متلازمة توريت: تعريفها، وأسبابها، وتشخيصها، وطرق علاجها

يواجه صعوبة في التأقلم مع محيطه؛ إذ كيف له أن يقول للآخرين أنَّ ما يقوم به من حركات، غير نابع من إرادته الحرة، وإنَّما هي حركات خارجة عن سيطرته؟ هو لم يختر أن يكون محطَّ سخرية وتهكُّم الجميع، ولم يختر أن يتلفظ بتلك الكلمات البذيئة التي لا يملك عليها أي سلطان، ولم يخطط لتلك التشنجات والانقباضات في الوجه والرقبة والرأس والكتفين، والتي تثير خوف الطرف المقابل له، إنَّه ضحية مرض دماغي وحالة نفسية، تُحوِّله إلى شخص متعلق بلازمة حركية أو صوتية لتخفيف كمِّ الضغط النفسي الذي يعانيه.



إنَّه مريض متلازمة توريت، ذاك الإنسان المحروم من العلاقات الاجتماعية، والتي باتت تقلصات وجهه وعضلاته من أكبر نقاط ضعفه، ووصمة عار كبيرة في حقه؛ إذ بدلاً من أن تكون تعابير الوجه واللسان، وسيلةً مساعدةً للشخص لكي ينطلق إلى الحياة ويتفاعل مع الأشخاص، تحوَّلت إلى وسيلة لتخريب العلاقات وكسر الثقة بالنفس والروح؛ حيث إنَّه بدلاً من التعاطف مع الشخص المقابل واحترام مشاعر حزنه وألمه، قد يُظهِر مريض متلازمة توريت كثيراً من الحركات الغريبة والمستهجنة، والتي تجعل الطرف الآخر ينفر منه.

ما متلازمة توريت؟ ما أعراضها، وأسبابها، وطرائق علاجها؟ مدار حديثنا خلال هذا المقال.

ما هي متلازمة توريت؟

هي مرض عصبي نفسي يصيب الإنسان في عمر مبكر، قد يبدأ من عمر السنتين ويستمر إلى عمر العشرين، وقد تتوقف أعراض المرض بعد عمر الثامنة عشرة، وقد تستمر مدى الحياة، وتشمل هذه المتلازمة إصابة الشخص بحركات لا إرادية، اندفاعية، غير منتظمة، وفجائية؛ حيث لا يملك مريض متلازمة توريت السيطرة على نفسه في أثناء إحساسه بنوبة الحركات تلك، وفي حال مقاومته تلك الحركات، فإنَّه سينزعج كثيراً، ولن يستطيع مقاومة الأمر أكثر من دقائق معدودة؛ حيث سيعود إلى الرضوخ للحركات نفسها، وتترافق متلازمة توريت مع وجود لازمات صوتية، كأن يكرر الشخص صوتاً معيَّناً كالنباح، أو يتلفَّظ بكلمات نابية وسوقية من دون أن يملك السيطرة على لسانه.

ما أعراض متلازمة توريت؟

تتمثَّل الأعراض بحركات مفاجئة لا إرادية، مترافقة مع أصوات لا إرادية، غير منتظمة واندفاعية، تتنوع من الشدة المنخفضة إلى الشديدة، تعوق الحركات والأصوات ذات الشدة العالية، الإنسان عن أداء واجباته اليومية، كما أنَّها تؤثِّر في جودة تواصله مع الآخرين.

تنقسم الحركات اللاإرادية إلى حركات بسيطة ومعقدة، وكذلك الأصوات.

تتضمن الحركات اللاإرادية البسيطة عدداً محدوداً من مجموعة العضلات، مثل: طَرف العين، انتفاض الرأس، هز الكتف، سرعة حركة العين، نفضان الأنف، حركات الفم، بينما تشمل الحركات اللاإرادية المعقدة، لمس الأشياء وشمَّها، حركات متكررة ملحوظة، المشي بنمط معيَّن، إشارات بذيئة، الانحناء أو الالتفاف، القفز، ضرب النفس.

في حين تظهر الأصوات اللاإرادية البسيطة على شكل: شخير، نباح، نحنحة، سعال، بينما تظهر الأصوات اللاإرادية المعقدة على شكل استخدام متكرر للكلمات البذيئة الخادِشة للحياء، أو عن طريق تكرار كلمات أحد الأشخاص أو عباراته.

