متلازمة المحتال: ما هي؟ ولماذا تعاني منها؟

إذا كنتَ ناجحاً في حياتك المهنية، وترتقي في مناصب شركتك، أو إذا كنتَ الشخص الذي يلجأ إليه رب عملك حين يحتاج إلى شخص لينجز مهمة على نحوٍ جيد، أو إذا كنتَ قد حصلتَ للتو على الدور أو الراتب الذي لطالما حلمتَ به، لكنَّك تشعر على الرغم من كل ذلك كأنَّك محتال، وكأنَّ رب عملك أو زملاءك أو عملاءك سيلاحظون يوماً أنَّك لستَ بارعاً فيما تفعله حقاً، على الرغم من عدم وجود دليل يدعم هذا الاعتقاد، فهذه الأعراض تدل على أنَّك تعاني من "متلازمة المحتال" (imposter syndrome).



قد يكون هناك أشخاص تعرفهم ومن الواضح أنَّهم فاشلون تماماً في عملهم، ويتظاهرون على الرغم من ذلك بأنَّهم ملمون بمجالهم ويعرفون كل شيء، فيعثرون على طرائق لجعل الآخرين يؤدون عملهم عوضاً عنهم لأنَّهم لا يتمتعون بالمهارات اللازمة لإنجاز المشاريع والمهام، ويتصرفون بثقة حيال المهام التي ليس لديهم أيَّة فكرة عن كيفية إنجازها، فالمفارقة هي أنَّ المحتالين لا يعانون من متلازمة المحتال؛ مما يعني أنَّك إذا كنتَ تعاني منها، فأنت لستَ كذلك، ولنتعرف هنا إليها قليلاً وإلى أسبابها وكيفية التعامل معها.

ما هي متلازمة المحتال؟

"متلازمة المحتال" هي شعور تولِّده الأفكار، لكنَّها تكون أفكاراً غير مبنية على الواقع أبداً ولا تدعمها الحقائق؛ بل مصدرها مشاعر عدم الأمان والمخاوف والشك الذاتي، وحين تخطر لك تشعر كأنَّك محتال، فتجد نفسك تشكك فيما إذا كان في إمكانك أن ترتقي إلى مستوى توقعات الآخرين، وتقارن نفسك بهم بطرائق غير واقعية وتجد أنَّك أقل منهم، وتشكك في قدراتك ومهاراتك وتعليمك وتدريبك وخلفيتك وكفاءتك في أداء دورك بفاعلية ونجاح.

تعوقك متلازمة المحتال عن تقديم أفضل أداء وتحد من قدراتك، فتركز على إثبات نفسك عوضاً عن أداء المهمة كما يجب، ويصبح شغلك الشاغل كيف تبرهن للآخرين أنَّك لستَ محتالاً؛ مما يعوق التفكير المنطقي والإبداعي، كما تتوقف عن تجريب أشياء جديدة والإقدام على مجازفات معقولة، حتى إنَّك قد تبدأ بالابتعاد عن الناس في حياتك إما لأنَّك مهووس بالعثور على طريقة لأداء مهامك بشكل أفضل أو لأنَّك تتجنبهم خوفاً من أن يكتشفوا أنَّك محتال، فينتهي بك الحال بالشعور بالتوتر والقلق وعدم الرضا عن نفسك وعن عملك.

شاهد بالفديو: 7 نصائح للتطوير الشخصي وتحقيق النمو المستمر

ما هو سبب شعورك بمتلازمة المحتال؟

يرجع جزء كبير من سبب اختبارك لهذه المتلازمة إلى هويتك كفرد، فالأفراد مثلك المعتادون على تحديد الأهداف، والعمل بجد نحوها، والتعلم والنمو لتحدي أنفسهم وتوقُّع النجاح في النهاية هم الأكثر عرضةً لاختبار متلازمة المحتال؛ وذلك لأنَّ الأفراد المندفعين جداً مثلك يميلون إلى العمل مع أفراد آخرين مندفعين جداً أيضاً، ولهذا فقد تبدأ بالتشكيك بنفسك حين تقارن نفسك بمن حولك لأنَّ معاييرك مرتفعة.

وقد يكون السبب الآخر هو شخصيتك، فلربما أنت شخص يسعى إلى الكمال والمثالية، وتسعى جاهداً إلى تقديم أفضل ما لديك عند فعل أيِّ شيء، ولكنَّك تتساءل ما إذا كنتَ قد بذلتَ كل ما في وسعك حقاً في النهاية دائماً.

عندما تحدد هذه المعايير المرتفعة وغير الواقعية لنفسك، فلن تحقق النجاح أبداً؛ ذلك لأنَّ تعريفك للنجاح يتغير باستمرار، أو قد تشعر بأنَّك تفتقر إلى الكفاءة، فتعمل بجد محاولاً التعويض عن النقص الناجم عن ذلك الشعور، أو تهدف إلى أن تكون خبيراً في مجال معيَّن، لكنَّك لا تشعر بالرضا أبداً لأنَّ معلوماتك عنه كافية مهما درستَ وبحثتَ؛ وذلك لأنَّك تميل إلى التقليل من شأن معرفتك وخبراتك.

وبالنسبة إلى العديد من الأشخاص، يعود سبب شعورهم بمتلازمة المحتال إلى مزيج من العوامل الثلاثة الآنفة الذِّكر، والحقيقة هي أنَّك إذا كنتَ تشعر كأنَّك محتال، فذلك لأنَّك حققتَ مقداراً من النجاح في حياتك، وأنت إما خائف من خسارته، أو تعزوه إلى الحظ، وتلك هي الحالة غالباً.

