ماذا تعرف عن وسائل التواصل الاجتماعي وتأثيرها على الصحة العقلية؟

يعيش العديد من الأشخاص في عالم اليوم مع هواتفهم الذكية كرفاقٍ افتراضيين، وتستخدم هذه الأجهزة شبكات التواصل الاجتماعي الإلكترونية التي تنبِّه المستخدمين إلى تحديثات الأصدقاء والمشاهير المفضلين والأحداث العالمية؛ إذ أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي مندمجة بقوة في نمط حياة الكثيرين من الناس اليومية.



تُعَدُّ وسائل التواصل الاجتماعي في جوهرها أداة اتصال قوية غيرَّت كيفية تفاعل الأفراد مع بعضهم بعضاً، وتعمل على تسريع كيفية تبادُل الأشخاص الأفكارَ ومشاركة المعلومات عبر الشبكات الافتراضية، ومع ذلك فتوجد لوسائل التواصل الاجتماعي سلبيات، وتُشير بعض الأدلة إلى أنَّ استخدامها - على وجه الخصوص الإفراط في استخدامها - قد يؤثر سلباً في الصحة العقلية بعدَّة طرائق.

استمر في قراءة هذا المقال لمعرفة المزيد عن الروابط بين وسائل التواصل الاجتماعي والصحة العقلية، ومن ذلك الآثار الإيجابية والسلبية التي يمكن أن تُحدِثها هذه الأداة في الأفراد.

لماذا تؤثر وسائل التواصل الاجتماعي في الصحة العقلية؟

ترتبط وسائل التواصل الاجتماعي بالاكتئاب والقلق ومشاعر العزلة، ولا سيما بين مستخدميها بكثافة.

وجد أحد الاستطلاعات أنَّ المراهقين قد يقضون ما يصل إلى 9 ساعات من كل يوم على الإنترنت، وكثيرون من هؤلاء الأفراد يكونون قلقين لأنَّهم يقضون وقتاً طويلاً في تصفُّح الشبكات الاجتماعية، وتُشير هذه الموجة من القلق إلى أنَّ وسائل التواصل الاجتماعي قد تؤثر في الصحة العقلية لمستخدميها.

أكَّد باحثون في دراسة كندية هذه النتيجة، وأشاروا إلى أنَّ الطلاب الذين يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي لأكثر من ساعتين يومياً تكون صحتهم العقلية أقل من المستخدمين العرضيين.

ذكرت دراسة حديثة أنَّ استخدام وسائل التواصل الاجتماعي يقلل من جودة النوم، فالنوم المنتظم عالي الجودة ضروري للصحة، وتُشير الأدلة إلى أنَّ مشكلات النوم تساهم في آثار ضارة بالصحة العقلية؛ مثل الاكتئاب وفقدان الذاكرة.

بصرف النظر عن الآثار الضارة في النوم، فقد تثير وسائل التواصل الاجتماعي صراعات في الصحة العقلية من خلال تعريض الأفراد للتنمر عبر الإنترنت، وفي دراسة استقصائية أُجريَت على أكثر من 6000 فرداً تتراوح أعمارهم بين 10 و18 عاماً، وجد الباحثون أنَّ حوالي نصفهم قد تعرَّضوا للتنمر عبر الإنترنت.

يتمثل عيب من عيوب منصات التواصل الاجتماعي في أنَّها تمنح الأفراد الفرصة لبدء أو نشر شائعات مؤذية واستخدام كلمات مُسيئة قد تخلف ندوباً عاطفية دائمة على الناس.

إحصاءات عن أضرار وسائل التواصل الاجتماعي:

تعرَّضت وسائل التواصل الاجتماعي للكثير من الانتقادات؛ إذ ربطت العديد من التقارير استخدامها بعواقب وخيمة.

تُظهِر المُسوحات الوطنية والدراسات السكانية أنَّ عالم وسائل التواصل الاجتماعي ربما تكون له آثار مدمرة في الصحة العقلية للمستخدمين، وفي الولايات المتحدة وحدها تُظهِر نتائج الاستطلاع زيادة بنسبة 25% في محاولات الانتحار بين المراهقين بين عامي 2009 و2017.

على الرغم من أنَّ وسائل التواصل الاجتماعي قد لا تؤدي دوراً في كل من هذه الحوادث، إلَّا أنَّ الإطار الزمني يرتبط بالاستخدام المتزايد لهذه المنصات.

تؤكد دراسة في عام 2021 هذا التأثير، وأفاد الباحثون أنَّه على الرغم من أنَّ استخدام وسائل التواصل الاجتماعي كان له تأثير ضئيل في خطر انتحار الأولاد، فإنَّ الفتيات اللائي يستخدمن وسائل التواصل الاجتماعي لمدة ساعتين على الأقل كل يوم من سن 13 عاماً كانت لديهن مخاطر إكلينيكية أعلى بالانتحار كبالغات.