تتفاقم حدة النوبات اللاإرادية في حال كان المريض متوتراً وقلقاً، وتتغير شدتها مع الوقت؛ حيث تخف حدتها مع التقدم في العمر.

شاهد بالفيديو: 10 نصائح لتهدئة ذهنك وتصفيته

كيف يمكن تشخيص متلازمة توريت؟

بناءً على الدليل التشخيصي للأمراض النفسية (DSM-5)، يُشخَّص مرض متلازمة توريت استناداً إلى:

  1. توافر أكثر من لازمة حركية عند الشخص، مع وجود لازمة صوتية واحدة على الأقل.
  2. على الرغم من إمكان تغيُّر حدة اللازمات الحركية والصوتية خلال فترة المرض، وعلى الرغم من التقطعات التي من الممكن أن تحدث ما بين تكرار اللازمات وانقطاعها؛ إلا أنَّه يجب استمرار الأعراض مدةً تزيد عن السنة، من دون أن يكون هناك اختفاء كلِّي لها مدةً تزيد عن 3 أشهر.
  3. يجب أن تبدأ الأعراض قبل سن الثامنة عشر.
  4. ألَّا تكون الحركات مترافقة مع التأثير السلبي للمواد مثل المنشطات، وغير ناتجة عن أمراض عصبية، مثل مرض هنتنغتون، والتهاب الدماغ.

من الصعب على الطبيب تشخيص متلازمة توريت، لكون الأعراض قد تتقاطع مع أعراض أمراض أخرى، مثل مرض فرط الحركة وعدم الانتباه، أو مرض الوسواس القهري؛ لذلك على الطبيب الانتباه فيما إذا كان وجود الأعراض وحده أم مترافقاً مع أمراض أخرى.

ولكي يُشخِّص الطبيب متلازمة توريت، يجب أن يلجأ إلى الدليل التشخيصي للأمراض النفسية، بالإضافة إلى بعض الفحوصات التي تقطع الشك في احتمالية الإصابة بالأمراض الأخرى، وتُرجِّح الإصابة بمتلازمة توريت؛ كأن يتأكد الطبيب من عدم وجود مشكلات في الغدة الدرقية لدى المريض؛ حيث يؤدي ضعف نشاط الغدة الدرقية إلى الإصابة بأعراض متلازمة توريت نفسها.

كما يجب على الطبيب أن يتأكد من خلو جسم المريض من المخدرات؛ حيث إنَّ مُتعاطي المخدرات يقوم بالحركات نفسها التي يقوم بها مريض متلازمة توريت، مثل شم الأنف، رف العين، تحريك الكتف وما إلى ذلك، كما يفيد الرنين المغناطيسي للمخ، والأشعة المقطعية، في حالات كهذه؛ إذ يكشف وجود أمراض في المخ، كالصرع على سبيل المثال.

إقرأ أيضاً: 6 أمراض خطيرة تحدث نتيجة زواج الأقارب

ما هي أسباب متلازمة توريت؟

1. الوراثة:

تُرجِّح بعض الدراسات فكرة العامل الوراثي كسبب أساسي لمتلازمة توريت، والوراثة لا تشمل الأب والأم فحسب؛ بل قد ينتقل إليك المرض من الأجداد.

2. الجينات:

تُعدُّ متلازمة توريت مرضاً جينياً وراثياً، فقد ينشأ نتيجة طفرة جينية تشكَّلت في أثناء تكوُّن الجنين من جراء اختلاط جينات الأب والأم.

3. العامل النفسي:

يصف بعض الأطباء المرض على أنَّه نفسيٌّ عصبي؛ إذ قد يلجأ الإنسان إلى تبنِّي حركات وأصوات باللاشعور، يكون هدفها التخفيف من الضغط العصبي الذي يعانيه.

4. خلل في أعصاب المخ:

كما نعلم، إنَّ الدماغ هو الذي يسيطر على الأعصاب، والأعصاب هي التي تُعطِي الشحنة الكهربائية للعضلات لكي تعمل؛ لذا يُرجَّح أنَّ مريض متلازمة توريت يعاني خللاً في الأعصاب؛ الأمر الذي يسبب اضطراباً في كهربائية المخ.