إقرأ أيضاً: لماذا نصبح أكثر نجاحاً عندما نتحدى المخاطر؟

الأشخاص الذين لا يعانون من متلازمة المحتال:

الأشخاص الذين لا يعانون من متلازمة المحتال هم المحتالون لعدد من الأسباب، وهي:

  • كونهم لم يشهدوا النجاح في حياتهم، لذلك ليس لديهم ما يخسرونه.
  • تصوُّرهم عن أنفسهم غير واقعي، لدرجة أنَّهم يصدِّقون أحياناً أكاذيبهم أو فهمهم الخاطئ للواقع.
  • كونهم محتالين حقيقيين أو نرجسيين.

يتصرف المحتالون بثقة هائلة بأنفسهم، فتخدعنا أكاذيبهم حين نكون حولهم، حتى إنَّنا قد لا نشكك فيهم أبداً، وحين تسألهم، تجدهم يتمسكون بأكاذيبهم بقوة أكبر، فنشك في أنفسنا ونتساءل لماذا شككنا فيهم.

عموماً، المحتالون مستعدون للمغالاة في مهاراتهم من خلال مقابلات التوظيف وفي السِّيَر الذاتية، وتنميق أو اختلاق قصص عن ماضيهم، أو تسليط الضوء على أنفسهم لجذب الانتباه أو المكانة اللذين يريدانهما، وحين يُكتشَف أنَّهم محتالون، هناك احتمالان لردة فعلهم، فإما أن يتصرفوا بعدوانية ليدافعوا عن أنفسهم، أو يهربوا ويبتعدوا عن الموقف الذي انكشف فيه افتقارهم إلى القدرات.

كيف تتعامل مع متلازمة المحتال؟

لحسن الحظ، إذا لم ينطبق عليك الوصف المذكور آنفاً، فهذا يعني أنَّك لستَ محتالاً، وما تشعر به هو أمر شائع بين الأفراد الأذكياء جداً والماهرين والمندفعين، وإذا كنتَ تشعر بمتلازمة المحتال، فذلك وحده دليل على أنَّك لستَ محتالاً.

الخطوة التالية هي تعلُّم كيفية التعامل مع متلازمة المحتال حتى لا تؤثر سلباً في أدائك، ولفعل ذلك يجب أن تفهم أنَّ متلازمة المحتال قائمة على أفكار غير منطقية، ولتدحض تلك الأفكار، قدِّم لنفسك الحقائق، وفكِّر في تعليمك وتدريبك، والتغذية الراجعة الإيجابية التي تلقيتَها من زملائك أو المشرفين عليك، واجعل منها أدلةً واستبدِل بها الأفكار غير المنطقية، وحدِّد الحالات التي نجحتَ فيها وسجِّلها، ثمَّ اسأل نفسك عما فعلتَه لتنتج بفاعلية في تلك الحالات.

وكرِّر ما فعلتَه، فبما أنَّ تلك الأفعال كانت فعَّالةً ذات مرة، فسوف تكون فعَّالةً مجدداً غالباً، ثمَّ سجِّلها هي الأخرى، وبعد ذلك حدِّد معنى النجاح بالنسبة إليك، واكتب ذلك أيضاً، وفي النهاية اجعل ذلك معيارك، وحين تحاول متلازمة المحتال إقناعك بأنَّك غير ناجح، استخدِم تعريفك للنجاح للعودة إلى الواقع عوضاً عن محاولة تحقيق الكمال.

إقرأ أيضاً: أسرار النجاح وفق شروطك الخاصة

كيف تستثمر متلازمة المحتال لصالحك؟

بعد الاعتراف بأنَّك تعاني من متلازمة المحتال وتعلُّم كيفية التعامل معها، يمكنك الانتقال إلى استخدامها كأداة لتحقيق النجاح، والخطوة الأولى هي التفكير في نقاط قوَّتك وما الذي يجعلك مميَّزاً وسبب كونك مؤهلاً لأداء عملك، ويمكنك حتى مراجعة هذه التفاصيل لأنَّك دوَّنتَها في التمرين السابق لهذا الغرض، ثمَّ استفِد من تدفُّق الأدرينالين الذي تسببه متلازمة المحتال.

عوضاً عن افتراض أنَّ الاستجابات الفيزيولوجية المصاحبة لمتلازمة المحتال ناتجة عن القلق أو التوتر أو الخوف؛ فكِّر فيها على أنَّها علامات على الإثارة والحماسة والاستعداد، وأخيراً، تذكَّر أنَّ متلازمة المحتال تتجلى خلال الأوقات التي يساورك فيها الشك أو تواجه تحدٍ، وهذا أمر رائع؛ ذلك لأنَّه يعني أنَّك تخرج من منطقة راحتك إلى حيث يمكن أن تنمو.

في المرة القادمة حين تنظر من حولك وتقارن نفسك بالأشخاص الرائعين والموهوبين المحيطين بك، أيقِن أنَّك أحدهم، وعوضاً عن النظر إلى نفسك على أنَّك حالة شاذة؛ إذ اختارك هؤلاء الأشخاص لتكون جزءاً من مجموعتهم لأنَّك مناسب ولأنَّهم احتاجوا إلى مواهبك ولاحظوا نجاحاتك، وحين تلاحظ شخصاً يلفت الانتباه إلى إنجازاته ويذكِّر الجميع بها طوال الوقت ويقدِّم معلومات خاطئة، فعلى الأغلب سيكون هو المحتال بينكم.

المصدر




مقالات مرتبطة