ما هي عقدة سيزيف؟ وكيف تتخلص منها حينما تجدها في المنظمات؟

إذا كنتَ مولعاً بالأساطير اليونانية، فلا بُدَّ أنَّ اسم سيزيف مألوفٌ بالنسبة إليك. لقد كان سيزيف ملك مدينة كورنث، وقد اكتشفت الآلهة -بحسب الأساطير اليونانية- أنَّه مخادع؛ فعاقَبَته على شناعة شخصيته مراراً وتكراراً.



لقد قادَته حياة القسوة والفسق إلى مرحلةٍ من العبث، وقد أُجبِر على عيش بقية أيامه يَجُرُّ صخرةً كبيرةٍ إلى أعلى تلَّةٍ شديدة الانحدار، فإذا وصل إلى قمتها عادت تتدحرج مرَّةً أخرى إلى الأسفل. ولقد كانت كل جهوده تذهب سدىً، لكنَّ طبيعته السادية حرمَته مِن القدرة على التفكير.

على الرغم من أنَّ القصة ممتعة، إلَّا أنَّك قد تتساءل عن مدى ارتباط الأساطير اليونانية الموغلة في القِدَم بالعصر الحديث؟ ولماذا يصف الناس مهام معيَّنةً بأنَّها كمهمة سيزيف؟ ولماذا يجب على الفِرَق أن تتعاون لتخطِّي مثل هذه المهام تحديداً؟

ما هي مهمة سيزيف؟

لم يكن سيزيف رجلاً شريفاً؛ بل كان إنساناً فظَّاً يلهث دائماً خلف المكاسب. فلقد أُسنِدَت لسيزيف مهمَّةٌ بدت هيِّنةً للوهلة الأولى، لكنَّ نظرة التعالي كانت تسيطر على سيزيف المسكين، ولذلك أخفقَ في إدراك أنَّ طريقته لن تجدي نفعاً، وأنَّ ثمَّة طريقة أخرى.

يكون في بعض الأحيان وضع الأشخاص الذين يعملون حولنا أو تحت إشرافنا مشابهاً تقريباً، حيث يجد الموظفون أنفسهم في كثيرٍ من الأحيان محتجزين داخل فقاعاتٍ من المعضلات التي تَشُلُّ التفكير، كما ينشغل هؤلاء انشغالاً شديداً بتنفيذ مهامهم الروتينية المُعتادة؛ وهي مهامٌ يعتقدون ليست من مستواهم أو ليست صعبةً بما فيه الكفاية، وكذلك ينسى هؤلاء مسؤولية الاعتناء بأنفسهم مهنيَّاً، ويؤدي تنفيذهم المهام نفسها مراراً وتكراراً إلى خسارة حس الابتكار.

ربَّما تعتقد بأنَّ موظفيك منتجون ويؤدون المهام المطلوب منهم أن يؤدوها، لكنَّ الذي يفشل المدير في اكتشافه أنَّه يشوِّه معنويات الموظفين. فمِن الواضح أنَّ هؤلاء الموظفين نفسهم سيشعرون بالملل، وأنَّ أداءهم سيتوقف عند مستوىً محدد أو سيتدهور مثلما فعلَت صخرة سيزيف؛ فقد يبدو أنَّ الموظفين يقدِّمون النتائج الصحيحة كلها، لكنَّهم يخفقون في تلبية التوقعات.

إقرأ أيضاً: مهارات العمل تحت الضغط

كيف تتجنَّب الوقوع في فخ عقدة سيزيف؟

إذا كنتَ تثقل كواهل الموظفين بأكوامٍ من العمل الممل، ولا تتيح لهم تنفيذ مهام تثير التحدي في النفوس، فأنت بلا شكٍّ تستدرجهم للوقوع في فخ عقدة سيزيف. فقد لا تدرك ذلك، لكنَّ الابتكار سيَقِلُّ لدى الموظفين وسيزدادون تراخياً عندما يتعلق الأمر بإدارة المهام.

