ما هي المميّزات التي يتفرّد بها شهر رمضان

قال تعالى: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ )، فاعملو في هذا الشهر على أن تكون أنفاسكم فيه تسبيح، ونومكم فيه عبادة، وعملكم فيه مقبول، ودعاؤكم فيه مستجاب، فدعوا الله ربكم بنيات صادقة، وقلوب طاهرة أن يوفقكم لصيامه، وتلاوة كتابه.



إنّ شهر رمضان شهر نكون فيه في ضيافة الله عز وجل، وجدير بالضيف أن يتحلّى بآداب الضيافة، ولا تكون الآداب صحيحة إلّا إذا جاءت بقدر المضيف ونحن نعلم أي مضيف عظيم حللنا بضيافته.

فلننظر ما هي آداب الضيافة في هذا الشهر الكريم، ماذا يجب علينا أن نعمل فيه لنكون في المستوى اللائق، ولكي نُسجّل في قائمة الضيوف الذين أحسنوا الآداب، ولكي نكون كذلك لابدّ من معرفة حقيقة هذا الشهر، وما هي المميزات التي يتفرّد بها عن سائر الشهور.

1. ليلة القدر في شهر رمضان:

يكفي قيمة لهذا الشهر الفضيل أن فيه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، وهي التي يقدّر فيها ما سوف يجري على البشرية جمعاء، إلى الشهر الكريم الذي بعده.

يقول الله عز وجل في القرآن الكريم: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ سَلَامٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطْلَعِ الْفَجْرِ ).

إقرأ أيضاً: فضائل ليلة القدر وأهم الأعمال المُحببة فيها

2. مميّزات شهر رمضان:

هناك أربع مميزات يمكن وضعها في إطار رسالة هذا الشهر الفضيل ، ذلك لأن لهذا الشهر الفضيل رسالة كما أن شخصيته خاصة إذا عرفناها عرفنا واجبنا فيه ، ومسؤوليتنا تجاهه ومنهجنا في لياليه وأيامه ، وهي على النحو التالي :

1- السمو الروحي:

فهو يعطي تمايزاً للروح على الجسد، وللقيم على المادة، ولذلك يجوع الإنسان فيه ويعطش، بينما روحه تحلّق في آفاق واسعة من الاتصال بالله، والتغذية بالمضامين الحضارية لرسالاته لأهل الأرض.

ألا ترى أنّ انشداداً خاصاً تجاه الله يعتريك حينما يهاجم الجوع والعطش معدتك؟ فكيف إذا كان الجوع والعطش من أجله؟ إنّك حينها مهيّأ للذوبان في رسالته هذا تمايز لابدّ من معرفته والتفاعل معه.

إقرأ أيضاً: 6 طرق للتقرب إلى الله تعالى في رمضان

2- الانعتاق من الدنيا:

فالمسلم على مدار السنة ملاحق من الدنيا، تلاحقه في بطنه وحاجياته المادية وغيرها، أمّا في هذا الشهر الكريم فإنّ الدنيا تركن جانباً هذا التعامل الصحيح معها ويفسح المجال للآخرة لتأخذ دورها في توجيه الإنسان الوجهة السليمة، فالعطش والجوع، والشدة والبلاء فيه إنّما تذكّر بشدة أكبر، وجوع وعطش أظمأ، إنّه عطش وجوع وشدة يوم القيامة (يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ).

3- تلخيص عام في ليلة:

فإذا كان الله سبحانه ، يقدر للإنسان في ليلة القدر، مالذي سيجري عليه في عام كامل، فجدير بالإنسان أن يجمّع كل قواه لهذه الليلة، ليطلب من الله تعالى ما يريد أن يكون عليه، من سلامة وعافية، وحمل رسالة الله لخلقه، وتصحيح نيته، وسلامة قلبه وطهارة عمله، وكسب الحلال فيه والانطلاق في الحياة بما يرضي الله في الدنيا والآخرة.

4- تحسّس آلام الآخرين:

لا يريد الإسلام المسلم فرداً، إنّما يريده أمة، واختلاف الإنسان الفرد عن الإنسان الأمة إنّما هو في أنّ الأول لا يعرف إلّا نفسه، ولا يسعى إلّا وراء رزقه وراحته، بينما الثاني يرى أنّ سعادته جزءاً لا يتجزّأ من سعادة الآخرين، ورزقه لا يكون مساغاً إلّا إذا أمن رزق الآخرين عن النهب والسرقة من قبل أصحاب القوة والسلطة، ولذلك لا يستكبر دفع نفسه في لهوات الحرب دفاعاً عن نقمة المحرومين، وحرية المستضعفين.

