ماذا يخبرك به علم النفس عن الطفل: مدحه وتعنيفه والإجابة عن تساؤلاته

في الحقيقة، إنَّ الطفل ليس مجرد إنسان صغير؛ بل هو حالة خاصة في كل شيء، ويختلف تماماً عن البالغ؛ لذا لا بد من اعتماد منهج نفسي تربوي علمي وواضح في تربيته والتعامل مع احتياجاته، وسنحاول في هذا المقال أن نتطرق إلى بعض القضايا السهلة في تربية الطفل، ولكنَّها هامة جداً.



1. خطورة ازدواجية التعامل مع الطفل:

إنَّ تعرُّض الطفل لنوعين متطرفين من التعامل؛ كالمحبة المفرطة والمفاجئة، ثم القسوة والمجافاة من قِبل الأبوين، يجعله في حالة يقظة دائمة من أجل تأمين سلامته وأمنه في مواجهة هذه الحالات المتبدلة تبدُّلاً غير مفهوم بالنسبة إليه.

ومع مرور الوقت يطوِّر الطفل راداراً خاصاً به يراقب من خلاله مزاج والديه، ويدفع ثمن هذا الرادار من خلال تأهبه الكامل لما يفرضه هذا الوضع من توتر وقلق واهتمام مفرط بمَن حوله، وبذلك يفقد تواصله مع حاجاته النفسية والجسدية، وينصرف اهتمامه عن أفكاره ومشاعره، ويتحول مع مرور الزمن إلى طفل ذي سلوك متذبذب ومشوش في مواجهة سلوكات غير متوقعة من قِبل والديه.

2. تعنيف الطفل يجعله ورقة في مهبِّ الريح:

المشكلة في الطفل الذي يتعرض للضرب من قبل والديه، ليست في أنَّه سيكره أهله أو يتوقف عن حبهم؛ بل أيضاً سيتوقف عن حب ذاته، وعلى عكس ما نتوقعه فإنَّه لا يهرب منهما؛ بل يصبح أكثر تعلُّقاً بهما، وتصبح عملية الانفصال أصعب، بسبب تدهور نموه النفسي.

الطفل الذي يتعرض للضرب، يصبح ذا شخصية هشة ويفقد ثقته بنفسه، ويحتاج أكثر إلى الحماية من قبل الآخرين، فيلتصق بوالديه أكثر؛ ذلك لأنَّه مستعد لتحمُّل الضرب الذي يبدو محمولاً مقابل حصوله على الأمان طيلة الوقت.

يعتقد الطفل دائماً أنَّ أهله على حق، وهو المخطئ، وهذا العنف الذي يتعرَّض له دائماً ينهش من ثقته بنفسه أكثر من ثقته بأهله؛ إذ يبقى يلوم نفسه، ويتبنى رأي والديه، ويقتنع بأنَّه السبب في هذه العقوبة وأنَّه يستحقها؛ ذلك لأنَّه فشل في تجسيد صورة أهله في الواقع.

في الحقيقة، لا يوجد ما يدعم النمو السليم للطفل أكثر من جو الثقة والاستقرار والأمان، أما الضرب، فيجعله ورقة في مهب رياح الحياة، تأخذه كيفما تشاء.

3. كيف تمدح طفلك مدحاً صحيحاً؟

كثُر الحديث في العقود الماضية عن أهمية بناء الثقة بالنفس وتقدير الذات عند الطفل، وكانت الطريقة المستخدمة هي المدح والإطراء في حال أنجز الطفل المهمة جيداً؛ إذ إنَّ المديح سيقوِّي ثقته بنفسه.

ولكنَّ الدراسات الجديدة وجدت الكثير من الثقوب في ذلك الاعتقاد، فيما يتعلق بالمديح وتقدير الذات، فعلى سبيل المثال: بعض جمل المديح تُشعر الطفل بأنَّه يمتلك مواهب أو ميزات محددة، ومن ذلك عندما نقول له إنَّه ذكي جداً، أو إنَّه ذكي في الحساب، فهذا الأسلوب من المديح يجعل الطفل يعتقد أنَّ التميز والنجاح يكمن في الموهبة.

وعندما يظن الطفل أنَّه يمتلك موهبة أو قدرات خاصة، فإنَّه عندما يواجه مشكلة ما في طريقه سيسلك سلوك الاستسلام وكأنَّه قد وصل إلى أقصى ما يمكن الوصول إليه.

