ما هي الأخطاء الشائعة التي يقع فيها الزوجان في بداية العلاقة الزوجية؟

قال الله تعالى في سورة النساء: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً ونِسَاءً}، كما قال الله تعالى في سورة الروم: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون}.



لقد ذكر الله عز وجل الزواج في مواضع عديدة من كتابه الكريم، فهذا إن دلَّ على شيء فإنَّه يدل على أهميته لحياة الإنسان، فهو رابط قوي يجمع بين الرجل والمرأة، وقد عرف الزواج في اللغة بأنَّه الارتباط والاقتران بين الذكر والأنثى؛ أي ارتباط شخصين أو كائنين معاً، هادفاً إلى استمرارية الحياة والتعايش معاً وإنشاء مجتمع مستقر.

في الاصطلاح يعرف الزواج بأنَّه اتفاق أو عقد بين شخصين ليرتبطا معاً، كما يُستخدم للتعبير عن ارتباط الذكر والأنثى والاتفاق على تكوين أسرة، ويطلق على كل منهما - أي طرفا الاتفاق - لقب الزوج والزوجة.

الزواج بمفهومه العام امتحان صعب لكلا الزوجين فهو يجعل كلاً منهما صفحة واضحة أمام الآخر، ويكشف عن زيف وخداع كل ما أطلقاه من وعود في أثناء فترة الخطوبة أو التعارف، وينكشف بعد صك هذا العقد والاندماج معاً تحت سقف بيت واحد جوهر كل من طرفي العقد وحقيقته المختفية وراء المظاهر، فنجد كثيراً من الأحيان الزواج المبني على الخداع والكذب سيُهدم عاجلاً أو آجلاً.

نجد في مجتمعنا حالات كثيرة وأسباباً عديدة تثير الخلافات الزوجية وخاصة في بداية الحياة الزوجية، فقد ضج المجتمع هذه الأيام بكثرة الخلافات التي تنعكس على الأسرة وعلى المجتمع عامة، فما هو سبب هذه الخلافات وكثرة انتشارها في الآونة الأخيرة؟ وما هي الحلول المناسبة لتفادي هذه الخلافات؟

أسباب الأخطاء والخلافات الزوجية في بداية الزواج:

تعد السنة الأولى من الزواج الامتحان الأصعب؛ بل من أصعب السنوات؛ وذلك لأنَّها تمثل التغييرات والتقلبات التي تقف عائقاً أمام التأقلم مع المعطيات الجديدة لدى كلا الزوجين، فيجد الزوجان صعوبة في إدراك كل طرف لدوره ومسؤولياته، والأهم من ذلك تكيُّف كل شخص مع طباع الآخر.

تبدأ المشكلات الزوجية بعد مرور فترات قصيرة من الزواج، فهنا ستبدأ مرحلة وجود الزوجين في مكان واحد مدة طويلة فيبدأ مع ذلك ظهور الطاقات السلبية بينهما، ومن أهم تلك الأسباب التي قام بتوضيحها بعض الأزواج:

إقرأ أيضاً: أسس اختيار شريك الحياة

1. الطباع:

يختلف المتزوجان في هذه النقطة، فيظهر هذا الجانب في أمور بسيطة قد يجدها بعضهم أموراً غير منطقية، فمثلاً أحدهما يفضل الاستيقاظ باكراً والآخر يرغب بالنوم لوقت متأخر، أو ربما أحدهما يحب شرب قهوته على أنغام فيروزية والآخر يفضل تناول الإفطار باكراً أو القيام بالتمرينات الرياضية، وأحدهما يحب الصوت الصاخب والآخر يفضِّل الهدوء، وتبدأ هنا المنافسة في عملية التطبيع وعدم محاولة التأقلم بوصفه نوعاً من أبرز مفاهيم فرض السيطرة أو عدم التنازل.

2. الروتين والرتابة:

يرفض الزوجان أفكار الروتين الزوجي التي بدأت لديهما، فلكل منهما اهتماماته التي كان يقوم بها قبل الزواج، ففي تصريح لإحدى المتزوجات قالت: "كنت معتادة على الخروج بشكل دائم مع أصدقائي وأحب ذلك، فأنا من النوع الاجتماعي المحب لهذه الأجواء، إلا أنَّني بعد الزواج وُضعت أمام خيارين إما التأقلم مع زوجي المحب للجلوس في المنزل أو أصدقائي، وتضامناً مع مجتمعي الشرقي اخترت الروتين الزوجي، إلا أنَّني أشتاق لأصدقائي كثيراً وأشعر بالحزن غالباً لعدم تواصلي معهم وزوجي فرض عليَّ ذلك، ولم تعد لدي خصوصية لحياتي؛ أي إنَّني أُجبرت على الرجوع إلى زوجي قبل القيام بأي عمل؛ وهذا أطَّر شخصيتي وأصبحت مقيدة بروتين قاتل".