كما كشفت الدراسات أنَّ بيئة المخ غير صحية لمريض توريت؛ حيث يعاني من نقص السيروتونين، أو الغلوتامات، أو الـ "CAMP"، أو زيادة الدوبامين (السيروتونين والدوبامين: نواقل عصبية؛ أي مرسال كيميائي يساعد الجهاز العصبي على تنظيم وظائف الجسم وعملياته)؛ حيث يساهم الـ "CAMP" المشتق من الأدينوسين ثلاثي الفوسفات، في توصيل الإشارة داخل الخلايا عند كثير من الكائنات الحية.

ما هو علاج متلازمة توريت؟

  • لقد تطور العِلم اليوم، حتى باتت تُستَخدم العمليات الجراحية من أجل معالجة متلازمة توريت؛ حيث يقوم الطبيب بزرع محفزات كهربائية تُعدِّل من كهربائية الدماغ، بما يُخفِّض معدل القيام بالحركات اللاإرادية إلى الحد الأدنى، أو يؤدي إلى انعدامها، وذلك من خلال زراعة الأقطاب الكهربائية في الدماغ، ووصلها مع بطارية توضع تحت الجلد، ومن ثمَّ يتغير السيلان الكهربائي للدماغ كلما فعَّلنا البطارية.
  • الدعم النفسي للطفل، وذلك من خلال مراعاة مشاعره السلبية، وثقته المهزوزة بنفسه، والعمل على تقوية علاقاته الاجتماعية وانخراطه في المجتمع، من خلال تقبُّل الأهل له ابتداءً، ومن ثم تقديرهم لحالته الصحية الخارجة عن سيطرته.
  • الانتباه لنوم الطفل؛ حيث يجب أن ينال قسطاً كافياً من النوم يومياً؛ ثم إنَّه يجب تسلية الطفل ومحاولة ترفيهه، لكيلا يداهمه التوتر والقلق، ويزيد من احتمال إصابته بمتلازمة توريت.
  • يجب اللجوء إلى معالج نفسي سلوكي من أجل تحليل الحركات اللاإرادية التي يقوم بها مريض متلازمة توريت؛ حيث أثبتت الدراسات أنَّ هناك ناحية نفسية من المرض، تُشعر المصاب بمتلازمة توريت أنَّ أحداً ما سيضع يده على كتفه؛ لذلك يقوم بتحريك كتفه، أو تُشعره أنَّ هناك أعراض أنفلونزا تجتاحه؛ لذلك يقوم بحركات في أنفه، وغيرها ردود الأفعال؛ حيث يحاول المعالج النفسي تحويل المريض إلى شخص مستبصر وواعٍ بوضعه، فيعلم أنَّ ما يشعر به أوهام خلقها عقله من أجل تخفيف حدة ضغطٍ نفسيٍّ يشعر به.
  • استخدام الأدوية، مثل الأدوية التي تقلل نسبة الدوبامين في المخ كالريسبيريدون، والزيبراسيدون، والأولانزابين، كما تُستخدم مضادات الذهان، ومضادات الاكتئاب، وأدوية الصرع.
إقرأ أيضاً: نصائح مهمة لوقاية الأبناء من الأمراض النفسيّة

المشاهير المصابون بمتلازمة توريت:

تُعدُّ المغنية وكاتبة الأغاني الأمريكية "بيلي إيليش"، إحدى المشاهير المصابين بمتلازمة توريت، فضلاً عن كلٍّ من: "دان أيكرويد"، و"داش ميهوك"، و"ديفيد بيكهام"، "وهوارد هيوز"، و"مايكل وولف"، و"تيم هوارد"، و"جيم إيزنريك"، و"د. صموئيل جونسون".

الخلاصة:

لا تقضِ حياتك في المنزل لمجرد قيامك بحركات لاإرادية معيَّنة، أو إصدارك أصواتاً معيَّنة؛ بل تأقلم مع حالتك، واعمل جهدك من أجل الابتعاد عن مصادر التوتر والقلق، ولا تخجل من طلب مساعدة الأهل والطبيب.

المصادر: 1، 2، 3، 4




مقالات مرتبطة