متى تهتز الثقة بالنفس؟ الأسباب والعلاج

لا شك أنَّ الإنسان السوي هو مصدر النهضة والتقدم في المجتمع، ولكي يستطيع القيام بواجباته على أكمل وجه يجب أن يتمتع بالصحة النفسية التي تُعَدُّ الثقة بالنفس إحدى أهم مقوماتها، كما أنَّها مصدر سعادة الإنسان الأول وأساس نجاحه وعنوان شعوره بالاستقرار والأمان، أما الوقوع تحت شعور السلبية والتردد وعدم الاطمئنان وتدني تقدير الذات فهو بداية الفشل.



الثقة بالنفس هي إحساس الفرد بقيمته سواء ضمن المجتمع الذي يعيش فيه أم خارجه، فالشخصية الواثقة من نفسها هي شكل عميق من احترام الذات وليست حب النفس النرجسي أو التقدير السطحي الواهم، وهي الفهم الصحيح للكيفية التي تجعل من الفرد عظيماً وكيف يستطيع استخدام هذه العظمة عندما يخوض معارك الحياة ومصاعبها وبالطريقة التي تمكنه من الحركة والسير في الحياة بثقة.

الثقة من الأشياء التي لا يمكن للفرد الاستغناء عنها، فبالتأكيد سوف يحتاجها في أمر من الأمور أو موقف من المواقف التي يمر بها مهما كان مجال عمله، وسوف نتحدث في هذا المقال عن مفهوم الثقة بالنفس وما هي الأسباب التي تؤدي إلى تدنِّي الثقة بالنفس؟ وكيف يمكن علاج هذه الأسباب؟

الثقة بالنفس:

الثقة بالنفس هي اعتداد المرء بنفسه واعتباره لقدراته ولذاته، وهي اتجاه الإنسان نحو كفايته النفسية والاجتماعية التي تساعده على التفكير الابتكاري وتزيد من فرصة نجاحه في تذليل عقبات الحياة، ومن ثمَّ تزيد من شعوره بالأمن النفسي والاجتماعي في مواقف الحياة المختلفة.

ترى "أمل المخزومي" بأنَّ الثقة إحدى السمات الشخصية الأساسية التي يبدأ تكوينها منذ نشأة الفرد، كما ترتبط ارتباطاً وثيقاً بتكيف الفرد نفسياً واجتماعياً، وتعتمد اعتماداً كلياً على مقوماته العقلية والجسدية والنفسية، ويرى "سيد خير الدين" بأنَّ تقدير الذات والثقة بالنفس هما فهم الفرد لنقاط ضعفه ونقاط قوَّته.

يقول "رضا" إنَّ الثقة هي إيمان الإنسان بأهدافه وقراراته وبقدراته وإمكاناته؛ أي الإيمان بذاته، والثقة بالنفس لا تعني الغرور والغطرسة؛ بل هي نوع من الاطمئنان المدروس إلى إمكانية تحقيق النجاح والحصول على ما يريده الإنسان من أهداف.

على الجهة الأخرى يؤدي فقدان الثقة بالنفس إلى عجز الإنسان عن التعبير عن نفسه ومواهبه وقدراته الحقيقية، ومن ثم تبدأ رحلة صعوبة التكيف مع الأوضاع الجديدة وصولاً إلى الانزواء والانطواء والعزلة عن الآخرين، كما أنَّه يلجأ إلى تقليد الآخرين مع العلم أنَّه يمتلك قدرات أفضل من قدراتهم.

فقدان الثقة بالنفس يولد لدى الفرد الشعور بالنقص والدونية وسلوكات تتسم بالتردد والصعوبة في اتخاذ القرار بمفرده دون طلب مساعدة الآخرين، كما أنَّه يقبل ويتراجع دون أسباب مبررة، وبسبب افتقاره إلى الثقة يعاني من الخجل وصعوبة في التعرف إلى أناس جدد أو مقابلة الغرباء، كما يتضاعف لديه الشعور بالشك بنفسه أولاً وبنوايا الناس تجاهه ثانياً، وأنَّ الله لم يمنحه المواهب التي منحها لغيره.

