة النضوج (Kumar et al., Human T Cell Development, Localization, and Function, Nature Reviews Immunology, 2018).
1. نضوج الخلايا التائية في الغدة الزعترية
الغدة الزعترية (Thymus) هي العضو الأساسي الذي تُنضج فيه الخلايا التائية، فتتعلم التعرف على الخلايا الذاتية وعدم مهاجمتها، وفي الوقت نفسه الاستعداد للتعرف على الخلايا الغريبة أو المستضدات، وتخضع الخلايا التائية بعد وصولها للغدة الزعترية لعدة مراحل نضوج:
1.1 المرحلة المزدوجة السلبية (DN)
في المرحلة المزدوجة السلبية (Double Negative – DN)، تكون الخلايا التائية في وضعية أولية لا تعبِّر فيها عن أية من مستقبلات (CD4) أو (CD8)، وخلال هذه المرحلة، ترتِّب الخلايا جينات مستقبلات الخلايا التائية (TCR) لتكوين مستقبلات جديدة على سطحها قادرة على التعرف على مستضدات محددة.
كما يُحدَّد في هذه المرحلة مسار الخلية التائي المستقبلي؛ أي ما إذا كانت ستتطور لاحقاً إلى خلية CD4+ أو CD8+، وذلك اعتماداً على طبيعة المستقبلات التي تكوَّنت لديها( Thapa, The Role of the Thymus in the Immune Response, Journal of Immunology, 2019).
1.2 المرحلة المزدوجة الإيجابية (DP)
تحمل الخلايا التائية في المرحلة المزدوجة الإيجابية (Double Positive – DP) كلا البروتينَين (CD4) و(CD8) على سطحها، ومن هنا جاء رمز (DP)، وخلال هذه المرحلة، تخضع الخلايا لاختبار هام للتعرف على بروتينات (MHC)، وهي بروتينات تعرض أجزاء من البروتينات داخل الجسم لتخبر الخلايا التائية بما يحدث، فإذا فشلت الخلية في التعرف على أي (MHC)، فإنَّها تموت تلقائياً.
أمَّا إذا تعرَّفت تعرُّفاً معتدلاً، فتبقى للمرحلة التالية، بينما تُزال الخلايا التي تتعرف بقوة على بروتينات الجسم لتجنب حدوث المناعة الذاتية، والهدف من هذه المرحلة هو التأكد من أنَّ الخلايا التائية، قادرة على التعرف على المستضدات بدقة، دون مهاجمة خلايا الجسم نفسها.(MHC (Ruiz Pérez et al., The Thymus Road to a T Cell: Migration, Selection, and Atrophy, Frontiers in Immunology, 2024).
شاهد بالفديو: 10 أنواع أطعمة تقوي جهاز المناعة
1.3 الاختيار الإيجابي والسلبي
تمرُّ الخلايا التائية في مرحلة الاختيار الإيجابي والسلبي بالغدة الزعترية بعمليتين أساسيتين لضمان فعاليتها وأمانها، ففي الاختيار الإيجابي، تختار الغدة الزعترية الخلايا التي تتعرف تعرُّفاً معتدلاً على مركبات (MHC) الموجودة في الجسم، مما يضمن أنَّ هذه الخلايا التائية، ستستجيب للمستضدات عند دخولها الجسم لاحقاً، بينما تموت الخلايا التي لا تتعرف على (MHC) ولا تنتقل إلى الدم، فتبقى فقط الخلايا الفعالة والمهيأة للوظيفة المناعية.
أمَّا في الاختيار السلبي، فتبقى الخلايا التي تتعرف بقوة على مستضدات الجسم لمنع حدوث المناعة الذاتية وحماية أنسجة الجسم من الهجوم، فيخرج من الغدة الزعترية فقط الخلايا التائية القادرة على التمييز بدقة بين الذات والغير، جاهزة لأداء دورها المناعي بفعالية وأمان. (Sun et al., T Cells in Health and Disease, Nature Reviews Immunology, 2023).
2. انتشارها في الدم والأعضاء اللمفاوية
تنتقل الخلايا التائية بعد النضوج إلى الدم والأعضاء اللمفاوية الثانوية، مثل العقد اللمفاوية، والطحال، واللوزتين، وتُعبِّر عن مستقبلات الهجرة (homing receptors)، مثل (CCR7) و(L-selectin) لتوجيهها إلى الأنسجة المستهدفة، وعند التعرض للمستضد تتكاثر وتتمايز إلى خلايا فعالة أو ذاكرة (Kumar et al., 2018; Sun et al., 2023).
