مشكلة التشرد: أسبابها وعلاجها

لم يعد التشرد مجرد ظاهرة، بل أصبح مشكلة اجتماعية يجب أن تحظى باهتمام الحكومات والمنظمات والمجتمعات أيضاً، وأن يجري العمل على إيجاد حلول فعالة لها.



يمكن تعريف التشرد على أنَّه عدم امتلاك الفرد مأوى يحتمي فيه، حيث تراه يهيم في الشوارع يبحث عن مكان يلجأ إليه كالحدائق والمشافي والطرقات والجسور، ويتجول طيلة النهار في الشوارع وبالقرب من المطاعم بغية الحصول على الطعام والمال عن طريق التسول.

وفقاً لمنظمة كرايسيس الخيرية التي تُعنَى بالتشرد في المملكة المتحدة، فإنَّ المَسكن ليس نطاقاً مادياً فحسب، بل يزوِّد قاطنيه بالجذور والهوية والأمان وحس الانتماء، وهو مكان للرفاهية العاطفية؛ وهذا ما يفتقر إليه المشردون.

يقاسي المشردون حر الصيف وبرد الشتاء، ويعانون من قلة الطعام والعلاج؛ لذلك يلجأ الكثير منهم إلى التسول لتأمين احتياجاتهم الأساسية، وقد يكون لهذا تبعات أخرى عديدة.

سنتحدث في مقالنا هذا عن أهم أسباب ظاهرة التشرد، وآثارها على المجتمع والفرد؛ كما سنتعرَّف على أشكال هذه المشكلة، وكيف يمكن التصدي لها.

أهم الأسباب التي تؤدي إلى مشكلة التشرد:

لا بد من معرفة الأسباب الكامنة وراء هذه المشكلة لكي نتمكَّن من طرح حلول مناسبة لها؛ ومن هذه الأسباب:

1. الفقر:

يعدُّ الفقر أساس معظم المشكلات، وهو السبب الرئيس لمشكلة التشرد في المجتمعات؛ ذلك لأنَّ الذين يملكون المال، يملكون المأوى والطعام ومستلزمات الحياة والرفاهية الأساسية.

2. غلاء الأسعار:

يساعد غلاء الأسعار على انتشار وتوسع مشكلة التشرد؛ إذ قد يفوق غلاء أسعار الأطعمة وإيجارات المنازل طاقة الفرد، فتراه يذهب إلى الملاجئ هرباً من التزامات مالية لا يقوى على سدادها.

3. البطالة:

تعدُّ البطالة من الأسباب التي تُفاقم مشكلة التشرد؛ فعندما لا يحصل الفرد على وظيفة تُمكِّنه من تلبية احتياجاته الأساسية، يلجأ إلى التشرد والتسول لكونهما خياره الوحيد.

شاهد بالفيديو: طرق معالجة البطالة في المجتمع

4. التعنيف المنزلي:

إنَّ للعنف المنزلي تبعات يلجأ إليها المُعنَّفون، ويعدُّ التشرد أحدها.

5. الاضطرابات العقلية والنفسية:

قد تكون الاضطرابات العقلية والنفسية أحد أسباب التشرد؛ ويعود ذلك إلى عدم وجود هيئة أو مصح يهتم بالأشخاص الذين يعانون من مثل هذه الاضطرابات، لذا ترى أغلبهم منتشرين في الشوارع.

6. السجن:

عندما يخرج شخص ما من السجن ولا يجد من يمد له يد العون، ولا يتمكَّن من العثور على عمل يستطيع من خلاله سد احتياجاته الأساسية؛ سيكون التشرد خياره الوحيد بعد إقصائه من قِبل المجتمع.

7. إدمان الكحول والمخدرات: 

يلاقي المدمنون المصير نفسه الذي يلاقيه المجرمون، وغالباً ما ينبذه كلٌّ من المجتمع والعائلة والأصدقاء؛ لكونه يتصرف تصرفات لا تروق لهم، ويعدُّ مصدر خطر على عائلاتهم وأنفسهم.

إقرأ أيضاً: الإدمان على المخدرات، والكحول، والتدخين وطرق العلاج

8. الأزمات والكوارث:

قد تسلب الأزمات والكوارث ما لدى الفرد من مال ومأوى، وتجبره على التشرد؛ لكن لهذه الحالة خصوصية؛ فهي تلقى اهتمام وكالات الأمم المتحدة، خصوصاً برنامج الأمم المتحدة الإنمائي للتعافي المبكر واستعادة سبل العيش؛ وذلك من خلال تقديم ما يلزم للنهوض من جديد والاعتماد على النفس.

