متلازمة الطفل المدلل: أسبابها وعلاماتها وكيفية التعامل معها

يحب الآباء والأمهات أبناءهم حباً غير مشروط، بشكل يدفهم إلى تقديم كل احتياجاتهم المادية والعاطفية أيضاً لدرجة الانصياع لرغبات الأبناء في كثير من الأحيان، لكن هل هذه الطريقة في التربية صحيحة أم أنَّها طريقة تؤدي إلى إفساد الطفل بدلاً من تنشئته وتكوين شخصيته بشكل يجعله قادراً على تحمُّل تقلبات الحياة وعلى مواجهة الظروف الصعبة التي لا تخلو حياة أي شخص منها؟



متلازمة الطفل المدلل:

هذه المتلازمة ليست حالة مَرضية وليس لها تعريف علمي محدد؛ إنَّما تُطلَق صفة المدلل عادةً على الطفل الشقي الذي يُظهر مشكلات سلوكية أو حالات عصبية عندما لا تُلبَّى طلباته أو لا تسير الأمور كما يشاء، وغالباً ما يتصف الطفل المدلل بزيادة التركيز على ذاته دون مراعاة مشاعر الآخرين وبالتفكير غير الناضج أيضاً.

أسباب متلازمة الطفل المدلل:

لا توجد حالة نفسية أو أي تصرف يصدر عن طفل ليس له سبب يبرر ذلك، وسبب هذه المتلازمة هم الأهل بالدرجة الأولى؛ وذلك نتيجة أسلوب التربية الخاطئ الذي يتبعونه في الوقت نفسه الذي يسعون فيه إلى توفير حياة مثالية تخلو من المشكلات؛ وذلك من خلال ما يأتي:

  1. عدم قيام الأهل بفرض أي حدود على الطفل؛ إنَّما كل ما يطلبه مجاب بصرف النظر إن كانت طلباته تناسب مرحلته العمرية أو لا تناسبها، وعدم فرض أي قواعد ضمن المنزل؛ إذ يمكنه التصرف كما يشاء وكل شيء مباح أمامه.
  2. حماية الأهل لطفلهم بشكل مبالغ فيه حتى من الإحباطات اليومية العادية جداً.
  3. تقديم الهدايا بشكل دائم للطفل دون وجود أي سبب لذلك ودون ربط الهدايا بمناسبات محددة.
  4. عدم محاسبة الأهل لطفلهم عندما يقوم بتصرف غير لائق تجاههم أو تجاه أي شخص آخر.
  5. تقديم الآباء لأبنائهم قدوة غير لائقة.

علامات متلازمة الطفل المدلل:

للطفل المدلل علامات تظهر من خلال كلامه وتصرفاته المتكررة ضمن المنزل أو خارجه التي يمكن للأهل ملاحظتها بسهولة، وإليك هذه العلامات:

1. لا يحترم والديه:

يُعَدُّ عدم الاحترام من أخطر المؤشرات التي تظهر لدى الطفل المدلل؛ إذ نلاحظ أنَّه يتحدث مع أهله بنفس طريقة حديثه مع أصدقائه دون وجود أي حدود أو احترام، فهو يظهر غضبه بسرعة إن لم يعجبه الحديث دون خجل.

2. يظهر غضبه عند عدم إعجابه بهدية مُقدَّمة له:

غالباً الطفل المدلل لا يخفي رد فعله السلبي عندما يقوم الأهل أو الأصدقاء بتقديم هدية له، بخلاف معظم الأطفال ممن يخجلون من إبداء عدم الإعجاب ويكتفون بالشكر على ما يُقدَّم لهم من هدايا.

3. يرفض الطفل المدلل فكرة المشاركة:

نلاحظ عدم قدرته على الانسجام مع أقرانه أو أخوته، فلا يسمح لهم باللعب بألعابه أو أخذ أي شيء من ممتلكاته الخاصة كملابسه مثلاً، وعلى الرغم من أنَّه من الطبيعي أن يمتنع الطفل عن تقديم أشيائه الهامة للآخرين، ولكنَّ الإفراط في حرصه يصبح غير طبيعي.

4. يرفض المساعدة في أعمال المنزل:

حتى الأعمال البسيطة في المنزل مثل جمع ألعابه بعد الانتهاء من اللعب أو ترتيب سريره لا يقوم الطفل المدلل بها مهما طلب الأهل منه ذلك.

5. غير ممتن:

هي من أكثر علامات الطفل المدلل وضوحاً؛ إذ يتجاهل قول "شكراً" لأي شخص، فهو يعتقد أنَّه يستحق كل ما يُقدَّم له، وأيضاً عندما يريد أن يطلب شيئاً ما، لا يقول "من فضلك"؛ إنَّما يقول "أريد ذلك" بشكل واضح وصريح دون خجل.

6. لا يتعاطف مع الآخرين:

من الطبيعي أن يكون الطفل أكثر حساسية تجاه ما يحدث حوله من الكبار، فإن لم يبدِ الطفل تعاطفاً تجاه الآخرين عندما يرى موقفاً محزناً أمامه، فيجب أن تدرك أنَّه مدلل.