تبدأ الخلايا التائية في نخاع العظم، وتنضج في الغدة الزعترية قبل أن تنتشر في الجسم لمراقبة وحماية الأنسجة.
الأمراض المرتبطة بالخلايا التائية
يؤدي اختلال أو ضعف الخلايا التائية إلى مشكلات صحية خطيرة، ففي هذه الفقرة، نستعرض أبرز الأمراض المرتبطة بالخلايا التائية وأسبابها وتأثيرها في الجسم.
1. نقص المناعة (مثل الإيدز)
يحدث نقص المناعة بالإشارة إلى ما جاء في أبجاث (mayoclinic) عندما يضعف جهاز الدفاع في الجسم، وأشهر مثال عليه هو الإيدز الناتج عن فيروس (HIV) الذي يستهدف الخلايا التائية (CD4)+، ومع تدمير هذه الخلايا، يضعف الجسم أمام العدوى، وتزداد مخاطر الإصابة بأمراض كان الجسم عادة يقاومها بسهولة، مثل الالتهابات الرئوية الفطرية، والسل، وبعض الأورام كالسرطان المعروف بساركومة كابوزي، فإذا لم يتلقَ الشخص علاجاً، يمكن أن يتعطل جهاز المناعة تماماً، مما يهدد الحياة.
2. أمراض المناعة الذاتية
تحدث أمراض المناعة الذاتية عندما يهاجم جهاز المناعة خلايا الجسم السليمة عن طريق الخطأ، ومن أبرز الأمثلة:
- داء السكري من النوع الأول: تدمير خلايا البنكرياس المنتجة للأنسولين.
- التصلب المتعدد (Multiple Sclerosis): إتلاف الغلاف الواقي للأعصاب في الدماغ والحبل الشوكي.
- الذئبة الحمراء (Systemic Lupus Erythematosus): تهاجم الأنسجة المختلفة، مثل الجلد والمفاصل والكلى.
تُعزى هذه الحالات إلى فشل في عملية "الاختيار السلبي" في الغدة الزعترية، فلا يُتخلَّص من الخلايا التائية التي تهاجم خلايا الجسم السليمة، ونتيجة لذلك، تنتشر هذه الخلايا في الجسم وتسبب التهابات وأضراراً مزمنة.
3. السرطانات المرتبطة بالخلايا التائية
تنشأ بعض أنواع السرطان من الخلايا التائية نفسها، مثل:
- اللوكيميا التائية (T-cell leukemia): سرطان في خلايا الدم البيضاء التائية.
- الليمفوما التائية (T-cell lymphoma): سرطان في العقد اللمفاوية أو الأنسجة اللمفاوية الأخرى.
- سرطان الغدة الزعترية (Thymoma): ينشأ في الغدة الزعترية، فتنضج الخلايا التائية.
تُستخدم العلاجات، مثل العلاج المناعي بالخلايا التائية المعدلة (CAR-T) لعلاج بعض هذه السرطانات، فتعدل الخلايا التائية في المختبر لتعزيز قدرتها على محاربة السرطان.
تتأثر الخلايا التائية في نقص المناعة، أو تتحول إلى هدف في أمراض المناعة الذاتية وبعض السرطانات.
الأسئلة الشائعة
1. ما الفرق بين الخلايا التائية والبائية؟
تنظم الخلايا التائية الاستجابة المناعية وتهاجم الخلايا المصابة، بينما الخلايا البائية تنتج الأجسام المضادة لمهاجمة الجراثيم والطفيليات.
2. هل يمكن تقوية عمل الخلايا التائية؟
نعم، من خلال تغذية صحية، وممارسة الرياضة، ونوم كافٍ، وتجنب التوتر المزمن، كما تساعد بعض اللقاحات على تنشيطها.
3. ما دور الخلايا التائية في اللقاحات؟
تتعلم التعرف على المستضدات وتدعم الاستجابة المناعية طويلة الأمد، مما يحمي الجسم عند التعرض للعدوى المستقبلية.
في الختام
الخلايا التائية هي خط الدفاع المتقدم في الجسم ولا يجب الاستغناء عنها للحفاظ على صحتنا، وإنَّ فهم أنواعها ووظائفها، يعزز تقديرنا لدور الجهاز المناعي في حماية حياتنا. شارِك هذا المقال مع المهتمين بالصحة والمناعة لتوسيع المعرفة.
أضف تعليقاً