ما هي الناصية؟

القرآن الكريم هو كلام الله تعالى، أنزله على نبيِّه محمد صلى الله عليه وسلم، وهو معجزة خالدة تمتد عبر العصور، وقد أثبت العلم الحديث صدق العديد من آياته، وسبقه القرآن الكريم في بعض الاكتشافات العلمية التي لم يكتشفها العلماء إلا بعد قرون من نزول القرآن الكريم.



لعل من أبرز الأمثلة على ذلك هو قوله تعالى: "وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا" النازعات، الآية: 30، فقد أثبت العلم الحديث أنَّ الأرض كانت في بداية خلقها عبارة عن كتلة من الغبار والغاز، ثم بدأت بالانفجار والاستقرار تدريجياً، حتى أصبحت كما هي عليه اليوم، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الآية 16 في سورة العلق: "نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ" والتي وصل العلم إلى حقيقتها بعد قرون عديدة من نزولها في القرآن الكريم، وهذا إثبات آخر على إعجاز كتاب الله وصلاحيته لكل زمان ومكان.

مقالنا اليوم مخصص للآية الأخيرة التي تتحدَّث عن الناصية، والذي سنتعرف فيه معنى الناصية في القرآن، والإعجاز العلمي في ناصية كاذبة خاطئة، وماذا قيل عن الناصية في السنة النبوية الشريفة.

ذكر كلمة ناصية في القرآن الكريم:

ذُكِرَت كلمة الناصية في أربع آيات من القرآن الكريم، وهي:

1. سورة العلق (15-16):

"كَلاَّ لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعَنَّ بِالنَّاصِيَةِ * نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ".

2. سورة الرحمن (41):

"يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ".

3. سورة هود (56):

"إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ ۚمَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا ۚ إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ".

معنى الناصية في اللغة العربية:

في اللغة العربية، الناصية هي مُقدِّمة الرأس، أو الشعر الذي ينبت في مقدم الرأس إذا طال، والناصية مفرد وجمعها نواصٍ وناصيات، وهي تدل على معانٍ منها:

  • الرفعة ورأس الأمر والسيادة.
  • التحكم والسيطرة.
  • الخطأ والكذب.

أما في السياق القرآني، فإنَّ الناصية تُستخدم غالباً للدلالة على التحكم والسيطرة، أو الخطأ والكذب.

شاهد بالفديو: 9 خطوات لاتقان فن اتخاذ القرارات

معنى الناصية في القرآن الكريم:

لقد قلنا إنَّه ورد ذكر الناصية في القرآن الكريم في أربعة مواضع، منها قوله تعالى:

"كَلاَّ لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعَنَّ بِالنَّاصِيَةِ * نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ" (العلق: 15-16).

ففي هذه الآية، يقسم الله تعالى أنَّه لن يترك أبا جهل يستمر في تكذيبه للنبي صلى الله عليه وسلم، بل سيأخذه بناصيته، أي بمقدمة رأسه، ويلقيه في نار جهنم.

بناءً على هذا، يمكن القول إنَّ معنى الناصية في القرآن الكريم هو:

  • التحكُّم والسيطرة: فالله تعالى هو الذي يمسك بنواصي العباد، أي إنَّه هو الذي يتحكَّم بهم ويسيطر عليهم.
  • الخطأ والكذب: فالله تعالى يصف الناصية بأنَّها كاذبة خاطئة، أي إنَّها مخطئة في أقوالها وأفعالها.

الإعجاز العلمي في ناصية كاذبة خاطئة:

الإعجاز العلمي في قوله تعالى: "كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعَنَّ بِالنَّاصِيَةِ * نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ" (العلق: 15-16)، هو وصف الناصية بأنَّها كاذبة خاطئة.

لقد أثبتَ العلم الحديث أنَّ مُقدِّمة الرأس، والتي تسمى بالناصية، هي المسؤولة عن اتخاذ القرارات والتحكم في السلوك، كما أنَّها تؤدي دوراً هاماً في التحكُّم في الانفعالات والمشاعر.