شاهد بالفيديو: 8 طرق للقضاء على النكد في العلاقة الزوجيّة

3. التفاهم وغيابه:

إذا فُقد الحوار الإيجابي بين الزوجين دُمِّرت العلاقة الزوجية، فعلى كل من الزوجين البحث عن طرائق تفاهم إيجابية، وهذا بالضبط ما عانت منه السيدة "إيمان" بعد مرور فترة قصيرة على زواجها؛ إيمان هي امرأة عاملة في القطاع الحكومي، عمرها الحالي 38 سنة وتعاني من اكتئاب، وقد وصلت إلى حالة من اللامبالاة لعدم قدرتها على التفاهم مع زوجها، فهو من النوع كما قيل في الأمثال الشعبية (اللبن أسود فهو أسود).

4. المشكلات المادية:

من أعظم وأهم الأسباب الكامنة وراء انهيار العلاقات الزوجية في بدايتها المشكلات المادية، وخاصة إذا كان لكل طرف عمله وماله الخاص، وطبعاً يعود ذلك في أغلب الأحيان إلى فترة الخطوبة أو التعارف وإصدار الرجل الكثير من الوعود التي تجعل الأنثى مرتاحة للجانب المادي.

تروي السيدة "أم جاد" لنا أحد التفاصيل التي تسبب لها في فقدان الثقة بزوجها، فقد صرحت قائلة: "في فترة الخطوبة أخبرني زوجي أنَّه يملك منزلاً وسوف يعمل على ضمان حقي بتسجيل نصف ذلك المنزل لي، وبعد مرور فترة على الزواج اكتشفت أنَّ ذلك المنزل ليس ملكه وأنَّه بيت مستأجر، فهو في الواقع لم يكن يملك أي منزل، ولم يكتفِ بذلك؛ بل قام ببيع مصاغي الذهبي الذي قدمته عائلتي لي بوصفه هدية"، فعلى الزوج عدم الكذب وادعاء غير الحقيقة وإعطاء فكرة واضحة عن مستواه المادي منذ البداية تفادياً لما يمكن أن يقع من مشكلات في المستقبل.

5. المهام الزوجية:

من أسباب انتشار الخلافات الزوجية عدم توزيع المهام الزوجية والمسؤوليات، فالزوج يعتقد أنَّه اختار امرأة قوية وقادرة على تحمُّل كل مسؤوليات الزواج بدءاً من أعمال المنزل وانتهاء بتأمين مستلزمات المنزل، وهو أكبر خطأ ممكن الحدوث.

تحدَّثت صديقتنا "سمر" ذات 27 عاماً والعاملة مدرِّسة في إحدى المدارس أنَّها تزوجت بعد قصة حب وكان والدها قد وهبها منزلاً لتسكن به: "في اليوم الأول للزواج انتظرت زوجي حتى يخرج لإحضار الخبز الطازج للمنزل لننعم بيوم جميل ونتناول الطعام معاً، إلا أنَّه لم يقم بذلك وعندما قمت بتذكيره للقيام بهذه المهمة قال لي: "لماذا لا تخرجين أنت وتحضرين الخبز؟"، وبدأ الموضوع بهذه البساطة ولم يمضِ على زواجي أكثر من شهرين حتى وجدت نفسي متزوجة بشخص اتكالي لا يتحمل المسؤولية، وقررت الانفصال عنه على الرغم من أنَّني كنت أنتظر طفلي الأول وانتهى الأمر فعلاً بالطلاق"، ففي الحقيقة لا ينجح الزواج ما لم يتحمَّل كل طرف مسؤولياته كاملة، فهذا هو سر بناء أسرة سعيدة.

6. مشكلات تتعلق بالعلاقة الحميمة:

من المحتمل أن يكون في بداية الزواج خلل في العلاقة الحميمة نتيجة لسبب طبي أو أسباب أخرى، فقد يسبب ذلك البعد العاطفي وظهور الخلافات الزوجية، فلا شيء يتعلق بالإنسان يجب تحويله إلى آلة صماء أو زر إقلاع أو إطفاء، وهناك الكثير من المبادئ التي يفترض مراعاتها حتى يصل الإنسان إلى بر الأمان والاعتياد والتأقلم في علاقاته.