7. لا يحب المنافسة:

لأنَّه طفل غير مستعد للخسارة أبداً؛ لذلك يُفضَّل عدم المنافسة من البداية، وقد يكون ذلك نتيجة فكرة حتمية الفوز الدائم التي زرعها الأهل في دماغ طفلهم، فيعتقد أنَّ الخسارة يجب أن تكون غير واردة في حياته أبداً.

شاهد: 6 طرق تساعد في التعامل مع الطفل الكاذب

8. نوبات غضب متكررة:

في المراحل العمرية الأولى للطفل يقابل الرفض بالبكاء أو الصراخ أو حتى الاستلقاء على الأرض حتى يتعب الأهل من تصرفاته فتتم الموافقة على طلباته، ولكنَّ هذه التصرفات غير مبررة وغير مقبولة عندما يصل الطفل إلى عمر المدرسة.

9. الطمع:

الطفل المدلل لا يكتفي أبداً ويريد المزيد دائماً، حتى إن كان الشيء موجوداً لديه، قد يعاود طلبه مراراً دون وجود مبرر لذلك، فهو غير راضٍ عما لديه.

10. تجاهُل مشاعر الآخرين:

يريد الطفل المدلل القيام بما يحلو له حتى إن تسبب ذلك بإحراج لشخص ما أو بحزنه، فهو لا يدرك إلا مشاعره الخاصة، وقد يتطور الأمر ليقوم بالتنمر على الآخرين والسخرية منهم وتوجيه الكلمات اللاذعة لهم.

11. لا يعرف قيمة المال:

لذلك لا يقدِّر الطفل المدلل قيمة الأشياء التي يملكها أو الهدايا التي تُقدَّم له، ويستمر في طلب المزيد دون الاهتمام لميزانية الأسرة مهما قام الأهل بشرح هذه الفكرة له، فهو لا يريد أن يفهم ذلك لاعتقاده أنَّ رغباته أهم من أي شيء آخر.

12. يريد أن يدور الجميع في فلكه:

هو غير مهتم لأعمال الآخرين، وعندما يريد أي شيء لا يمكنه الانتظار أبداً؛ بل يجب على الجميع إيلاء الاهتمام له فقط؛ فمثلاً يريد أن يكون الأول دائماً في صفوف الانتظار.

كيفية التعامل مع الطفل المدلل:

لكل شيء حل لكن قبل فوات الأوان؛ أي قبل إفساد مستقبل الطفل وتدمير نفسيته وشخصيته على الأمد البعيد، يجب البدء بإجراء التغييرات فور اكتشاف الأهل لسلوك طفلهم المدلل، فكلما تأخروا في ذلك أصبح تغيير سلوك الطفل أكثر صعوبة.

إليك أهم التعليمات التي تساعدك على ذلك:

1. فرض الحدود على الطفل:

فرض الحدود بشكل منطقي يساعد على بناء طفل متوازن نفسياً وصحياً، كما أنَّه يساعد الطفل على تعلُّم الالتزام بالقوانين، وهذا الأمر ضروري جداً لحياته المستقبلية؛ لذلك لا تستسلم أمام رفضه للالتزام بالقواعد؛ إنَّما عليك أن تكون حازماً، حتى إن غضب الطفل أو بدأ بالبكاء عليك ألا تتراجع عن كلامك.

2. تجنُّب الحماية الزائدة لطفلك:

يتطلب تكوين شخصية الطفل بشكل سليم ومتوازن أن يدخل في تجارب مختلفة ينجح في بعضها ويخسر في بعضها، كي يشعر بأهمية النجاح والمنافسة في الحياة وكي يتعلم تحمُّل عواقب تصرفاته، وبالطبع عليك مساعدته في الأمور التي تفوق عمره لكن دون قيامك بأعماله بدلاً عنه خوفاً عليه من الأذى.

3. شرح سبب الرفض له:

لا تكتفِ برفضك لطلباته؛ إنَّما يجب أن يكون لديك سبب منطقي للرفض، وعليك أن تشرح له ذلك كي تحظى بالاحترام والتفهم منه، كما يجب عليك شرح أسباب طلباتك التي توجهها له؛ كأن تشرح له ما سيحدث إن لم ينظِّف أسنانه يومياً أو أسباب حرمانه من تناول الحلويات متى يشاء؛ وذلك لأنَّ الطفل مستعد للنقاش الطويل في هذه الأمور دون الشعور بالملل.

4. الحذر من أسلوب التسلط أو الصراخ والتهديد:

يجب أن تحرص على وجود تواصل دائم بينك وبين أطفالك لمعرفة طريقة تفكيرهم واحتياجاتهم وكي يشعروا بالحب والاهتمام؛ وذلك لأنَّ التسلط والصراخ يؤدي إلى تفاقم المشكلات السلوكية للطفل، وقد تزداد حالة التمرد لديه، ومن ثمَّ يصبح الوضع أصعب، وقد يعتاد الطفل على الصراخ إن تم تنفيذ رغباته في نهاية الأمر فيتجاهل كل ما يسمعه من كلام وتهديد.