إذا أردتَ السعي إلى تطوير الموظفين، فيجب عليك أن تُخطِّط تخطيطاً بعيد الأمد، وأن تمنحهم شيئاً يتطلعون إليه ومزيداً من الفرص لتشغيل عقولهم من خلال القيام بأمورٍ مثيرة، كما تُعَدُّ إثارة الحماسة من خلال الخُطَب المُحفِّزة واحدةً من هذه الأمور، ومنها أيضاً منحهم فرصة استكشاف خياراتٍ أفضل، حيث يدعم كِلا هذين الإجراءين الآخر إذا نُفِّذَت الاستراتيجية في الوقت المحدد.

وفقاً لإحدى الدراسات، تبقى 43% تقريباً من الشركات حول العالم مفتوحةً 4 أيامٍ في الأسبوع؛ حيث يمنح هذا الموظفين بعض الوقت الإضافي للتواصل مع الآخرين وتعزيز رضاهم عن نموهم الشخصي. وإذا كانت المهمة مرهقةً ويستطيع تنفيذها أعضاء الفريق ذوي الخبرة القليلة، فيجب على القادة أن يُمارسوا التفويض ممارسةً ذكية أو سيجدون أنفسهم عالقين في عقدة سيزيف.

من الطرائق الأخرى المُتَّبعة للتخلُّص من عقدة مهمة سيزيف إسناد مهام للموظفين تثير فيهم بطريقةٍ أو بأخرى الإحساس بالتحدي، وإذا لم تُثِر المهمة فعلاً إحساس الموظفين بالتحدي، وإذا لم يشعروا بأنَّهم يقدِّمون إسهاماتٍ فاعلةً للشركة، فإنَّ أداءهم ومستوياتهم ستهبط على الأرجح.

لا يخفف هذا إحباط الموظفين أصحاب الأداء الضعيف فحسب؛ بل يعزز تعزيزاً كبيراً أيضاً قدرة الأفراد على تطبيق طرائق جديدة للتغلب على المخاوف التي تراودهم بأفضل طريقة ممكنة، كما يفتح هذا أفاقاً جديدةً أمام الفريق ويهوِّن الأمر كثيراً على الأفراد بحيث يتمكنون من تطبيق استراتيجياتٍ مميزة وقوية لإحراز الأهداف المحددة المرجوة كلها.

تساعد الخطب المُحفِّزة الأفراد على الخروج من مناطق الراحة والتفكير في المواقف المهمة فعلاً؛ ذلك لأنَّ التحكم تحكماً تامَّاً بالأهداف التي يخططون لإحرازها، وتحديد طريقةٍ واضحة لإحراز الأهداف واستيعابها، ورؤية طريقة القيام بذلك رؤيةً أفضل، سيُهوِّن عليهم إحراز الأهداف والغايات في الوقت المحدد.

مثلما أنَّ مسؤولية الموظفين تكمن في وضع معايير موحدة تنظم التعاون الفاعل ضمن الفريق، من الضروري جدَّاً أن يركز المديرون الاهتمام على توجيه الفريق توجيهاً واعداً. وحينما يتمكن الموظفون من رؤية صورة المستقبل الأفضل الذي ينتظرهم في حال كان لديهم مثلٌ أعلى يستحق أن يحذوا حذوه، فلماذا سيرغبون في الوقوع في فخ عقدة مهمة سيزيف؟

إقرأ أيضاً: الاحتراق الوظيفي: تعريفه، أسبابه، طرق علاجه، وعلاقته بالرضا الوظيفي

في النهاية:

من غير المحتمل أن يعاني موظفو المنظمات التي تركِّز اهتماماً كبيراً على مفهوم كايزن أو ممارسة التحسين المستمر من عقدة سيزيف، حيث يُعَدُّ التطوير ضروريَّاً للتحسُّن، وربما تستطيع فكرةٌ أن تُحمِّس المنظمة أو تعرِّفها إلى طريقة أخرى لتنفيذ المهام بسهولة أو تعطي مؤشراً آخر من مؤشرات الأداء؛ وهو أمرٌ يتحمل المديرون وحدهم مسؤوليته.

المصدر




مقالات مرتبطة