متى يكون الاستسلام استراتيجية ناجحة لتحقيق أهدافك؟

إذا كنتَ تقرأ هذا المقال، فمن المحتمل أنَّك استسلمتَ خلال محاولتك القيام بشيء ما، إذاً أنت مستسلم، ونحن لا نقصد بذلك الإساءة؛ بل خلاف ذلك تماماً.



الاستسلام ليس دائماً استراتيجية سيئة:

يُنظَر إلى الاستسلام على أنَّه شيء مُعيب في مجتمعنا؛ والسبب أنَّنا تعلَّمنا منذ طفولتنا بأنَّ الأشخاص الفاشلين يستسلمون والضعفاء ينسحبون، وفي المقابل، يستمر الأشخاص الأقوياء في الكفاح والمثابرة حتى يحصلوا على ما يريدونه من الحياة، لكن دعنا نخبرك بكل صدق أنَّ ما تعلمناه هو كلام فارغ.

الناس الأقوياء ينسحبون باستمرار؛ فمثلاً كان "ليبرون جيمس" (Le’Bron James) لاعب كرة قدم قبل أن يترك لعبة كرة القدم ويتجه نحو كرة السلة، والآن يُعَدُّ "جيمس" واحداً من أفضل لاعبي كرة السلة في تاريخ الدوري الأمريكي.

أيضاً كانت بداية "إيفان وليامز" (Evan Williams) المؤسِّس المشارك لموقع "تويتر" (Twitter)، بتأسيس منصة مدوِّنات صوتية وسماها "أوديا" (Odea)، ولكنَّه انسحب بعد أن أعلنت شركة "آبل" (Apple) أنَّها صمَّمت تطبيق "آي تيونز" (iTunes) الذي يدعم المدوِّنات الصوتية، والفشل الذي لحق به في ذلك الوقت تحول إلى نجاح في وقت لاحق.

وماذا عن "والت ديزني" (Walt Disney) الذي تعرَّض للإفلاس ست مرات في أثناء سعيه إلى تحقيق رؤيته الفريدة، ولكنَّه ثابر حتى أسَّس شركة تفوق قيمتها اليوم 35 مليار دولار.

أيضاً "آريانا هافينغتون" (Ariana Huffington) الكاتبة والمراسلة التي رُفِضَت 36 مرة من دور النشر، قبل أن يُنشَر كتابها الأول الذي قادها إلى تأسيس موقع "هافينغتون بوست" (Huffington Post)، لم تستسلم "هافينغتون" وبالتأكيد كان هذا لمصلحتها.

إنَّ الأمثلة الكثيرة عن أشخاص استسلموا وآخرين استمروا في المحاولة تقودنا إلى سؤال هام جداً وهو: "متى يكون الاستسلام تصرفاً ذكياً؟ ومتى تكون المثابرة تصرفاً ذكياً؟".

إقرأ أيضاً: 8 أمور يجب القيام بها عندما ترغب في الاستسلام

الاستسلام يعني تغيير المسار:

كتب "سيث جودين" (Seth Godin) في كتابه "المنحدر" (The Dip) أنَّه يجب عليك أن تقلع عن الأشياء الخاطئة وتتمسك بالأشياء الصحيحة، وتمتلك الشجاعة للاختيار بين شيئين، لكن ما هي الأشياء الخاطئة وما هي الأشياء الصحيحة؟ والأهم من ذلك، كيف نمتلك الشجاعة للاختيار بين شيئين؟

الجواب يكمن في رؤيتنا لمستقبلنا المثالي في عالمنا المثالي؟ وكيف تبدو حياتك في هذا المستقبل؟ نحن نعلم أنَّ الحياة ليست مثالية، لكن إذا حققتَ كل أهدافك، فكيف سيكون شعورك؟ من المؤكد أنَّ شعور النجاح رائع؛ فهو يعني أنَّ لديك وجهة معينة في الحياة؛ الأمر الذي يجعلك تشعر بأنَّ لحياتك مغزى، ولكنَّ امتلاك وجهة في الحياة هو شعور أكثر من كونه شيئاً عادياً؛ إذ إنَّه شعور يجعلك تحشد كل إمكاناتك وتسعى بكل جهدك إلى هدفك النهائي.

لذلك، فإنَّ الشيء الذي تقوم به لحشد قدراتك والسعي إلى شغفك هو ليس وجهتك؛ وإنما وسيلة تساعدك على الوصول إلى وجهتك؛ وهذا يعني أنَّه بصرف النظر عما تفعله الآن، فإنَّ الشيء الذي تشعر بالقلق تجاه تركه أم لا هو ليس هدفك النهائي، وهذا يعني أنَّه لا يجب أن تقلق كثيراً بشأن الاستسلام أو المثابرة؛ بل يجب أن تقلق بشأن الوجهة التي قررتَ المضي فيها.

