ما هي العواطف؟ وما هو مفهومها؟

على امتداد قرون، سيطرت على الفكر الغربي العلمي والشعبي فكرة وجود أربعة عناصر: التراب والهواء والنار والماء؛ وهذا يدل على أنَّ فهم الناس للعالم الخارجي كان خاطئاً جذرياً. فهل يمكن أن يكون فهمنا للعالم الداخلي - أي للعقول؛ وعلى وجه الخصوص العواطف - خاطئاً كذلك؟



تشير بعض الطرائق الشائعة في التفكير حول العواطف إلى أنَّ مفاهيمنا الحالية عنها قد تشوبها مشكلة مماثلة.

يستعمل الكثير من واضعي نظريات العواطف - بمن فيهم علماء النفس وعلماء الأعصاب والفلاسفة - مصطلح "عاطفة" (emotion) للإشارة إلى الحالات العقلية التي يعتقد الآخرون أنَّها ليست بعواطف، وبينما يعتقد بقوة بعض واضعي النظريات هؤلاء أنَّ هناك مجموعة صغيرة من العواطف "الأساسية"، فإنَّ هذه الحالة المميزة تُمنَح أحياناً - داخل الدوائر الأكاديمية وخارجها على حدٍّ سواء - لما يبدو أنَّه غير مندرج تحت البند المعروف للعواطف.

يشير الاستمرار على هذه الأفكار إلى أنَّ الكثير من الناس يعتقدون أنَّهم يعرفون ماهية العواطف؛ ولكنَّهم في الواقع لا يعرفون.

إذا طلبتَ من أحدهم أن يشرح لك ما هي العاطفة، فإنَّه سيبدأ غالباً تقديم القليل من الأمثلة، فيسرد الحالات العقلية كالسعادة والحزن والغضب والخوف، على أمل أن تصلك الفكرة العامة. وبالنسبة إلى روتين الحياة اليومية، فإنَّ ما سبق يُعَدُّ طريقةً معقولةً لفهم الأمر، ولكن بالنسبة إلى الأهداف العلمية، فتوجد بالطبع حاجة إلى المزيد من الدقة.

يدرس واضعو نظريات العواطف أسباب ونتائج العواطف وعلاقتها بالنواحي المختلفة للعقل؛ وبذلك يجب أن يكونوا قادرين على شرح ما يجعل العاطفة عاطفةً وليس مجرد حالة عقلية أخرى.

ومع ذلك، لا يختلف واضعو نظريات العواطف - وخاصة علماء النفس - حول ماهية العواطف فحسب؛ بل ويفشلون في معالجتها من ناحية أيضاً، على الرغم من أنَّ الباحثة في مجال العواطف "آغنيس مورز" (Agnes Moors) تُعَدُّ مثالاً مناقضاً لذلك.

على سبيل المثال: ناقشَ عالم النفس الهولندي "نيكو فريجدا" (Nico Frijda) في كتابه الإبداعي "العواطف" (The Emotions)، فكرةَ أنَّه لا يمكن أن يبدأ المرء تعريف المفهوم من لا شيء؛ وبدلاً من ذلك يجب أن يكون أي تعريف مبنياً على نظريةٍ ما، ولكن عندها يمكن أن يتساءل المرء عن نظريةٍ تدور حول ماذا؟

يبدو أنَّنا لا نحصل على الكثير من المساعدة من أحد جمعيات علم النفس الأمريكية التي تُدعى "قاموس علم النفس" (Dictionary of Psychology)، والتي تعرِّف العاطفة على أنَّها: "نمط معقد من التفاعل يتضمن عناصر تجريبيةً وسلوكيةً وفيزيولوجيةً، والتي عن طريقها يحاول الفرد أن يتعامل مع مسألةٍ أو حدثٍ هام على الصعيد الشخصي"، ويُعَدُّ ما سبق تعريفاً واسعاً للغاية.

بعض الحالات كالعطش والألم - والتي يمكن أن يطلق المرء عليها مُكرهاً تسمية "عواطف" - تخدم هذا التعريف، وجميع أنواع ردود الفعل - بدءاً بتناول وجبة ما وحتى حك منطقة جلدية - تتضمن عناصر تجريبية وسلوكية وفيزيولوجية، فلا يمكن أن يختبر المرء عاطفة حول شيء ما بينما هو غير مبالٍ به في الواقع، وهذا ما يعنيه القول إنَّ العواطف تخضع للتقييم "الإيجابي أو السلبي".

نظراً لأنَّ واضعي نظريات العواطف لم يتفقوا بعد على ماهية العواطف، فليس من المستغرب أن تكون لواضعي النظريات المختلفين معايير مختلفة لما يمكن عَدَّهُ عاطفة "أساسية"؛ أي تلك الفئة الخاصة المفترضة من العواطف والتي يُعتقد أنَّها متأصلة بالثقافة.