إضافةً إلى ذلك تُظهِر نتائج دراسة سكانية انخفاضاً في الصحة العقلية في الولايات المتحدة، مع زيادة بنسبة 37% في احتمال الإصابة بنوبات اكتئاب كبرى بين المراهقين.

اقترحت دراسة أُعِدَّت عام 2019 أنَّ المراهقين الذين يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي لأكثر من 3 ساعات يومياً هم أكثر عرضة لمشكلات الصحة العقلية؛ مثل الاكتئاب والقلق والعدوانية والسلوك المعادي للمجتمع.

شاهد بالفديو: 6 حلول بسيطة للتخلص من إدمان مواقع التواصل الاجتماعي

الآثار السلبية لوسائل التواصل الاجتماعي في الصحة:

قد تُثير وسائل التواصل الاجتماعي مشاعر النقص، وربما يشعر الناس كما لو أنَّ حياتهم أو مظهرهم لا يُقارَن بشكل إيجابي مع حياة الآخرين على وسائل التواصل الاجتماعي؛ مما يؤدي إلى مشاعر الحسد وعدم الرضى.

وجدت دراسة أُخرى أنَّ الاستخدام الزائد لوسائل التواصل الاجتماعي يزيد من الشعور بالوحدة بدلاً من تقليله، كما أفادت أنَّ الحد من استخدام وسائل التواصل الاجتماعي يساعد على تقليل الشعور بالوحدة والعزلة ويحسِّن سعادة الناس.

إضافة إلى ذلك يمكن أن تسهِّل وسائل التواصل الاجتماعي التنمُّر الرقمي تؤدي إلى تركيز غير صحي في الذات وبُعداً عن الأصدقاء والعائلة.

إقرأ أيضاً: 9 أسباب تجعل التخلص من استخدام وسائل التواصل الاجتماعي أمراً مفيداً لك

التأثيرات الإيجابية لوسائل التواصل الاجتماعي:

تظل وسائل التواصل الاجتماعي وسيلةً فعَّالة لربط المجتمعات والأفراد في جميع أنحاء العالم على الرغم من عيوبها.

تُعَدُّ الشبكات القائمة على وسائل التواصل الاجتماعي بين مجموعات صغيرة من الناس مفيدة للكثيرين، فمن خلال وسائل التواصل الاجتماعي يمكن للشباب الذين يعانون من ضعفٍ في المهارات الاجتماعية والقلق التعبير عن أنفسهم والتواصل الاجتماعي بشكل أكبر، وقد تكون مفيدةً بشكل خاص للمجموعات المهمَّشة؛ وذلك لأنَّها تمكِّنهم من الالتقاء والتفاعُل مع الأفراد الآخرين من ذوي التفكير المماثل.

تعمل وسائل التواصل الاجتماعي أيضاً كمنصَّة تمنح صوتاً لمَن لا صوت لهم؛ على سبيل المثال يمكن للأشخاص الذين تعرَّضوا للعنف وسوء المعاملة استخدام مجتمعات مثل مجتمع #MeToo للتعبير عن آرائهم والتحدُّث عما يواجهونه والعثور على الدعم.

يمكن لوسائل التواصل الاجتماعي أيضاً المساعدة على التثقيف والإعلام وتوفير منفذٍ للإبداع والتعبير عن الذات.

الحالات النفسية المرتبطة بوسائل التواصل الاجتماعي:

تؤدي وسائل التواصل الاجتماعي غير المنظمة إلى خوفٍ دائمٍ من الضياع، وهو ما يُشير إليه الكثيرون باسم FOMO، وقد يشعر الناس كما لو أنَّ الآخرين يستمتعون أكثر منهم؛ مما قد يؤثر في احترام الذات ويسبب مشكلات في الصحة العقلية.

قد يفتح الأفراد هواتفهم قسرياً على حساب فقدان النوم، أو قد يختارون وسائل التواصل الاجتماعي بدلاً من العلاقات الشخصية أو اللقاءات، إضافة إلى ذلك فإنَّ إعطاء الأولوية لشبكات التواصل الاجتماعي على التفاعلات الجسدية والاجتماعية يزيد من فرص اضطرابات المزاج مثل القلق والاكتئاب.

الفومو حقيقة:

الخوف من الضياع أو (FOMO) هو تأثير آخر في الصحة العقلية، ويرتبط ارتباطاً وثيقاً باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وعلى الرغم من أنَّ العبارة الجديدة نسبياً تُنسَب غالباً إلى الملل الألفي، إلَّا أنَّ علماء النفس يقولون إنَّ له أهمية اجتماعية حقيقية.

إيمي سامرفيل هي أستاذة علم النفس في جامعة ميامي في أوهايو، وخبيرة في قضايا الندم وعلم نفس، توضِّح أنَّ الـ FOMO هو امتداد لقضايا أكبر تتعلق بالإشراك الاجتماعي والمكانة الاجتماعية، وبمجرد تلبية احتياجاتنا الأساسية مثل الطعام والمأوى والماء، فإنَّ الحاجة إلى الإشراك الاجتماعي والتفاعل الاجتماعي تأتي في مرتبة أعلى.

