متلازمة الضحك: تعريفها، وأسبابها، وأهم طرق علاجها

لطالما كان الضحك من أقوى الطاقات الإيجابية التي تُغنِي المكان حيوية وسعادة واطمئناناً، ولطالما كان الضحك من أكثر الاستجابات إثارة للعدوى بين الناس؛ إذ ما إن يضحك شخص ما بقوة، حتَّى يُحرِّض كل الجالسين معه ويحفزهم على الضحك والابتسام، من دون أن يفهموا الأسباب الحقيقية التي دعته إلى الضحك.



على الرغم من مزايا الضحك وأثره الإيجابي في الصحة النفسية والعقلية؛ إلا أنَّ الإفراط في الاعتماد عليه، قد يكون مؤشراً على وجود مشكلات نفسية عميقة لدى الإنسان، فالذي يضحك في المواقف الأكثر حزناً، كمواقف العزاء وفقدان أشخاص مقربين، والذي يضحك في أثناء محاضرة رسمية مهمة، والذي يضحك في أثناء مرض صديقه وخضوعه إلى عملية جراحية؛ إنَّما قد يكون ضحكه هذا دليلاً خطيراً على وجود كبت عميق في داخله، وسوء إدارة لمشاعره الذاتية، فضلاً عن ضعف تقديرٍ للذات.

ما الأسباب التي تجعل الإنسان يضحك في المواقف الجادة جداً؟ هذا ما سنجيب عنه من خلال مقالنا.

ما هي متلازمة الضحك؟

على الرغم من أهمية الضحك، وجماله وطاقته الإيجابية، وعلى الرغم من استخدام بعض الأشخاص له وسيلةً لكسر الجمود والرسمية والقيود؛ ينزع بعض الأشخاص إلى استخدامه كوسيلة دفاعية للتعامل مع المواقف الصعبة في الحياة، بحيث يختل عندهم التقدير السليم للمواقف، وتطغى عليهم الرغبة في الهروب وعدم المواجهة، فقد يميل بعض الأشخاص إلى الضحك الهستيري، في الحالات التي تستدعي مشاركة الآخرين أحزانهم وأتراحهم.

ما الأسباب الكامنة وراء الضحك الهستيري؟

1. الكبت:

عندما يكبت الإنسان صدمات نفسية، وخيبات أمل، وذكريات مؤلمة في قلبه، من دون امتلاك القدرة على التصريح عنها، والتعامل السليم معها، سيخلق العقل وسائل تفريغ لهذا الكبت، كأن يفقد الإنسان قدرة السيطرة على ضحكه، حتى في المواقف الجادة جداً.

2. الانفصال عن الواقع:

قد يكون الإنسان واعياً إلى ضرورة التعامل السليم مع متغيرات الحياة، بحيث لا يرضخ للأمور السلبية التي يبثها أشخاص المجتمع، أو الظروف المحيطة به؛ لذا قد يعتمد الضحك وسيلةً للانفصال عن الواقع المؤلم الذي يعيش فيه، أو وسيلةً للتعامل السليم مع تجارب الحياة القاسية التي يتعرَّض لها.

على سبيل المثال: قد يتعرَّض شخص ما إلى حادث في السيارة، فبدلاً من دخوله في حالة نفسية قاسية، أو نوبة من الهلع والفزع، قد يميل هذا الإنسان إلى الضحك ضحكاً مبالغاً فيه، لكي يخفف عنه وقع الصدمة، وتُعدُّ هذه الطريقة قاسية ومجحفة في حق النفس، إن لم تترافق مع اعتراف كامل ضمني بالمشاعر السلبية، ومحاولة تفريغها بالطرائق السليمة.

3. ضعف تقدير الذات:

قد يكون الضحك وسيلة تُستخدم نتيجة عدم قدرة الإنسان على التعبير الصادق عن النفس، ونتيجة ضعف تقدير الإنسان لذاته وقيمه، فتميل تلك الزوجة إلى الضحك بصوت عالٍ أمام انتقاد زوجها القاسي لها، وكأنَّها تُخفِي ضيقها وسخطها بتلك الضحكة المصطنعة، وكأنَّها تحاول استعادة ثقتها بنفسها المهزوزة وكرامتها المهدورة.

4. الحزن الشديد:

قد يعاني الإنسان من مواقف حزينة جداً في حياته، من دون أن يملك القدرة على التعامل السليم معها، فيلجأ إلى الضحك ضحكاً مبالغاً فيه، كمحاولة لتجاهل كمِّ الحزن الشديد الذي يأكل داخله.

إقرأ أيضاً: نصائح مهمة للتخلّص من مشاعر الحزن

5. الاضطرابات النفسية:

قد يؤدي مرض الفصام إلى الإصابة بهلاوس سمعية، تجعل الشخص المريض يميل إلى الضحك ضحكاً هيستيرياً، ومن جهة أخرى، يُسبِّب اضطراب ثنائي القطب، الإصابة بنوبات من الهوس الانبساطي؛ حيث يميل المريض إلى الضحك ضحكاً مبالغاً فيه، إضافة إلى اتخاذ قرارات متسرعة، مثل قرار بيع ممتلكاته، أو شراء احتياجات أكبر من قدرته المادية بكثير، وغيرها.

كما يميل إلى الشعور بالعظمة والقوة وسرعة البديهة والإقبال الشديد على الحياة، كما يعاني طفل التوحد من الضحك الهستيري على أنَّه وسيلة اعتاد عليها منذ الصغر للتعبير عن مشاعره، وفي هذه الحالة على الأهل الاهتمام بنطق الطفل، لكي يتعلم الكلام كوسيلة للتعبير عن مشاعره الإيجابية والسلبية، بدلاً من الضحك الهستيري، وذلك من خلال فرض عقوبات على الطفل عند استخدامه الضحك الهستيري كوسيلة، ومنحه مكافآت في أثناء استخدامه الكلمات.