تعتمد المعايير الأكثر شيوعاً على الادعاءات التي هي موضع تساؤل والمتعلقة بتعابير الوجه عن العواطف و/ أو على اعتبارات تطورية مختلفة.

يتسبب اعتباط المعايير واختلافها في نشوء أعداد متفاوتة من العواطف الأساسية المقترحة. ومع ذلك، فإنَّ الفكرة العامة التي تقتضي بأنَّ هناك عواطف أساسية تظلُّ مؤثرةً بين واضعي نظريات العواطف، وكذلك الأمر في الصحافة الشعبية وفي المجالات الأخرى التي تكون فيها العواطف هامَّة، كالتفاعل بين الإنسان والحاسوب.

استناداً إلى العمل الذي قام به عالم النفس الأمريكي "بول إيكمان" (Paul Ekman) وزملاؤه في سبعينيات القرن الماضي، فإنَّ الافتراض الأكثر تفضيلاً هو أنَّ هناك ست عواطف أساسية؛ وهي السعادة، والحزن، والغضب، والخوف، والاشمئزاز، والمفاجأة، على الرغم من أنَّ إيكمان نفسه على مر السنين وسع​ قائمة العواطف الأساسية التي وضعها.

يمكننا القول إنَّ انتشار التقيد بفكرةٍ مشبوهة عن العواطف الأساسية لن يسبب إشكالاتٍ إلَّا حينما نطرح تساؤلاً حول ماهية العواطف، ومنطقياً يجب أن يُصنَّف أي شيءٍ يمثل عاطفة أساسية على أنَّه عاطفة، ولكن مع ذلك، وكما سنرى من المحتمل أن يفشل حتى هذا التوقع الصغير.

عندما نُعرِّف مفهوماً ما "كالعواطف"، فنحن نحتاج عموماً إلى أن تنطبق شروط عدَّة على شيء ما حتى يندرج تحت هذا المفهوم، ومن ثم فإنَّ صعوبة تعريف ​عاطفة ما تكمن في صعوبة تحديد كل الشروط اللازمة لشيءٍ ما حتى يُصنَّف عاطفة.

ومع ذلك، فإنَّ الحقيقة القائلة بصعوبة تحديد ماهية العواطف لا تبرر تجاهل السؤال. ينبغي أن يكون المرء على الأقل قادراً على الاتفاق وتحديد بعض الشروط الضرورية، وليس بالضرورة جميع تلك الشروط.

خذ في الحسبان تعريف العاطفة من قاموس "راندوم هاوس أن أبريدجد ديكشنري" (Random House Unabridged Dictionary) على الإنترنت لعام 2021: "هي حالة فعالة من الوعي يُختَبَر فيها الفرح والحزن والخوف والكراهية وما شابه ذلك، على أنَّها تختلف عن الحالات المعرفية والإرادية للوعي".

حتى يُقال عن العواطف إنَّها​​ حالة مؤثرة؛ يجب إدراك أنَّ تلك العواطف تُقَيَّم جوهرياً؛ أي إنَّها بالضرورة إيجابية أو سلبية؛ وذلك هو السبب الكامن وراء استبعاد الحالات المعرفية والإرادية.

شاهد بالفديو: خمس مكونات رئيسة للذكاء العاطفي

ترتبط الحالات المعرفية بالأشياء التي نعلمها أو نعتقد بها، على سبيل المثال: الارتباك والاهتمام، في حين أنَّ الحالات الإرادية تتضمن الأشياء التي تشكل لدينا دافعاً للقيام بها عموماً؛ كالجوع مثلاً.

يؤدي القاموس الذي سبق ذكره عملاً أفضل من العديد من واضعي نظريات العواطف في إيصال الفكرة القائلة إنَّ العواطف مؤثرة وواعية كذلك.

كما تبيَّن آنفاً في بحث حديث؛ يمكن تقديم حجةٍ قوية تنص على أنَّ العواطف هي بالضرورة:

  1. قابلة للتقييم "إيجاباً أو سلباً".
  2. تدور حول شيءٍ ما؛ أي لها هدف مثلاً.
  3. أن نكون واعين في تلك الحالات.

إذا كان المرء في خضم حالةٍ عاطفية، فإنَّه بالضرورة يشعر بالرضى أو بالسوء، أو ربما - كما في حالة الحنين إلى الماضي - يشعر بكليهما، ولكن لا يمكن للمرء ألَّا يشعر بالرضى أو السوء.