والحل المثالي هنا، هو أن يختص الإطراء بمفهوم الجهد؛ أي أن نقول له إنَّك قد درستَ جيداً واجتهدت، فالمديح الذي يركز على الاجتهاد، يدرِّب الطفل على أنَّه يستطيع تطوير مهاراته وقدرته العقلية، وليس أنَّه يولد بمواهب وقدرات محددة، فالطفل الذي يعتقد أنَّه يكتسب القدرات والمهارات من خلال الجهد، يردُّ على المشكلات والصعوبات بالاجتهاد والعمل بدلاً عن الاستسلام لها.

ومن جهة أخرى، يقوم بعض الأساتذة أو حتى الأهل بتوجيه مديح زائد عن الحد من أجل رفع ثقة الطفل بنفسه عند مَن لديه ضعف في تقدير الذات، مثل أن نقول له إنَّ أداءه لا يوصف، بدل أن نقول له إنَّ أداءه جميل، فهذا المديح المتطرف قد يؤدي إلى مخرجات سلبية؛ إذ يعتقد أنَّ الدرجة الاستثنائية من العمل هي التي تُرضي الأهل والأساتذة، ومن ثَمَّ سيمتنع عن المشاركة في التحديات الجديدة.

يجب علينا أن نعرف جيداً، أنَّ موضوع الثقة بالنفس عند الأطفال موضوع واسع وشائك، ومن الصعب وضع دليل إرشادي يشمل تفاصيله، ولكن من الهام أن ندرِّب الطفل على قيمة بذل الجهد عند مواجهة المشكلات أو المصاعب، أو حين يتعلَّم أشياء جديدة تكون خارج فضائه، وهو قادر على الوصول إليها في نهاية الطريق.

شاهد بالفديو: 8 تصرفات تشير إلى أنَّنا نسيء تربية أطفالنا دون أن نعلم

4. تساؤلات الطفل، عملية بناء معرفية لذكائه:

يُعَدُّ سؤال الطفل عن الأشياء وماهيتها من أهم ما يقوم به في بداية مرحلة استكشافه للواقع؛ لذا تكون أسئلته كثيرة؛ وذلك لأنَّه يدرك كل ما حوله للمرة الأولى، وبحسب استجابة الوالدين لهذه الأسئلة الكثيرة تتحدد علاقتهم بطفلهم في المستقبل.

لا يجب على الأهل الغضب أو الامتعاض أو الاستياء من الطفل الذي يسأل ويستفسر دائماً وبإلحاح؛ ذلك لأنَّ هذا يدلُّ على ذكائه، ومن الضار جداً أن يقوم الأهل بإسكات طفلهم؛ بل يجب عليهم الإجابة وبكل سرور ورحابة صدر عن جميع ما يشغل باله من أسئلة، وكذلك من المفيد نقاشه حولها، فالحوار المطوَّل والتفصيلي يغني ذهنه ويشبع فضوله.

يجب على الأهل الامتناع عن بعض الجمل والعبارات، مثل: ما زلتَ صغيراً على مثل هذه الأسئلة، عندما تكبر ستعرف؛ إذ إنَّها من أسوأ الردود التي يتلقاها.

من هذا التعامل السهل، تنشأ أساسات الثقة وتكوين القاعدة المرجعية والمعرفية لدى الطفل، وهنا يبدأ أيضاً سؤال جديد؛ هل سيكتفي الطفل بالبحث عن إشباع لفضوله وشغفه داخل هذه الأسرة، أم أنَّه سيلجأ إلى البحث عن فضوله في أماكن أخرى؟ وهذا ما سيظهر في مرحلة المراهقة أو المدرسة.

