ما هي الخطوة التي تحتاج إلى اتخاذها لتحسين حياتك؟

قد يدعو أحدهم الله أن يمنحه السَّكِينَةَ قائلاً: "اللهم امنحني السَّكِينَةَ لأتقبَّل الأشياء التي لا أستطيع تغييرها، والشجاعة لتغيير الأشياء التي يمكنني تغييرها، والحكمة لمعرفة الفرق بينهما".



يوجد درس هام هنا، درس غالباً ما نغفل عنه؛ فعندما يكون الواقع فوضوياً حولنا، نحاول غالباً تخفيف قلقنا من خلال فرض إرادتنا على أشياء لا يمكننا التحكم بها؛ لأنَّ ذلك يساعدنا على تجنُّب مواجهة أكثر المشاعر التي تسبب لنا الخوف، وهي قلة الحيلة.

مع وضع ذلك في الحسبان، توجد أخبار جيدة وأخبار سيئة؛ فالأخبار السيئة هي أنَّ كل شيء تقريباً خارج عن سيطرتك؛ على سبيل المثال، ما يفعله الآخرون والطقس، وسواء ستلقى جهودك التقدير أم لا، كل هذه النتائج تعتمد على عوامل لا تؤثر أنت فيها.

ولكنَّ هذه بحد ذاتها أخبار جيدة، فالإحباط الناتج عن محاولة تغيير الأشياء التي لا يمكنك تغييرها هو مصدر الكثير من التعاسة، ويمنحك تقبُّل حقيقة أنَّ معظم الأشياء خارجة عن سيطرتك إذناً صريحاً للسماح لها بأن تجري على طبيعتها.

قال الفيلسوف الرواقي "إبيكتيتوس" (Epictetus): "بعض الأشياء نستطيع السيطرة عليها، وبعضها الآخر خارج عن سيطرتنا؛ إذ إنَّ الأشياء التي نسيطر عليها هي تخطيرأينا وما نسعى إليه؛ أي أفعالنا أياً كانت، أما الأشياء التي لا نستطيع السيطرة عليها، فهي الجسد والممتلكات والسمعة والأوامر؛ أي كل ما ليس من أفعالنا".

يبدأ التغلب على "المشكلات الثلاث الكبيرة" التي يعاني منها الكثير منا يومياً، وهي التعاسة وعدم الاقتناع بأنَّ الأحوال ستتغير وعدم معرفة ما يجب فعله تالياً، بفهم ما يمكنك التحكم به وما لا يمكنك التحكم به.

تغيير طريقة التفكير هنا ليست بالأمر السهل؛ إذ أمضى معظمنا حياته في القلق بشأن الأشياء التي لا يمكننا السيطرة عليها، والمجتمع يشجع هذا، فبالنسبة إلى معظم الناس، يجب استبدال هذه العادة حسنة النية بفهم سليم لمقدار ما يمكننا تغييره، لكن من الصعب فعل هذا عندما تسمع باستمرار عبارات مثل: "لماذا لا تتخطى ذلك للتو؟" أو "تخلَّ عنه ببساطة"، سمعنا جميعاً شكلاً من أشكال هذه النصيحة من قبل، وتبدو منطقية إلى حدٍّ ما.

في حين أنَّ "الوقت يداوي كل الجروح" لكنَّ الجروح تلتئم بشكل مختلف وفق طريقة علاجها؛ فإذا تجاهلت الجرح سيترك ندبة كبيرة ويكون عرضة للإصابة مرة أخرى في المستقبل، ولهذا نخيط الجرح، فهذا يساعده على الالتئام بطريقة تحدُّ من فرصة الإصابة مرة أخرى لاحقاً، والجروح العاطفية مشابهة لذلك، فبعد مرور الوقت الكافي سيلتئم معظم الألم العاطفي، لكن ليس مثلما يجب.

شاهد بالفديو: 7 نصائح تساعدك على تحسين حياتك نحو الأفضل

مجرد "تخطِّي الأمر" يترك ندوباً:

الندوب العاطفية هي أحمال تثقلنا في كل جانب من جوانب حياتنا، وتتراكم هذه الندوب حتى تستيقظ يوماً ما تعاني من واحدة أو أكثر من "المشكلات الثلاث الكبيرة"؛ لذا لا تتخطَّ الأمر؛ بل واجهه وعشه خطوة بخطوة، وسترغب في "تخطي" التجارب أو المواقف الصعبة بدلاً من مواجهتها، فإعادة النظر في الذكريات المؤلمة أو مواجهة الآلام الحالية أمر صعب، ونحاول قدر المستطاع نحن البشر عدم التسبب في الألم لأنفسنا، لكنَّ تجاهُل المشكلة لا يعني أنَّها غير موجودة.