لا يمكن أن يختبر أحد ما عاطفة حول شيءٍ ما في حين أنَّه غير مبالٍ به؛ وهذا ما يعنيه القول إنَّ العواطف مؤثرة، أو خاضعة إلى التقييم الإيجابي أو السلبي.

من المطلوب التقيد بالشرط القائل إنَّ العواطف تدور حول شيءٍ ما؛ وذلك لتمييزها عن الحالات المؤثرة العامة كالحالات المزاجية مثلاً. إن استيقظنا يوماً بمزاجٍ جيد، فإنَّ مزاجنا ذاك يُعَدُّ حالةً مؤثرةً إيجاباً، التي بدورها لا تدور حول شيء بعينه.

يمكن النظر إلى الحالات المزاجية بأفضل تصور على أنَّها حالات مؤثرة عامة؛ وذلك على نقيض الحالات العاطفية المحددة، والتي هي ميول إلى الوصول إلى الحالات العاطفية المتوافقة مع الحالة المزاجية.

فنحن لا نقول إنَّنا في حالة مزاجية سيئة بسبب إطارٍ مثقوب، على الرغم من أنَّنا غالباً قد نعاني من حالة مزاجية سيئة نتيجة الإطارات المثقوبة عندما ترافقها منغصات أخرى.

ومن ثم فإنَّ الحالة المزاجية بحد ذاتها ليست موجَّهةً إلى أي شيء، في حين أنَّ عاطفة الغضب على سبيل المثال - والذي نشعر به بسهولة عندما نكون في حالة مزاجيةٍ سيئة - يجب أن تكون موجهة إلى شيءٍ ما، فعندما نكون غاضبين، يكون ذلك ناجماً عما فعله شخص ما أو نتيجة وقوع حدث ما.

تُعَدُّ العواطف حالات نكون فيها واعين كما ذكرنا، إلَّا أنَّ بعض علماء النفس ناقشوا احتمالية وجود عواطف غير واعية، ولكن يمكن أن تُواجَه مثل هذه الحجج؛ لأنَّ - على سبيل المثال لا الحصر - أنصارها يشيرون إلى حالاتٍ إيجابيةٍ أو سلبيةٍ عامة على عكس عواطف معينة كالغضب أو الكبرياء، والتي يزعمون أنَّها يمكن أن تفسر التغيرات في السلوك.

من المؤكد أنَّ العاطفة غير المحددة يمكن أن تؤثر حتماً في السلوك والأحكام دون وعي المرء، خذ على سبيل المثال الإعلانات اللاشعورية subliminal advertising)؛ ولكنَّ ذلك تأثيرٌ غير واعٍ في مضمونه، وليس عاطفةً "محددة" غير واعية.

إقرأ أيضاً: 8 طرق لتحسين حالتك المزاجية في 5 دقائق

تُعَدُّ المفاجأة إحدى العناصر المشكوك بأمرها في تصنيفها ضمن العواطف الأساسية الست الأصلية لـ "إيكمان" والمجموعات الأخرى، ويوجد الكثير من الأسباب لافتراض أنَّ المفاجأة ليست بعاطفة.

على سبيل المثال: تنتهك المفاجأة شرطنا الأول وهو أنَّ العواطف بالضرورة قابلة للتقييم، ومن المؤكد أنَّ المفاجأة قد تكون في بعض الأحيان موضع تقييم، ولكن فعلياً لا يوجد داعٍ إلى ذلك.

إنَّه لمن المحتمل جداً أن تكون متفاجئاً وغير مبالٍ في الوقت ذاته، كما يحدث مثلاً حين يعلم أحدهم أنَّ الصين بأكملها تملك خطاً زمنياً واحداً؛ فقد يكون الأمر مفاجئاً وقد يكون مثيراً للاهتمام، ومن المحتمل أن يكون عاطفياً لبعض الأشخاص، ولكن بالنسبة إلى معظمنا نكون غير مبالين من الناحية العاطفية للموضوع.

لا يمكن تقييم المفاجأة في جوهرها؛ وحتى تصبح إيجابيةً أو سلبيةً نُوصِّفها بكلمات مثل "ممتعة" أو "غير سارة"؛ وهذه الكلمات - على ما يبدو - تؤدي الغرض العاطفي. إنَّ المفاجأة عبارة عن حالة معرفية - تتعلق بالأشياء التي نعلمها أو نؤمن بها - وهي مجرد مثال واحد على ما يسمى بالعاطفة الأساسية التي تكون حالتها موضع شك بالنسبة إلى تصنيفها كعاطفة، وإنَّ الاهتمام والقبول والرغبة هي أمثلة أخرى على ذلك.

ليس من المنطقي التحدث عن "العواطف الأساسية" إذا لم تكن بعض الحالات المفترضة عواطف حتى.