9. التسرب من التعليم:

تعدُّ هذه إحدى الظواهر التي تشجع الأطفال على التشرد.

أشكال التشرد:

قد يطال التشرد الأطفال والشباب والنساء والشيوخ على حد سواء، وله عدة أشكال أهمها:

1. التشرد الأساسي أو الكامل:

هو التشرد طيلة ساعات اليوم وأيام السنة، ويكون الفرد فيه دون مأوى أو مأكل أو ملبس، ويجوب الطرق والساحات في النهار، ويلجأ إلى المباني المهجورة والحدائق في الليل، ويَعُدُّ نفسه تائهاً بلا هدف، ويعيش على بقايا طعام الناس ولباسهم، وينتهي الأمر به إلى التسول من أجل تلبية جزء بسيط من احتياجاته.

2. التشرد الثانوي:

هو التشرد المنتظم في الانتقال من ملجأ الى آخر، وبين مراكز الإيواء أيضاً؛ أي يمكن القول أنَّ المشرد في هذه الحالة منظم جزئياً في عملية تشرده.

3. التشرد الداخلي للأطفال: 

هو التشرد الناجم عن الحروب والنزاعات التي يُنقَل فيها الأطفال من مواقعهم الجغرافية إلى مناطق أخرى.

4. التشرد المخطط:

هو نقل الأطفال من قبل الحكومات بغية الحصول على التعليم في مناطق بعيدة عن مناطق إقامتهم.

5. التشرد الهادف:

يخص هذا النوع اللاجئين من الحروب والنزاعات من أجل حمايتهم من التجنيد مع الأطراف المتنازعة فيما بينها.

6. التشرد العالي (Tertiary homelessness):

هو التشرد الذي يكون فيه المأوى دون مرافق صحية ومطابخ ومستلزمات؛ أي أنَّه عبارة عن جدران وأسقف فقط.

الآثار الناجمة عن مشكلة التشرد:

لمشكلة التشرد آثار سلبية على الفرد المشرد والمجتمع الذي يحويه، وسنناقش فيما يأتي الآثار كلَّاً على حدة:

الآثار السلبية على صعيد الفرد المشرد:

  1. عدم وجود مكان هادئ يستطيع النوم فيه: يعاني المشرد من قلة الراحة في النوم كونه ينام في الطرق والحدائق والأماكن المكتظة.
  2. سهولة سرقة مقتنياته: يمكن بسهولة سرقة ما جناه من طعام وشراب ولباس، وذلك بسبب كونه يعيش في بيئة مفتوحة وغير آمنة.
  3. انعدام النظافة الشخصية: ينام المشرد في مكان غير نظيف، ويلبس لباساً متسخاً، وقد لا يستحم أبداً؛ ذلك لعدم توفر مرافق صحية للاستحمام، أو لأنَّ تكلفتها مرتفعة بالنسبة إليه.
  4. عدم الاهتمام بالصحة: يكون المشرد مهملاً للنظافة الشخصية، ممَّا يجعله أكثر عرضة إلى الأمراض.
  5. التعرض إلى العنف والاستغلال: يُعدُّ من الفئات الهشة التي لا تستطيع الدفاع عن نفسها، ويُعرَف بأنَّه ضعيف؛ ممَّا يؤدي إلى احتمالية تعرضه إلى أشكال العنف والاستغلال الجسدي واللفظي، والجنسي أيضاً.
  6. عدم حصوله على فرصة عمل: لا يقبل أرباب العمل توظيف المشردين بسبب النظرة الدونية إليهم.
  7. الرفض من قبل المجتمع: يرفض المجتمع المشردين بأشكالهم كافة، ولا يتقبل فكرة أنَّهم أشخاص عاديون اضطروا إلى التشرد نتيجة ظرف ما.
  8. قلة العلاقات والتواصل: تضعف العلاقات حتى بين المشردين أنفسهم بسبب الشعور بالخوف من الاستغلال، وتنقلات المشرد الكثيرة بين المناطق، مع افتقاره إلى وسيلة تواصل يستطيع المرء التواصل معه من خلالها.