لذلك، فإنَّ وصف الناصية بأنَّها كاذبة خاطئة هو وصفٌ صحيحٌ من الناحية العلمية، فالإنسان قد يخطئ في اتخاذ قراراته، وقد تتحكَّم في سلوكه الانفعالات والمشاعر الخاطئة.

فيما يأتي بعض الأمثلة عن ذلك:

  • الخطأ في اتخاذ القرارات: قد يخطئ الإنسان في اتخاذ قراراته، وذلك لعدة أسباب، منها: عدم توفر المعلومات الكافية، عدم القدرة على التفكير المنطقي، والتأثيرات العاطفية.
  • التحكم في السلوك بالانفعالات والمشاعر الخاطئة: قد تتحكم في سلوك الإنسان الانفعالات والمشاعر الخاطئة، مثل: الغضب، الكراهية، والشهوة.

لذلك، فإنَّ وصف الناصية بأنَّها كاذبة خاطئة هو وصف دقيق من الناحية العلمية، فالإنسان قد يخطئ في أقواله وأفعاله، وذلك بسبب تحكُّم الناصية في السلوك والقرارات، والإعجاز العلمي في ناصية كاذبة خاطئة هو دليل على صدق القرآن الكريم، وأنَّ كلام الله تعالى الذي أنزله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم كلام حق.

إقرأ أيضاً: 7 طرق لتحسين مهارة اتخاذ القرار

دور الناصية في الكذب بحسب العلماء:

تقع الناصية في الفص الجبهي من دماغ الإنسان، وبحسب ما توصَّل إليه العلماء فإنَّ الفص الجبهي أو الناصية تؤدي دوراً هاماً في الكذب، مثل التخطيط للكذب، وصياغة الكذب، ومراقبة رد فعل المستمع، ويرتبط الفص الجبهي بعدة عمليات معرفية هامة، مثل: التفكير المنطقي واتخاذ القرار، التحكم في السلوك، الانتباه والذاكرة العاملة.

هذه العمليات ضرورية للكذب، فيحتاج الكاذب إلى التفكير فيما يريد قوله، واتخاذ قرار بشأن ما إذا كان سيقول ذلك، والتحكم في سلوكه حتى لا يكشف عن أنَّه يكذب، والانتباه إلى رد فعل المستمع، إضافة إلى ذلك، يرتبط الفص الجبهي بالعواطف، وقد يساعد على إخفاء العواطف التي قد تكشف عن أنَّ الكاذب يكذب.

تشير الأبحاث إلى أنَّ الفص الجبهي أو الناصية أكثر نشاطاً عند الكذب مقارنة بالصدق، وعلى سبيل المثال، وجدت إحدى الدراسات أنَّ منطقة في الفص الجبهي أو الناصية تسمى التلفيف الأمامي الجبهي الأيسر (IFG) كانت أكثر نشاطاً في حالة الكذب.

تشير هذه النتائج إلى أنَّ الناصية هي التي تتم فيها معالجة الكذب، وقد يكون هذا الاكتشاف هدفاً للتدخلات التي تساعد على منع الكذب أو كشفه، وهذا يدل على الإعجاز العلمي في ناصية كاذبة خاطئة.

شاهد بالفديو: 6 طرق لكشف الكاذبين من حولك

دور الناصية في ارتكاب الأخطاء بحسب العلماء:

لقد تحدَّثنا أنَّ القرآن الكريم نَسَبَ إلى الناصية مسؤولية الكذب وارتكاب الأخطاء، ولقد أكَّد العلماء حقيقة هذا الدور، إذ قلنا إنَّ للناصية أو الفص الجبهي دوراً هاماً في العمليات المعرفية، مثل اتخاذ القرارات والتحكم بالسلوك، وهذه العمليات ضرورية لأداء جميع المهام، وعندما لا يتم القيام بهذه العمليات بشكل صحيح، فقد يؤدي ذلك إلى ارتكاب الأخطاء.