قارن ما سبق بعواطف مثل الارتياح أو الإحراج أو القلق، وإن كنت في إحدى الحالات الشعورية تلك، فالشرط الذي ينطوي على تصنيف العاطفة يقضي بالضرورة أنَّك إمَّا في حالة إيجابية "بالنسبة إلى الارتياح" أو سلبية "بالنسبة إلى الإحراج والقلق"، فلا يمكنك أن تكون واقعاً في إحدى الحالتين ولا مبالياً في الوقت ذاته.

وفي الوقت نفسه، فإنَّ الشرط الثاني - يجب أن تدور العواطف حول شيءٍ ما - يعني أنَّ ارتياحك يجب أن يتمحور حول شيءٍ ما؛ كأن تكون نتائج فحص طبي أجريته سلبيةً، وإحراجك يجب أن يتمحور حول شيءٍ ما؛ كتعليق أدليت به، وقلقك أيضاً يجب أن يتمحور حول شيءٍ ما؛ كاحتمالية تأخرك عن موعدٍ معين.

ويعني الشرط الثالث - أن نكون واعين في تلك الحالات - أنَّك لا تستطيع حالياً أن تكون في إحدى تلك الحالات دون أن تكون واعياً لها، فمن غير الممكن أن تعاني من الألم وألَّا تكون مدركاً وواعياً له.

الأهم من ذلك، أنَّ مشكلة التعريف ليست المشكلة الوحيدة التي تعاني منها الأبحاث حول العواطف، على سبيل المثال: يؤدي التحيز إلى الثقافة الإنجليزية إلى الاعتماد غير المبرر على الكلمات الإنجليزية المتكررة باستمرار، والتي تتبادر إلى الذهن بسهولة؛ وهذا يجعل العواطف المقابلة لها تبدو هامة، وربما أساسية حتى، في حين أنَّ​ مفاهيم هذه العواطف قد تكون أقل أهمية من الناحية النفسية في الثقافات واللغات الأخرى.

علاوة على ذلك، غالباً ما يُنظَر إلى العواطف على أنَّها كيانات ثابتة تنتظر الإفراج عنها عندما يحين الوقت؛ وهي وجهة نظر تتوافق مع فكرة العواطف الأساسية؛ وذلك إن لم تكن متضمنة فيها حتى؛ ولكنَّ العواطف أكثر مرونةً، كالأفكار مثلاً؛ فهي تظهر كتجارب واعية ناجمة عن عمليات عقلية غالباً ما تكون غير واعية في الوقت الذي نتفاعل فيه مع ما يجري من حولنا.

ما الذي يجب أن نفهمه من كل هذه القضايا مجتمعة؟ الإجابة هي أنَّه يجب علينا على الأرجح ألَّا نقبل بسهولة الادعاءات غير النقدية، كتلك التي تقول إنَّ هنالك ست عواطف أساسية، والتي لا يكون أساسها سليماً، ويمكننا بدلاً من ذلك تبنِّي وجهة نظر أكثر مرونة، ربما كتلك التي اقتَرحَت أنَّ العواطف عبارة عن "منشآتٍ" عقلية؛ بمعنى أنَّها تنشأ عن النشاط العقلي بالطريقة نفسها التي تنشأ بها الأفكار.

إقرأ أيضاً: كيف تسخِّر العواطف لمصلحتك بدلاً من أن تكون ضدك؟

عندما بدأ الناس في أواخر القرن الثامن عشر يتقبلون ببطءٍ حقيقة أنَّ العناصر الأربعة: الماء والنار والهواء والتراب، لم تكن المكونات النهائية للمادة، لم يتمكنوا حينها بعد من تصور الأنسجة الاصطناعية أو أنصاف النواقل أو الطاقة النووية.

نتأخر عادةً في رؤية الفوائد المحتملة لتحصيل العلم بالشكل الصحيح؛ لذلك حتى وإن كان الفهم الأكثر واقعيةً للعواطف سيفيد في العلاج النفسي أو في التفاعل بين الإنسان والآلة أو في تقنيات المراقبة الأمنية مثلاً، فما يزال يتعيَّن علينا أن نطمح إلى الوصول إلى العلم الصحيح، حتى ولو كانت تلك هي الغاية بحد ذاتها.

وفي الوقت ذاته، يحق للشخص العادي أن يشعر بالارتباك "كحالة معرفية" وبخيبة الأمل "كحالة عاطفية"؛ وذلك تحت حقيقة أنَّ أولئك الذين يقضون حياتهم في دراسة مثل هذا الجانب الهام من الحياة اليومية لا يُعَدُّ مفهوماً بشكل أفضل من قبلهم.

المصدر




مقالات مرتبطة