لذلك هو - وبحسب رأيه - قليل الحظ من نواحي الكفاءات العقلية والجسدية، لكن في الحقيقة هو عاجز عن الكيفية التي يُظهر فيها هذه الكفاءات؛ لذا قد يبدو أقل كفاءة بالنسبة إلى الآخرين من غيره؛ وبسبب ذلك قد يلجأ إلى محاولة لفت الانتباه بطرائق شتى قد تتخذ منحى سلبياً في الكثير من الأحيان مثل استخدام القوة والعنف، كما يمكن أن تتخذ المنحى الإيجابي في حالات عدة مثل التفاني في العمل.

إقرأ أيضاً: 7 خطوات تساعد على تنمية الثقة بالنفس

أسباب تدني الثقة بالنفس:

1. الطفولة الحزينة أو البائسة:

من المعروف أنَّ الإنسان يبدأ بتكوين مشاعره الأولية لتقدير الذات والثقة بالنفس منذ شهوره الأولى، وذلك يظهر تبعاً للاستجابة التي يحدثها المجتمع من حوله لاحتياجاته كافة، وفي أثناء ذلك؛ أي خلال مراحل النمو المختلفة للطفل تتغير ثقته بنفسه تبعاً لاستجابة الأشخاص الهامين في حياته؛ لذا فإنَّ عوامل مثل الحب والحنان والعطف والحصول على الاحترام جميعها تمثل عوامل مساعدة على بناء الثقة بالنفس.

بالمقابل فإنَّ عوامل مثل الإهمال أو الحماية الزائدة أو النقد اللاذع والمستمر وغيرها تؤدي إلى تقويض الثقة بالنفس، وإضافة إلى عوامل تكوين الثقة فإنَّ حدوث أشياء غير جيدة في الطفولة ينعكس أيضاً على ثقة الإنسان بنفسه، فإذا نشأ الإنسان خائفاً أو قلقاً من حدوث أمر ما أو في جو أسري غير مستقر كل ذلك سيضعف ثقته بنفسه.

2. آراء الآخرين:

إنَّ الكيفية التي يتعامل فيها الآخرون مع الفرد من أهم الأسباب التي تؤثر في ثقته بنفسه، فالإنسان الذي يعامَل بكل احترام وود واهتمام من قِبل أشخاص هامين في حياته غالباً ما ترتفع ثقته بنفسه، وخلاف ذلك صحيح.

3. عقدة النقص:

شعور الفرد بأنَّه أقل من غيره من أيَّة ناحية كانت سواء علمية أم مادية، عقلية أم نفسية، جمالية أم أي شيء من شأنه أن يدفع بالفرد للشعور بأنَّ غيره أفضل منه، وهذا يقوض الثقة بالنفس.

4. مراقبة الآخرين:

بعض الأفراد يربطون حياتهم بحياة الآخرين أو بما يفعلونه، فنراهم يراقبون فلاناً من الناس أين ذهب؟ وماذا فعل؟ ومع من؟ وماذا تعلم؟ وماذا أنجز؟ وماذا جنى مالاً؟ وأين صرفه؟ وماذا يرتدي من الملابس؟ ومن أين حصل عليها؟ وغير ذلك من الأشياء التي لن تقدم لهم أيَّة فائدة على المستوى الشخصي؛ بل هم فقط يخسرون استقلاليتهم، وعندما يخسرونها فهم يخسرون ثقتهم بنفسهم.

5. المكاسب الوهمية:

قد يعتقد الفرد أنَّه يقوم بتحقيق إنجازات ومكاسب من خلال ما يقوم به من أعمال، لكن في حقيقة الأمر هي إنجازات وهمية يواسي نفسه بها، وعندما يقتنع بحقيقة أنَّ كل ما كان يعتقده غير صحيح تقل ثقته بنفسه ويلجأ إلى الانطواء والعزلة؛ تجنباً لرؤية الآخرين وسماع أي انتقاد من أحد.