بالإضافة إلى الندوب، يعرِّضك تجاهُل أو التقليل من شأن الجرح لخطر العدوى، عاطفياً وجسدياً، وتشغل القضايا العالقة في حياتك حيزاً في ذهنك، وتؤثر في قراراتك وعلاقاتك ومواقفك، وتسلبك سعادتك وإمكاناتك.

قد تشعر أنَّ القيام بالأشياء الصعبة والضرورية لحل مشكلاتك وتضميد جروحك مستحيل، وقد يبدو أنَّ من المستحيل التحرك إلى أي مكان، وأنَّك لا تستطيع المضي قدماً، وإذا كنت تشعر بهذه الطريقة الآن، فمشاعرك ليست خطأً؛ إذ يحصل التقدم الكبير تدريجياً مع الوقت والالتزام، ويتعلق الأمر كله باتخاذ خطوة إيجابية صغيرة تلو الأخرى، والاستمرار على المسار.

إقرأ أيضاً: 10 طرق للمضي قدماً عندما تسوء الأمور

قوة التغييرات الصغيرة:

فكر في حقيقة أنَّ الأمر يتطلب تغيراً بدرجة مئوية واحدة فقط لتحويل الماء إلى بخار أو الثلج إلى ماء، ذلك تغيير طفيف لكنَّ النتائج مثيرة، وبشكل مماثل، يمكن لتغيير بسيط أن يُحدِث فرقاً كبيراً في العالم.

ضع في حسبانك مثالاً آخر حيث تتراكم آثار التغيير البسيط مع الوقت والمسافة، فربما تحاول الذهاب إلى مكان محدد لكنَّك خرجت عن المسار بدرجة واحدة صغيرة فقط في الاتجاه الخاطئ:

  1. بعد ميل واحد ستكون بعيداً عن وجهتك بأكثر من 30 متراً.
  2. إذا كنت تسافر بالطائرة في رحلة قصيرة، فستهبط على بعد أكثر من 42 ميلاً من وجهتك المرغوبة.
  3. عندما تسافر حول العالم ستخطئ بمسافة 435 ميلاً.
  4. في مركبة فضائية مسافرة إلى القمر، قد يؤدي الخطأ بدرجة واحدة إلى الابتعاد عن القمر بأكثر من 4100 ميل.

الفكرة هي أنَّه مع مرور الوقت ومع المسافة، مجرد تغيير بدرجة واحدة يُحدِث فرقاً كبيراً، وتنطبق نفس هذه الفلسفة على جوانب مختلفة من حياتنا؛ إذ يمكن أن تُحدث أصغر الأشياء التي نقوم بها كل يوم، سواء كانت إيجابية أم سلبية، فرقاً كبيراً، وهي التي تقربنا وتبعدنا عن المكان الذي نريد أن نصل إليه في النهاية.

لكنَّنا نتجاهل هذه الحقيقة في الغالب، ونتصرف كما لو أنَّ أفعالنا اليومية لن تكون ذات أهمية، أو نحاول السيطرة على الأشياء الأكبر التي ليس لدينا سيطرة عليها؛ لذا فكر في الأمر:

  1. كم من الأشخاص يستمرون بالعادات غير الصحية وغير المنتجة؟
  2. كم من الأشخاص يؤجلون اتخاذ الخطوة الإيجابية التالية؟
  3. كم من الأشخاص يعيشون كل يوم من حياتهم وهم يبتعدون بدرجة واحدة عن المكان الذي يريدون أن يصلوا إليه في النهاية؟

لا تكن واحداً منهم بعد الآن.

يسافر الجميع 24 ساعة في اليوم، سواء كانوا يتحركون في الاتجاه الصحيح أم لا، ستكون حياتك أفضل إذا التزمت ببذل قدر صغير من الجهد لتحسين شيء ما في وضعك كل يوم.

إقرأ أيضاً: قوة التغييرات الصغيرة

في الختام:

مع أنَّ الأمر سيكون بالتأكيد أصعب من عدم القيام بأي شيء، لن يكون ذلك مستحيلاً، أنت تحتاج فقط إلى حشد الشجاعة للتحرر من الوضع الراهن واتخاذ خطوة صغيرة واحدة إلى الأمام اليوم، ثم القيام بذلك مرة أخرى غداً؛ لذا اختر شيئاً صغيراً ومنتجاً لتحسينه، ثم اجعله عادة يومية، وسيؤدي فعل ذلك إلى إحداث فرق كبير في حياتك بعد أسابيع قليلة فقط.

المصدر




مقالات مرتبطة