الآثار الناجمة عن مشكلة التشرد على صعيد المجتمع:

  1. تفشي حالات الاغتصاب: تكثر حالات الاعتداء الجنسي على النساء والأطفال من المشردين؛ ذلك لكونهم أكثر عرضة إلى الاستغلال.
  2. تفشي السرقة: يعاني المجتمع من كثرة السرقة نتيجة حالات التشرد، لكون البيئة التي ينشأ فيها المتشرد تضم مختلف الأصناف من البشر.
  3. تفشي الإدمان: يلجأ أغلب المشردين الى الإدمان، ممَّا يزيد من نسبة المدمنين في المجتمع.
  4. ارتفاع معدلات التسول: يحتاج المشرد إلى مستلزمات الحياة الأساسية من طعام وشراب ولباس؛ ولكي يحصل عليها، يلجأ أغلبهم إلى التسول؛ الأمر الذي يزيد معدلات التسول في المجتمع.
  5. ارتفاع معدل الجريمة: يكون المشرد أكثر عرضة إلى الانحراف، ممَّا يزيد من احتمالية تحوله الى مجرم يهدد المجتمع ككل.
  6. ارتفاع معدل البطالة: المشرد شخص عاطل عن العمل، ولا يستطيع الحصول على وظيفة؛ ممَّا يزيد نسبة البطالة في المجتمع.
  7. التفاوت بين طبقات المجتمع: تهز مشكلة التشرد الهيكل المجتمعي، وتُحدِث فجوة بين طبقات المجتمع المختلفة؛ ممَّا يعزز العنصرية لدى أفرادها.
إقرأ أيضاً: ظاهرة الانتحار بين الأرقام والإحصائيات وكيف نعيش حياة سعيدة

طرق علاج مشكلة التشرد:

لكل شيء حل، ويجب على الحكومات والمجتمعات والمنظمات أن تتعاون معاً من أجل القضاء على هذه المشكلة التي تمس كل فرد في المجتمع؛ لكن حاولنا أن نطرح فيما يأتي أهم طرائق العلاج لهذه المشكلة:

1- تفهُّم المشكلة والتفكير في الحل:

إنَّه لمن الضروري أن نفهم المشكلة فهماً صحيحاً، وكذلك الأسباب التي أدت إلى ظهورها؛ ونعمل على إيجاد حل لها بما يتناسب مع الإمكانات المتاحة من قبل الحكومات والمجتمعات.

2- القضاء على الفقر:

أهم سبب وراء ظهور مشكلة التشرد هو الفقر؛ لذا للحد من الفقر، على الحكومات العمل على إيجاد فرص عمل للعاطلين عن العمل من أجل تلبية احتياجاتهم الأساسية.

3- تغيير نظرة المجتمع تجاه المشرد:

ينظر المجتمع إلى المشرد نظرة ازدراء، ولا تساعد هذه النظرة المشرد على أن يكوِّن نفسه ويضع أهدافاً يسعى إلى تحقيقها؛ بل هي نظرة مثبطة له، وتدعوه لكي يبقى مشرداً طيلة حياته.

4- التعامل معهم بأخلاق ولطف:

تنص كل الأديان والقوانين على وجوب تعامل الإنسان مع أخيه الإنسان بكامل الأخلاق والاحترام والعطف أيضاً.

5- توفير مراكز التأهيل:

من الأمور الهامة التي يجب توفيرها هي مراكز التأهيل التي من شأنها أن تساعد في حل مشكلة التشرد وتغيير نظرة المشرد إلى نفسه.

6- التطوع لخدمتهم:

يفيد العمل التطوعي في تأمين احتياجاتهم، والتأكيد على أنَّهم جزء من المجتمع؛ ممَّا يساعد على حل المشكلة، وتغيير نظرة المشرد إلى المجتمع.

7- التبرع بتقديم الهدايا لهم:

يجب على المجتمع تقديم كل ما يحتاجونه من مأكل ومشرب وملبس؛ وذلك لإشعارهم بأهميتهم في المجتمع، وبتعاطف الآخرين معهم.

8- وضع خطط وأهداف حكومية:

من خلال تشريع قوانين تحفظ كرامة الفئات الهشة، والمساعدة على تأهيلهم من خلال مراكز معتمدة من قبل الحكومة، وتقديم الدعم اللازم لهم.

الخلاصة:

يعدُّ التشرد مشكلة اجتماعية على الحكومات التصدي لها ومنع تفشيها في مجتمعاتها؛ إذ يؤثر على الأصعدة كافة، لاسيما الصعيدين الاقتصادي والحضاري؛ لذا لا بد للحكومات من وضع سياسات للحد من هذه الظاهرة، والعمل على تأمين فرص عمل لهذه الطبقة من المجتمع لمساعدتهم على تأمين احتياجاتهم الأساسية.

 

المصادر: 1، 2، 3، 4، 5




مقالات مرتبطة