6. المثالية المبالغ فيها:

بعض الأفراد يحبون أن ينجزوا أعمالهم على أكمل وجه وبشكل مثالي، لكن عندما يفشلون في تحقيق ما يريدون وبالشكل الذي يطمحون إليه يشعرون بالإحباط، ومن ثمَّ يفقدون ثقتهم بنفسهم.

7. الصورة الذهنية التي يكونها الفرد عن نفسه:

يعتقد الفرد أنَّه غير قادر على تحقيق المكاسب أو لن يستطيع تحقيق ما حققه الآخرون في حياتهم وأنَّ الآخرين أفضل منه ويتفوقون عليه، فكثرة التفكير بذلك يجعله حقيقة وسيحكم على نفسه بالفشل الذي يقوده في النهاية إلى تدني ثقته بنفسه وما يتأتى على ذلك من نتائج سلبية.

علاج تدني الثقة بالنفس:

1. تقبَّل ذاتك:

قم بمراجعة لنقاط قوَّتك ونقاط ضعفك، وحدد ما الذي يجب عليك تحسينه، وفكر دائماً بأنَّ الكمال لله عز وجل وحده ولا يوجد إنسان كامل على وجه الأرض، واسعَ فقط إلى تحسين ما ينقصك من أشياء ومهارات وكفاءات.

2. راجع قيمك:

اسأل نفسك فيما إذا كنت تسير وفق مبادئ في حياتك، فحددها والتزم بها بالشكل الذي ينسجم مع المجتمع الذي تعيش ضمنه، وذلك كي تتجنب تأثير الآخرين فيك.

3. جرِّب المغامرة:

لكي تحقق النجاح الذي سيزيد من ثقتك بنفسك عليك أن تجرب المخاطرة والاختيار من بين البدائل المتاحة أمامك، فيجب أن تجرب أعمالاً جديدة وتخوض الأشياء التي يمكنها أن تدفعك باتجاه النجاح دون خوف.

4. لا تغرق في الفشل:

إن كنت قد جربت أن تفعل أشياء في الماضي وفشلت بها فهذا لا يعني أن تغرق في أحزانك؛ بل حاول أن تقف على النقاط التي جعلت تلك التجارب تفشل وحاول تصحيحها وأعد التجربة من جديد.

شاهد بالفديو: 5 علامات تدل على أنك تفتقد الثقة بالنفس

5. ابحث عن الطاقة الإيجابية سواء في الأفراد الذين تعمل معهم أم في الأماكن التي تجلس بها:

عليك الابتعاد عن كل ما يمكن أن يبدد طاقتك، فابتعد عن الأفراد الذين يقللون من شأنك، وإذا كان في محيطك علاقة هدامة فالجأ إلى متخصص للتخلص منها والإبقاء على نفسيتك متزنة، كما يجب أن تخالط الأفراد الإيجابين الباعثين على الثقة والممتلئين بالتفاؤل والمؤمنين بقدراتهم والقادرين على تحقيق أهدافهم، وعليك أن تعلم أنَّ مخالطة السلبيين لن تجعل منك سوى شخص سلبي مثلهم قليل الثقة بنفسك ومتدني تقدير الذات.

6. احترم الآخرين وطالبهم بمبادلتك بالمثل:

إذا كنت ممن لا يتلقى معاملة جيدة من الآخرين الذين تقوم أنت باحترامهم، فعليك إخبارهم أنَّك تتوقع منهم معاملتك بالطريقة التي تعاملهم أنت بها، فيجب على الآخرين معرفة أنَّهم لم يعد بإمكانهم التقليل من شانك.

7. قم بإعداد قائمة بالسلبيات والإيجابيات:

إذا ما أردت الإقدام على فعل ما، فأحضر ورقة وقلماً وقم بترتيب حسنات ومساوئ ذلك الفعل، فقدرتك على التحليل الجيد والفهم الواضح للأمور سترفع ثقتك بنفسك وتسير بك إلى طريق النجاح.