على سبيل المثال، قد يؤدي ضعف التفكير المنطقي واتخاذ القرار إلى اتخاذ قرارات خاطئة، وقد يؤدي ضعف التحكم في السلوك إلى اتخاذ سلوكات خاطئة، وقد يؤدي ضعف الانتباه إلى عدم ملاحظة المعلومات الهامة، وقد يؤدي ضعف الذاكرة العاملة إلى نسيان المعلومات الهامة.

إضافة إلى ذلك، يرتبط الفص الجبهي الذي يحتوي الناصية أيضاً بالعواطف، عندما تكون العواطف قوية، فقد تؤدي إلى ارتكاب الأخطاء، على سبيل المثال، قد يؤدي التوتر أو الغضب إلى اتخاذ قرارات خاطئة أو ارتكاب سلوكات خاطئة.

لذلك، يمكن القول إنَّ الناصية تؤدي دوراً رئيساً في ارتكاب الأخطاء، فهي مسؤولة عن عدة عمليات معرفية وعاطفية تسبب ارتكاب الأخطاء، وهذا دليل آخر على الإعجاز العلمي في ناصية كاذبة خاطئة.

إقرأ أيضاً: كيف تحول أخطاءك إلى فرص ثمينة للنجاح؟

الناصية في السنة النبوية الشريفة:

ورد ذكر الناصية في السنة النبوية الشريفة في عدة أحاديث، منها:

  • حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه: عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: "أنَّ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ تَوضَّأ ومسحَ ناصيتَهُ كانَ يمسحُ علَى الخفَّينِ وعلَى ناصيتِهِ وعلَى عِمامتِهِ". (رواه البخاري ومسلم).

ففي هذا الحديث، يوضح النبي صلى الله عليه وسلم أنَّ من سنن الوضوء مسح الناصية، وهي مُقدِّمة الرأس.

  • كما جاء في الحديث الشريف: "اللهم إنِّي عبدك ابن عبدك ابن أمتك ناصيتي بيدك"، ولحكمة إلهية عظيمة أَمَرَ الله سبحانه وتعالى أن تسجد هذه الناصية وأن تلامس الأرض فتفرِّغ الشحنات الكهربائية من الجسم عبر الرأس إلى الأرض، وهذا بدوره أيضاً يسهِّل وصول الدم إلى أجزاء الدماغ كلها، فتتغذى أجزاء الدماغ عبر الشعيرات الدموية التي لا يصل إليها الدم بشكل مثالي إلا في حالة السجود، وفي هذا حكمة إلهية عظيمة وعبر لأولي الألباب.

بناءً على هذه الأحاديث، يمكن القول إنَّ الناصية في السنة النبوية الشريفة لها نفس المعنى الذي لها في القرآن الكريم، وهو مُقدِّمة الرأس، والمنطقة التي تتحكم بالإنسان، والتي إذا ما أسلمها لله قاده الله تعالى بعيداً عن الخطأ والكذب.

في الختام:

في ختام هذا المقال ندرك مرة أخرى أنَّ القرآن الكريم قد سبق العلم الحديث بمئات السنين في إثبات وجود علاقة بين الناصية والكذب وارتكاب الأخطاء، وهي العلاقة التي تؤدي دوراً هاماً في التحكم في السلوك البشري.

إنَّ الإعجاز العلمي في القرآن الكريم يؤكد صلاحية كتاب الله لكل زمان ومكان، وأنَّ الله تعالى قد أخبرنا في كتابه عن عدة حقائق علمية لم نكن نعرفها إلا في عصرنا الحالي، وهذا الإعجاز العلمي في القرآن الكريم هو دعوة لنا إلى التدبُّر في هذا الكتاب العظيم، والبحث عن مزيد من الأسرار العلمية التي يحتويها.




مقالات مرتبطة