هل ما تفعله الآن يجعلك تحقق تقدماً باتجاه هدفك النهائي أم لا؟ وهل تعرف حتى ما هو هدفك النهائي؟ تحديد هدفك النهائي هو الخطوة الأولى لكي تتمكن من اتِّخاذ قرار الاستسلام أو المثابرة؛ لأنَّك حالما تحدِّد هدفك النهائي، ستعلم ما إذا كنت تتجه في الاتجاه الصحيح أم لا.

على سبيل المثال، بالنسبة إلى "إيفان وليامز" كان الاستسلام قراراً حكيماً؛ لأنَّ شغفه لم يكن تأسيس منصة مدونات صوتية؛ بل كان هدفه أن يصبح رائد أعمال ناجحاً ومؤثراً، وعندما دخلت "آبل" في المجال الذي أنشأه "وليامز"، أصبح من المحتمل أن تُفلس شركته تماماً بسبب المنافسة مع شركة "آبل" العملاقة، ومن ثم أدركَ أنَّ الشيء الذي كان يفعله، لن يساعده على تحقيق هدفه؛ ألا وهو أن يصبح رائد أعمال ناجحاً، وفي تلك الحالة كان الاستسلام قراراً حكيماً.

ولكنَّ حالة "آريانا هافينغتون" هي على النقيض من ذلك، فقد كان هدفها أن تصبح كاتبة ناجحة لها بصمتها الفريدة؛ لذلك كانت المثابرة هي خيارها الوحيد على الرغم من رفض كتبها لعشرات المرات؛ لأنَّها كانت تعلم أنَّ الحصول على فرصة لنشر كتابها كان المفتاح لتحقيق أهدافها النهائية.

لذلك، عندما تفكِّر في الاستسلام أو المثابرة، يجب أن تستوعب أنَّ الاستسلام لا يعني بالضرورة أنَّك تتخلى عن أهدافك؛ وإنَّما كل ما تفعله هو أنَّك تتخلى عن شيء تفعله الآن وتختار مساراً مختلفاً يقودك إلى نفس الوجهة، ونفس الشيء عندما تقرر المثابرة، فأنت تفعل ذلك لأنَّك تعلم علم اليقين أنَّ ما تفعله سيقودك نحو هدفك الذي ترغب فيه بشدة.

شاهد بالفيديو: 10 نصائح لمحاربة اليأس والاستسلام

لا يجب أن تستخدم الاستسلام بوصفه عذراً:

لا يعني ما ذكرناه آنفاً أنَّه يجب أن تستسلم عندما تغير مسارك مؤقتاً؛ إذ يجب ألَّا تتخذ من الاستسلام عذراً للتهرب من المواظبة على تحقيق هدفك.

من المؤكد أنَّ لديك ذلك النوع السامي من الأهداف؛ وهذا يعني أنَّ تحقيقها يحتاج إلى وقت؛ وهذا يجعل من الهام أكثر من أي وقت مضى تحديد الوجهة التي ستتخذها بوضوح؛ وبذلك تستطيع التحقُّق باستمرار من أنَّ الأمور التي تفعلها تساهم في تحقيق الهدف الذي تسعى إليه؛ والسبب أنَّ الشيء الذي تفعله معظم الوقت هو ما يمنحك المهارات الحياتية التي ستقودك في نهاية المطاف إلى تحقيق أهدافك؛ فحتى لو بدا الأمر في مرحلة ما أنَّك لا تسير في المسار الصحيح، لكن من الممكن أن تكون هذه المرحلة ضرورية في رحلتك الكلية لتحقيق الهدف.

يجب أن تكون فطناً، وكما يقول "جودين" في كتابه: "إنَّ نقار الخشب يمكن أن ينقر عشرين مرة على ألف شجرة دون أن يحصل على شيء سوى إضاعة وقته، بينما يستطيع أن ينقر عشرين ألف مرة على شجرة واحدة ويحصل على العشاء"؛ لذلك من الهام أكثر من أي وقت مضى أن تستوعب الوجهة التي حددتها وتستوعب مسارك الحالي حتى إن كان من الضروري أن تثابر على ما تفعله لعشر سنين.

فيجب أن تثابر على ذلك ما دامت الحياة التي تريدها تستحق هذا العناء، أما إذا كانت وجهتك لا تستحق ذلك الجهد أو أنَّ الشيء الذي تفعله لن يقودك إلى تحقيق هدفك، فقد حان الوقت لتراجع هدفك.

إقرأ أيضاً: 8 نصائح لتحويل الفشل إلى نجاح

في الختام:

مهما كان ما تفعله، إياك أن تستخدم الاستسلام بوصفه عذراً فهو ليس كذلك، لكن عندما يُستخدَم استخداماً صحيحاً فهو استراتيجية حدسية تساعدك على الوصول إلى الهدف الذي تنشده؛ لذلك استسلم أو استمر، أنت مَن يختار، لكن مهما كان خيارك فاحرص على أن يكون خطوة نحو تحقيق الحياة التي تسعى إليها.

المصدر




مقالات مرتبطة