8. فكر بعمق:

اعمل بانتظام على تخصيص وقت للتفكير ووضع خططك التي تتناسب مع أهدافك بشكل يومي، واحسب التقدم الذي تحرزه، وحدد العقبات التي تقف في طريقك وطريقة حل كل منها.

9. ركز في الإيجابيات وتغاضَ عن السلبيات:

فكر دائماً بالأشياء التي تتميز بها عن غيرك، وفكر بقيمة كل ما تملك، وأبعد ذهنك عن التفكير بالسلبيات، وأعد النظر بإيجابيات الأمور وأقنع نفسك بأنَّ كل شيء سوف يسير على ما يرام.

10. تعاطف مع الآخرين:

كوِّن علاقات جيدة مع الآخرين؛ علاقات مبنية على الاحترام المتبادل، وساعدهم وقدم لهم العون عندما يحتاجون إليه، وفكر بالأمور من وجهة نظرهم، وجد المبررات لتصرفاتهم، وكن كريماً في المجاملات الصادقة.

شاهد بالفديو: 8 نصائح لإظهار التعاطف ومراعاة الآخرين

11. كن مبادراً:

تحلَّ بالشجاعة وابدأ أنت بالحوار مع الناس، وناقشهم وحلل الأحداث معهم، وتقرَّب إليهم واستفد من خبراتهم، فقربك من الناس والإحساس بروح الجماعة سيرفع من تقديرك لذاتك.

12. تجنَّب الضغوطات:

لا تدخل في نقاشات تعرف أنَّها لا تنفعك بشيء؛ نقاشات تسبب لك التوتر والضغط، وقم بأعمال تبعث على السرور للتخلص من التوتر الذي يدفعك للتفكير بسلبية.

13. خذ إجازة أو استراحة:

عندما تواجه المشكلات أو عندما يسبب لك الآخرون الإزعاج ابتعد قليلاً عن هذه الأجواء وخذ إجازة لفترة قصيرة، وفكر بهدوء حتى تستطيع أن تقارب المشكلات بموضوعية وتقوم بحلها.

14. كن واقعياً:

حدد أهدافاً واقعية قابلة للتطبيق، ومن ثم قسمها إلى أهداف فرعية واعمل على تحقيقها بخطوات مدروسة دون استعجال.

إقرأ أيضاً: أربع عادات تمنحك الثقة بالنفس

15. تعلَّم أشياء جديدة ونمِّ معارفك وخبراتك:

إنَّ تعلُّم أشياء جديدة ليس مثيراً للاهتمام فقط؛ بل يجعل منك شخصاً عارفاً وواثقاً من معلوماته وخبراته ومتحدثاً فذاً، كما يجعل منك موضع احترام لدى الجميع.

16. اعتنِ بصحتك وبمظهرك الخارجي:

مارِس التمرينات الرياضية، وضع نظاماً غذائياً صحياً، واختر الملابس التي تليق بك وبنمط عملك، واعتمد الألوان الهادئة التي تبهج البصر، وحافظ على شكلك مرتباً ونظيفاً، فهذه الأشياء بقدر ما هي بسيطة بقدر ما تساعد المرء على زيادة ثقته بنفسه.

في الختام:

إنَّ عملية بناء الثقة هي مسألة ليست سهلة؛ إذ تبدأ هذه العملية منذ نشوء الفرد في مرحلة الطفولة وتنمو معه خلال كافة المراحل العمرية، والثقة بالنفس تعني احترام الذات والشعور بالإيجابية والقدرة على تحقيق الأهداف، كما تعني أن يثق الفرد بقدراته وإمكاناته التي منحه إياها الله عز وجل والتي تمهد له الطريق للسير نحو النجاح.

قد يتعرض الفرد لمشكلات ومصاعب خلال حياته تؤدي إلى تقويض هذه الثقة، فهنا يجب ألا يستسلم للأحزان؛ بل عليه تقبُّل ذاته كما هي والسعي إلى التأقلم والبحث عن الفرص باستمرار واستغلالها على أفضل وجه ممكن حتى تعود الثقة إليه ويناضل في الحياة كي يحقق ما يطمح إليه.




مقالات مرتبطة