وهذا الشهر الكريم محطة يتحسّس المسلم فيها آلام الآخرين، فهو بجوعه خلال هذا الشهر يتذكّر الذين يجوعون في أيام السنة، من الفقراء والمحرومين الذين يجوعون دائماً ويعطشون.

إقرأ أيضاً: كيف تواسي شخصاً ما بطريقة صحيحة؟

3. برنامج الفرد في شهر رمضان:

والآن لنرى ما هي نقاط برنامج الإنسان المسلم كفرد، والذي يستطيع به أن يتفاعل مع هذا الشهر الكريم، وأن يحلّق به في سماء الرحمة الإلهية.

1. قبل كل شيء لابدّ من برمجة الوقت من جديد، وبرمجة الحياة في هذا الشهر معه من جديد حتى لا يسمح المسلم فيه لأية لحظة من حياته أن تذهب أدراج الفراغ دونما شغل أو عمل، وللأسف إنّ كثيراً منّا، تنصرم أوقاته في مجالس البطالين، وفي الأعمال والكلام غير المهدوف أو غير المسؤول، أو وراء الملهيات التي أعدّها أعداء الإسلام لأبنائنا لينشغلوا بها عن أهدافهم المقدسة.

فأنت لكي تجعل حياتك منظّمة بالعمل تحتاج إلى تقسيم وقتك على أعمال تقوم بها، وانجازات تحقّقها، فمثلاً لتعيّن لنفسك وقتاً للقراءة، وآخر تمضيه في زيارة اجتماعية، وآخر لمتابعة الأخبار المحلية والعالميةـ وأعمال أخرى تتقدّم من خلالها خطوات في الفهم والوعي والادراك.

وهذا هو شهر رمضان المبارك، لا تجعل أيامه تقطعك، بل اقطعها بالبرامج الرسالية، حدد لنفسك كتاباً إسلامياً تقرأه وعملاً إسلامياً هاماً تقوم به، ورسالة تؤديها... وهكذا.

إقرأ أيضاً: 7 خطوات لاستثمار أوقات الفراغ في رمضان بشكل جيد

2. لنلتصق بالقرآن الكريم، ولنغيّر علاقتنا به، ولنتقدّم خطوة إليه لكي يتقدّم إلينا خطوات، ونلتزام بتلاوة القرآن الكريم كل يوم، وختمه ولو مرة واحدة في هذا الشهر الكريم ولنعطي القرآن أهمية خاصة في هذا الشهر الفضيل، ولا نقتصر فيه على التلاوة فحسب، بل لابدّ من التدبّر فيه، وقراءة تفسيره وحفظ بعض سوره.

3. تغيير العادات السيئة فلا يكفي أن يصوم الإنسان عن الطعام والشراب فقط ، بل لابدّ أن يصوم كله، لسانه وعيناه، وأذناه ويداه، ورجلاه، وكل شعرة في جسده، بل وحتى دقات قلبه، وخلجات ضميره، ورجرجة نبضه.

وهذا يعني أن يلبس لباس الصالحين، وأن يتجلبب بجلباب الصائمين، وأن لا يسمح لرجليه أن تسوقانه إلى أماكن غير جيدة، ولا للسانه بتلفّظ الكلمات البذيئة ولا لأذنية بالاستماع إلى اللغو والغيبة، ولا لعينيه أن تنظر إلى ما حرم الله عليها.

ولذا لابدّ أن نغيّر عاداتنا وتقاليدنا خاصة فيما يرتبط بالأخلاق في هذا الشهر، فإذا كان الواحد منّا مثلاً يستعمل بعض الكلمات البذيئة، أو كان قد تعوّد على الكذب والنميمة، فليحاول أن يغيّر ذلك في نفسه، وإذا كان قد تعوّد على قطع الرحم فليصل رحمه في هذا الشهر الكريم، وإذا كان قد تعوّد على النميمة والتفرقة بين الناس فليغير هذه العادة.

إقرأ أيضاً: 10 عادات خاطئة يُمارسها الصائم في رمضان

4. الحضور في مجالس تلاوة القرآن الكريم والنشاطات الدينية:

من الجيد أن يتلو الإنسان القرآن في بيته، ولكن الأفضل أن يتلوه مع الآخرين، لأن هذا عمل جماعي ويد الله مع الجماعة كما يقول الحديث الشريف، بل ويفضّل أن تكون قراءة القرآن في هذا الشهر جماعة في المسجد مثلاً، وأكثِر من الأعمال الخيرية والصدقات.




مقالات مرتبطة