5. التمييز بين احتياجات الطفل ورغباته:

فقد يبكي الطفل نتيجة لشعوره بالألم أو الجوع أو الخوف من أمر ما، وهنا يجب الاستجابة له على الفور؛ وذلك لأنَّ البكاء هنا ليس له علاقة بالدلال، أما عندما يكون البكاء جزءاً من نوبات غضب الطفل نتيجة لعدم تلبيتك لطلباته، فهنا يجب تجاهله تماماً دون أي إحساس بتأنيب الضمير.

شاهد أيضاً: قواعد هامة في تربية الطفل الوحيد

6. أنت قدوة حسنة لطفلك:

يتعلم الطفل الكلام والتصرفات من والديه أولاً؛ لذلك كن منتبهاً لطريقة تحدُّثك للآخرين وردود أفعالك وتصرفاتك مع أبنائك أو غيرهم؛ وذلك لأنَّ الأبناء يعاودون فعل ما فعلته أمامهم بدقة، فلا يجب أن يتناقض كلامك مع أفعالك.

7. ربط الهدايا بالمناسبات:

فلا يجب أن تغرق طفلك بالثياب والألعاب أو الأجهزة الإلكترونية؛ إنَّما يجب ربطها بمناسبات معينة كي لا تفقد قيمتها المعنوية فيشعر الطفل بعدم أهمية ذلك، ويمكن أن تُربَط المكافآت بالتصرفات الجيدة كي يسعى دائماً إلى كسب رضى والديه وكي يتعلم الصبر ويشعر بقيمة المال؛ وذلك لأنَّ الطفل الذي يحصل على كل شيء لا يتعلم العرفان بالجميل أو الشعور بالامتنان، ولا يجب أن تكون المكافآت مادية دائماً؛ بل يمكن استبدالها بالتشجيع والعبارات الجميلة التي تزيد من ثقته بنفسه ومن طاقته الإيجابية التي لا تقل أهميتها عن الهدايا المادية.

إقرأ أيضاً: 7 تصرفات تفسد تربية الطفل حاول أن تتجنبها

8. عدم السماح لطفلك باستغلال لحظات ضعفك:

فجميعنا نشعر في وقت من الأوقات بالتعب والملل والإرهاق من العمل ومن الالتزامات العائلية ومن السعي الدائم إلى تلبية احتياجات المنزل دون وجود فترات راحة، فإن شعر الطفل بذلك، فقد يسارع لطلب شيء ما؛ وذلك لأنَّ الأهل في هذه اللحظة لا يريدون النقاش والجدال فيتم الموافقة على طلباته على الفور؛ لذلك عليك الانتباه جيداً وعدم السماح له باستغلالك.

9. السماح للطفل بالانخراط في المجتمع:

انعزال الطفل عن أقرانه أمر خطير وله آثار سلبية كثيرة لا تقتصر على الوقت الحالي؛ إنَّما ترافقه طوال حياته؛ لذلك ساعده على الانخراط بالمجتمع من خلال إشراكه في نادٍ رياضي أو إشراكه في النشاطات الذهنية التي تعتمد على المنافسة.

10. مشاركة طفلك بالأعمال التطوعية:

يساعد هذا النوع من النشاطات طفلك على التعرُّف إلى مشكلات الآخرين والإحساس بحزنهم كي يتعاطف معهم ويتعلم حب مساعدة الآخرين.

11. عدم التفريق بين أبنائك:

فعندما تُدلِّل أحد أطفالك أكثر من أخوته، فإنَّك تترك آثاراً نفسية لديهم؛ إذ سيشعر الطفل المدلل بأنَّه أفضل من الآخرين وأنَّه يستحق كل شيء، أما أخوته سوف يشعرون بالحقد تجاهه؛ لذلك يجب أن تكون المعاملة واحدة في المنزل.

إقرأ أيضاً: التعامل الصحيح مع الطفل في مراحل العمر المختلفة

في الختام:

نستنتج مما ذكرنا آنفاً أنَّ الدلال الزائد للطفل يؤدي إلى بناء شخصية غير متوازنة وغير قيادية وغير سوية وغير مؤهلة لمواجهة صعوبات الحياة لاحقاً؛ وذلك لأنَّ الدلال يقضي على فرصة تكوين الإرادة عند الطفل، ومن ثمَّ لا يستطيع الاعتماد على نفسه والابتعاد عن أهله ومواجهة مشكلاته وحده؛ لذلك فإنَّ الأسلوب الأمثل في التربية هو أسلوب الحزم الإيجابي الهادف ضمن قواعد تربوية ومبادئ منظمة ومتناسقة.

المصادر: 1،2،3،4،5،6




مقالات مرتبطة