شاهد بالفيديو: 6 سلوكيات خاطئة تجنبها حتى تحافظ على زواجك

7. الأهل:

يؤدي الأهل في بداية الزواج دوراً كبيراً في التسبب بفشله، لذلك اتخاذ قرار بعدم تدخُّل الأهل لكل الطرفين أمر هام وضروري، فالزواج تجربة ينبغي إنجاحها بمعزل عن تدخُّل الآخرين.

8. زواج المهنة:

كثيراً ما يتم الزواج لمجرد الرغبة في الزواج من شخص من اختصاص علمي محدد دون الاكتراث لصفات الشخص الأخرى، وهذا من أكثر الأخطاء الشائعة؛ اختيار المهنة على حساب اختيار الشخص.

إقرأ أيضاً: 11 أمراً أساسياً لإيجاد السعادة في الزواج

استراتيجيات للمتزوجين حديثاً لتجنُّب الأخطاء والخلافات الزوجية:

  1. على الزوج مساعدة زوجته في أعمال المنزل، فهو ليس أمراً معيباً أو يقلل من كرامته ورجولته؛ بل يُشعر المرأة بحنان الرجل وتسود المودة بينهما.
  2. احترام كل طرف للآخر، فالاحترام المتبادل وعدم توجيه الإساءة والحوار الإيجابي أمر ضروري للتقدم في الحياة الزوجية.
  3. لا يجب إخفاء المشاعر، فيجب على كل من الزوجين إظهار مشاعر الحب والعاطفة لبعضهما.
  4. التكيف والتأقلم، فعلى كل من الزوجين سواء الرجل أم المرأة التفكير جيداً قبل الإقدام على خطوة الزواج، فهناك أشياء كثيرة سوف تتغير وسيكون هناك نوع من التشاركية في كل شيء، ولا بد من تقديم كل من الطرفين تنازلات للمضي بقطار الاستقرار والعيش بسلام وسعادة.
  5. الفتاة تشبه الورد في الحديقة، وتحتاج إلى رعاية واهتمام مهما بلغ عمرها؛ لذا على الرجل إبداء الاهتمام بكل تفاصيل المرأة مهما صغرت أو بدت له غير هامة.
  6. الزواج عبارة عن تكامل، فالزوجان شخصان يكمل كل منهما الآخر وليسا في حلبة تنافس يجب أن ينتصر أحدهما.
  7. الابتعاد عن الجدال لإثبات وجهة نظر.
  8. عدم تجاهُل المشكلات مهما كانت صغيرة، فربما تتفاقم وتعرقل الحياة بشكل كامل؛ لذا يجب معالجتها على الفور.

في الختام:

جاء في وصف كتاب الحياة الزوجية بأنَّ الناس يظنون أنَّ المشكلات الزوجية طريق إلى الدمار والخراب، وهذا غير صحيح؛ وذلك لأنَّ هذه المشكلات هي سنة الحياة وهي ملح الحياة؛ لذا يجب العمل على إصلاحها وتفادي إشغال الحياة بها أو إعطائها حيزاً كبيراً من وقت الإنسان.

كذلك الأمر في مختلف الديانات التي يؤمن بها البشر والتي حفظت حقوق الزوجين، فمثلاً في الدين الإسلامي دين التسامح والعدل فُرِضَ على الزوجة طاعة الزوج ومعاملته بالحسنى هو وأهله، وألا تخرج أو تفعل أي شيء دون إعلامه وطلب موافقته، وبالمقابل فُرِضَ على الزوج أن يقدِّم مهراً للمرأة يحفظ حقها ويوفر السكن اللائق الذي يضمن عيشها بكرامة ومعاملتها معاملة حسنة والرفق وعدم الإساءة إليها مهما حدث.

في النهاية لا تُقدِم على الزواج ما لم يكن لديك الاستعداد الكافي على المستوى الصحي والنفسي والجسمي والاقتصادي والاجتماعي، فابحث عن الاستقرار وابتعد عن إثارة الخلافات وعن اختلاق الحروب المزيفة، فالحب وحده قادر على تحقيق السعادة، والتفاهم والاحترام هما الوحيدان القادران على بناء أسرة سعيدة متماسكة البنية وتسهم في تماسك المجتمع وتقويته.




مقالات مرتبطة