5. أهم الطرائق التربوية النفسية في التعامل مع أسئلة الطفل:

  • من المفيد جداً أن يخصِّص الأهل وقتاً ليتحاوروا فيه مع طفلهم يومياً، ومن الأفضل أن يكون النقاش بمستوى يتناسب مع قدرات الطفل العقلية والمعرفية.
  • محاولة معرفة ما الذي يريد الطفل أن يصل إليه من السؤال الذي يطرحه، فقد تكون لديه معلومة سمعها من رفاقه أو معلميه ويريد التأكد من صحتها.
  • في حال طرح الطفل سؤالاً، وكان الأهل لا يعرفون الجواب، فلا داعي للكذب أو اختلاق جواب خاطئ؛ لأنَّ هذا سيؤثر سلباً في ثقة الطفل بأهله؛ لذا يكفي أن نقول له إنَّنا سنبحث عن الإجابة ونخبره بها.
  • من الضروري أن نعي أنَّ هذا السؤال نابع من طفل صغير، فيكفي أن يكون الجواب واضحاً ومختصراً وبعيداً عن التعقيد.
  • يجب على الأهل أن يتأكدوا أنَّ طفلهم فهم الجواب، ولا ينبغي أن يتركوه حائراً فيما يخص الإجابة، وإذا أحسوا بذلك، فيجب عليهم إعادة الشرح بأسلوب أسهل.
  • يجب على الأهل أن يعوا أنَّه لا وجود للسؤال الغبي، فكل استفسار يقوم به الطفل يكون من ورائه فضول وحب للمعرفة. من هذا المنطلق يجب على الأهل الحرص على الإجابة.
  • قد تكون القصص أو الألعاب أو الرسومات خير وسيلة لإيصال المعلومة إلى ذهن الطفل.
إقرأ أيضاً: 14 طريقة لتنمية الذكاء والقدرات العقلية عند الأطفال

6. انفعالات الطفل هي عناوين سلوكه:

من الأمور الهامة التي يجب مراعاتها في تربية الطفل، هي التركيز على انفعالاته، في حال حدوث أمر خاطئ؛ وهذا يعود إلى عدم قدرته على التعامل مع المشاعر الكبيرة، وهو لم يتعلَّم بعد مهارات اتخاذ القرارات السليمة؛ لذا يجب علينا أن ننتبه للمشاعر الانفعالية التي تكون مختبئة خلف السلوك؛ ذلك لأنَّ أهميتها بمقدار أهمية السلوك.

وإنَّ الأسلوب الأفضل في التعامل مع احتياجات الطفل الشعورية أو الانفعالية هي الوسيلة الأفضل في تعديل سلوكه، بالإضافة إلى تحسين قدراته العقلية لكي يتعامل معاملة أفضل مع نفسه في المستقبل.

إقرأ أيضاً: تعبير الأطفال عن مشاعرهم: خطوة مُنجية من الوقوع في شرك الكبت

7. أسوأ ما يمكن للأهل تقديمه لأطفالهم هو أن يجعلوهم صورة عنهم:

في بعض الحالات يقوم الطفل بأمور لا توافق الأهل ورغباتهم وتوقعاتهم، وغالباً ما يتعامل الأهل مع هذا الموضوع بالسخط أو الغضب، وفي أفضل الحالات بنوع من السخرية أو الاستنكار، ويعاملونهم على أساس أنَّهم أولاد عاقون وخارجون عن العرف والعادة ومسلك العائلة، ويَعُدُّ الأهل هذا الأمر من سمات سوء التربية وقلة الأدب.

ولكن في الحقيقة، يُعَدُّ ميل الأطفال إلى الاختلاف عن أهلهم ميلاً صحياً وطبيعياً، ويدل في حال وجوده عند الطفل على أنَّه يتفاعل مع الحياة ومجرياتها، ويبني معارفه الخاصة تجاه القضايا المختلفة، كما يدل على أنَّ هذا الطفل قادر على أن يصب طاقاته الجسدية والنفسية في مصلحته، ويوظِّفها من أجل نموه وتطور مهاراته وقدراته، وتميزه الفردي عن أقرانه.

يجب على الأهل العمل على دعم هذه السلوكات عند طفلهم؛ ذلك لأنَّها فطرة طبيعية وأصيلة وسليمة، والأهم من ذلك يجب عليهم كبح مواقفهم وأفكارهم النرجسية في أن يجعلوا أولادهم نسخة عنهم.

في الختام:

إنَّ دعم الطفل في خياراته وكبح نزعة الأبوين السلطوية، هو أفضل ما يستطيع أن يقدمه الأهل لأطفالهم؛ إذ سيمكِّنه هذا من تجاوز عثرات أهله، وتعدد خياراته ومداركه الفكرية والعقلية والحياتية، ويمنحه فرصاً ومصادر معرفة أوسع وأفضل، وهذا بدوره سيجعله إنساناً مختلفاً اختلافاً أفضل.




مقالات مرتبطة