6. الحساسية الزائدة:

يمتلك بعض الأشخاص درجة عالية من الحساسية، تجعلهم غير قادرين على استيعاب تحديات الحياة وعراقيلها المستمرة؛ الأمر الذي يدفعهم إلى صنع آليات دفاعية، مثل الضحك المبالغ فيه، بغضِّ النظر عن الظروف؛ وذلك بغية تخفيف كمِّ المخاوف والأعباء النفسية الواقعة عليهم.

شاهد بالفديو: 6 نصائح علميّة للتخلص من الضغط النفسي

علاج الضحك في المواقف الجادة:

1. تفريغ الطاقة السلبية:

على الشخص أن يكون واعياً إلى كمِّ الطاقة السلبية المخزنة في لا وعيه، والتي تأخذه إلى ممارسات غير صحية، مثل الضحك المبالغ فيه، حتى في المواقف غير المناسبة.

يسمح تفريغ الطاقة السلبية بالوصول إلى التوازن النفسي، والتعبير عن المشاعر تعبيراً صحيحاً في الوقت الصحيح، ويستطيع الإنسان تفريغ طاقته السلبية من خلال الكتابة، كأن يكتب مخاوفه ومشاعره المضطربة على ورقة، ومن ثمَّ يحرق تلك الورقة، أو من خلال البكاء الشديد، أو من خلال الصلاة، أو من خلال الرقص والاهتزاز.

من جهة أخرى، يبني العقل ارتباطاً شرطياً بين الأماكن والأشخاص الذين يمرُّون في حياتنا، ففي حال اختبارنا تجربةً عاطفيةً ما، يقوم العقل بالربط ما بين الأماكن والحبيب، وبين روائح معيَّنة والحبيب؛ لذا في حال أراد الإنسان التخلص من ذكريات مؤلمة ماضية، يستطيع هنا مواجهتها بدلاً من تجاهلها والهروب منها، كأن يدرِّب عقله على ارتياد الأماكن نفسها التي كان يرتادها مع حبيبته السابقة فيما مضى، وعلى تناول الأطعمة نفسها، وعلى شم الروائح نفسها، ومن ثمَّ يساعده الأمر على تقبُّل الوضع الحالي، ومن ثمَّ فك الارتباط الشرطي بين الأماكن والروائح وبين الحبيب السابق؛ حيث يعود الشخص حراً من دون مشاعر سلبية وقيود.

2. تعزيز ثقة الشخص بنفسه:

على الشخص أن يعزز ثقته بنفسه، ويعي تماماً حقه في الحرية، بحيث يكون حراً في التعبير الصادق عن نفسه ومكنوناته، من دون الحاجة إلى الضحك المبالغ فيه لإخفاء ما يشعر به من مشاعر غضب أو يأس أو سخط.

عليه بدء التعامل مع ذاته، وكأنَّه شخص واثق من نفسه، كأن يصطنع بدايةً حركات الجسد الخاصة بالشخص الواثق بنفسه؛ اليدان المفتوحتان، الكتفان المشدودتان، الرأس المرفوع، الصوت الواضح واللغة السليمة، النظر المباشر إلى مقلتي الطرف الآخر، ومن ثمَّ يبدأ الحديث الإيجابي مع ذاته، كأن يقول لها على الدوام: "أنا قوي، وجميل، وصاحب شخصية واضحة ومحبوبة"، "أنا أملك كثيراً من الإيجابيات، كالصدق، والعفوية، والنية الطيبة، والتسامح، والالتزام"، ومن ثمَّ يضع أهدافاً صغيرة قابلة للتحقيق، فيشرع في تنفيذها ملتزماً إنجازها، ورويداً رويداً، سيجد الإنسان أنَّ ثقته بنفسه آخذة بالتطور والارتقاء.

إقرأ أيضاً: 25 نصيحة فعالة لتعزيز الثقة بالنفس

3. صرف الذهن:

قد يضحك الإنسان في المواقف الجادة والرسمية ضحكاً لا إرادياً، كأن يتذكر حادثاً مضحكاً تعرَّض له في الماضي؛ الأمر الذي يضعه في حالة حرجة من دون أن يمتلك القدرة على إيقاف نوبة الضحك غير الطبيعية، وهنا على الإنسان التدرب على مهارة صرف الذهن، كأن يُجبر دماغه على التفكير في أمر ما، مع تحديد نقاط أساسية له، بحيث يمنع ذهنه من الرجوع إلى الموقف المضحك، كأن يقول لنفسه: "ما جدول عملك اليوم؟"، ويبدأ تعداد الواجبات التي عليه القيام بها، والتي تكون على هيئة نقاط معيَّنة.

4. التعبير المتوازن:

لا تكن من أنصار مقولة "لعلَّ كل هذا الضحك يأتي بخير"؛ بل عبِّر عن مشاعرك الإيجابية ببساطة وصراحة، وأعطِ كل موقف المشاعر المناسبة له، وكن وسطياً في كل شيء، فالضحك المبالغ فيه مثل الحزن المبالغ فيه.

الخلاصة:

يُقرِّبنا الضحك من الأطفال، ويُذكِّرنا ببراءتهم وروعتهم؛ لذلك تمسَّك بضحكتك ولا تكبتها، ولكن احرص على أن تكون حقيقيَّة ونابعة من قلبك، لا أن تكون رد فعل عن حزن داخلي شديد لا تستطيع التعبير عنه، أو عن غضب كبير تخاف التصريح به، أو عن ضعف ذاتي قاتل تهرب من الاعتراف به.

المصادر: 1، 2، 3، 4، 5




مقالات مرتبطة