تقول سامرفيل: "تجربة الـ FOMO على وجه التحديد هي هذا الشعور الذي يجول في خلدنا بأنَّه كان من الممكن أن نكون هناك شخصياً ولم نكُن، وأعتقد أنَّ جزءاً من السبب الذي يجعل هذا الشعور قوياً حقاً هو أنَّنا لا نبني علاقات اجتماعية هامة مع الأشخاص الموجودين معنا".

أدى الاستخدام واسع النطاق الآن لوسائل التواصل الاجتماعي والتكنولوجيا إلى إنشاء عالم يمكننا فيه التحديق في كرة بلورية خاصة بنا لنرى ما يفعله أصدقاؤنا في أي وقت تقريباً من اليوم، وهذا لا يُعَدُّ أمراً جيداً بالضرورة؛ لذا هل يجب علينا جميعاً استخدام قدر أقل من وسائل التواصل الاجتماعي؟ ممكن، لكن كلا، لا يوجد ما يكفي من البحث لوضع أي نوع من المبادئ التوجيهية الحقيقية.

تقول سامرفيل: "لا أعرف أنَّني سأقول في هذه المرحلة إنَّ البحث يقول بالضرورة إنَّه على الجميع وضع أدوات حظر التطبيقات على هواتفهم"، وتضيف: "هذا - بالنسبة إلي - يشير إلى أنَّه قد يكون مفيداً، وخاصةً للأشخاص الذين يبدو أنَّهم يعانون بالفعل من المشاعر السلبية والشعور بالانتماء".

مع ذلك، ما هو واضح هو أنَّ وسائل التواصل الاجتماعي لن تختفي، وإذا كان يوجد أي شيء سيحدث، فمن المرجَّح أن يزداد انتشار هذا النوع من التكنولوجيا.

غيَّرت ألعاب مثل Pokémon Go الجو الاجتماعي لما يعنيه لعب لعبة فيديو، وأنشأت تطبيقات مثل Strava شبكة اجتماعية؛ إذ يمكن للمستخدمين مشاركة أهداف اللياقة البدنية والروتين، وقد انتقل موقع LinkedIn من منصة للبحث عن عمل إلى شبكة اجتماعية كاملة للأشخاص المهتمين بالوظيفة.

بالنظر إلى مدى توفُّر هذه التقنيات واستمرارها في الظهور، فإنَّها ستكون مجرد جزء من كيفية تفاعلنا مع عالمنا ومع الناس.

شاهد بالفديو: 7 مهارات اجتماعية تجعلك شخصاً محبوباً

إدارة التأثيرات السلبية لوسائل التواصل الاجتماعي:

يستطيع الفرد استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بشكل إيجابي من خلال:

  • إيقاف اتِّصال بيانات الهاتف الذكي في أوقات معيَّنة من اليوم؛ أي في أثناء القيادة أو في العمل أو في الاجتماعات مثلاً.
  • إيقاف تشغيل اتصال البيانات في أثناء قضاء الوقت مع الأصدقاء والعائلة.
  • ترك الهاتف الذكي بعيداً عن متناول اليد في أثناء النوم.
  • إيقاف تشغيل الإشعارات لتسهيل مقاومة الأصوات أو الاهتزازات المشتتة للانتباه.
  • قصر استخدام الوسائط الاجتماعية على الكمبيوتر بدلاً من الهاتف الذكي.

منع الآثار السلبية لوسائل التواصل الاجتماعي:

يمكن أن يساعد الناس أنفسهم على تجنُّب بعض الآثار السلبية لوسائل التواصل الاجتماعي؛ وذلك من خلال قصر الاستخدام على 30 دقيقة في اليوم؛ مما يؤدي بدوره إلى تقليل الـ FOMO والعواقب السلبية المرتبطة به.

من خلال زيادة وعي الشخص بمقدار الوقت الذي يقضيه على وسائل التواصل الاجتماعي، قد يلاحظ تحسناً في مزاجه العام وتركيزه وصحته العقلية بشكل عام.

إقرأ أيضاً: 5 نصائح للتخلص من إدمان الهاتف المحمول

في الختام:

توفِّر وسائل التواصل الاجتماعي للمستخدمين وسيلة سريعة للاتصال الإلكتروني ومشاركة المحتوى، وعلى الرغم من أنَّ لها تأثيرات إيجابية مختلفة، إلَّا أنَّها يمكن أن تؤثر سلباً في الصحة العقلية للمستخدمين.

الحد من استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لمدة 30 دقيقة في اليوم يمكن أن يقلل الـ FOMO، ومن ثم يخفف من الشعور بالوحدة والقلق والاكتئاب ومشكلات النوم المرتبطة بالاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي.




مقالات مرتبطة